منذ أكثر من أربعة أشهر، طردت الحكومة اليونانية حوالي 11 ألف لاجئ معترف بهم من المخيمات ومرافق الاستقبال. اليوم، لا يزال الكثيرون منهم بلا مأوى يفترشون حدائق وساحات عامة مثل ساحة فيكتوريا في وسط العاصمة أثينا.
إعلان
مع حلول الليل، تتجمع أعداد كبيرة من المهاجرين واللاجئين في ساحة فيكتوريا، وهي حديقة صغيرة وسط أثينا. يبحث البعض عن أشخاص ينحدرون من بلدانهم، ولاجئون آخرون ليس لديهم مكان آخر يذهبون إليه. أمهات وآباء رفقة أطفال حديثي الولادة، ونساء حوامل وأشخاص يعانون من مشاكل نفسية وجسدية كثيرة، وكبار السن، كلهم تقريبا معدمون.
عائلة من أفغانستان تفترش الأرض وتلتحف أغطية خفيفة تقيها برودة الطقس، أمضوا تحت الشجرة نفسها عدة أسابيع. جاءت الأسرة إلى أثينا من مخيم موريا في ليسبوس، حيث مُنحوا حق اللجوء.
"تحكي أرمينة (اسم مستعار) ذات الـ 19 عاما، "أنا من أفغانستان، أعيش هنا مع والدي ومع أخي البالغ من العمر 16 عامًا. أمي تعاني من مشكلة في القلب وأخي يعاني من مشاكل نفسية. نعيش هنا لكنهم لم يساعدونا، لم يقدموا لنا المساعدة لإيجاد مكان نعيش فيه، أو على الأقل توفير الطعام والماء".
من جهتها، تحكي سعدو (اسم مستعار) يناهز عمرها 19 سنة، تحكي تجربتها لمهاجر نيوز "أنا من الصومال، أتيت إلى اليونان قبل عام، ليس لدي منزل أو مخيم للعيش فيه، جميع المخيمات ممتلئة الآن. كنت أنام هنا في ساحة فيكتوريا، لكنني الآن أعيش مع صديقتي ساكيديو. ليس لدي بطاقة أو منزل، وليس بمقدوري فعل شيء سوى الانتظار، لأنه ليس لدي حل".
أرادت الحكومة أن يصبح اللاجئون مكتفين ذاتياً وأن يندمجوا، نصحت الناس بالتسجيل في برنامج "هيليوس" الذي تديره المنظمة الدولية للهجرة، والذي يقدم إعانة إيجار لأولئك الذين يمكنهم العثور على سكنهم الخاص. لكن اليونان منحت حق اللجوء لعشرات الآلاف من الأشخاص في العامين أو الثلاثة أعوام الماضية، لا يمكن للبرنامج مساعدة سوى جزء صغير منهم.
الأشخاص الذين تحدث إليهم مهاجر نيوز في ساحة فيكتوريا لم يكونوا ضمن برنامج "هيليوس" أو يتلقون أي دعم آخر خاص بالاندماج.
ويحكي محمد خالد رحيمي، قصته لمهاجر نيوز بقوله "لمدة ثمانية أشهر كنت في مخيم موريا، وهذا هو الشهر الثاني لي في أثينا. قدمت إلى أثينا لأنهم منحوني بطاقة هوية وقالوا إن إقامتك في المخيم غير قانونية ولالا يمكننا معالجة مستنداتك في موريا". ويضيف رحيمي قائلا "عندما أتيت إلى هنا لم يكن لدي أقارب ولم أكن أعرف أحدا. لقد أتيت إلى فيكتوريا بارك وبقيت هنا لعدة أيام، لم أحصل على شيء من الحكومة. حصلت على بطاقة هويتي بعد أربعة أشهر في موريا وخلال تلك الأشهر الأربعة تلقيت 130 يورو من المفوضية، بعد ذلك لم أحصل على أي شيء من أي جهة أخرى. أنا شاب متعلم وأتمتع بصحة جيدة، لكن منذ أن جئت إلى هنا، أصبحت مثل جثة".
لاخطط للاندماج على المدى الطويل!
لا يمكن للاجئين في اليونان الحصول على عمل أو مساعدات الخدمات الاجتماعية حتى يكون لديهم رقم ضريبي. للحصول عليه، يحتاجون إلى إثباث سكن، وهو ما لا يمكنهم الحصول عليه إذا كانوا متشردين بلا مأوى.
"تكمن المشكلة في عدم وجود أي خطة اندماج طويلة الأمد لطالبي اللجوء والمستفيدين من الحماية الدولية في اليونان"، تشرح ناتاليا رافاييلا كافكوتسو، محامية في المجلس اليوناني للاجئين في تصريحات لمهاجر نيوز، موضحة أن الدولة اليونانية "لا تقدم فرصًا لتعلم اللغة أو الحصول على رقم ضريبي لكي تلج سوق الشغل وتكون قادرًا على العمل، وتوفر لنفسك سبل العيش الكريم".
وقد تم إصدار شهادات لبعض الأشخاص الذين تم نقلهم من ميدان فيكتوريا إلى مراكز الاستقبال والمخيمات لتأكيد تواجدهم هناك سابقا، حتى يتمكنوا من الحصول على أرقام ضريبية. كما كان العديد من الأشخاص هنا في فيكتوريا يعيشون في مخيمات مثل موريا وفي العديد من "النقاط الساخنة" بجزيرة بحر إيجة، تمكنوا من الوصول إلى أثينا وحصلوا فيها على صفة لاجئ. الآن عليهم الاختيار بين حياة التشرد والفقر في المدينة، أوالعودة إلى مخيمات الجزيرة.
وتقول المحامية كافكوتسو، إن ميثاق الاتحاد الأوروبي الجديد بشأن الهجرة، والذي يهدف إلى جعل التعامل مع هذه الفئة أكثر عدلا، يمثل "خيبة أمل كبيرة". "هذا الوضع السائد في المخيم الجديد وموريا والمخيمات الأخرى، بالإضافة إلى ميدان فيكتوريا، لا يمكن معالجته بهذه الحلول اللحظية الترقيعية عندما يتعلق الأمر بحماية حقوق الإنسان. وفي رأيي اليونان، وأوروبا قد فشلوا معًا في تدبير هذا الملف".
تعرض مخيم اللاجئين موريا في جزيرة ليسبوس اليونانية للحريق، وقد أصبح الوضع في المخيم المكتظ في غاية الحرج. لكن حتى قبل الحريق كان الوضع مأساويا في أكبر مخيم للاجئين في أوروبا.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/P. Balaskas
ليلة الحرائق
في ليلة الأربعاء (9 سبتمبر 2020) اشتعلت حرائق في مخيم اللاجئين موريا في جزيرة ليسبوس اليونانية وفي عدة مواقع. ولذلك هناك فرضية أن الحرائق اُضرمت عن قصد. بعض سكان المخيم تحدثوا عن إحراق متعمد من طرف سكان محليين. وهناك تقارير تفيد بأن لاجئين هم الذين أضرموا النيران.
صورة من: Getty Images/AFP/M. Lagoutaris
على قارعة الطريق
تمكن سكان مخيم اللاجئين المكتظ من النجاة بحيث لم يُسجل موتى ولا مصابون. وحسب وسائل إعلام يونانية، فإن الكثير من الأشخاص لجأوا إلى مرتفعات وغابات بالقرب من المخيم. وتفيد تقارير مساعدين بأن آلاف الأشخاص تائهون في الشوارع ولا يوجد طعام ولا ماء وتعم الفوضى.
صورة من: Imago Images/Xinhua/P. Balaskas
فقدان مقومات الحياة
أُقيم المخيم لاحتضان 2800 شخص. وإلى حين نشوب الحرائق كان يعيش هناك نحو 12.600 لاجئ. وحتى قبل الحريق كانت ظروف الحياة كارثية. وعندما ننظر إلى هذه الصورة بعد الحريق، يظهر بسرعة جليا أنه في المستقبل القريب لا يمكن توفير حياة كريمة في المخيم.
صورة من: Reuters/E. Marcou
قريبا من تركيا
مخيم اللاجئين موريا يقع في شرق الجزيرة اليونانية ليسبوس. ولا يبعد عن الشواطئ التركية سوى نحو 15 كلم. وليسبوس هي ثالث أكبر جزيرة في اليونان وبها حوالي 90.000 نسمة. وحوالي 38.000 شخص يعيشون في عاصمة الجزيرة ميتيليني البعيدة فقط بضعة كيلومترات من موريا.
إخفاء معالم صورة المخيم على غوغل
من يرغب في مشاهدة مخيم اللاجئين موريا على خريطة غوغل من الجو فلا يسعفه الحظ. فصورة المخيم برمته تم إخفاء معالمها ولا يمكن التعرف عليه من خلالها. وردا على سؤال من دويتشه فيله DW قال موقع غوغل بأنه ليس هو من يقوم بحجب الصور، بل جهات ثالثة تنجز صور الأقمار الصناعية. ولا يُعرف لماذا تم إخفاء معالم صورة المخيم.
صورة من: 2020 CNES/Airbus, European Space Imaging, Maxar Technologies
المخيم بصورة جوية
هذه الصورة من الجو تكشف بأن المخيم توسع بشكل ملحوظ، ففي الوقت الذي يظهر فيه على صورة الأقمار الصناعية لخريطة غوغل أن المنزل بالسطح الأحمر لم يكن جزءا من المخيم، يبدو في الصورة الجوية أن المخيم يتوسع بشكل تدريجي ليشمل البناء المذكور.
صورة من: DW/D. Tosidis
نظرة إلى الماضي
تم التقاط صور لمنطقة المخيم في ديسمبر/ كانون الأول 2011. حينها لم يكن هناك مخيم موريا أو أي مخيم آخر. وعوضا عن ذلك كان هناك منشأة عسكرية. واعتبارا من أكتوبر 2015 تم في الموقع تسجيل طالبي لجوء قبل نقلهم إلى البر اليوناني.
صورة من: 2020 Google
البقاء في المخيم يطول منذ الاتفاق مع تركيا
في الوقت الذي ينبغي فيه بقاء المهاجرين في المخيم لوقت قصير ـ هذه الصورة تعود لأكتوبر 2015 ـ يستمر بقائهم في المخيم مع الاتفاقية الأوروبية التركية منذ مارس/ آذار 2016. ومنذ ذلك الوقت ينتظر طالبو اللجوء هنا توزيعهم على دول أخرى في الاتحاد الأوروبي أو ترحيلهم.
صورة من: DW/D. Cupolo
الانتظار والانتظار ثم الانتظار...
بعد الاتفاقية بين الاتحاد الأوروبي وتركيا لم يعد بوسع المهاجرين الانتقال إلى الأراضي البرية اليونانية، لأن تركيا لن تعيد استقبالهم في حال وصولهم إليها. وبما أن بلدان الاتحاد الأوروبي غير متحدة فيما يخص إيواء المهاجرين، فإنهم يبقون طويلا في المخيم. ويوجد الكثير من الجنسيات في ظروف سيئة وفي مجال ضيق، وعليه لا عجب أن تحصل توترات.
صورة من: DW/D. Cupolo
عندما تتفجر التوترات
تفجرت التوترات منذ سبتمبر/ أيلول 2016 في مواجهات عنيفة أدت أيضا إلى إضرام نيران. وحينها كان يوجد "فقط" نحو 3000 مهاجر في المخيم. يومها تم تدمير أجزاء كبيرة في المخيم. وبعد أشهر قليلة من ذلك الحريق أضرم مئات المهاجرين النار في حاويات مؤسسة اللجوء الأوروبية احتجاجا على الفترة الزمنية الطويلة لمعالجة الطلبات في المخيم.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/M. Schwarz
نيران وموتى
في سبتمبر/ أيلول 2019 حصل حريق إضافي كبير. حينها اشتعل بستان زيتون وفي الأثناء توسع المخيم على أرضه. وبعد 20 دقيقة من حادث البستان اشتعل حريق إضافي داخل المخيم أدى إلى وفاة شخصين: امرأة ورضيعها. وفي ذلك الوقت كان يقيم في المخيم أكثر من 12.000 شخص.
صورة من: picture-alliance/AP Photo
قطع زيارة مسؤول ألماني
في أغسطس من العام الجاري زار أرمين لاشيت، رئيس وزراء شمال الراين وستفاليا، أكبر ولاية من حيث عدد السكان في المانيا موريا. وكان ينوي في الحقيقة معاينة ما يُسمى الجانب العشوائي خارج المخيم. ولأسباب أمنية تم شطب هذه الزيارة من البرنامج. قبل ذلك تشنجت الأجواء وحصلت هتافات تدعو إلى "تحرير موريا".
صورة من: picture-alliance/dpa/D. Hülsmeier
والآن ماذا سيحدث؟
مخيم مكتظ وظروف عيش مخيفة وتوترات عرقية، ثم ظهرت حالات كورونا الأولى. إنه وضع كارثي. كان هذا حتى قبل الحريق. فهل يعني الحريق الأخير زوال المخيم أم تشكل الكارثة نقطة تحول نحو توفير متطلبات حياة كريمة؟ إلى حد الآن لا أحد يمكنه الإجابة على هذا السؤال.