زيارة عون للرياض.. أي دور ستلعبه السعودية مجدداً في لبنان؟
١ مارس ٢٠٢٥
اختار الرئيس اللبناني الجديد جوزيف عون زيارة المملكة العربية السعودية كأولى محطاته الخارجية منذ توليه منصبه. الزيارة جاءت بدعوة من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان خلال اتصال هاتفي هنأه خلاله على انتخابه رئيساً للبنان.
تقارب يأتي بعد توتر شديد ساد العلاقات بين البلدين إثر تصريحات عدد من المسؤولين اللبنانيين، الأمر الذي وعد الرئيس اللبناني بأنه لن يتكرر وبأن لبنان لن يكون منطلقاً لأي هجوم على السعودية أو قادتها سواء في الإعلام أو وسائل التواصل وأن الأمر سيشمل الدول العربية.
في ظل هذا التقارب اللبناني مع السعودية، وجهت بيروت رسائل عدة إلى طهران، وذلك خلال لقاء الرئيس اللبناني لوفد إيراني قدم إلى البلاد للمشاركة في مراسم تشييع الأمينين العامين لحزب الله حسن نصر الله وهاشم صفي الدين وللتباحث بشأن أزمة الطيران بين البلدين.
خلال اللقاء أكد عون أن "لبنان تعب من حروب الآخرين، وأن وحدة اللبنانيين هي أفضل مواجهة لأي خسارة أو عدوان"، فيما أكد رئيس مجلس الشورى محمد باقر قاليباف أن بلاده "تدعم أي قرار يتخذه لبنان بعيداً عن أي تدخل خارجي في شؤونه".
فهل تكون زيارة الرئيس اللبناني إلى السعودية وتصريحاته للوفد الإيراني بداية إعلان مغادرة لبنان للحلف الإيراني، بعد أن كان وعلى مدى عقود ساحة خلفية لطهران وأحد مسارح النفوذ الإيراني إلى جانب سوريا والعراق؟ وما الذي يريده لبنان من السعودية وهل حان الوقت أمام السعودية لاستعادة نفوذ ضائع مع حالة الوهن التي أصابت حزب الله ومخاوف إيران من ضربة عسكرية قاصمة أمريكية أو إسرائيلية قد تقع في أي وقت؟
دلائل الزيارة
يرى ديفيد وود، محلل أول للشؤون اللبنانية في مجموعة الأزمات الدولية، أن زيارة الرئيس اللبناني للسعودية ذات دلالات متعددة وهي خطوة كبيرة نحو تطوير العلاقات والتي تضررت بعد تصريحات بعض المسؤولين اللبنانيين السابقين بخصوص الحرب في اليمن، ما جعل السعودية - وحتى حلفاءها - يقلصون بشكل كبير العلاقات الدبلوماسية مع لبنان.
وأشار وود، خلال حوار هاتفي مع DW عربية، إلى أن تقليص العلاقات "كان أحد المؤشرات العديدة على أن دول الخليج، والسعودية بشكل خاص، غير راضية تماماً عن سير الأحداث في لبنان ولا عن طريقة تصرف الطبقة السياسية اللبنانية. وبالطبع كان أحد العوامل وربما أهمها هو أن حزب الله كان هو الجماعة الأكثر نفوذاً في البلاد، و نظراً لنفوذ حزب الله داخل البلاد فإن السعودية لم تعد ترغب في إعطاء الأولوية للبنان من ناحية الدعم وحولت اهتمامها إلى دول أخرى".
ويقول وود إن دعوة السعودية الرئيس اللبناني لزيارتها بصفة رسمية، jؤكد على اهتمام السعودية المتجدد بلبنان، الذي يتضح ليس فقط من هذه الزيارة، "ولكن أيضاً من حقيقة أن السعودية دعمت بشكل علني جوزيف عون ليصبح رئيساً في يناير من هذا العام، وهو ما يُظهر أن السعودية قد تكون أكثر استعداداً مما كانت عليه سابقاً لتقديم الدعم للبنان في التعامل مع أزماته المختلفة."
يتفق مع هذا الرأي أحمد عياش، الكاتب والمحلل السياسي من بيروت، الذي أكد "أنه يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار أن زيارة الرئيس جوزيف عون تأتي بعد تطورات عاصفة لا تزال توابعها مستمرة حتى اليوم، فالحرب الأخيرة تركت تأثيراً هائلاً من حيث الخسائر البشرية والمادية، فحزب الله الذي نعرفه قبل هذه الحرب، لم يعد هو نفسه ما بعد هذه الحرب، فقد تراجع نفوذه وهذا أمر واضح جداً".
وأضاف، خلال حديث مع DW عربية، أنه "انطلاقاً من أن الرئيس جوزيف عون نفسه هو قائد الجيش السابق لم يكن الشخص المفضل عند حزب الله ليكون رئيسا للجمهورية، ووصوله إلى الرئاسة أتى نتيجة تراجع نفوذ حزب الله، وهذا أمر واضح، وبالتالي سيكون لهذا الأمر جانب إيجابي فيما يتعلق بتعامل السعودية مع هذه الشخصية التي وصلت إلى قصر بعبدا بعد فراغ سياسي استمر نحو عامين".
استعادة لنفوذ مفقود؟
لسنوات عدة، اعتُبر لبنان جزءًا من الفناء الخلفي الإيراني إلى جانب سوريا والعراق واليمن. والآن أصبح حزب الله أضعف بكثير بعد الضربات الإسرائيلية.
ويرى خبراء ومحللون أن هذا هو الوقت المناسب للسعودية للعودة إلى المشهد اللبناني والبدء في استعادة نفوذها الذي فقدته وخصوصاً بعد اغتيال رفيق الحريري. لكن هناك من يقول إن الأمر ليس بهذه السهولة لأن حزب الله لديه الكثير من المؤيدين داخل لبنان ويمكنهم إفساد كل الخطط السعودية لاستعادة نفوذها داخل لبنان.
يعتقد ديفيد وود، الخبير في الشأن اللبناني، أن "حزب الله في وضع أضعف الآن مما كان عليه قبل ستة أشهر بعد أن تعرض لضربات هائلة خلال الحرب، إذ قتلت إسرائيل الكثير من قادته الكبار، كما دمرت الهجمات الإسرائيلية المجتمعات ذات الأغلبية الشيعية في جميع أنحاء البلاد حيث يعيش العديد من مؤيدي حزب الله".
وقال وود إن "حزب الله دعم جوزيف عون على مضض ليصبح الرئيس؛ بل إنه ربما حتى كان غاضباً من تعيين نواف سلام رئيساً للوزراء، لكنه مضى قدماً وقدم الدعم لحكومته مقدماً بعض التنازلات بشأن الحكومة نفسها، والآن رأينا أن البيان الوزاري لم يتضمن إشارة إلى أهمية المقاومة بالاعتراف بها كجزء من هيكل الأمن اللبناني. كما أن البيان أكد على ضرورة حيازة الدولة وحدها للسلاح، فكل هذه الأمور تُظهر لنا أن حزب الله لديه خيارات سياسية أكثر محدودية مما كان عليه من قبل".
دعم دولي بقيادة السعودية لإعادة إعمار لبنان
تضرر لبنان بشدة - وخصوصاً منطقة الجنوب - من الحرب الأخيرة التي طالت مناطق واسعة وصولاً إلى العاصمة بيروت. واليوم يحاول لبنان البحث عن شركاء إقليميين ودوليين لمساعدته في إعادة إعمار البلاد التي انهكتها الحرب.
يقول ديفيد وود، خبير الشأن اللبناني بمجموعة الأزمات الدولية، إن "الأمر لا يتعلق فقط بإعادة الإعمار بعد الحرب والتي ستكلف مليارات الدولارات، والتي من الواضح أن حزب الله وإيران والحكومة اللبنانية لا يمكنهم تغطية تكلفتها بمفردهم، أو حتى الاقتراب من القيام بذلك، إذ سيحتاجون إلى مساعدة من داعمين أجانب أثرياء للبنان، بما في ذلك السعودية ودول الخليج العربية الأخرى".
ويضيف وود أن الأمر "يتعلق أيضاً بالأزمة الاقتصادية في لبنان، التي دمرت المالية العامة للدولة وأضرت بالوضع الاقتصادي للناس منذ أكتوبر 2019، وقد تكون الرياض الآن أكثر استعداداً للمساهمة بسخاء في تعافي لبنان سواء من الحرب أو من الأزمة الاقتصادية. ومع ذلك، أوضحت الحكومة السعودية أنها ستقدم مساعدات مالية كبيرة فقط إذا رأت تقدماً ملموساً في الإصلاحات الداخلية، وأحد الأمور التي كانت دائماً قضية رئيسية بالنسبة للسعودية هو ألا يلعب حزب الله دوراً بارزاً، خاصة ببرنامجه العسكري في لبنان".
أما أحمد عياش الكاتب والمحلل السياسي فيرى أن لبنان يريد أن تكون السعودية إلى جانبه في هذه المرحلة على كل المستويات، فمثلاً يحتاج الجيش اللبناني إلى دعم سريع من أجل الوفاء بكل الالتزامات التي رتبها عليه قرار وقف إطلاق النار الذي أنهى هذه الحرب، وعليه مسؤولية أن يبسط سيادة الدولة، انطلاقاً من جنوب لبنان، لكنه لم يستطع عمل ذلك حتى هذه اللحظة بإمكانياته الحالية، لكن السعودية - وهذا معروف حسب المعلومات المتوافرة - هي الطرف الأساسي الذي يمكنه إمداد لبنان بهذه المساعدات، وهذا ما يتطلع إليه رئيس الجمهورية في زيارته المقبلة".
ما احتمال أن تتخلى السعودية عن لبنان؟
هل يمكن أن تكون الأجواء الإيجابية الحالية شيئا مؤقتا؟ يرى أحمد عياش، الكاتب والمحلل السياسي، أن السعودية، مع كل الدعم الذي ستقدمه للبنان، تريد في المقابل ألا يذهب هذا الدعم سدى كما حصل منذ فترة طويلة، "فقد أعطت الكثير من أجل لبنان، لكن ذلك الدعم ذهب هباء نتيجة نفوذ حزب الله وإيران عموماً في هذه المنطقة. واليوم تعلم السعودية وتدرك أن الأمور تغيرت، وأن كل الإمكانيات ستذهب اليوم إلى المؤسسات الشرعية في لبنان، ولا سيما الجيش اللبناني وهو ما سيكون له أثر مهم".
ولكن يخشى خبراء آخرون ألا تستمر تلك الأجواء الإيجابية. وهذا ما يذهب إليه ديفيد وود، خبير الشأن اللبناني بمجموعة الأزمات الدولية، حيث يقول "إذا شعرت السعودية بأنه لا يوجد اهتمام جاد بالإصلاح في لبنان، وإذا تكرر ما حدث من قبل وهو ضياع أشهر وسنوات في شلل سياسي وجدال لا نهاية له حول نزع سلاح حزب الله والإصلاحات الاقتصادية دون شيء يتم إنجازه، فأعتقد أن هناك فرصة قوية بأن ينظر السعوديون إلى هذا الوضع ويقولون، حسناً، من يمكننا مساعدته بدلاً من ذلك؟".
ويعتقد وود أن السعودية قد تنظر إلى سوريا إذا ما جرت الأمور بشكل أفضل فإنها ستقول: حسناً .. هذه سوريا، هذه دولة ذات أغلبية سنية، لدينا علاقة طويلة الأمد معها، فهؤلاء أشخاص يحتاجون إلى الكثير من الدعم، فلندعمهم بدلاً من ذلك. لذلك أعتقد أن لدى لبنان فرصة الآن بوجود دولة قوية كالسعودية لديها أموال ونفوذ وتقول إنها مستعدة للمساعدة إذا أظهر لبنان أنه يريد أن يساعد نفسه أيضاً."
واختتم حديثه بالقول: "لا أعتقد أن نافذة الفرصة هذه ستظل مفتوحة إلى الأبد، وأعتقد أنه إذا وقع لبنان مرة أخرى في دورة من الجمود السياسي، ومن التأخير في الإصلاحات، من عدم فعل أي شيء، فإن هذا الاهتمام السعودي سيختفي وليس من الواضح ما إذا كان سيعود، ومن هنا تاتي أهمية الزيارة".
شاركت في هذا التقرير: سارة حطيط - مكتب DW في بيروت