DW تتحقق .. هل يعيد ترامب كتابة التاريخ أم يحرف صفحاته؟
٢٩ أغسطس ٢٠٢٥
في معرض دفاعه عن استراتيجية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن الحرب الروسية في أوكرانيا، خرج نائبه جيه دي فانس بادعاء أثار سخرية واسعة على وسائل التواصل الاجتماعي. ففي مقابلة تلفزيونية، قال فانس إن الحرب العالمية الثانية انتهت بالتفاوض.
وفي رد فعل، قام حساب"جمهوريون ضد ترامب" بإعادة نشر مقابلة فانس مع تعليق جاء فيه: "انتهت الحرب العالمية الثانية باستسلام ألمانيا واليابان غير المشروط، وليس عبر التفاوض".
يشار إلى أنه في الثامن من مايو/ أيار من عام 1945، استسلمت ألمانيا النازية دون قيد أو شرط، بعد احتلال الجيش الأحمر برلين وانتحار الديكتاتور أدولف هتلر. وفي أغسطس/ آب من العام نفسه، استسلمت اليابان، المتحالفة آنذاك مع ألمانيا النازية، عقب إلقاء الولايات المتحدة قنبلتين ذريتين على هيروشيما وناغازاكي.
ويرى مراقبون أن زعم فانس ليس سوى زلة تاريخية أخرى تصدر عن كبار مسؤولي إدارة ترامب.
فقد دأب الرئيس ترامب على تحريف الحقائق التاريخية لتتناسب مع روايته، بل وصل الأمر إلى ممارسة ضغوط على إدارات بعض المتاحف للعمل بما يتماشى مع رؤيته للعالم.
وفي هذا السياق، انتقد ترامب تركيز بعض المتاحف على العبودية عند الحديث عن التاريخ الأمريكي.
قام فريق DW لتقصي الحقائق بالتدقيق في صحة أبرز مزاعم ترامب التي أثارت الجدل وتطرقت إلى بعض الجوانب التاريخية.
يونابمر وعم ترامب
قبل عامين، توفي تيد كاتشينسكي، أحد أشهر الإرهابيين في الولايات المتحدة، والذي عرف باسم "المفجر"، بعد أن شن حملة مميتة عن طريق إرسال طرود مفخخة على مدى عقدين، أسفرت عن مقتل ثلاثة أشخاص وجرح أكثر من عشرين آخرين.
في يوليو/حزيران الماضي، زعم ترامب في فعالية بولاية بنسلفانيا أن عمه الراحل جون، أستاذ في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، كان يدرّس كاتشينسكي. لكن تبين أن كاتشينسكي كان يدرس في جامعة هارفارد، وليس في جامعة ميشيغان كما زعم الرئيس الأمريكي. وتوفي عم ترامب عام 1985، بينما جرى اعتقال كاتشينسكي عام 1996. ونشرت العديد من وسائل الإعلام تقارير تنفي صحة ما صدر عن ترامب.
الكساد العظيم ورسوم ترامب الجمركية
في اجتماع وزاري عقد في يوليو/ تموز الماضي، قارن ترامب بين الرسوم الجمركية والكساد العظيم عام 1930. وقال ترامب إن الكساد العظيم لم يكن ليحدث لو أبقت الولايات المتحدة على التعريفات الجمركية، زاعما دون سند أنه أعيد فرض التعريفات "بعد الكساد".
بيد أن الواقع يشير إلى أن الكساد العظيم بدأ عام 1929، مع تصويت الكونغرس على قانون "سموت–هاولي" الخاص برفع الرسوم الجمركية. وكان القانون يهدف إلى حماية الاقتصاد الأمريكي، لكن النتيجة كانت عكسية، حيث دفعت عشرين دولة إلى اتخاذ إجراءات انتقامية بفرض تعريفات مضادة. وأدى ذلك إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية العالمية، خاصة أنه زاد من تعريفات قانون فوردني-ماكومبر لعام 1922 على السلع المستوردة.
هل عارض ترامب احتلال العراق؟
كرر ترامب مزاعم أنه عارض الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، وكان آخرها قبل شهر، عندما قال: "كنت معارضا بشدة للعراق. قلت ذلك بصوت عال وواضح.. لقد قلت بالفعل: لا تدخلوا (العراق)، لا تدخلوا، لا تدخلوا". وفي عام 2019، قال ترامب إن غزو العراق استنزف الجيش الأمريكي. بيد أن شبكة "سي إن إن" وموقع "بازفيد" أفادا في عام 2016 بأن ترامب دعم الغزو الأمريكي للعراق في برنامج تلفزيوني قبل عام من الغزو، وتحديدا في عام 2002.
وأجرت صحيفة "واشنطن بوست" تحقيقا عام 2016 اعتمد على التسلسل الزمني لتصريحات ترامب قبل الغزو الأمريكي، وكشف التحقيق عن تناقضات في تصريحات الرئيس الأمريكي.
ضغط ترامب على المتاحف
وأثار ترامب الكثير من الجدل بعد تقارير أشارت إلى سعيه للضغط على بعض المتاحف، خاصة عقب توقيعه أمرا تنفيذيا في مارس/ آذار الماضي يهدف إلى استعادة السيطرة على محتوى متاحف "سميثسونيان". واتهم ترامب المتحف بـ "التحريف التاريخي" وممارسة "التلقين الأيديولوجي" العنصري. وتعد مؤسسة سميثسونيان، التي تأسست قبل نحو قرنين، أضخم متحف ومؤسسة بحثية، حيث إن متاحفها الـ 21 مخصصة لعرض التاريخ والثقافة الأمريكية.
وتعتمد المؤسسة، التي تشمل حديقة حيوانات و21 متحفا و14 مركزا تعليميا وبحثيا، على التمويل الفيدرالي لتأمين ثلثي ميزانيتها البالغة نحو مليار دولار، وتستمد الثلث المتبقي من مصادر مختلفة، من بينها هبات واشتراكات وتبرعات.
وعلى منصة "تروث سوشيال"، انتقد ترامب مؤسسة سميثسونيان لتركيزها على "كم هو مؤلم واقع بلادنا، وكم كانت العبودية قاسية، وكم عانى المهمشون دون أن تتحقق آمالهم".
وقبل الذكرى الـ 250 لتأسيس الولايات المتحدة، وضعت الإدارة ثمانية متاحف، بما في ذلك المتحف الوطني للتاريخ الأمريكي والمتحف الوطني لتاريخ الأمريكيين الأفارقة وثقافتهم، قيد المراجعة. وقد طُلب منها تقديم خطط للمعارض والمواد التعليمية والمحتوى الرقمي. وأعلن البيت الأبيض في رسالة إلى متحف سميثسونيان أنه سيتم مراجعة المزيد من المتاحف في مرحلة ثانية.
في الأسبوع الماضي، نشر البيت الأبيض مقالا بعنوان "الرئيس ترامب محق بشأن متحف سميثسونيان"، ينتقد المعارض التي تركز على العرق والعبودية والجنس والهجرة. ردا على ذلك، وقعت أكثر من 150 منظمة ثقافية وأكثر من 300 شخصية بيانا عاما يؤكد الالتزام بالحرية الفنية ومقاومة الضغوط السياسية.
أعده للعربية: محمد فرحان