زيارة ماس لطهران.. هل ستنجح مساعي إنقاذ الاتفاق النووي؟
١٠ يونيو ٢٠١٩
فيما تدق الولايات المحدة طبول الحرب في منطقة الخليج، يسعى وزير الخارجية الألماني إلى إنقاذ الاتفاق النووي الإيراني خلال زيارته إلى طهران ودعوته إلى التعقل. لكن هل سينجح في مساعيه؟ وما هي أهداف كل طرف من التصعيد الراهن؟
إعلان
لماذا الآن؟
التصعيد وخطر اندلاع حرب في الخليج، يثير قلق ومخاوف كل الأطراف، بعد التطورات التي شهدتها المنطقة في الآونة الأخيرة ولاسيما مع الحملة الأمريكية "بممارسة أعلى درجات الضغط" على طهران من خلال تشديد العقوبات عليها. وتقول واشنطن إن طهران تخطط لضرب أهداف أمريكية في المنطقة وهي المسؤولة عن الهجوم على أربع ناقلات نفط قبالة سواحل الإمارات. كما عززت الولايات المتحدة تواجدها العسكري في المنطقة وسحبت دبلوماسييها غير الأساسيين من العراق.
أما إيران فقد نفد صبرها، بإعلانها عدم الالتزام ببعض بنود الاتفاق النووي بعد السابع من شهر يونيو/ حزيران 2019، إذا لم يجد الأوروبيون سبيلا لتخفيف العقوبات الاقتصادية الأمريكية. وزيادة في التصعيد، هاجم الحوثيون حلفاء إيران في اليمن، منشآت نفطية استراتيجية هامة في السعودية.
ماذا يريد ماس من زيارته إلى طهران؟
بالتشاور مع بريطانيا وفرنسا يريد وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، أن يقنع الإيرانيين بالبقاء ضمن "خطة العمل الشاملة المشتركة JCPoA". وقبل سفره إلى طهران، قالت المتحدثة باسمه، إنه "سيدعو إلى الهدوء والتعقل واحتواء التصعيد". وعلى رأس أولويات مساعي ماس، إقناع إيران بعدم تنفيذ تهديدها القاضي بعدم الالتزام ببعض بنود الاتفاق النووي بعد المهلة التي حددتها. كما أنه سيبذل جهده لمنح مزيد من الوقت لما يعرف بـ "آلية دعم التبادل التجاري Instex"، وهي آلية مالية للتبادل التجاري مع إيران لتجنب العقوبات الأمريكية المفروضة على طهران، أسستها ألمانيا وفرنسا وبريطانيا عقب إعلان ترامب انسحاب بلاده من الاتفاق النووي مع إيران.
كما كان ماس قد تحدث مع نظيره الأمريكي مايك بومبيو، أثناء لقائه في برلين، حول زيارته إلى طهران. لكن واشنطن غير راضية عن الجهود التي يبذلها الأوروبيون لانقاذ الاتفاق النووي مع إيران، ومن هنا يُعتقد أن زيارة ماس ستزعج الولايات المتحدة.
ماذا تريد إيران؟
تريد إيران التخلص من فخ العقوبات الأمريكية. فسياسة "ممارسة أعلى درجات الضغط" التي تمارسها واشنطن، هي أكثر من مجرد حرب اقتصادية من وجهة النظر الإيرانية. إذ أن هذه السياسة قد ألحقت أضرارا كبيرة بالاقتصاد الإيراني بعد تراجع كميات تصدير النفط إلى أقل من النصف وفقدان العملة الإيرانية ثلثي قيمتها وزيادة التضخم. وصحيح أن المواد الغذائية والطبية مستثناة من العقوبات الأمريكية، إلا أن تشابك النظام المالي العالمي، أدى إلى تأثرها بالعقوبات وحدوث نقص حاد فيها.
وأدى كل هذا إلى تعزيز مواقع ونفوذ المتشددين في الحكومة الإيرانية، والذين منذ عام 2015 حذروا من الثقة بالغرب. ومن هنا الضغوط في طهران كبيرة، وبالتالي فإن الأمل ضعيف جدا، بأن يعود ماس بنتائج إيجابية محددة من طهران. التي كانت قد استبقت زيارته، برفض مناقشة برنامجها النووي والبالستي أو دورها في المنطقة.
محللون: ترامب حرق "طبخة" الاتفاق النووي، فوساطة أي من هذه الأطراف ستنزع فتيل الحرب؟
02:14
ما هو موقف الولايات المتحدة؟
في الفترة الأخيرة تراجعت حدة نبرة ترامب، الذي أعلن عدم سعيه لتغيير النظام في إيران أو شن حرب عليها مبديا استعداده لإجراء محادثات معها، وإن هدفه من العقوبات الاقتصادية هو منع إيران من امتلاك قنبلة نووية، حسب تصريحاته الأخيرة. وذلك على عكس مستشاره للأمن القومي، جون بولتون، الذي يدق طبول الحرب ويدعو ومنذ سنوات إلى تغيير النظام في إيران، وساهم بشكل فعال في التصعيد الأخير، وصرح مؤخرا بأن أي هجوم على المصالح الأمريكية أو حلفائها سيتم الرد عليه بحزم، من دون أن يحدد ما هي تلك المصالح ولا من هم الحلفاء الذين يقصدهم!
وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، الذي يعتبر من صقور الإدارة الأمريكية، هو أيضا لم يعد يدلى بتصريحات نارية ويتطرق إلى شروطه الاثني عشر التي ذكرها سابقا للتفاوض مع إيران، إلا أنه يشترط أن "تتصرف إيران مثل دولة عادية"، وكأنه بذلك يسير على خطى ترامب في تصريحاته، لكن من الناحية العملية الأمر مختلف. ومن هنا فإن ما يقلق المراقبين هو أن ترامب فقط من يحول بين جون بولتون وشن حرب على إيران.
هل ستنجح المساعي الدبلوماسية؟
بعد إرسال الولايات المتحدة حاملة طائرات وقاذفات بي 52 إلى الخليج، بدأت المساعي الدبلوماسية لنزع فتيل الأزمة. فبعد زيارة وزير الخارجية الألماني، سيتوجه رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي إلى طهران بمباركة من ترامب ليقوم بالوساطة بين طهران وواشنطن، وفي هذا الإطار يبذل العراق وسلطنة عمان أيضا مساعيهما.
لكن دون تخفيف العقوبات لن تجلس إيران على طاولة المفاوضات مع الولايات المتحدة. وعلى المدى الطويل، لن تنعم المنطقة بالهدوء ما لم يتم الاتفاق على سياسة أمنية مشتركة تراعي مصالح كل الأطراف ولاسيما السعودية وإيران، القوتين الإقليمتين المتنافستين. وكان وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف قد أعلن في يناير/ كانون الثاني الماضي عن استعداد بلاده لإجراء محادثات مع السعودية.
ماتياس فون هاين/ عارف جابو
الاقتصاد الإيراني.. انتكاسة واضحة ومستقبل مهدد
يشهد الوضع الاقتصادي بإيران تراجعا. فبعد انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي وفرضها عقوبات اقتصادية وضغوط على إيران، فضلا عن خروج متظاهرين إلى الشارع احتجاجا على الوضعية الإقتصادية، صارت إيران تعيش على وقع أزمة مرجح تفاقمها.
صورة من: IRNA
أكبر احتجاجات منذ سنوات
شهدت إيران مع نهاية ديسمبر/ كانون الأول 2017 وانطلاق العام الجديد 2018 موجة مظاهرات بمناطق عدة نتيجة ارتفاع الأسعار وزيادة البطالة والأزمة المالية الخانقة بالبلد، وقتل فيها العشرات واعتقلت السلطات الآلاف. وهذه هي الحركة الاحتجاجية الأكبر في إيران منذ المظاهرات المعترضة على إعادة انتخاب محمود أحمدي نجاد رئيسا في العام 2009.
صورة من: Irna
العملة الإيرانية تفقد قيمتها
فقدت العملة الوطنية الإيرانية نصف قيمتها. وقد أشارت أرقام صادرة عن البنك الدولي، أن الاقتصاد الإيراني انخفض من المركز 17 إلى 27 على مستوى العالم خلال العقود الأربعة الماضية. لكن طلب الولايات المتحدة من الشركات العالمية وقف استيراد النفط الإيراني يهدد الاقتصاد بأزمة أكبر، إذ يمثل بيع النفط نسبة 64 بالمائة من إجمالي صادرات إيران، كما يشكل مصدرا أولا للعملة الصعبة التي تدخل البلد (الدولار واليورو).
صورة من: Getty Images/AFP/A. Kenare
الريالات الإيرانية في تدهور
أشارت بعض المصادر الإعلامية إلى أن ورقة الـ10 آلاف ريال إيراني كانت تساوي قبل عام 1979 حوالي 150 دولارا أمريكيا، أما الآن فهي أكثر بقليل من 10 سنتات في سوق الصرف المتقلبة في طهران. وبالرغم من استعادة الاقتصاد الإيراني لعافيته بعد 2015، إلا أنه بقي هشا. ويُنتظر أن يزيد تدهورا بعد فرض العقوبات التي ستؤثر على الريال الإيراني.
صورة من: AP
ارتفاع أسعار الذهب
أكد رئيس اتحاد تجار الذهب في طهران، أن الصراع بين إيران وأمريكا، أدى إلى ارتفاع أسعار الذهب في البلاد، حسب ما تناقلته مواقع إخبارية. وسجلت المسكوكة الذهبية في السوق الإيرانية رقما قياسيا جديدا ببلوغها الـ 3 ملايين و400 ألف تومان، حيث زاد سعرها نحو 600 ألف تومان خلال شهر واحد.
صورة من: Isna/Rohollah Vahdati
البنوك في أزمة!
يواجه البنك المركزي الإيراني صعوبات كبيرة في تنفيذ المعاملات المالية داخل البلد وخارجه. ويعزي البعض ذلك إلى أخذ البنك لودائع تقدر نسبة فائدتها السنوية بـ20 إلى 23 بالمائة. وبسبب العقوبات الأمريكية، خفضت البنوك معدلات الفائدة ما بين 10 إلى 15 بالمائة، مما دفع الكثير من المودعين إلى سحب أموالهم لشراء الدولار واليورو. وهو ما أدى إلى تفاقم نقص العملات الأجنبية، وإغلاق مكاتب صرافة، لكن دون جدوى.
صورة من: Isna
أسعار خيالية!
من بين المؤشرات على تأزم الوضع الاقتصادي في إيران، انخفاض قيمة الريال الإيراني الذي أدى إلى ارتفاع أسعار بعض السلع المستوردة بنسبة 100 بالمائة، علاوة على ارتفاع أسعار السلع الأساسية بشكل جنوني. هذا بالإضافة إلى انخفاض نشاط بورصة السلع الإيرانية إلى حد أدنى. وتشير توقعات خبراء في شركة "بي أم آي" للأبحاث الاقتصادية العالمية، أن يشهد الاقتصاد الإيراني انكماشاً بنحو 4 في المئة العام المقبل.
صورة من: AP
التضخم يرفع الأسعار
شكل التضخم خلال السنوات الماضية عاملا أساسيا في تدهور الاقتصاد الإيراني حيث يبلغ متوسط معدل التضخم ما بين 19 و20 بالمائة سنويا. وحسب مركز الإحصاء الإيراني الحكومي في طهران فإن معدل التضخم وصل في يونيو/ حزيران الماضي إلى نحو 8.7 %، مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي، الأمر الذي يكشف عن ارتفاع أسعار السلع والخدمات الأساسية، وانخفاض قيمة العملة المحلية مؤخرا.
صورة من: ILNA
فقر وبطالة وهجرة
ساهمت مشكلة التضخم في ظهور الطبقات المجتمعية بإيران وانتشار الفقر والبطالة. وحسب تقديرات البنك الدولي فإن متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في إيران استنادا إلى القدرة الشرائية الحقيقية للعملة الإيرانية بين عامي 1976 و2017، يكشف أنه خلال هذه الفترة أصبح الإيراني أكثر فقرا بنسبة 32 بالمئة. كما تشير الاحصائيات إلى أن عددا كبيرا من الشباب الإيراني يحاول الفرار من الأوضاع المتأزمة.
صورة من: shahrvanddaily.ir
صفقات في مهب الريح!
من بين الجوانب المرجح تأثرها السلبي بالعقوبات الأمريكية، الصفقات المعقودة مع كبرى الشركات الدولية على الصعيد العالمي وعلى صعيد النفط وأيضا والأجهزة الإلكترونية، مثل الصفقات التي عقدتها طهران مع شركة توتال النفطية وشركة فولكسفاغن الألمانية لصناعة السيارات وجنرال إلكتريك للأجهزة والمعدات الإلكترونية.
صورة من: picture-alliance/dpa
انتكاسة السياحة
توتر العلاقات مع الاقتصاديات الكبرى وبعد العقوبات المفروضة جعل الحالة الإقتصادية لإيران مُقبلة على عزلة تشمل عدة قطاعات مثل السياحة. فبعد أن دشنت شركات طيران كبرى، مثل الخطوط الجوية البريطانية، رحلات إلى البلد بهدف الترويج له كوجهة سياحية، وفتح سلسلة فنادق عالمية مثل Accor عام 2015، يرى مراقبون أن هذه الصفقات قد يتم التراجع عنها بسب قلة السياح ومحدودية رحلات الطيران القادمة من أوروبا. مريم مرغيش