في زيارة رسمية تاريخية إلى العراق، لم يلتق الرئيس الإيراني روحاني نظيره العراقي برهم صالح أولاً، بل غيّر فجأة برنامج الزيارة وزار مرقد الإمامين الكاظمين ثم التقى الرئيس العراقي وبعده رئيس الحكومة.
إعلان
وصل الرئيس الإيراني حسن روحاني بغداد في زيارة رسمية للعراق تستمر ثلاثة أيام هي الأولى منذ توليه المنصب عام 2013، وكان في استقباله بمطار بغداد الدولي وزير التجارة محمد هاشم العاني والسفير الإيراني في بغداد.
وتوجه روحاني - خلافاً لجدول الزيارة - إلى مرقد الكاظمين في بغداد، ثم جرى له استقبال رسمي في قصر السلام ببغداد (مقر رئاسة الجمهورية). وقالت مصادر مقرّبة من المكتب الإعلامي لرئاسة الوزراء في العراق لـDW عربية إنّ زيارة الإمامين كان مخططاً لها أن تجري في وقت لاحق، ولكن روحاني فاجأ الجميع بطلب الزيارة في مقدمة برنامج زيارته الرسمية للعراق.
وفي مؤتمر صحفي مشترك مع صالح، قال روحاني: "كانت المحادثات طيبة وجيدة (...) لم أجد نقطة خلاف بيننا"، مضيفاً: "نشعر أننا في وطننا الثاني. العلاقات تعود إلى آلاف السنين (...) لن نستغني عنها، بل نبذل الجهود لتعزيزها وتطويرها".
ولفت الرئيس الإيراني إلى أنّ هناك حزمة اتفاقيات سيتم التوقيع عليها خلال وجوده على رأس وفد سياسي واقتصادي تشمل مجالات واسعة للتعاون بين البلدين، بدءاً من المواصلات ووصولاً إلى الطاقة والغاز والكهرباء.
من جهته، أعرب صالح عن "شكر العراق على دعم طهران الذي قدمته في الحرب ضد الإرهاب، ونؤكد الأمن المشترك بيننا وبين إيران ودول المنطقة"، معتبراً أن العراق "محظوظ بجواره الإسلامي".
والتقى روحاني في وقت لاحق رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، حيث أعاد تأكيد متانة العلاقات السياسية والتجارية وفي مجال الطاقة بين البلدين. ونشرت الصفحة الرسمية للرئاسة الإيرانية أنّ حسن روحاني ورئيس الوزراء العراق عادي عبد المهدي قد وقعا خمس مذكرات تفاهم بين البلدين تضمنت فتح خط سكك حديد بين العراق وإيران عبر البصرة والشلامجة، علاوة على اتفاقيات تسهيل تردد التجار ورؤوس الأموال بين البلدين واتفاقات نفطية وتجارية.
يذكر أن زيارة روحاني تأتي وسط ضغوط أميركية على بغداد للحد من العلاقات مع جارتها وخصوصاً في مجال استيراد الطاقة. وتجد الحكومة في بغداد نفسها عالقة بين حليفيها المتعاديين، وقد تمكنت من الحصول على إعفاء مؤقت من الولايات المتحدة مع دخول العقوبات على إيران حيز التنفيذ. لكن واشنطن تواصل دعواتها للعراق، أحد كبار منتجي النفط الذي يعاني من نقص مزمن في الطاقة، لتنويع موارده.
م.م/ ي.أ (أ ف ب)
العلاقات العراقية الإيرانية.. تاريخ من النفوذ والتوتر
تتجذّر العلاقات بين العراق وإيران منذ سنوات طويلة، وقد غلب عليها التوتر في مراحل عديدة، وسط سعي إيرانيّ دائم لجعل العراق الساحة الرئيسية لنفوذها الإقليميّ. في ألبوم الصور هذا نلقي الضوء على تاريخ العلاقات بين البلدين.
صورة من: leader.ir
أهمية العراق بالنسبة لإيران
ظلت إيران تاريخياً تحاول بسط نفوذها على العراق بسبب أهمية موقعه الاستراتيجي، فهو يشكّل بوّابة إيران الشرقية على العالم العربي ومنه إلى البحر المتوسط مروراً بسوريا ولبنان. وتستغل إيران الروابط التاريخية والمذهبية بين البلدين في سبيل تحقيق ذلك، خاصة بعد تحولها للمذهب الشيعي في عهد الدولة الصفوية.
صورة من: DW-Montage
المذهبية.. "أداة التدخّل الشرعي"
تتخذ إيران من المذهب الشيعي وسيلة لاعتبار تدخّلها في العراق "شرعياً". فبالإضافة إلى الوجود الشيعي الكبير في العراق، يرتبط اسم العراق ارتباطاً وثيقاً بأحداث "التاريخ الشيعي"، حيث توجد فيه مدينتنا النجف وكربلاء، المقدّسة لأتباع المذهب الشيعي، كما أن مراقد ستة من الأئمة الاثني العشر توجد فيه، ولذلك يحج إليه ملايين الناس سنوياً.
صورة من: picture-alliance/dpa
الصراع الصفوي العثماني
يشكل الصراع بين الدولة الصفوية، والتي قلبت بلاد فارس (إيران) إلى المذهب الشيعي، والدولة العثمانية، إحدى المحاولات الواضحة لحكّام بلاد فارس للسيطرة على بلاد الرافدين (العراق). فبعد أن بسط الشاه سليمان الصفوي نفوذه في إيران، سيطر على العراق، إلا أن الدولة العثمانية تمكّنت من إخراجه من يد الحكم الصفوي. واستمر التوتر بين الطرفين للسيطرة على العراق حتى سقوط الصفويين ومجيء الأفشاريين ثم القاجاريين.
صورة من: DW/Helbig
معاهدة أرضروم
بعد انتصار القاجاريين على العثمانيين في معركة أرضروم 1823، وقّع الطرفان معاهدة حملت اسم المعركة، والتي اعترفت الدولة العثمانية بموجبها بحق إيران في مدينة وميناء المحمرة "خرم شهر" وجزيرة عبدان، وكذلك الأراضي التي هي على الضفة الشرقية لشط العرب. إلا أن تلك المعاهدة لم تكن قادرة على حد الخلاف على الحدود بين الطرفين.
صورة من: iichs
الخلاف على الحدود عند شط العرب
ورغم توقيع العراق وإيران معاهدة لرسم الحدود بين الطرفين في عام 1937، تعترف فيه طهران بحق بغداد في مياه شط العرب وتنظيم الملاحة فيه، ما عدا مناطق محددة، إلا أن الشاه الإيراني قام بإلغاء المعاهدة من طرف واحد في عام 1969 مستغلاً ضعف نظام البعث الذي كان قد وصل إلى السلطة قبل عام من ذلك، وقامت إيران بحشد قواتها العسكرية البرية والجوية والبحرية على طول خط الحدود بين العراق.
صورة من: DW-Grafik
الثورة الإيرانية وقدوم صدام.. في نفس العام
وفي عام الثورة الإيرانية 1979، تولّى صدام حسين زمام الأمور في العراق بإزاحة الرئيس أحمد حسن البكر، ليشتد العداء بين الطرفين، واللذين كانا يتبادلان التهم، طهران تتهم بغداد بإعدام الرموز الشيعية المعارضة، ومن أبرزهم محمد باقر الصدر، والعراق يتهم إيران بمحاولة تصدير الثورة الإسلامية إلى الدول المجاورة وخصوصاً تلك التي فيها شيعة. يضاف إلى ذلك الخلاف على الحدود بين البلدين عند شط العرب.
صورة من: AP
الحرب العراقية الإيرانية
شكّلت الحرب العراقية الإيرانية التي نشبت بين 1980 و 1988 أوج التصعيد والتوتر بين البلدين، وخلّفت الحرب مئات آلاف القتلى والمصابين وعشرات آلاف الأسرى.
صورة من: picture-alliance/dpa
انتفاضة عام 1991 في العراق
ورغم انتهاء الحرب بعد أن أعلن المرشد الأعلى الخميني قبول قرار مجلس الأمن الداعي لوقف القتال، إلا أن العلاقات بين البلدين لم تشهد تقارباً واضحاً، بل إنها عادت للتوتر مع اندلاع انتفاضة عام 1991 في العراق، حيث اتّهمت بغداد أن لطهران يد فيها، وهو ما أعاق تطبيع العلاقات بين البلدين.
صورة من: AP
الغزو الأمريكي للعراق – نقطة تحوّل
يشكل الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 نقطة تحوّل جذرية في تاريخ العلاقات العراقية الإيرانية. حيث استأنف البلدان علاقاتهما الدبلوماسية في العام الذي تلا سقوط نظام صدام حسين، كما قام وفد عسكريّ عراقيّ - برئاسة وزير الدفاع آنذاك سعدون الدليمي- بزيارة إلى طهران وقدّم اعتذاراً لإيران عما وصفه بجرائم صدام بحق إيران، ووقّع الطرفان حينها اتفاقاً للتعاون العسكري في مجالات الدفاع ومحاربة الإرهاب.
صورة من: picture alliance/AP Photo
هيمنة إيرانية بعد الانسحاب الأمريكي
واستمرت العلاقات بالتحسن بدءاً من عهد رئيس الوزراء الأسبق إبراهيم الجعفري، وتوثقت العلاقات في عهد المالكي، إلى أن وصلت إلى هيمنة إيرانية على العراق، وخاصة بعد الانسحاب الأمريكي عام 2011، قبل أن يعود جزء من قواتها بطلب من الحكومة العراقية لمحاربة تنظيم الدولة.
صورة من: Lucas Jackson/AFP/Getty Images
في عهد العبادي
رغم استمرار الضغوط الإيرانية، إلا أن رئيس الوزراء حيدر العبادي تمكّن –ولو نسبياً- من إعادة نوع من التوازن إلى علاقات العراق مع كل من أمريكا وطهران، وقد كشف العبادي أن بلاده تسعى أن تنأى بنفسها عن الصراع بين الولايات المتحدة وإيران، لكن التساؤلات ماتزال تطرح نفسها حول إمكانية ذلك بالفعل، وسط التأثير الذي مازال يمارسه الطرفان في كل انتخابات تشهدها البلاد منذ سقوط صدام.
صورة من: Irna
خلاف المرجعيات
وتجدر الإشارة إلى وجود صراع حول مرجعية شيعة العراق بين الحوزتين الشيعيتين (المدرستان الرئيسيتان): حوزة النجف في العراق، وهي المقر التاريخي للحوزة من القرن الخامس، وحوزة قُمْ في إيران، وهي المقر المستحدث في أعقاب الثورة الإيرانية. بالإضافة إلى رفض الشيعة في العراق إلى جانب المرجع الأعلى للشيعة في العالم آية الله علي السيستاني لمبدأ ولاية الفقيه، وهو اساس نظام الحكم في إيران.
الكاتب: محيي الدين حسين