رواية "دانيل شتاين" - مرآة القرن العشرين
٢٨ مارس ٢٠٠٩دانيل شتاين هو الشخصية الرئيسية في رواية لودميلا أوليتسكايا الجديدة، وهي شخصية مرسومة وفق بيانات حقيقية لإنسان عايش تحولات مدهشة، لم يكن ينتظر أحد أن تحدث في القرن العشرين. وعلى الرغم من كل تلك التحولات فإن هذه الشخصية احتفظت بحيويتها وصدقيتها: الأب دانيل روفأيزن، يهودي بولندي عاش مُخفياً هويته في فترة الهولوكوست، ومتظاهراً بأنه ألماني يتبنى الأيديولوجية القومية، وعمل مترجماً في خدمة الجستابو (البوليس النازي السري). وفي السر كان يساعد عداداً كبيراً من اليهود على الهرب من الغيتو اليهودي.
وفيما بعد اختفى دانيل عن الأنظار لينشط فدائياً في غابات روسيا البيضاء، ويعمل لصالح المخابرات الروسية. بعد ذلك اختبأ في دير للراهبات واعتنق المسيحية، وتمت رسامته قساً في دير الكرمل، غير أنه هجر الدير، وأسس بالقرب من حيفا جماعة دينية يهودية كاثوليكية وفق النموذج المسيحي المبكر. وقبل عشر سنوات لقي حتفه في حادث سيارة لم تنكشف ملابساته.
نموذج مصغر لجماعة دينية عالمية
في شخصية البطل دانيل تمزج الروائية أوليتسكايا التفاصيل الوثائقية لحياة روفأيزن بعناصر متخيلة، كما أنها تضيف إلى الشخصيات الحقيقية التي قابلتها وتحاورت معها شخصيات عديدة اختلقتها أو حوّرت بياناتها البيوغرافية. وكان هدف الكاتبة رسم نموذج مصغر لجماعة دينية عالمية، جماعة متعددة القوميات تتخطى المذاهب والطوائف وتتسم بالتسامح وتملؤها روح محبة الآخر.
إن الجماعة التي أسسها دانيل شتاين، تتكون من أشخاص ينظرون بريبة إلى السلطة اليهودية أو الكاثوليكية، وهي لذلك كانت تستقبل بكل أريحية المارقين والتائهين، والمغردين خارج السرب والباحثين عن إله. كما كانت تستقبل أيضاً أولئك الذين لا ينتمون إلى مذهب ديني معين.
بالكاريزما التي يتمتع بها، ينجح الأب دانيل – الذي كان يعمل راعياً روحياً وباحثاً اجتماعياً - في إدماج هؤلاء الأفراد القادمين من أنحاء مختلفة من العالم على الرغم من كل العداوات التي تنشأ بينهم، مكوناً من الأفراد المختلفين جماعة واحدة. وكان دافعه في ذلك مصيره الشخصي وأحداث حياته، إذ أنه – هكذا يقول في الرواية - هرب من وجه الموت ثلاث مرات. لقد منحه الرب الحياة من جديد حتى يهب الحياة للآخرين، محترماً في الوقت نفسه التنوع الكبير في المعتقدات المسيحية. غير أن الجماعة أو التجربة الدينية التي أسسها دانيل تعيش طوال حياته، وتتفكك بعد وفاته.
إسرائيل سوقاً للعقائد
كتبت لودميلا أوليتسكايا روايتها على شكل كولاج ضخم من الوثائق والرسائل واليوميات والحوارات، إضافة إلى ذلك ضمّنت نصها معلومات هائلة مستقاة من تاريخ الأديان – بدءاً من الجماعة اليعقوبية الرسولية (وهي النموذج المبتغى لدى دانيل وأوليتسكايا) وصولاً إلى كافة المجموعات المنقسمة عن الكنيسة. أما إسرائيل في الرواية فهي سوق لمختلف الاتجاهات العقائدية المتخاصمة والمتعادية. غير أن طموح الكاتبة في تقديم رؤية شاملة للعقائد والمذاهب المتداخلة في إسرائيل جعلها تمزج هذا كله بعدد كبير من المصائر والسير الحياتية الدينية الغريبة التي تكفي مادةً شيقةً لعشرات الروايات، ولكنها تثقل على كاهل هذه الرواية إثقالاً خطيراً.
الكاتب: زيغريد لوفلر / سمير جريس
تحرير: عماد م. غانم