زيارة الأسد للصين.. ما المصالح المشتركة بين بكين ودمشق؟
٢٥ سبتمبر ٢٠٢٣
هل هناك مصالح مشتركة بين الصين وسوريا؟ ولماذا استقبلت بكين رئيس سوريا بشار الأسد، الذي يعاني منذ حوالي عقد من الزمن من عزلة دولية، بتلك الحفاوة؟ زعيما البلدين يحتاجان لبعضهما البعض، كما يرى مراقبون.
إعلان
بعد نحو عقدين من الزمن يعود الرئيس السوري بشار الأسد لزيارة الصين ، التي وصلها هو وعقيلته أسماء الجمعة (22 سبتمبر / أيلول 2023. وكان الأسد قد زار الصين عام 2004، كأول رئيس لسوريا يزور هذا البلد.
يعود تاريخ تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين كل من الصين وسوريا إلى عام 1956، لكن بشار الأسد كان حتى عام 2004 الرئيس السوري الوحيد الذي زار الصين. وهذه هي الزيارة الثانية له، التي تأتي في وضع مازالت سوريا تعيش تحت وطأة الحرب الأهلية منذ أكثر من عقد من الزمن، فيما ما زال الأسد يُئن تحت وطأة عزلة دولية بعد حملة القمع التي شنتها حكومته لإنهاء الاحتجاجات التي اندلعت عام 2011، طالت نظامه اتهامات بارتكاب جرائم حرب مثل استخدام الغاز السام والبراميل المتفجرة والتعذيب والقتل خارج نطاق القضاء.
الجدير بالذكر أن الأسد شارك في قمة جامعة الدول العربية ، التي استضافتها مدينة جدة السعودية في مايو / أيار الماضي في أول مشاركة في اجتماع دولي على هذا المستوى منذ عام 2011، حيث جرت الموافقة على عودة دمشق إلى الجامعة العربية بعد تعليق عضويتها لأكثر من عشر سنوات.
وقد أثارت الخطوة استياء الدول الغربية ومنظمات حقوقية فيما يرى مراقبون أن هذه الزيارة للصين تأتي في إطار إعادة تأهيل نظام الأسد وعودة العلاقات الدبلوماسية مع دمشق.
"شراكة استراتيجية"
وقد حظيت الزيارة باهتمام الاعلام الصيني الرسمي حيث كرست التلفزيون الصيني (سي.سي.تي.في) بثا مباشرا مدته 35 دقيقة لتغطية وصول الأسد إلى هانغجو على موقع سينا ويبو- أكبر منصة تواصل اجتماعي في الصين – فيما يحمل الأمر في طياته مؤشرا على الاهتمام الصيني بالزيارة.
وعقب ذلك، أعلن الرئيس الصيني شي جينبينغ خلال لقائه الأسد أن البلدين قد أقاما "شراكة استراتيجية" ، قائلا: "في مواجهة الوضع الدولي المليء بعدم الاستقرار وعدم اليقين، الصين مستعدّة لمواصلة العمل مع سوريا، والدعم القوي المتبادل بينهما، وتعزيز التعاون الودّي، والدفاع بشكل مشترك عن الإنصاف والعدالة الدوليين". وأكد أن العلاقت بين البلدين "صمدت أمام اختبار التغيرات الدولية.. الصداقة بين البلدين تعزّزت بمرور الوقت".
من جهته، شدد الأسد على رفض "كل محاولات إضعاف هذا الدور عبر التدخل في شؤون الصين الداخلية أو محاولات خلق توتر في بحر الصين الجنوبي أو في جنوب شرق آسيا".
وقال الأسد إن "هذه الزيارة مهمة بتوقيتها وظروفها حيث يتشكل اليوم عالم متعدد الأقطاب سوف يعيد للعالم التوازن والاستقرار، ومن واجبنا جميعا التقاط هذه اللحظة من أجل مستقبل مشرق وواعد.. أتمنى أن يؤسّس لقاؤنا اليوم لتعاون استراتيجي واسع النطاق وطويل الأمد في مختلف المجالات".
وفي ذلك، كتب هايد هايد، الباحث في معهد "تشاتام هاوس" البحثي ومقره لندن، على منصة إكس - تويتر سابقا – أنه يعتقد أن "تركيز اللقاء بين شي والأسد كان منصبا على إقناع الصين بمساعدة عملية التعافي الاقتصادية في سوريا".
وكانت وكالة الأنباء الرسمية السورية "سانا" قد أفادت بأن زيارة الأسد إلى هانغجو تضمنت توقيع ثلاث وثائق تعاون منها مذكرة تفاهم تتعلق بالتعاون في إطار مبادرة "الحزام والطريق" حيث انضمت سوريا في يناير/كانون الثاني العام الماضي إلى المبادرة.
ويرى مراقبون أن مثل هذه الخطوة ربما تمهد الطريق أمام تنفيذ بكين مشاريع حيوية في سوريا خاصة أنها تمتاز بموقع استراتيجي إقليمي هام حيث تقع بين العراق وتركيا.
دعم داخل مجلس الأمن
وعلى النقيض من إيران وروسيا، لم تدعم الصين حكومة الأسد بشكل مباشر خلال الأزمة المستمرة منذ عام 2011، لكنها قدمت دعما كبيرا لدمشق من خلال استخدام حق النقض (الفيتو) داخل مجلس الأمن الدولي ثماني مرات لمنع صدور قرارات ضد نظام الأسد.
وفي عام 2017، ذكرت وكالة الأنباء الصينية الرسمية (شينخوا) أن الحكومة الصينية ستسعى للمشاركة في إعادة إعمار سوريا ما يمكن أن يوفر إمكانية أمام الصين للوصول إلى ميناء اللاذقية وطرطوس على البحر المتوسط ما يضيف زخما إلى طريق "الحرير الجديد".
وفي مقابلة مع DW، قال ألفريد وو، الأستاذ المساعد في كلية لي كوان يو للسياسة العامة في جامعة سنغافورة الوطنية، إن زيارة الأسد للصين تتماشى مع مساعي شي جين بينغ المتكررة لتحدي الولايات المتحدة.
وأضاف "هذه الزيارة لا تتعلق بمبادرة طريق الحرير الجديد، لأن الصين لم تعد قادرة ماليا على توسيع المشروع، لكن الأمر يتعلق أكثر بإظهار شي وكأنه زعيم الجنوب العالمي. وهذا هو السبب الذي دفع شي للسفر إلى جنوب أفريقيا لحضور قمة بريكس، لكنه لم يشارك في قمة العشرين في الهند."
وأشار الباحث إلى أن الرئيس الصيني قد رحب والتقى في السابق وفي عدة مناسبات بممثلين رفيعي المستوى من دول تنبذها الولايات المتحدة والدول الغربية، لكنه شدد على أن الزيارة من غير المرجح أن تساعد الأسد في تحسين الموقف الأمريكي والأوروبي إزاء حكومته.
وفي ذلك، قال "لا يمكن أن يقصد الأسد إلا الصين في الوقت الحالي حيث لا يمكن أن تستقبله أي دولة غربية”.
فو يو / م. ع
سوريا.. خمسة عقود في قبضة عائلة الأسد
تحكم عائلة الأسد سوريا منذ أكثر من 5 عقود بقبضة من حديد، إذ يستمر الرئيس السوري بشار الأسد على نهج أبيه حافظ الذي تولى الحكم بانقلاب عسكري. هنا لمحة عن أبرز المحطات التي مرت بها سوريا في عهد عائلة الأسد.
صورة من: picture-alliance/dpa/R. Jensen
تولي الحكم بعد انقلاب "الحركة التصحيحية"
في 16 تشرين الثاني/نوفمبر 1970، نفّذ حافظ الأسد الذي كان يتولّى منصب وزير الدفاع انقلاباً عسكرياً عُرف بـ"الحركة التصحيحية" وأطاح برئيس الجمهورية حينها نور الدين الأتاسي. في 12 آذار/مارس 1971، انتخب الأسد الذي كان يترأس حزب البعث العربي الاشتراكي، رئيساً للجمهورية ضمن انتخابات لم ينافسه فيها أي مرشح آخر. وكان أول رئيس للبلاد من الطائفة العلوية التي تشكل عشرة في المئة من تعداد السكان.
صورة من: AP
"حرب تشرين"
في السادس من تشرين الأول/أكتوبر 1973، شنّت مصر وسوريا هجوماً مفاجئاً على إسرائيل من جهة قناة السويس غرباً، ومرتفعات الجولان شرقاً، في محاولة لاستعادة ما خسره العرب من أراض خلال حزيران/يونيو 1967، لكن تمّ صدهما. في أيار/مايو 1974، انتهت الحرب رسمياً بتوقيع اتفاقية فضّ الاشتباك في مرتفعات الجولان.
صورة من: Getty Images/AFP/GPO/David Rubinger
علاقات دبلوماسية بين واشنطن ودمشق!
في حزيران/يونيو 1974، زار الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون دمشق، معلناً إعادة إرساء العلاقات الدبلوماسية مع سوريا، بعدما كانت مجمّدة منذ العام 1967. في الصورة الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون مع وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي الأمريكي وقتها هنري كيسينجر.
صورة من: AFP/Getty Images
هيمنة على لبنان
في 1976 تدخّلت القوات السورية في الحرب الأهلية اللبنانية بموافقة أمريكية، وبناء على طلب من قوى مسيحية لبنانية. وفي 1977، بدأت المواجهات بين القوات السورية، التي انتشرت في معظم أجزاء البلاد ما عدا المنطقة الحدودية مع إسرائيل، وقوات مسيحية احتجت على الوجود السوري. وطيلة ثلاثة عقود، بقيت سوريا قوة مهيمنة على المستوى العسكري في لبنان وتحكمت بكل مفاصل الحياة السياسية حتى انسحابها في العام 2005.
صورة من: AP
قطيعة بين دمشق وبغداد!
في العام 1979، تدهورت العلاقات بين سوريا والعراق، اللذين حكمهما فرعان متنافسان من حزب البعث العربي الاشتراكي، بعد اتهام الرئيس العراقي آنذاك صدام حسين الوافد حديثاً إلى السلطة، دمشق بالتآمر. وقطعت بغداد علاقتها الدبلوماسية مع دمشق في تشرين الأول/أكتوبر 1980، بعدما دعمت الأخيرة طهران في حربها مع العراق. في الصورة يظهر الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين (يسار) مع الرئيس السوري السابق حافظ الأسد (وسط).
صورة من: The Online Museum of Syrian History
"مجزرة حماه"
في شباط/فبراير 1982، تصدّى النظام السوري لانتفاضة مسلّحة قادها الإخوان المسلمون في مدينة حماه (وسط)، وذهب ضحية ما يعرف بـ"مجزرة حماه" بين عشرة آلاف وأربعين ألف شخص. وجاء ذلك بعد قرابة ثلاث سنوات من هجوم بالرصاص والقنابل اليدوية على الكلية الحربية في مدينة حلب، أسفر عن مقتل ثمانين جندياً سورياً من الطائفة العلوية. وتوجّهت حينها أصابع الاتهام إلى الإخوان المسلمين بالوقوف خلف الهجوم.
صورة من: picture alliance /AA/M.Misto
محاولة انقلاب فاشلة
في تشرين الثاني/نوفمبر 1983، أصيب الأسد بأزمة قلبية نقل على إثرها إلى أحد مشافي دمشق. ودخل في غيبوبة لساعات عدّة، حاول خلالها شقيقه الأصغر رفعت الاستيلاء على السلطة عبر انقلاب فاشل، قبل أن يستعيد الأسد عافيته. وبعد عام، أُجبر رفعت على مغادرة سوريا. الصورة لحافظ الأسد (يمين) مع أخيه رفعت.
صورة من: Getty Images/AFP
تقارب مع الغرب!
بدأ الجليد الذي شاب علاقات سوريا مع أمريكا والغرب بالذوبان، عقب انهيار الاتحاد السوفياتي. انضمت سوريا إلى القوات متعددة الجنسيات في التحالف الذي قادته أمريكا ضد صدام حسين بعد غزو العراق للكويت. وفي تشرين الأول/أكتوبر 1994، زار الرئيس الأمريكي بيل كلينتون الأسد في دمشق. بعد أربع سنوات، زار الأسد فرنسا في أول زيارة له إلى بلد غربي منذ 22 عاماً، واستقبل بحفاوة من نظيره الفرنسي جاك شيراك.
صورة من: Remy de la Mauviniere/AP Photo/picture alliance
الابن يخلف أباه في الرئاسة!
توفي الأسد في 10 حزيران/يونيو 2000، عن عمر ناهز 69 عاماً، وكان شيراك الرئيس الغربي الوحيد الذي حضر جنازته.
وبعد شهر، تولّى نجله بشار السلطة، بعد تعديل دستوري سمح له بالترشّح. وحاز في استفتاء لم يضم أي مرشح آخر سواه على 97 في المئة من الأصوات.
صورة من: picture-alliance/dpa
انفتاح نسبي ولكن..!
بين أيلول/سبتمبر 2000 وشباط/فبراير 2001، شهدت سوريا فترة انفتاح وسمحت السلطات نسبياً بحرية التعبير. في 26 أيلول/سبتمبر 2000، دعا نحو مئة مثقّف وفنان سوري مقيمين في سوريا السلطات إلى "العفو" عن سجناء سياسيين وإلغاء حالة الطوارئ السارية منذ العام 1963. لكنّ هذه الفسحة الصغيرة من الحرية سرعان ما أقفلت بعدما عمدت السلطات إلى اعتقال مفكرين ومثقفين مشاركين في ما عُرف وقتها بـ"ربيع دمشق".
صورة من: picture-alliance/dpa/Y. Badawi
احتجاجات تحولت إلى نزاع دامٍ!
في العام 2011، لحقت سوريا بركب الثورات في دول عربية عدة، أبرزها مصر وتونس، في ما عُرف بـ"الربيع العربي". ومع اندلاع الاحتجاجات المناهضة لنظامه، قمع الأسد المتظاهرين السلميين بالقوة، وتحولت الاحتجاجات نزاعاً دامياً، سرعان ما تعددت جبهاته والضالعين فيه. وأودى النزاع المستمر بأكثر من 388 ألف شخص وهجّر وشرّد الملايين داخل البلاد وخارجها، وسوّى مناطق كاملة بالأرض.
صورة من: AFP/O. H. Kadour
بقاء على رأس السلطة بدعم روسي
في سنوات النزاع الأولى، فقدت قوات الحكومة السورية سيطرتها على مساحات واسعة من سوريا بينها مدن رئيسية. لكن وبدعم عسكري من حلفائها، إيران ثم روسيا، استعادت القوات الحكومية تدريجيًا نحو ثلثي مساحة البلاد، إثر سياسة حصار خانقة وعمليات عسكرية واسعة ضد الفصائل المعارضة والتنظيمات الجهادية. ولعب التدخل الجوي الروسي منذ خريف 2015 دوراً حاسماً في تغيير موازين القوى لصالح دمشق. م.ع.ح/ع.ج.م