زلزال تركيا .. حزن ممزوج بالغضب وأسئلة تنتظر الإجابة!
١٣ فبراير ٢٠٢٣
مع توالي الأيام يتضح حجم الخسائر البشرية والمادية التي خلفها الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وسوريا. وأيضا تُطرح أسئلة عن سبب انهيار عشرات الآلاف من المبان الجديدة ومن يتحمل المسؤولية؟ صحفي في عين المكان يبحث عن إجابات.
إعلان
مع حلول الظلام تأتي اللامبالاة. تتلاشى أصوات الأماكن، ولا تتردد في المكان سوى نداءات يائسة من الباحثين عن الضحايا بين الأنقاض. أهل الضحايا يحدقون بصمت في انتظار نبأ ما. لكن الأمل بالعثور على أحبائهم تحت أطنان من الخرسانة والفولاذ يتضاءل مع مرور الأيام، وقد مر أسبوع على الزلزال المدمر ولم يغادروا المكان، ظلوا جالسين أمام نيران تقيهم من برد الليل، الضوء الوحيد في الظلام باستثناء مصابيح السيارات الأمامية ومصابيح الطوارئ لفريق البحث.
نفس المشهد يتكرر، رجال فرق الإنقاذ المرهقون يضربون بالفؤوس والمطارق الثقيلة أو يحملون الحجارة بأيديهم بسبب غياب المعدات الثقيلة. أشخاص قادمون من كل أنحاء تركيا للمساعدة يحملون معهم الطعام والبطانيات والخيام، عمال إنقاذ يعلمون حد الإنهاك طيلة ساعات اليوم، ومرة أخرى أناس يائسون يقفون في انتظار المساعدة.
في أنطاكيا يجلس رجل مسن على كرسي بلاستيكي أما مبنى منهار بالكامل، يقال إنه كان يضم شققا فاخرة قبل أيام. شقيقه اشترى شقة هناك، والآن يرقد تحت أنقاض "شقة الأحلام" في مبنى شيد بطريقة غير مسؤولة. يقول الرجل بمرارة : "يمكننا بناء مباني بطريقة ممتازة، أليس كذلك؟"، يقول ذلك بحسرة.
انتقادات للحكومة
ليست الصور وحدها تعود إلى الظهور مرة أخرى، بل شكاوى المتضررين نفسها منذ ما يقرب من 24 عاما: لماذا لا تأتي الدولة لمساعدتنا بسرعة؟ لماذا حتى المباني الجديدة تنهار مثل منزل ورقي؟ ألم يتم التحقق من الامتثال للوائح البناء - الذي تم تشديده منذ 1999؟ لماذا يُسمح ببناء ارتفاعات تبدو غير محدودة في منطقة معرضة بشدة للزلازل مثل جنوب شرق تركيا؟ لماذا لا تستطيع حتى بعض المستشفيات التي بنتها الدولة مقاومة الزلزال؟ مثل هذه الأسئلة لا يُسمح بطرحها في وسائل الإعلام، التي تسيطر عليها حكومة حزب العدالة والتنمية بالكامل تقريبا، ولكن يمكن سماع استياء السكان في كل مكان. في مدينة أديامان، اضطر وزير النقل التركي إلى الفرار تحت سيل من الإساءات من قبل مواطنين.
حسن أكسونغور، رئيس غرفة المهندسين المدنيين في أضنة، حيث انهار أحد عشر مبنى أيضا ، يقول لـ DW لاينبغي إلقاء اللوم على القوانين: "مسألة بناء ثلاثة أو عشرة طوابق تعني أموالا طائلة، ويغض الطرف عنها". في مدينة كهرمان ماراس، على بعد حوالي 70 كيلومترا شمال غازي عنتاب، بقي مبنى غرفة المهندسين المدنيين هو المبنى الوحيد الذي ظل قائماً.
تجاهل التحذيرات
مرارا وتكرارا يسمع المرء الكلام نفسه: كان هذا زلزال القرن ويمكن أن يشكل تحديا لأي دولة في العالم، نظرا لقوة الهزة التي بلغت 7.8 على مقياس ريختر، والمنطقة المتضررة بمساحة نصف ألمانيا وفيها مدن يعيش فيها الملايين من الناس. لكن الناس يريدون معرفة سبب عدم الاستجابة لتحذيرات الجيولوجيين الأتراك بشأن المخاطر المتزايدة على طول الصفائح التكتونية. باحثو الزلازل الأتراك البارزون يشتكون من أنهم لم يتم استشارتهم حتى من قبل رئيس بلدية المنطقة.
في مدن أديامان وأنطاكيا وكهرمان مرعش، شبه المدمرة ينشط عشرات الآلاف من عمال الإنقاذ من جميع أنحاء تركيا وخارجها. لكن يتعين على كثير من المناطق النائية الانتظار لفترة أطول. تونكاي شاهين طالب في برلين ينحدر من قرية توكار بالقرب من أديامان. والدته دُفنت في أنقاض منزلها ليلة الزلزال. أخرج الجيران جثتها بأيديهم - وهي واحدة من ستة قتلى في هذه القرية وحدها. كان والده خارج المنزل ليلة الزلزال. بعد يومين من الزلزال تمكن الطالب من العودة إلى منزله المدمر في القية. يقف الآن عند قبر والدته ويبكي ويقول: كنا نعلم جميعا أن زلازلا ستأتي، لكن لم نكن نتوقع أن تضربنا بمثل هذه الشدة!؟".
شُيد منزل والديه المكون من طابقين في التسعينيات. لكن مبنى جديدا شُيد قبل عام واحد فقط انهار هو الآخر. يقول شاهين: "يجب على الدولة التدقيق بشكل وثيق في أعمال البناء والمواد المستعملة في القرى". ينضم إليه عدد من الجيران. تصرخ واحدة "من الآن فصاعدا سنبني طابقا واحدا فقط، مثل كان يفعل أسلافنا".
غونار كونه/ ع.خ
مشاهد من الزلزال المدمر في جنوب تركيا وشمال سوريا
لا يمكن بعد توقع الحجم الكامل للكارثة، فعدد القتلى والجرحى يتزايد ويتزايد. والمساعدات في طريقها لتركيا وسوريا بعدما ضرب زلزال مدمر منطقة جنوب شرق تركيا وشمالي سوريا موقعا آلافا من القتلى والجرحي وأضرارا كبيرة في البلدين.
صورة من: Louai Beshar/AFP
حجم الكارثة لا يمكن معرفته الآن
بقوة 7,8 درجات على مقياس ريختر وعلى عمق حوالى 17,9 كيلومترا، وفقا لهيئة المسح الجيولوجي الأمريكية، ضرب زلزال مرعب منطقة جنوب شرقي تركيا وشمالي سوريا في ساعة مبكرة من صباح الاثنين (6 فبراير/ شباط 2023)، ما أسفر عن دمار شديد ومقتل أكثر من 2700 شخص في البلدين، بحسب معطيات غير نهائية مساء الاثنين. ولا تكفّ الحصيلة عن الارتفاع، إذ لا يزال عدد كبير جداً من الأشخاص تحت الأنقاض.
صورة من: Mahmut Bozarslan/AP Photo/picture alliance
الزلزال يباغت الناس في نومهم
وقع الزلزال والناس نياما، عند الساعة 04:17 بالتوقيت المحلي (01,17 بتوقيت غرنيتش). وكان مركزه في منطقة بازارجيك بمحافظة قهرمان مرعش على بعد 60 كيلومترا من الحدود السورية. وأعقبه عشرات الهزات الارتدادية، ثم ضرب زلزال جديد بقوة 7,5 درجات عند الساعة 10,24 بتوقيت غرينتش جنوب شرق تركيا. وشعر بالزلزال سكان في كل من لبنان وسوريا والأراضي الفلسطينية واليونان وقبرص وأرمينيا وجورجيا والعراق وبعض مناطق مصر .
صورة من: Erkan Kama/AA/picture alliance
أردوغان يعلن الحداد العام
وأعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الحداد العام في عموم البلاد لمدة 7 أيام. وجاء في التعميم الذي وقع عليه أردوغان، مساء الاثنين: "نتيجة الزلازل التي ضربت بلدنا في 6 شباط/ فبراير 2023، تقرر الحداد الوطني لمدة 7 أيام، وتنكيس الأعلام داخل البلاد وفي الممثليات الخارجية حتى الأحد 12 فبراير"، وفقا لوكالة أنباء الأناضول التركية.
صورة من: Depo Photos/ABACA/picture alliance
"أقوى" زلزال في سوريا منذ نحو 30 عاما
وفي سوريا المجاورة تسبب الزلزال في سقوط أبنية في محافظات عدة على رؤوس قاطنيها، بينما لا تزال المئات من العائلات تحت الأنقاض. وتعلن الحكومة السورية تباعاً عن عدد الضحايا فيما تستمر عمليات البحث عن ناجين تحت الأنقاض. ونقل عن مدير عام المركز الوطني لرصد الزلازل رائد أحمد قوله "هذا الزلزال هو الأقوى... منذ العام 1995".
صورة من: Omar Albam
حصيلة ضخمة مؤقتة في سوريا للضحايا
وفي أنحاء سوريا قتل 1300 شخص على الأقل جراء الزلزال، في حصيلة غير نهائية لوزارة الصحة السورية وفرق إغاثة. وأعلنت وزارة الصحة مقتل 593 وإصابة 1411 آخرين في حصيلة غير نهائية في مناطق سيطرة الحكومة في محافظات حلب واللاذقية وحماة وطرطوس. كما أفادت منظمة الخوذ البيضاء العاملة في مناطق الشمال الخارجة عن سيطرة دمشق بمقتل 700 شخص وإصابة أكثر من ألفين آخرين. فيما تستمر عمليات البحث عن ناجين تحت الأنقاض.
صورة من: Louai Beshar/AFP
استغاثة الخوذ البيضاء بمناطق المعارضة
وفي مناطق سيطرة الفصائل المسلحة والمعارضة بشمال وشمال غرب سوريا، رجّحت منظمة الخوذ البيضاء (الدفاع المدني العامل في المناطق الخارجة عن سيطرة دمشق) "ارتفاع عدد الوفيات بشكل كبير لوجود مئات العائلات تحت الأنقاض". ودعت المنظمة وسط ظروف مناخية قاسية "جميع المنظمات الإنسانية الدولية إلى التدخل السريع لإغاثة المنكوبين وتلبية احتياجاتهم".
صورة من: Mohammed Al-Rifai/AFP
أوضاع كارثية وتصدع آلاف المباني
سنوات الحرب الطويلة تسببت في تصدّع آلاف الأبنية في محافظات عدة خصوصاً تلك التي شهدت معارك ضارية وقصفاً جوياً. ودفعت موجات النزوح المتكررة والفقر المدقع سوريين كثر إلى السكن في مباني متضررة أو شبه مدمرة. وتشهد مناطق سيطرة الفصائل المعارضة في إدلب وحلب أوضاعا كارثية وعائلات تنتظر سماع أخبار عن أفرادها، بينما انهمك عمال الإغاثة في نقل المصابين وانتشال الضحايا من تحت ركام الأبنية.
صورة من: Ghaith Alsayed/AP Photo/picture alliance
قلعة حلب ومواقع آثارية تتعرض للضرر
وفي حلب، ثاني مدن سوريا، بقيت عشرات العائلات منذ وقوع الزلزال فجرًا في الحدائق العامة رغم تساقط أمطار غزيرة، خشية حصول هزات ارتدادية. وتضرّرت قلعة حلب وعدد من المواقع الأثرية الأخرى، وفقاً للمديرية العامة للآثار والمتاحف.
صورة من: AFP
شولتس "مصدوم" ويقدم مساعدات
وغرّد المستشار الألماني أولاف شولتس (أرشيفية) على تويتر: "نتابع الأنباء عن الزلزال في المنطقة الحدودية بين تركيا وسوريا وسط حالة من الصدمة .. نحن نحزن مع الأقارب ونقلق مع المدفونين (تحت الأنقاض). وسترسل ألمانيا مساعدة بالطبع". أما وزيرة الخارجية بيربوك فكتبت: "استيقظنا على أخبار مروعة من تركيا و سوريا. خواطري مع أقارب ضحايا هذا الزلزال المرعب.. سنرسل على وجه السرعة مساعدات بالتعاون مع شركائنا".
صورة من: Michael Kappeler/dpa/picture alliance
ماكرون: صور فظيعة من تركيا وسوريا
وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إن فرنسا "مستعدة لتوفير مساعدة عاجلة للسكان" في تركيا وسوريا. وكتب ماكرون الاثنين في تغريدة "تردنا صور فظيعة من تركيا وسوريا بعد زلزال بقوة غير مسبوقة. نتعاطف مع العائلات التي خسرت أفرادا". (صورة من الأرشيف)
صورة من: Getty Images/AFP/O. Kose
الاتحاد الأوروبي يرسل فرق إنقاذ
وأرسل الاتحاد الأوروبي فرق إنقاذ إلى تركيا، وكتب المفوض الأوروبي المكلف بإدارة الأزمات يانيش لينارسيتش على تويتر: "إثر الزلزال الذي وقع في تركيا فعلّنا آلية الدفاع المدني في الاتحاد الأوروبي (..) وتوجهت فرق من هولندا ورومانيا" للمشاركة في عمليات البحث والإنقاذ. وأوضح ناطق باسم المفوضية الأوروبية أن هذه المساعدة تأتي بناء على طلب من تركيا.
صورة من: IHA agency via AP/picture alliance
حلفاء الناتو يحشدون الدعم لتركيا
وأعرب الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (ناتو) ينس ستولتنبرغ، عن تضامنه وأعلن الدعم للدولة العضو تركيا بعدما ضربها زلزال مدمر. وكتب ستولتنبرغ على تويتر "التضامن الكامل مع الحليف تركيا عقب هذا الزلزال المريع". وأضاف "يحشد حلفاء الناتو الدعم"، مشيرا إلى أنه تواصل مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ووزير الخارجية مولود تشاوش أوغلو.
صورة من: Stoyan Nenov/REUTERS
بوتين مستعد لمساعدة سوريا وتركيا
وعرض الرئيس فلاديمير بوتين تقديم مساعدة لسوريا وتركيا. ولروسيا وجود عسكري قوي في سوريا، وبوتين حليف وثيق للأسد وله علاقة قوية مع أردوغان. وذكر بوتين برسالته لأردوغان "تقبلوا خالص عزائنا في الضحايا والدمار واسع النطاق... نحن مستعدون لتوفير المساعدة الضرورية في هذا الشأن". وفي رسالة مماثلة، أبلغ بوتين نظيره السوري أن روسيا تشاطر "من فقدوا أحباءهم الحزن والألم"، مضيفا أن موسكو مستعدة لتقديم المساعدة.
صورة من: Reuters/Sputnik/M. Klimentyev
أبو الغيط يدعو لتقديم الإغاثة بعيدا عن التسيس
كما دعا أمين عام جامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، المجتمع الدولي إلى تقديم الإغاثة الطارئة للمناطق المنكوبة في الشمال السوري. وقال المتحدث الرسمي باسمه في بيان: إن أبو الغيط أعرب عن تعازيه لأسر الضحايا وتمنياته بالشفاء العاجل للمصابين في سوريا وتركيا. وأضاف أن الجامعة تناشد منظمات الإغاثة الدولية والإنسانية بالتحرك الفوري لمواجهة تداعيات هذه الكارثة من منظور إنساني بعيدا عن أي تسييس. صلاح شرارة