الكاتب كمال داود يُخاطر بكل شيء: روايته "حوريات" عن الحرب الأهلية الجزائرية تكسر المحرمات، وتمنح النساء صوتاً، وتجلب له الشهرة ومذكرات اعتقال.
مُهدد من عدة جهات: الكاتب الجزائري كمال داودصورة من: Francesca Mantovani/Editions Gallimard
إعلان
سيارة ليموزين سوداء تقل كمال داود إلى مقابلة في برلين، مع رجلين يرتديان ملابس سوداء لا يفارقانه: فهذا الكاتب الجزائري، الذي المقيم في فرنسا، يعيش تحت حماية الشرطة. وكتابه الأخير لم يجلب له فقط أهم جائزة أدبية فرنسية، جائزة غونكور، بل التهديد على حياته.
تتناول رواية "حوريات" مجازر وتعذيب خلال الحرب الأهلية الجزائرية. وبهذا يكسر داود أحد المحرمات، وفي الوقت نفسه قانوناً جزائرياً يعود لعام 2005 يمنع تناول موضوع هذه الحرب، وذلك بدعوى تعزيز "المصالحة الوطنية". ويقول داود: "عندما يكتب المرء رواية كهذه، يكسب عداوة الإسلاميين والنظام، وحتى مثقفي الحركة اليسارية المتطرفة المناهضة للاستعمار".
ورواية "حوريات" ممنوعة في الجزائر، وجميع كتب داود تم سحبها من المكتبات هناك. وقد أصدرت بحقه السلطات الجزائرية مذكرتي اعتقال دوليتين، لكن تم رفضهما من قبل الإنتربول. ويضاف إلى ذلك دعوى مدنية من امرأة تدعي أنَّه استخدم قصتها من دون إذنها. ويقول داود إنَّ "هذا تشهير" يقف خلفه النظام.
وبينما ما تزال حرب التحرير الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي (1954-1962) تشكل هوية الوطنية في الجزائر حتى اليوم، يفعل النظام كل شيء لمحو ذكرى الحرب الأهلية التي شهدتها الجزائر في التسعينيات والمعروفة باسم العشرية السوداء، يقول كمال داود.
هذه الصورة لامرأة تندب على أحبائها في الحرب الأهلية الجزائرية (23 أيلول/سبتمبر 1997) حازت على لقب صورة العام الصحفية العالمية. ولكتها أدخلت مصورها حسين زاورار في صراعات مع القضاء الجزائري، الذي اتهمه بأنَّه يعرض صورة سلبية عن الجزائرصورة من: AFP/dpa/picture alliance
صمت مطبق يلف الضحايا والجناة
خاضت قوات الجيش الحكومي والجماعات الإرهابية الإسلاموية معارك دموية في التسعينات. وبقيت أعداد القتلى غير معروفة على وجه الدقة، ولكن في الغالب يجري الحديث عن 200 ألف ضحية. ولكن بقيت مجهولة كذلك المسؤولية: فقد أفلت من العقاب عدد لا يحصى من الجناة.
إعلان
ويكتب داود عن الحرب كصحفي. "لكن توجد أمور لا يمكننا الكتابة عنها وتبقى في ذهننا. عندما نكتب تقريراً عن مذبحة سقط فيها 400 ضحية، فإنَّ 400 مجرد رقم. ولكن كيف يمكننا الحديث عن أننا صعدنا على الجثث؟"، كما يقول. تأخذ الرواية منظوراً آخر. والراوية شابة نجت من مذبحة عندما كانت طفلة صغيرة، بيد أنها فقدت حنجرتها.
كان داود حريصاً على أن تكون الشخصية الرئيسية في روايته امرأة، وذلك لأنَّ النساء كما يقول يدفعن أغلى الأثمان في الحرب. "الرجال تتم مسامحتهم - أو لا. ولكن ماذا عن النساء اللواتي تم اختطافهن من قبل الإسلامويين وهنّ فتيات في الثالثة عشرة أو الرابعة عشرة من عمرهن، وتم اغتصابهن وحملن؟. وبعد الحرب الرجال عادوا، ولكن النساء عدنَ مع أطفالهن. ولا أحد يسامحهن على ذلك!".
رواية كمال داود "حوريات" الحائزة على عدة جوائز، صدرت حديثًا باللغة الألمانية بعنوان "Huris"، ترجمة هولغر فوك وزابينه مولر، عن دار نشر ماتيس وزايتتسصورة من: Matthes & Seitz Berlin
حنجرة مقطوعة شاهدة على العشرية السوداء
وبطلة رواية داود الشابة "أوب" تحمل بعد الحرب. ومع ذلك لا يُغفر لها. وتحمل الضحية بشكل واضوح الندبة التي أحدثها جزارها في رقبتها كاستفزاز لمجتمع يريد محو كل ذكرى "العشرية السوداء".
وفي حوار داخلي مع الذات، تتحدث "أوب" مع طفلها الذي لم يولد بعد عن الفظائع والوقت الذي أعقبها. وهذه الشابة الهشة، التي لا تستطيع التنفس إلا عبر أنبوب في رقبتها، تظهر في الوقت نفسه مكافحة، وهذا يمثل استفزازاً آخر. وهي تُدير في الرواية صالون تجميل يقع مقابل مسجد، ويمنح الزبونات مساحة صغيرة من الحرية يستطعن فيها تجميل أنفسهن، بينما يُلقي الإمام خطباً مُعادية للنساء.
وعنوان الرواية "حوريات" يشير إلى العذارى اللواتي من المفترض أنَّهن ينتظرن المسلم الصالح في الجنة. وتسمي أوب جنينها باسم "حوريتي"، ولكنها تتساءل إن كان يجب عليها أن تتركه يعيش أصلًا: الماضي مؤلم للغاية، والحاضر معادٍ للغاية - وخاصة بالنسبة للنساء.
يقول كمال داود: "كما يعلم الجميع، أنا نسوي". وروايته ترسم صورة نظام ذكوري إسلامي خانق مع رجال ملتحين يحملون سكاكين ويُقدّرون الموت أكثر من الحياة.
معتقل لدى النظام الجزائري: الكاتب بوعلام صنصال (صورة من نيسان/أبريل 2024). تم اعتقاله في 16 تشرين الثاني/نوفمبر 2024صورة من: Nicolas Roses/ABACA/picture alliance
اتهامات بالإسلاموفوبيا وبوعلام صنصال
وبعد نشر روايته في فرنسا عام 2024، تم اتهام كمال داود بأنَّه معادٍ للإسلام ويخدم المتطرفين اليمينيين. وداود ينفي هذا بشدة ويقول إنَّ "الإسلاموفوبيا مرض غربي، وليست مرضي!. لقد عشتُ حربًا أهلية رأيتُ فيها إسلامويين يقتلون. ومن حقي أن أرفع صوتي، وليس من حقكم إسكاتي".
وبهذا الموقف يقف كمال داود على مسافة قريبة من زميله وصديقه الكاتب بوعلام صنصال، الذي يكتب منذ سنين ضد العنف الإسلاموي، وضد "مجانين الله" - وضد النظام الجزائري. وقد حصل بوعلام صنصال على جوائز أدبية مهمة. ومثل داود فقد حصل على الجنسية الفرنسية. وتم اعتقاله في نهاية عام 2024 عند دخوله الجزائر، وهو مسجون منذ ذلك الحين في الجزائر.
الأمر مزعج بالنسبة لكمال داود: فهويتعاطف مع صديقه، ولكن حياته هو نفسه في خطر: "بما أنَّ النظام قد ذهب إلى حد إصدار مذكرتي اعتقال دوليتين ضدي، فهو عازم بالفعل على وضعي في السجن بجانب بوعلام صنصال".
أعده للعربية: رائد الباش
من فارس إلى بوتفليقة.. تعرّف على أبرز رؤساء الجزائر
ترأس الجزائر، منذ استقلالها وإلى الآن، 12 رئيساً، بعضهم لم يتعد حكمهم بضعة أشهر، وبعضهم انتخبوا لأكثر من مرة، بعضهم لم يخف أبدا انتماءه للجيش، والبعض الآخر أصرّ على مساره المدني. نتعرّف على ثمانية من أبرزهم.
صورة من: Getty Images/AFP
عبد الرحمن فارس
قليلاً ما يذكر اسمه لكونه جاء في فترة انتقالية قبل وبعد الاستقلال، فضلاً عن أن منصبه لم يسمّ رسمياً رئيس الدولة، إذ ترأّس الهيئة التنفيذية المؤقتة التي شُكلّت بتفاوض جزائري-فرنسي في مارس/ آذار 1962، لأجل المساهمة في الإشراف على انتخابات تقرير المصير. بقي في هذا المنصب بعد أسابيع من الاستقلال، إلى أن تم انتخاب فرحات عباس، رئيساً لأول مجلس تشريعي، الذي اعتبر الرئيس الثاني للجزائر المستقلة.
صورة من: Getty Images/INA/G. Breemat
أحمد بن بلة
يعدّ أول رئيس منتخب في الجزائر، وأوّل من حاز التسمية رسميا في أكتوبر/ تشرين الأول 1963، لكنه لم يكمل السنتين من حكمه. نال شعبية كبيرة لدوره في حرب الاستقلال إذ كان ممثلا لجبهة التحرير الجزائرية في الخارج. شهدت فترته صراعات سياسية كبيرة، ووُجهت له انتقادات بالاستئثار بالسلطة، كما توترت علاقته مع هواري بومدين، ما انتهى إلى انقلاب الجيش عليه.
صورة من: AP
هواري بومدين
شغل المنصب في يونيو/ حزيران 1965 بانقلاب عسكري مبرّره "التصحيح الثوري" وبقي فيه إلى وفاته في سن مبكرة (46 عاما) نهاية عام 1978. اسمه الحقيقي محمد بوخروبة، يعدّ أحد أكثر رؤساء الجزائر شعبية في العالم العربي خاصة تبنيه فكرة تشجيع الحركات التحررية وتضامنه مع الفلسطينيين. أطلق عدة برامج اقتصادية وسياسية لبناء الدولة، رغم الانتقادات الموّجهة له بتبنّي نظام سلطوي والاعتماد على مؤسسة الجيش.
صورة من: Getty Images/AFP
الشاذلي بن جديد
انتخب منسق شؤون وزارة الدفاع، الشاذلي بن جديد، خلفا لبومدين، واستمر من عام 1979 إلى 1992 بعد إعادة انتخابه مرتين متتاليتين. عانت الجزائر في نهاية عهده من أزمات اقتصادية بسبب تدهور أسعار النفط، ومن صراعات سياسية حاول تجنبها بإقرار دستور جديد والتعددية السياسية. لكنه استقال منصبه بعد انتخابات 1991 التي فاز فيها الإسلاميون وتدخل الجيش لإلغاء نتائجها، ما كان مقدمة لما يسمى بـ "العشرية السوداء".
صورة من: Getty Images
محمد بوضياف
أحد رجالات الثورة، لكنه أجبر على المنفى بعد خلافاته مع بن بلة ومن بعده بومدين. كان يعيش في المغرب عندما لبّى دعوة الاضطلاع برئاسة المجلس الأعلى للدولة بداية 1992. لكنه اغتيل بعد حكمٍ لم يدم سوى خمسة أشهر ونصف. وُجه الاتهام لضابط قيل إنه متعاطف مع الإسلاميين، لكن مراقبين قال إن الاغتيال كان مدبرا من جهات أعلى، خاصة مع إعلان بوضياف الحرب على الفساد غداة تعيينه.
صورة من: Abdelhak Senna/AFP/Getty Images
علي كافي
اختير خلفاً لبوضياف نظرا لمساره العسكري والسياسي في جزائر ما قبل وبعد الاستقلال وقيادته الأمانة العامة لمنظمة المجاهدين (مقاومي الاستعمار). لم تكن بصمته حاضرة كثيراً، كما لم يستطع وقف حمام الدم في البلاد إلى حين تسليمه السلطة لخلفه اليمين زروال في يونيو 1994، لكن مذكراته التي صدرت بعد سنوات من التزامه الصمت أثارت جدلا في البلد لتطرقها إلى فترة الثورة.
صورة من: Getty Images/Gamma-Rapho
اليمين زروال
وزير الدفاع الذي عُيّن خلفاً لعلي كافي. أضفى "شرعية سياسية" على منصبه، بعد انتخابه رئيسا للبلاد في نوفمبر/ تشرين الثاني 1995. فتح في البداية قنوات حوار مع جبهة الإنقاذ الإسلامية، لكن العملية فشلت. صدر في عهد زروال دستور جديد للبلاد، قبل أن يعلن عدم نيته الترشح لانتخابات 1999، بعد إخفاقه في وقف مجازر "العشرية السوداء".
صورة من: Getty Images/Corbis/Sygma/P. Robert
عبد العزيز بوتفليقة
انتُخب في أبريل/ نيسان 1999. هو وزير الخارجية بين عامي 1963 و1979. قدم أول ترشح له للرئاسة بصفته مرشحا مستقلا. شهدت سنواته الأولى شعبية كبيرة لمساهمته في إصدار قانون المصالحة الوطنية وبالتالي إنهاء الحرب الأهلية، لكن شعبيته تراجعت بعد تعديل الدستور لتمكنيه من ولاية رئاسية ثالثة. رغم إصابته بجلطة دماغية عام 2013، إلا أنه انتخب لولاية رابعة، فضلاً عن ترشحه لولاية خامسة.