في جبال المغرب يتحين آلاف اللاجئين الفرصة لتجاوز السياج الحدودي لجيب سبتة، إذ أصبحت إسبانيا الهدف الرئيسي للمهاجرين الأفارقة. أوليفر ساليت وافى DW بتقرير من المنطقة الحدودية.
إعلان
بخطوات صغيرة يعود موسى إلى مخبئه، منحني الرأس حتى لا يظهر من وسط العشب، فهو لا يريد أن يتعرف عليه رجال الشرطة المغاربة الذين يطاردونه وأصدقاءه بلا هوادة. وبفضل معطفه الذي يحمل رسومات باللون الخاكي يصعب التعرف عليه وسط العشب في جبال المغرب.
وحتى في صباح هذا اليوم جاءت الشرطة مجددا إلى الوادي الذي يعيش فيه موسى وأصدقاؤه منذ نصف سنة. ومرة أخرى أقدم رجال الشرطة على تدمير كل شيء يجدونه. فحتى الصناديق من الورق المقوى التي ينام عليها الشباب باتت ممزقة إلى أجزاء تتطاير فوق الأرض، وبجانبها فضلات الطعام القليلة التي عثروا عليها في المزبلة. "انظروا هنا" يهتف موسى ويكشف عن بقايا كيس من القماش كان مليئا بالتبن كان يستخدمه موسى كمطرح. فهو الآن ممزق وفارغ فوق الشجيرات التي اتخذوها مخبأ لهم.
التخلي عن الهدف؟ أبدا!
ويقول اللاجئون بأن الحياة هنا تشبه الجحيم. ولكن الآن فإنّ التخلي عن كل شيء غير وارد أبدا. إما أن ينجحوا في تجاوز السياج في سبتة، يقول موسى أو يبقوا هنا بإذن الله. فهم عايشوا جميعا أشياء مرعبة أثناء رحلتهم عبر الصحراء. فهم لن يتخلوا أبدا عن هدف تجاوز الأسلاك الشوكية المرتفعة بستة أمتار المكروهة كيفما كانت أشكال التنكيل التي تفعلها بهم الشرطة المغربية، وكيفما كانت الجروح التي يُصابون بها عند محاولتهم العبور. ويمكن التعرف على عدد المحاولات التي باشرها موسى لتجاوز السياج بالنظر إلى ساقه، فكل محاولة تترك آثارها. ويبلغ طول سياج سبتة ثمانية كيلومترات وارتفاعه ستة أمتار. وفي الأسلاك الشوكية الحادة ماتزال قطع الملابس الممزقة معلقة من محاولات العبور الأخيرة تنذر كل واحد يريد محاولة التسلق. لكن الإغراء كبير بوجود أوروبا على بضعة أمتار. ومع جيب مليلية الإسباني الثاني يشكل سياج سبتة حدود الاتحاد الأوروبي الوحيدة على الأرض الإفريقية. ولا يوجد مكان آخر يكون فيه اللاجئون الأفارقة أقرب من مجال الاتحاد الأوروبي مثل هنا دون المخاطرة بفقدان حياتهم في البحر المتوسط.
وعلى الجانب الإسباني للسياج وجب على ألفونسو كروزادو وزملاؤه الـ 600 من الشرطة الإسبانية تأمين الحدود ـ ولكن هذا لا ينجح دوما في الآونة الأخيرة. وعلى أبعد تقدير منذ أن أغلقت الحكومة الإيطالية الجديدة الحدود والموانئ فإن ما يُسمى طريق المتوسط الغربي تحول إلى أهم طريق نحو أوروبا. وتفيد بيانات المنظمة الدولية للهجرة أن حتى 18.000 شخص تمكنوا حتى منتصف تموز/ يوليو من العبور عبر إسبانيا إلى أوروبا. وحاول 3000 آخرون العبور عبر جيبي سبتة ومليلية إلى الاتحاد الأوروبي. وتلاحظ المنظمة الدولية أن عدد اللاجئين على طريق المتوسط الغربي ارتفع ثلاث مرات منذ 2017.
تجاوز الحدود بكل الوسائل
وهذا ما يشعر به أيضا موظفو الحدود الإسبان، إذ نجح في نهاية تموز/ يوليو أكثر من 600 مهاجر في تجاوز السياج. وهذا سبق وأن حصل إلا أن هذه المرة كان المهاجرون " أعنف من أي وقت مضى"، يقول كروزادو. وهاجم اللاجئون رجال الشرطة الإسبان بشتى الوسائل، وكانت الشرطة مجبرة على الابتعاد عن السياج ونجح اللاجئون في تحقيق أكبر هجوم على السياج منذ سنة ونصف.
"بوسا، بوسا"، كان يهتف حينها اللاجئون عندما تم نقلهم إلى معسكر اللجوء. "الانتصار" على السياج. وجابت العالم مشاهد مئات الأفارقة المسرورين من جنوب الصحراء. وبالنسبة لأغلب الرجال الذين تقل أعمارهم عن 20 عاما تنتهي مغامرة استمرت سنوات: فالكثير منهم نجوا في طريقهم عبر الصحراء من أشكال العبودية. وبعد سنوات من الهرب هم يعتقدون الآن أنهم حققوا هدفهم. لكن كيف ستستمر الأمور، فهذا يبقى غامضا. ومعسكر اللجوء ملئ عن آخره. ووجب عليهم البقاء هنا طوال عام ثم يحق لهم الانتقال إلى الأرض الإسبانية. والقليل منهم يقدمون هنا طلبا للجوء ـ ولا أحد منهم يترقب تحقق نتيجة إيجابية.
الإشارة الخاطئة
وبالنسبة لسكان سبتة البالغ عددهم 80.000 نسمة، فإنّ من الصعب عليهم تحمل الضغط. وداخل بلدية سبتة تشتكي عمدة المدينة بابيل دوي من أن سبتة تضمن أمن الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي، إلا أنه تركت وحدها مع مشاكلها. وإذ يعتزم وزير الخارجية الإسبانية الجديد اقتلاع السياج الحدودي، فهذا يتسبب في تخوفات كثيرة لدى السكان، إذ أن ذلك يشكل إشارة خاطئة لآلاف المهاجرين في جبال المغرب.
وتقول عمدة المدينة بأن القوة الاستيعابية لاستقبال جميع الوافدين غير متاحة، معتبرة أنه يجب على المهاجرين احترام السياج الحدودي.
أما موسى فيقول بأن السياج قد يصيبه في أرجله بجروح إلا أنه لن يمنعه من التسلق، وأشار إلى أن جميع أصدقائه تمكنوا من العبور إلى سبتة. "ماذا بوسعي أن أقوم هنا؟ سأظل هنا حتى أتمكن من العبور"، يقول موسى وهو يعلم أنه لن يتمكن من تجاوز ذلك السياج إلا بمساعدة مئات المهاجرين الآخرين.
لكن غالبية أصدقائه ذهبوا، إذ نجحوا خلال الهجوم الكبير في تموز/ يوليو المنصرم من العبور إلى الجانب الآخر. وقد يطول الوقت إلى حين تكون مجموعة جديدة تنظم هجوما جديداً ضد السياج.
ولايمكن لأحد تصور الضغط الذي يواجهه موسى. فمنذ وفاة والده باتت أمه بلا وسيلة ولا مال حتى لاقتناء بعض الأكل، يقول موسى الذي أضاف:" أنا الابن البكر وانطلقت في رحلتي للتمكن من تقديم الدعم لعائلتي. ومنذ سنتين وهم ينتظرون في بيت العائلة في غينيا للحصول على دعم مالي من موسى الذي لا يريد أن يخيب أملهم.
أوليفر ساليت/ م.أ.م
اللاجئون في ألمانيا - من "ثقافة الترحيب" إلى "سياسة الترحيل"
في خريف عام 2015، فتحت ألمانيا أبوابها للآلاف من اللاجئين. وكان تفهم الألمان لمآسي هؤلاء ملفتا جداً. إلا أن أحداثاً عديدة قلبت ثقافة الترحيب إلى مطالب بالترحيل. بالصور: محطات من السياسة الألمانية تجاه اللاجئين.
صورة من: picture-alliance/dpa/G. Fischer
بداية الموجة
في 25 آب/ أغسطس 2015، علقت ألمانيا تنفيذ اتفاق دبلن تجاه اللاجئين السوريين. وينص الاتفاق على إعادة اللاجئين إلى بلد دخلوه في الاتحاد الأوروبي. وبعدها بأيام قالت المستشارة ميركل إن التغلب على موجة اللجوء؛ "مهمة وطنية كبيرة"، كما أصرت على أن "ألمانيا ستنجح في هذه المهمة". وخشيةً من مأساة تحل بآلاف اللاجئين، قررت ميركل إلى جانب النمسا استقبال اللاجئين، وكان ذلك في الخامس من أيلول/ سبتمبر 2015.
صورة من: Reuters/H. Hanschke
استقبال وترحيب
مثلت ""ثقافة الترحيب" عنصراً مهماً في استقبال اللاجئين في خريف 2015. وقد حظي اللاجئون عند وصولهم إلى عدد من المدن الألمانية بترحيب منقطع النظير من جانب المتطوعين من المواطنين الألمان والأجانب المقيمين في ألمانيا. وبادر هؤلاء المتطوعون إلى تقديم المساعدة المعنوية والمادية للعديد منهم. ففي ميونيخ مثلاً، تم إنشاء مطاعم مؤقتة للاجئين المنتظرين تسجيل أسماءهم لدى الشرطة، ونقلهم إلى مراكز الإيواء.
صورة من: picture alliance/dpa/J. Carstensen
أزمة السكن
عدد كبير من اللاجئين قصد ألمانيا بعد قرار ميركل عام 2015. الأرقام المتزايدة للاجئين شكلت تحديا كبيراً للألمان. وبدأت مدن ألمانية باستعمال المباني الخالية أو المهجورة كمراكز إيواء للاجئين، فيما استدعت السلطات الحكومية المختصة الموظفين المتقاعدين للعمل من جديد في مراكز اللاجئين. ويعتبر هذا المعطى واحداً من المؤشرات الأخرى التي فرضت على ألمانيا دخول تحدٍ جديدٍ، بسبب اللاجئين.
صورة من: picture-alliance/dpa/I. Fassbender
بداية أحداث قلبت الموازين
كانت أحداث كولونيا، التي وقعت في ليلة رأس السنة الجديدة 2016/2015 بداية فاصلة لتغير مزاج الألمان تجاه اللاجئين. حيث شهدت تلك الليلة عملية تحرش جماعي كبرى لم تشهدها ألمانيا من قبل. تلقت الشرطة مئات البلاغات من نساء تعرضن للتحرش والسرقة وفتحت الشرطة أكثر من 1500 تحقيق لكن السلطات لم تنجح في التعرف إلا على عدد قليل من المشتبه بهم، الذين كانت ملامحهم شرق أوسطية وشمال إفريقية، طبقا لشهود.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Böhm
مطالب بالترحيل
أعمال التحرش الجنسي في كولونيا، ليلة رأس السنة، تسببت في موجة استياء واسعة في ألمانيا بداية من عام 2016، وقد دفعت كثيرين للمطالبة بتشديد القوانين لترحيل الجناة وجعلت آخرين يطالبون بتفادي تجريم فئة معينة في المجتمع. وكانت حركة "بغيدا" أهم الأطراف، التي دعت إلى وقف تدفق اللاجئين على ألمانيا. وتعارض هذه الحركة الشعبوية بوجه خاص إيواء لاجئين من دول إسلامية بدعوى أن ثقافتهم لا تنسجم مع القيم الغربية.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Kappeler
تحديد سقف لعدد اللاجئين
على خلفية اعتداءات كولونيا ليلة رأس السنة، وجد زعيم الحزب الاجتماعي المسيحي المحافظ آنذاك هورست زيهوفر في الواقعة فرصة للتأكيد على طلبه الرئيسي المتمثل في تحديد سقف أعلى لعدد اللاجئين المسموح لهم بدخول ألمانيا. لكن ميركل كانت قد رفضت الأمر في مؤتمر حزب "الاتحاد الاجتماعي المسيحي" (البافاري) في ميونيخ.
صورة من: picture-alliance/dpa/D. Karmann
هجمات متفرقة ينفذها لاجئون
وقام بعض اللاجئين بأعمال عنف و"إرهاب" جعلت مؤيدين كُثراً يسحبون دعمهم لسياسة الترحيب. ومن أبرز هذه الاعتداءات، ما حصل بمدينة أنسباخ جنوبي ألمانيا. فقد فجَّر طالب لجوء سوري عبوة ناسفة من صنعه وهو ما أدى إلى مقتله وإصابة 12 شخصاً. كما أصاب طالب لجوء آخر (2016) خمسة أشخاص بجروح بفأس وسكين على متن قطار في فورتسبورغ.
صورة من: Reuters/M. Rehle
هجمات معادية للاجئين
وفي المقابل قام أشخاص بالاعتداء على مجموعة من مراكز إيواء اللاجئين مثل إضرام الحريق في مركز فيرتهايم. كما شهدت بعض المدن الألمانية مظاهرات معادية لاستقبالهم. هذه التصرفات دفعت المستشارة ميركل للقول إنه لا تسامح مع اليمينيين المتطرفين الذين يقومون بهجمات ضد اللاجئين.
صورة من: picture-alliance/dpa/R. Engmann
عملية دهس وراءها داعش!
في 19 ديسمبر/ كانون الأول 2016 اهتزت برلين لفاجعة الدهس بشاحنة، التي أدت لمقتل 12 شخصاً وإصابة 48 آخرين. هذا العمل الإرهابي قام به لاجئ في ألمانيا، فقد وُجهت التهمة لأنيس العامري، وهو تونسي الجنسية، كان يبلغ حينها 24 عاماً، باختطاف شاحنة بولندية ضخمة، ودهس بها تجمعاً بشرياً بأحد أسواق أعياد الميلاد في قلب برلين، قبل أن تقتله الشرطة الإيطالية. وقد أعلنت "داعش" فيما بعد تبنيها للاعتداء.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Kappeler
سياسة ميركل في مرمى الانتقادات
تصاعد الأزمات، وتفاقم المشاكل جعل شعبية المستشارة ميركل تقل، فقد اتهمها منتقدوها بأن سياسة "الباب المفتوح" التي اتبعتها فاقمت الأوضاع من خلال تشجيع المزيد من اللاجئين على الدخول في رحلاتهم الخطرة نحو أوروبا. وفي سبتمبر 2016 بدأت ألمانيا أيضا بعمليات مراقبة مؤقتة على حدودها مع النمسا.
صورة من: Getty Images/J. Simon
هل ستستقبل ألمانيا لاجئين جدد؟
أعلنت المفوضية الأوروبية لشؤون اللاجئين موافقة الحكومة الألمانية على استقبال 10 آلاف لاجئ ضمن برنامج "إعادة التوطين" التابع للاتحاد الأوروبي، في الوقت الذي يحاول وزير الداخلية الألمانية الإسراع بفتح مراكز جديدة للاجئين تتولى استقبال اللاجئ والبت في قراره ثم ترحيله في حالة رفض طلبه. بالإضافة إلى توجهه نحو التشدد حيال لمّ شمل عائلات اللاجئين الحاصلين على الحماية الثانوية. إعداد: مريم مرغيش