تخفيض العلاقات الدبلوماسية الناتو وروسيا أدى إلى وصول العلاقات الثنائية إلى أدنى مستوياتها وسط تصاعد التوتر بين الطرفين. في المقال التالي يلقى تيري شولتس الضوء على هذه العلاقات وعلى التداعيات المترتبة على هذا التوتر.
إعلان
ظلت المباحثات رفيعة المستوى بين حلف شمال الأطلسي وروسيا خلال السنوات الماضية قليلة وعلى فترات زمنية متباعدة، بيد أن قرار موسكو الأخير أثار بعض المخاوف داخل القنوات الدبلوماسية الفاترة بين الجانبين. وتمثلت قرارات روسيا في إغلاق مكاتب الحلف في موسكو ما دفع القائمين عليه إلى مغادرة العاصمة الروسية فضلا عن إغلاق مهمة الاتصال الخاصة بالحلف في السفارة البلجيكية في موسكو.
يعد روبرت بزتشيل آخر دبلوماسي لحلف الناتو يتم إيفاده إلى روسيا، لكنه ترك منصبه كمدير لمكتب الاتصال الخاص بالحلف في موسكو قبل خمس سنوات. وفي تعليقه، قال بزتشيل إنه رغم أن الكرملين قرر قطع التواصل مع مكتب الاتصال في ذاك الوقت، لكنه لا يزال يرى من المهم الحفاظ على تواجد في موسكو. وحاول أن يبرر هذا بطابع ساخر بقوله: "يمكننا التأكيد على أننا لا نأكل الأطفال على الإفطار".
وفي مقابلة مع DW، قال بزتشيل وهو زميل بارز في مؤسسة كازيمير بولاسكي بمسقط رأسه بولندا- إنه يتفق مع تصريحات وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف التي قال فيها إن هناك "غيابا للظروف اللازمة لإجراء الأنشطة الدبلوماسية". ورغم أن لافروف عزا قرارات بلاده الأخيرة إلى "الخطوات المتعمدة" التي أقدم عليها الناتو في طرد ثمانية دبلوماسيين روس بحجة أنهم عملاء للاستخبارات الروسية، إلا أن بزتشيل قال إن الرد الروسي كان يتعين أن يُجري بطريقة تبقي موسكو على انخراط مع العالم. وأضاف "كانت هناك تطورات مقلقة للغاية تحدث أسبوعيا إذ أصبحت روسيا أكثر عدوانية وأكثر استفزازا للخارج. العلاقات مع الناتو سوف تتغير في حالة إقدام روسيا على تغيير سياستها، لكن هذا لم يحدث."
إمكانية التواصل؟
يشار إلى أن التعاون بين روسيا والناتو توقف بشكل عملي في عام 2014 على وقع ضم روسيا شبه جزيرة القرم من أوكرانيا بشكل غير قانوني. وقد أدى ذلك إلى توقف التواصل بين الجانبين بشكل كبير خاصة على مستوى التعاون الثنائي، وفقا لما أشار إليه جامي شيا – النائب السابق لمساعد الأمين العام للمخاطر الأمنية بحلف الناتو. وفي مقابلة مع DW، قال شيا الذي يعمل الآن بمركز أبحاث "أصدقاء أوروبا" في بروكسل، إنه يرى الخطوات التي أعلنتها روسيا "رمزية وليست حقيقية" خاصة وأن الكرملين قام بتعليق عمل بعثة الناتو ولم يقم بإنهاء عملها بشكل كامل.
وأضاف لم يشمل الأمر أي ذكر لقطع "الخط الساخن" بين الجنرال الأمريكي تود والترز- قائد قوات الناتو - وفاليري جيراسيموف - رئيس الأركان العامة الروسية، بيد أن آخر اتصال بينهما كان في أبريل / نيسان العام الماضي وقبل ذلك بشهرين كان آخر لقاء جمعهما. ورغم ذلك، يؤكد شيا على ضرورة عدم المبالغة في تقدير التداعيات جراء إعلان روسيا الأخير، مضيفا لا يجب تصوير الأمر وكأن "المسؤولون الروس لن يجتمعوا أبدا مع مسؤولي الناتو، فمن الواضح أن هذا غير صحيح."
وقال إن روسيا ستستمر "في الحفاظ على وجود ملحق عسكري داخل سفارتها في بروكسل في حالة رغبة الجانبين في التواصل"، مشيرا إلى أن كافة الدول الأعضاء في الناتو لديها ملحقون عسكريون في موسكو، لذا يمكن إجراء اتصال في أي وقت. وإزاء ذلك، ذهب شيا إلى القول بأن القرار الروسي "لا يعني تجميد كافة العلاقات الدبلوماسية مع دول الناتو".
قطع التواصل
أما ويليام ألبيركي – المسؤول السابق في حلف الناتو – فيرى أن من شأن قرار روسيا بطرد ثلاثة ممثلين عسكريين لحلف الناتو في مكتب الاتصال من شأنه القضاء على "وسيلة جيدة للتواصل ولتقليل المخاطر ولمنع سوء التفاهم" بين الجانبين.
وأضاف ألبيركي – مدير برنامج عدم الانتشار والسياسة النووية في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية – أن التواصل بين الجانبين كان هاما قبل القرار الروسي. ورغم أن القرار يُنظر إليه باعتباره "توبيخا سياسيا" على طرد الناتو ثمانية دبلوماسيين روس، إلا أن ألبيركي يؤكد أن روسيا سوف تعاني أكثر من تداعيات الخطوة التي أقدمت عليها. وفي ذلك، قال إن وجود ضباط من الناتو يتحدثون اللغة الروسية في موسكو كان يرسل تطمينات إلى الكرملين قبل كل شيء.
رسالة إلى ألمانيا وأوروبا
أما جوستينا جوتكوفسكا - منسقة برنامج الأمن الإقليمي في مركز الدراسات الشرقية ومقره وارسو – فترى أن روسيا لم ترغب في قرارها الأخيرة في إرسال رسالة سياسية إلى الناتو فحسب بل أيضا إلى ألمانيا حيث تُجرى مفاوضات لتشكيل حكومة جديدة.
وقالت "عن طريق هذه الخطوة، ترغب روسيا في لفت الأنظار وأيضا التأثير على النخب السياسية في ألمانيا وأوروبا التي ترى أن مبدأ إبقاء الحوار مع روسيا ضروري للحفاظ على حالة السلم في القارة الأوروبية."
وأضافت "روسيا ترمي إلى تحقيق هدف آخر يتمثل في الحصول على عروض لانخراط في حوار أعمق معها سواء على المسار الثنائي (مع ألمانيا) أو داخل الناتو" بالتزامن مع اعتزام الحلف الكشف عن مفهومه الاستراتيجي الجديد خلال قمته العام المقبل. بيد أن جوتكوفسكا تشكك في نجاح مثل هذه الاستراتيجية الروسية. وأيا كانت أهداف روسيا من قرارها الأخير، يؤكد روبرت بزتشيل على أن التواجد في موسكو كان مفيدا لتوضيح حقيقة عمل حلف الناتو وأهدافه وتبديد المخاوف الروسية حياله.
وفي ذلك، قال "كانت هناك فرصة لتسليط الضوء على التعاون بين الجانبين وكذلك لتعزيز الحوار خاصة بين الأوساط الشبابية. لا أقول إننا استطعنا إقناع (الروس)، لكن بإمكان المرء أن يرى الأمور بشكل أوضح". وعلى وقع القرارات الأخيرة، لا يستطيع بزتشيل التكهن بمتى أو كيف يمكن تكرار مثل هذا الحوار بين الجانبين.
تيري شولتس/ م.ع
استعراض النصر في موسكو: إظهار القوة بأي ثمن
في كل سنة تحيي روسيا باستعراض عسكري ضخم الانتصار على ألمانيا النازية. وهذه المرة يُراد أن يكون الحفل الأكبر من نوعه عبر كل الأزمنة ـ لكن هذا التطلع كان موجودا أيضا في استعراضات أخرى.
صورة من: Reuters/M. Shemetov
24 حزيران/ يونيو 1945: استعراض النصر الأول
الاحتفال بالنصر الأول للجيش الأحمر كان من فكرة يوزيف ستالين (وسط الصورة). كان يريد إحياء نصر الاتحاد السوفياتي على ألمانيا الفاشية بموكب كبير. وفي الرابع والعشرين من حزيران/ يونيو 1945 سار في شوارع موسكو 40.000 جندي و 1850 عربة عسكرية. وكان ستالين يتطلع لاستقبال الموكب وهو يمتطي حصاناً.
صورة من: Imago Images
شوكوف بدلا عن ستالين فوق صهوة جواد أبيض
وفي النهاية كان قائد القوات الأعلى غيورغي شوكوف هو من اعتلى صهوة الجواد الأبيض . والسبب هو أن ستالين لم يكن متمكنا من ركوب الخيل، وسقط خلال صولة التدريب العامة من صهوة الحصان وأصيب في كتفه. ولهذا أمر الدكتاتور الجنرال شوكوف باعتلاء الجواد والسير في طليعة الموكب. فيما تتبع ستالين الحدث الضخم من مدرج الشرف على ضريح لنين.
صورة من: Imago Images
إحياء التقليد: 1995
بعد انهيار الاتحاد السوفياتي ألغي الاستعراض لبضع سنوات. وفي 9 حزيران/ مايو 1995 أعيد إحياء التقليد تحت قيادة الرئيس الأسبق بوريس يلتسين إثر مرور 50 عاما على نهاية الحرب. ومنذ تلك اللحظة بات استعراض النصر يقام مجددا كل سنة. وحدات عسكرية تسير عبر الميدان الأحمر ومن ضريح لنين يُلقي الأقوياء خطبهم التذكارية.
صورة من: Imago Images
الذكرى الستين: زوار من أنحاء العالم
ويحضر الاستعراضات العسكرية في الساحة الحمراء بموسكو غالباً رؤساء دول وشخصيات رفيعة المستوى من جميع أنحاء العالم. وفي الذكرى السنوية الستين عام 2005 كان من بين الحضور المستشار الألماني السابق غرهارد شرودر مع عقيلته السابقة دوريس والرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك ونظيره الأمريكي (الأسبق) جورج دبليو بوش.
صورة من: Getty Images/AFP/P. Kovarik
استعراض المحاربين القدامى
بالنسبة لروسيا يكون "يوم النصر" يوماً مقدساً مكرساً لإحياء ذكرى ضحايا الاتحاد السوفياتي في "الحرب الوطنية العظمى"، كما يطلق الروس على الحرب العالمية الثانية. وتحيي العائلات ذكرى ذويها وتضع زهوراً حمراء على المآثر والقبور. وفي كثير من الأماكن تصدح أغاني الحرب الحماسية.
صورة من: Getty Images/AFP/M. Antonov
عودة التقنية العسكرية
موكب النصر من شأنه استعراض القوة الروسية على وجه الخصوص. وفي التاسع من أيار/ مايو 2008 تم لأول مرة استعراض تقنية عسكرية ثقيلة ـ للبرهنة للعالم وللمواطنين على قدرة البلاد على الدفاع. ومن أجل ذلك لا يتم توفير التكاليف: 40 مليون يورو كانت تكلفة الخسائر في الطرقات وشبكة الصرف الصحي التي تتسبب فيها العربات الثقيلة فحسب.
صورة من: Imago Images/UPI
قلما يحصل تعاطي واقعي مع التاريخ
لا تحصل معالجة نقدية وتعاطي واقعي مع التاريخ الروسي أثناء الاحتفالات بالنصر. فمواضيع التاريخ المعاصر وضحايا الحرب وستالين والفواجع التي أصابت الجنود الروس هي من المحرمات. فالحفل من شأنه أن يرمز للوطنية والوحدة.
صورة من: Imago Images
2010: أكبر استعراض عبر الأزمنة
أكثر من 10.000 جندي ـ بينهم لأول مرة قوات من بلدان أخرى مثل فرنسا وبريطانيا أو بولندا ـ ساروا في الذكرى السنوية الـ 65. وكان يعتبر إلى تلك اللحظة أكبر استعراض للأسلحة. وأفادت وسائل إعلام روسية أن 2.5 مليون شخص شاركوا في الاحتفالات. وحتى المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل تتبعت حينها الاستعراض.
صورة من: Imago Images
الكتيبة الخالدة
الذكرى السنوية الـ 70 في 9 مايو 2015 أُقيمت بدون مشاركة زعماء دول غربية. وغالبية رؤساء الدول المدعوين لم تحضر بسبب أزمة القرم. وفي ختام الاستعراض أُقيم نشاط "الكتيبة الخالدة" شارك فيها 500.000 من أحفاد قدماء المحاربين، أرادوا إحياء ذكراهم برفع صور لهم. وحتى بوتين شارك بصورة لوالده.
صورة من: picture-alliance/Russian Look/D. Golubovich
9 أيار/ مايو 2020 : استعراض جوي بدلاً عن موكب عسكري
بسبب جائحة كورونا أجّل الرئيس فلاديمير بوتين الاستعراض العسكري لهذه السنة. ففي "يوم النصر" أقيم حفل هادئ حضره الرئيس الروسي ونُقل عبر التلفزيون. ونُظم استعراض جوي للقوات الجوية الروسية.
صورة من: Getty Images/AFP/K. Kudryavtsev
تظاهرة جماهيرية في زمن كورونا
تنتقد المعارضة الروسية فلاديمير بوتين لأنه يريد تنظيم الموكب العسكري السنوي رغم أعداد الإصابات المتزايدة بكورونا. عمدة موسكو هو الآخر اقترح على المواطنين متابعة العرض من خلال شاشات التلفزة . كما أن منتقدين يتهمون بوتين بتوظيف الاستعراض في التصويت على التعديل الدستوري الذي يتواصل حتى فاتح يوليو تموز، وسيمكنه من البقاء في السلطة حتى 2036.
صورة من: Reuters/A. Druzhinin
إعادة تنظيم أكبر استعراض عسكري في التاريخ
أن يكون عدد أقل من الجنود مشاركين في الذكرى السنوية الـ 75 مقارنة مع السنوات الماضية لم يكن خيارا للرئيس بوتين. فبالرغم من وباء كورونا سار 13.000 جندي في العاصمة في صفوف متراصة. إنه أكبر استعراض عسكري في التاريخ. وحتى في مدن أخرى نُظمت مواكب، وحسب وزارة الدفاع شارك 64.000 جندي في مختلف أنحاء البلاد.
صورة من: Reuters/M. Shemetov
بوتين: إحياء الذكرى رغم قيود كورونا
في الحقيقة تبقى الاحتفالات والحشود الجماهيرية بسبب جائحة كورونا محظورة في موسكو. لكن بوتين والقيادة العسكرية أكدوا أن الاستعراض يقام بالأساس لتكريم ضحايا عمليات تحرير أوروبا من فاشية هتلر. وفضل عدد كبير من المدعويين في العالم البقاء في بيوتهم بسبب الجائحة.