لم يثر قرار الرئيس الأمريكي ترامب بشأن القدس الاعتراضات والانتقادات فحسب بل ودفع المنتقدين للبحث عن خلفياته. مراقبون يرون أن هناك عاملين كان لهما الدور الحاسم في اتخاذ القرار، رغم علم الإدارة الأمريكية بتداعياته المحتملة
إعلان
يخطئ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إذا ما اعتقد أن الاعتراضات على قراره الفردي قد تنتهي ببطء، فالاحتجاجات على قرار الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارة بلاده من تل أبيب إليها، ستزداد حدة بشكل تدريبي، سواء كان الأمر في الولايات المتحدة نفسها أو في بقية دول العالم.
في جلسة طارئة لمجلس الأمن الدولي كان على الولايات المتحدة تجرع الكثير من الانتقادات، وفيما بعد أعلنت بريطانيا وفرنسا والسويد وإيطاليا وحتى ألمانيا أن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل يتعارض مع القرارات الأممية ذات الصلة، وأنه "لا يساعد" في إحلال السلام بمنطقة الشرق الأوسط. وخرج آلاف المسلمين في جميع أنحاء العالم إلى الشوارع احتجاجاً على قرار ترامب.
كما أعلن تسعة سفراء أمريكيون سابقون في إسرائيل (من أصل 11) معارضتهم لهذه الخطوة الأحادية الجانب، وفق ما كشفه استطلاع للرأي أجرته نيويورك تايمز. وفي الوقت ذاته أدان أكثر من مائة أستاذ في الدراسات اليهودية بالولايات المتحدة قرار ترامب في رسالة جماعية.
وفي ضوء الانتقادات الكثيرة التي ترى أن واشنطن تخلت عن موقف سياسي تطور عبر عقود طويلة من الزمن، يُطرح التساؤل التالي: لماذا أقدم ترامب على هذه الخطوة على الرغم من كل التحذيرات التي وجهتها دول عربية وشركاء أوروبيون؟
من أجل الإنجيليين المتشددين
ويمكن أن يتضح هذا ببساطة، كما يقول مارتين أنديك، السفير الأمريكي السابق في إسرائيل والمبعوث الخاص في المحادثات الفلسطينية الإسرائيلية ونائب رئيس مركز بروكينغس للأبحاث. ويضيف بالقول: "كان القرار إغراء لقاعدة الإنجيلية المسيحية والمتشددة".
ويتفق ستيفن سبيغل، مدير مركز تطوير الشرق الأوسط في جامعة كاليفورنيا، في ذك. ويقول سبيغل إن إرضاء الداعمين اليهود والمسيحيين المحافظين كان عاملاً أساسياً في قرار ترامب. فخلال الحملة الانتخابية أكد ترامب مراراً بأنه سيعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل وأنه سينقل سفارة بلاده هناك إليها.
خطوة مغرية
لا يمكن لترامب تلبية الكثير من الوعود الانتخابية ببساطة كما خطط من قبل، مثل التراجع عن قانون النظام الصحي الذي أقره سلفه باراك أوباما أو حظر سفر المسلمين إلى الولايات المتحدة. إذ يواجه الرئيس ترامب الكثير من المصاعب في تمرير مشاريع قوانينه على الرغم من أن حزبه الجمهوري يتمتع بأغلبية في مجلسي الكونغرس.
وعلى النقيض من ذلك كان الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل بمثابة ثمرة سهلة المنال، لأن الأمر يتوقف على قرار الرئيس وحده دون الرجوع إلى مراكز قرار أخرى.
لكن من جانب آخر يوجد عامل غير سياسي آخر يمكن أن يساعد في توضيح قرار ترامب بالتراجع عن سياسة بلاده الخارجية التي انتهجتها لعقود من الزمن، كما يوضح سبيغل. ويضيف بالقول: "إنه هز الوضع القائم من خلال فكرة أفضل. لم لا؟ لكن هذا الأمر ليس بمحور الثقل في هذه الحالة، خصوصاً إذا لم يُذكر أن القدس الشرقية ستصبح عاصمة الدولة الفلسطينية".
ترامب يضيع حظوته في الشرق الأوسط
وينتقد الخبيران قرار ترامب والطريقة التي أعلن بها عنه، وبحسب أنديك وسبيغل فإن ترامب حطم بخطوته الأخيرة مساعي الحكومة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، وهي واحدة من المناطق القليلة في العالم -بحسب سبيغل- التي كانت تتطلع بإيجابية لسياسة ترامب حتى وقت قريب.
ويضيف سبيغل بالقول: "بالكاد بانت بوادر تحسن في النظرة إلى السياسة الأمريكية بالمنطقة. فالدول العربية لم تكن تنظر بشيء من الود لسياسة أوباما في الشرق الأوسط، وهذا ما كان بمثابة مزية لترامب، الذي لم تكن النظرة إليه سيئة كما هو الحال في مناطق العالم الأخرى. لكنه أفسد ذلك ببساطة".
وبحسب أنديك فإن قرار ترامب بشأن القدس لا يتناسب مع أهدافه الأخرى في الشرقين الأدنى والأوسط، ويضيف: "حاول مستشاروه موائمة القرار مع استراتيجيته لإحلال السلام. لكن لم يكن هناك ثمة توازن يقلل من غضب الفلسطينيين".
ويقول ستيفن سبيغل، مدير مركز تطوير الشرق الأوسط في جامعة كاليفورنيا، إنه على قناعة من أن قرار ترامب وجه ضربة قاصمة لعملية السلام في الشرق الأوسط، إذ أضر كثيراً بصورة واشنطن في المنطقة.
من جانبه يقول أنديك: "إنها خطوة رمزية إلى حد بعيد، وبشكل خاص لأن الأمر سيحتاج إلى سنوات طويلة لحين نقل السفارة الأمريكية إلى القدس". ويضيف: "لكن الصراع في منطقة الشرق الأوسط سيستعر الآن مجدداً من خلال الرموز".
ميشائيل كنيغه/ ع.غ
بالصور.. "جمعة غضب" ضد قرار ترامب حول القدس
اعتبر اليوم "يوم غضب" ليس فقط في الأراضي الفلسطينية وإنما أيضا في دول عربية وإسلامية وحول العالم، مثل ألمانيا. حيث خرج المحتجون بالآلاف للتنديد بقرار ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل. يوم الغضب الفلسطيني في صور.
صورة من: Getty Images/S. Gallup
"يوم الغضب"
شهدت الأراضي الفلسطينية عقب صلاة يوم الجمعة (8 ديسمبر/ كانون الأول 2017) مظاهرات عارمة في مدن فلسطينية مختلفة. كما شارك مئات الآلاف من المتظاهرين في عدد من الدول العربية والإسلامية وحول العالم في الاحتجاج على قرار الرئيس ترامب بالاعتراف رسمياً بالقدس عاصمة لإسرائيل.
صورة من: picture-alliance/AA/I. Rimawi
مظاهرات أمام المسجد الاقصى
ومع انتهاء صلاة الجمعة في المسجد الأقصى شق المصلون طريقهم صوب أبواب البلدة القديمة مرددين هتافات مثل "القدس لنا.. القدس عاصمتنا". وكانت إسرائيل قد نشرت المئات من ضباط الشرطة عقب الدعوات الفلسطينية إلى الاحتجاجات بعد صلاة الجمعة.
صورة من: Getty Images/AFP/A. Gharabli
قنابل الغاز في مواجهة المتظاهرين
وفي الخليل وبيت لحم ونابلس ألقى عشرات من الفلسطينيين الحجارة على الجنود الإسرائيليين، الذين ردوا بإطلاق الغاز المسيل للدموع.
صورة من: Getty Images/AFP/T. Coex
جرحى بالمئات
وأسفرت المواجهات بين الشبان الفلسطينيين والجنود الإسرائيليين عن مقتل فلسطينيين وإصابة نحو 700 آخرين الجمعة في مواجهات في الضفة الغربية وقطاع غزة ضمن "جمعة الغضب" نصرة للقدس. وقالت مصادر فلسطينية إن شابا (30 عاما) قتل جراء إصابته بعيار ناري من قوات إسرائيلية المتمركزة خلف السياج الفاصل شرق مدينة خان يونس في جنوب قطاع غزة.
صورة من: Reuters/I. A. Mustafa
الأردن
وتابع اللاجئون الفلسطنيون في المخيمات بالأردن الأربعاء الماضي خطاب الرئيس الأمريكى، الذي أعلن فيه الاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل. وشارك اليوم الجمعة أكثر من 20 ألف شخص في مظاهرة عقب الصلاة، من أمام المسجد الحسني الكبير وسط عمان. كما نفذ العشرات وقفة احتجاجية عصر الجمعة قرب السفارة الأمريكية وسط اجراءات أمنية مشددة.
صورة من: Reuters/M. Hamed
العراق
في بغداد، تظاهر مئات العراقيين في مدينة الصدر شرق العاصمة، بعدما أقاموا صلاة الجمعة في الشارع. كما شهدت العديد من المناطق العراقية مظاهرات نددت بقرار الرئيس الأمريكي بنقل سفارة بلاده إلى القدس. وهتف المتظاهرون بشعارات تطالب ترامب بسحب قراره، معتبرينه أمراً يهدد الأمن والاستقرار في المنطقة كلها.
صورة من: Reuters/E. al-Sudani
لبنان
وشهد المسجد الأموي في بعلبك اعتصاما بعد صلاة الجمعة، تلبية لدعوة مشتركة من مفتي بعلبك الهرمل و"تيار المستقبل"، بمشاركة فاعليات دينية وهيئات من المجتمع المدني. كما نفذ شباب طرابلس اعتصاماً. وخرج الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين من مخيمات مدينة صور في مسيرات غضب، ورددوا شعارات وهتافات شجب للقرار الامريكي وما أسموه "الصمت العربي". يذكر أن نحو400 ألف لاجئ فلسطيني متواجدون في 12 مخيماً في أنحاء لبنان.
صورة من: DW/A.Vohra
مصر
في مصر تظاهر المئات في ساحة الجامع الأزهر بعد صلاة الجمعة، وردد المتظاهرون الهتافات المناهضة للقرار الأمريكي، وأكدوا على ضرورة تكاتف الدول العربية والإسلامية ضد العدوان الإسرائيلي وضد القرار الأمريكي وتنفيذ مقاطعة تجارية واقتصادية للولايات المتحدة.
صورة من: Reuters/M. A. E. Ghany
تونس
وفي تونس استمرت المظاهرات والمسيرات الاحتجاجية اليوم الجمعة لليوم الثاني على التوالي تنديدا بقرار الرئيس الأمريكي. وانطلقت مسيرة حاشدة ضمت الآلاف من أمام مقر الاتحاد التونسي للشغل، أكبر النقابات العمالية في تونس، في وسط العاصمة تونس شاركت فيها أحزاب سياسية ومنظمات المجتمع المدني ومحامون وقضاة وطلاب مدارس وجامعات وجابت شارعي الحبيب بورقيبة ومحمد الخامس أكبر شوارع العاصمة وسط إجراءات أمنية مشددة.
صورة من: Reuters/Z. Souissi
تركيا
وخرج آلاف الأشخاص عقب صلاة الجمعة في إسطنبول في مسيرة من مسجد الفاتح وسط المدينة التركية حيث هتفوا "القدس لنا وستبقى كذلك". ويُذكر أن تركيا وإسرائيل قد أعلنتا العام الماضي انتهاء أزمة بينهما تسبب فيها اقتحام وحدة من القوات الإسرائيلية سفينة مساعدات كانت متوجهة نحو غزة في 2010، ما أسفر عن مقتل عشرة نشطاء أتراك.
صورة من: Reuters/O. Orsal
إيران
كما تظاهر إيرانيون في أنحاء مختلفة من البلاد، وأذاع التلفزيون الرسمي في إيران لقطات لمتظاهرين يتحركون في مسيرة ويهتفون "الموت لأمريكا" و"الموت لإسرائيل" ويرفعون الأعلام الفلسطينية ولافتات كتب عليها "القدس للمسلمين". وذكرت وسائل إعلام إيرانية أن متظاهرين في عدة مدن أحرقوا دمى تمثل ترامب.
صورة من: picture-alliance/AA/Stringer
برلين
وشهدت برلين مظاهرة احتجاجاً على إعلان ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل. وتجمع الجمعة حوالي 1200 شخص أمام بوابة براندنبورغ بالعاصمة الألمانية. ولوح المحتجون، الذين احتشدوا قرب السفارة الأمريكية ببرلين بالعديد من الأعلام الفلسطينية. وقالت الشرطة إن المسيرة مرت دون إزعاج كبير. وأمنت مكان المسيرة بـ 450 من رجالها. إعداد: إيمان ملوك