النزاعات يمكن أن تدار بطرق سياسية أو عسكرية أو عبر فرض عقوبات تجارية. وخاضت روسيا نزاعا مع تركيا على السياحة ومع مصر على القمح، ومع أوروبا وأيضا على الفاكهة والخضروات. ويبدو أن الرئيس بوتين مهتم بذلك.
إعلان
تنتقد موسكو العقوبات الاقتصادية التي فرضها الغرب ضد الاتحاد الروسي (روسيا). لكن الكرملين يشارك عن كثب وعن طيب خاطر في سلاح اقتصادي هو الحظر. وأحدث مثال على ذلك هو الخلاف حول صادرات القمح الروسي إلى مصر، التي كانت في العام الماضي أكبر سوق خارجية للحبوب الروسية. وتسمح المعايير الدولية بمستوى 0.05 في المائة من فطر "الإرغوت"، لكن القاهرة طلبت هذا العام وبشكل مفاجيء أن تكون نسبة فطر الإرغوت في الحبوب هي صفر في المائة، أي أن تخلو الحبوب تماما من ذلك الفطر.
فرنسا وغيرها من الدول التي اعتادت تصدير الحبوب إلى مصر، لم تعد ببساطة تشارك في المناقصات التي تعلن عنها مصر. وفي المقابل لجأت روسيا للابتزاز. ففي يوم 19 سبتمبر/ أيلول 2016، أعلنت حظرا مؤقتا على استيراد الفواكه والخضروات من مصر بحجة واهية، هي "الانتهاك المنهجي للمتطلبات الدولية والروسية للصحة النباتية" من قبل الجانب المصري.
وبعد ذلك بيومين، ألغت مصر شرط صفر في المائة من الإرغوت في الحبوب. ومرة أخر، بعد خمسة أيام رجا وفد مصري في موسكو رفع الحظر الروسي عن الفواكه والخضروات. وأعلنت سلطات الرقابة الزراعية الروسية في نفس اليوم، إلغاء حظر الواردات المصرية باستثناء البطاطس. نجاح الحرب الخاطفة هذه بشأن القمح، بإمكانه أن يواصل تشجيع السلطات الروسية في اعتقادها بأن أساليب الضغط تؤدي بسرعة إلى الهدف المنشود.
حملةناجحة ضدتركيا
وفي حين أن موسكو بخصوص مصر كانت تسوي مشكلة محلية تتعلق بالتجارة الخارجية، كان الكرملين في حربه التجارية الأخيرة مع تركيا يريد إيجاد حل لمهمتين طموحتين: فمن ناحية كان الأمر بالنسبة لموسكو هو إجراء عقابي يتعلق بالسياسة الخارجية، أي الثأر لإسقاط الجيش التركي لقاذفة القنابل الروسية، و من ناحية أخرى كان الأمر يتعلق بالنسبة لروسيا بحماية مزارعي الفاكهة والخضار الروسية من المنافسة التركية وتشجيع السياحة في منتجع سوتشي وشبه جزيرة القرم.
وفازت روسيا أيضا في هذه الحرب. فقد تكبد قطاع صناعة السياحة التركي خسائر بالمليارات. وغاب الملايين من السياح الروس عن الشواطيء التركية، لأن موسكو حظرت بيع الرحلات السياحية الشاملة إلى تركيا. وبالطبع، عانت أيضا شركات السياحة والطيران الروسية من هذا الحظر.
وفي نهاية المطاف، كان على الرئيس التركى رجب طيب أردوغان أن يسافر إلى سانت بطرسبرغ، حيث شدد في التاسع من أغسطس/ آب، مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، على رغبة بلديهما في عودة الحوار والعلاقات الثنائية. لكن حتى بعد ذلك لم تتوقف روسيا عن توجيه ضربات اقتصادية: إذ أن موسكو لم ترفع الحظر على الفواكه والخضروات التركية وإنما وعدت فقط بأن تفعل ذلك في المستقبل. أما بخصوص استئناف رحلات الطيران العارض إلى أنطاليا، فقد انتظر الكرملين حتى نهاية عطلة الصيف في روسيا.
الحماية تحت ستار العقوبات المضادة
لكن الحرب الاقتصادية الأكبر والأطول هي تلك التي تقوم بها روسيا ضد الاتحاد الاوروبي. هنا أيضا، موضوع الحماية هو الدافع. وبالتدريج تم إغلاق السوق الروسية في وجه المنتجات الزراعية الأوروبية، فيما يعد انتهاكا لقواعد منظمة التجارة العالمية.
بدأ هذا قبل وقت طويل من إصدار الرئيس الروسي بوتين لمرسوم في 6 أغسطس/ آب 2014 يحظر استيراد المواد الغذائية من الاتحاد الأوروبي وعدد من الدول الغربية كرد فعل على العقوبات الاقتصادية التي فرضها الغرب، على خلفية النزاع في أوكرانيا وضم شبه جزيرة القرم. وهكذا بدأت بالفعل عملية الحد من استيراد البذور والبطاطس من الاتحاد الأوروبي في أول يوليو/ تموز 2013، ثم جرى في 27 يناير/ كانون الثاني 2014 حظر استيراد الخنازير الحية ولحم الخنزير من الاتحاد الأوروبي، وفي أول آب/ أغسطس 2014 تم وقف واردات التفاح وغيرها من الفواكه والخضروات من بولندا.
المنتجون المحليون في روسيا يستفيدون من هذه الحرب التجارية. وفي مقابل ذلك يعاني المستهلك الروسي، لأنه يحصل على منتجات بجودة أسوأ وأسعار أعلى. وفي الاتحاد الأوروبي يعاني من تلك الحرب التجارية بلدان أوروبا الشرقية بصفة خاصة، حيث يتوجب عليهم تكبد خسائر في مبيعات لحم الخنزير والحليب والفواكه والخضروات. لكن بروكسل تقدم لهم تعويضات جزئية. وقد تم توجيه معظم تلك المنتجات إلى أسواق أخرى أو خفض إنتاجها. ولا يوجد لهذه الحرب التجارية تأثير على الاقتصاد الكلي للاتحاد الأوروبي.
حرب تجارية في الاتحادالاقتصاديالأوروآسيوي؟
وفي الوقت نفسه، يبدو أن موسكو قد اعتادت على استخدام الضغط كسبيل لحل المشاكل التجارية. ومن الواضح أن الكرملين يستخدم مثل هذه الأساليب بشكل متزايد في العلاقات مع شركائه في الاتحاد الاقتصادي الأوروآسيوي، على الرغم من وجود حروب تجارية داخل سوق داخلية مشتركة هو مسألة عبثية تماما.
وعلى سبيل المثال، لا تقوم روسيا بشكل رسمي بأي حروب اقتصادية ضد روسيا البيضاء. لكن رئيس البلاد الكسندر لوكاشينكو، اتهم روسيا في 20 سبتمبر/ أيلول، واتهم مباشرة هيئة الرقابة الزراعية الروسية بعرقلة استيراد بعض السلع البيلاروسية، وخاصة المواد الغذائية، من أجل مصالح النخبة الروسية المسيطرة (الأوليغارشية). و بعد ذلك بيومين، أعلنت السلطات الروسية أن هذه الشكاوى لا أساس لها. ومثل هذه اللهجة تكون عادة سمة من سمات الحرب التجارية الممتدة.
أندريه غوركوف/ صلاح شرارة
بعد صداقة حميمة.. توتر وعداء بين "القيصر" و"السلطان"
تشهد العلاقات الروسية التركية أسوأ أزمة دبلوماسية منذ الحرب الباردة إثر إسقاط تركيا للمقاتلة الروسية. ويدور اختبار قوة عنيف بين رئيسي البلدين رغم روابط الصداقة السابقة، وهو ما بات يعتبر مواجهة بين "السلطان" و"القيصر".
صورة من: Reuters/Umit Bektas
يدور حاليا خلاف بين تركيا وروسيا بعد أن أسقطت أنقرة مقاتلة روسية على الحدود السورية في 24 تشرين الثاني/ نوفمبر 2015. ويدور اختبار قوة عنيف بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب إردوغان رغم روابط الصداقة التي كانت تجمع بينهما، وهو ما يهدد العلاقات بين البلدين التي باتت توصَف كمواجهة بين "السلطان" و"القيصر". تاريخ الصورة: 15/ 11/ 2015 في قمة مجموعة العشرين بأنطاليا التركية.
صورة من: picture alliance/ZUMA Press
أنقرة تقول إن المقاتلة الروسية انتهكت المجال الجوي التركي وتم تحذيرها مرارا. وتقول موسكو إن الطائرة كانت فوق سوريا حيث تقوم روسيا بحملة جوية لدعم الرئيس الأسد في الحرب المستمرة منذ نحو خمس سنوات. وتقول روسيا إنها تستهدف تنظيم "داعش"، في حين يقول مسؤولون غربيون إن عددا قليلا جدا من الغارات الجوية الروسية تستهدف التنظيم وإن معظمها تضرب جماعات المعارضة السورية التي يدعمها الغرب.
صورة من: picture-alliance/dpa/Anadolu Agency
وشن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هجوما شديدا على تركيا محذرا إياها من أنها "ستندم على ما فعلته" ومؤكدا أن قيامها بإسقاط المقاتلة الروسية على الحدود السورية عملية غدر لن تنساها روسيا أبدا. واتهم الجيشُ الروسي الرئيسَ التركي رجب طيب أردوغان وعائلته بـ"الضلوع" في شراء النفط من تنظيم "داعش".
صورة من: Reuters
ولم يتأخر الرئيس التركي بالرد على ما وصفه بأنها اتهامات "غير أخلاقية" من جانب روسيا إليه والى أفراد عائلته بأنهم يستفيدون من المتاجرة بالنفط مع تنظيم "داعش"، متهما بدوره موسكو بالضلوع في هذه التجارة. وقال أردوغان: "لدينا إثباتات بأن روسيا متورطة في تجارة النفط مع داعش".
صورة من: Reuters/U. Bektas
استدعت تركيا السفير الروسي لدى أنقرة بعد نشر صور لعسكري روسي يحمل قاذفة إطلاق صواريخ على سفينة عسكرية روسية أثناء مرورها في مضيق البوسفور. ووصفت أنقرة صور العسكري الروسي بـ "الاستفزاز" في أوج الأزمة الدبلوماسية بين موسكو وأنقرة منذ إسقاط سلاح الجو التركي الطائرة الروسية. ونشرت عدة وسائل إعلام تركية صورة الجندي الروسي وهو يحمل قاذفة إطلاق صواريخ على كتفه على بارجة روسية.
صورة من: Youtube/komik videolar
فرضت روسيا الغاضبة عقوبات على تركيا ومنها إعادة العمل بنظام التأشيرة للمواطنين الأتراك ابتداءً من أول عام 2016، وحظر استيراد الخضر والفواكه التركية. وقالت أنقرة إنها ستفرض عقوبات على روسيا إذا اقتضت الضرورة لكنها لا تزال مستعدة لإجراء محادثات مع موسكو.
صورة من: picture-alliance/dpa
يتوقع البنك الأوروبي للإعمار والتنمية أن أثر العقوبات على تركيا سيكون "ملحوظاً لكن ليس بشكل كبير على إجمالي الناتج المحلي التركي"، أما بالنسبة لروسيا فسيبقى التأثير "محدودا" إلا إذا تأثرت صادرات الطاقة فعندها سيكون سلبيا، لأن تركيا ثاني سوق لصادرات الغاز الروسية. إردوغان قال إن بلاده يمكنها إيجاد مزودي طاقة آخرين غير روسيا. ويرتبط اقتصادا البلدين بشدة خصوصا في مجالات الطاقة والسياحة والبناء.
صورة من: picture-alliance/dpa
البنوك التركية ستُستثنى من العقوبات الروسية لتتفادى بذلك حملة تشنها موسكو قد تسبب خسائر لتركيا تصل إلى تسعة مليارات دولار انتقاما من إسقاط الطائرة الروسية.
صورة من: picture-alliance/epa/S. Suna
وأعلنت روسيا أنها انتهت من برنامج لإعادة نحو 9 آلاف مواطن كانوا في رحلات سياحية في تركيا، وذلك في أعقاب التوترات التي أثارها إسقاط تركيا للطائرة العسكرية روسية. وبحلول يوم الإثنين 07 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، لم يبقَ سوى نحو 10 سائحين في تركيا من إجمالي 9 آلاف روسي.
صورة من: AP
من ناحية أخرى اتهم العراق تركيا بانتهاك سيادته بنشر قوات مدججة بالسلاح في معسكر قرب خط الجبهة في شمال العراق. لكن أنقرة قالت إن وجود تركيا في الموصل يهدف إلى المساهمة في قتال العراق ضد تنظيم "داعش" وإنه سيستمر بالتنسيق مع العراق. ومن غير الواضح ما إذا كانت روسيا تنوي إثارة الشكاوى العراقية في مجلس الأمن أو ما إذا كان الوفد الروسي يريد من المجلس أن يتخذ إجراءات.
صورة من: picture-alliance/dpa/Sirnak
قالت وسائل إعلام تركية إن أنقرة أوقفت بارجة روسية في ميناء سامسون (شمال) على البحر الأسود بسبب نقص في الوثائق في حين سمح لثلاث بوارج أخرى بمغادرة الميناء. (الصورة رمزية).
صورة من: AFP/Getty Images
وفي ظل حرب الاتهامات بين روسيا وتركيا عقد وزير الخارجية الروسي لافروف اجتماعا مع نظيره التركي تشاووش أوغلو استغرق 45 دقيقة في بلغراد. وبعد اللقاء قال تشاووش أوغلو: "عبرنا عن حزننا وقدمنا تعازينا في مقتل الطيار الروسي". من جانبه، قال لافروف إنه لم يسمع منه شيئا جديدا بخصوص إسقاط مقاتلة تركية للطائرة الحربية الروسية.
صورة من: Reuters
لافروف: "لن نحارب تركيا لكن سنرد على إسقاط الطائرة". وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف جدّد التأكيد على أن تركيا استهدفت الطائرة الروسية وهي داخل المجال الجوي السوري. ووصف إسقاط الطائرة بأنه "أقرب ما يكون إلى استفزاز متعمد".
صورة من: Reuters/D. Balibouse
أوغلو: لن نعتذر عن إسقاط المقاتلة الروسية. فيما أعلن الرئيس أردوغان أنه حزين لإسقاط الطائرة الروسية، رفض رئيس وزرائه تقديم أي اعتذار لروسيا. وتطالب موسكو باعتذار رسمي من أنقرة عن إسقاط مقاتلتها الذي أدى لمقتل أحد طياريها إلى جانب عسكري روسي شارك في عملية خاصة لإنقاذ الطيار الثاني. لكن تركيا رفضت الاعتذار قائلة إنها تصرفت دفاعا عن حدودها. من جهته وصف أوغلو الاتهامات الروسية بأنها "دعاية سوفييتية".