سكان الغوطة الشرقية ليسوا متفقين حول الضربة الأمريكية
٢ سبتمبر ٢٠١٣أبو هشام يجلس في إحدى زوايا جامع دوما الكبير حيث يتهيأ لصلاة الظهر. رجل في العقد الخامس من عمره، فقد ساقه اليسرى بعد سقوط صاروخ على بعد أمتار من منزله في شارع القوتلي في بلدة دوما بريف دمشق. أصبح أبو هشام مقعداً حاله كحال آلاف الأشخاص ممن بترت أعضاؤهم جراء الحرب المحتدمة بين القوات الحكومية وتشكيلات المعارضة السورية المسلحة. لم تكن تعنيه الأخبار التي يتناولها الإعلام عن قرار الرئيس الأمريكي توجيه ضربة أمريكية للنظام السوري بعد موافقة الكونغرس.
أصبح أبو هشام يكره الحديث والنقاش في الأمور السياسية بعد أن خسر ساقه. يقول لـ DW عربية: "أية ضربة تتحدث عنها؟ الغوطة الشرقية، ومنذ أكثر من عام تقريباً، وهي تتعرض يومياً للقصف بشتى أنواع الأسلحة. ساقي اليسرى بترت نتيجة قذيفة نزلت على مدنيين. ومثلي آلاف الناس ما حملنا السلاح ولا واجهنا الدولة. ولكن مع ذلك نقصف ونُعاقَب ونموت باليوم مليون مرة، ويقولون ضربة أمريكية للنظام!". وأكد أبو هشام أن تلك الأخبار لا تعنيه ولا تحرك ساكناً لديه؛ فالمآسي التي يعيشها يومياً تجبره على الابتعاد عن كل هذه التصريحات والتحليلات. وأضاف "ما يعنيني الآن هو كيف أكمل حياتي وأعيش مع أولادي".
الدكتور ياسر (40 سنة)، طبيب جراح يشرف على مشفى ميداني في الغوطة الشرقية. يقول لـ DW عربية إن "عدد الاشخاص الذين تم بتر أحد أعضائهم بلغ أكثر من خمسة آلاف حالة في ريف دمشق فقط؛ لعدم وجود غرف جراحية متخصصة وغياب الكادر الطبي".
أما إمام جامع دوما الكبير الشيخ أبو جود البدري (55 سنة) فيشكك في تصريحات الرئيس الأمريكي حيال توجيه ضربة للنظام السوري فقط. ولم يخف الشيخ أن هذه الضربة ستوجه إلى فصائل مسلحة من المعارضة السورية أيضا، لاسيما الإسلامية منها. ويقول لـ DW عربية: "أمريكا لا تريد خيراً للأمة الإسلامية ولم تكن صادقة معنا، ولم تنفذ وعودها تجاه الثورة السورية. وكل ما نخشاه هو توجيه ضربات للمعارضة المسلحة التي تتهمها بالتشّدد الإسلامي". ويصف الإدارة الامريكية بـ "الخبيثة" وأنها تعمل على إطالة الصراع الدائر في سوريا لإضعاف الطرفين. ويضيف الشيخ البدري قائلا: "أنا ضد أمريكا من أول حرف لآخر حرف. ويستحيل أن أؤيد الضربة لأنهم يكذبون ولن يأتوا لينصروا ثورتنا هم قادمون ليصبحوا أعداء لنا".
الموقف من الضربة: معارض، متخوف، مؤيد
التصريحات الأمريكية الأخيرة أصبحت حديث الساعة لدى سكان غوطة دمشق. قسم يعارض أي عمل عسكري غربي ضد سوريا لدوافع وطنية، ومنهم متخوف من نتائجها والبعض مؤيد لها. فقد أجرى الصحفي محمد، الذي يعمل لدى مؤسسة إعلامية غربية، استطلاع رأي حول آراء بعض سكان الغوطة عن موقفهم من الضربة الأمريكية. وكانت النتائج الأولية مفاجئة له. محمد كشف نتائج الاستطلاع لـ DW عربية بالقول: "أنا متفاجئ أن أغلب من أجابوا على الاستبيان كانوا ضد الضربة لدوافع وطنية، الكثيرون قالوها صراحةً: نحن ضد الأسد ولكن لا يعني أننا مع تدخل عسكري أجنبي أو أننا بحاجة له".
أما أسامة، الذي يعمل محررا في إحدى "الصحف الثورية"، فهو متخوف من تبعيات الضربة الأمريكية "لو تمت فعلا"، وردود فعل النظام عليها. أسامة يقول لـ DW عربية: "أخشى من النظام السوري ورد فعله. فالرئيس الأمريكي قرر توجيه ضربة للنظام. ولكن هل سيقف النظام متفرجاً؟ على الأقل أنا أشّك بذلك!! لهذا أنا متخوف جداً من تبعيات هذه الضربة".
ولم تخف الناشطة لبنى تأييدها للضربة الأمريكية الموجهة ضد النظام السوري، لكنها قلقة من "التردد الأمريكي"، وذلك في إشارة إلى قرار أوباما التوجه للكونغرس وأخذ موافقته. لبنى شرحت موقفها لـ DW عربية بالقول: "هذا النظام استخدم العنف المفرط منذ انطلاقة الشرارة الأولى للثورة السورية. خرجنا متظاهرين سلميين وطالبنا بإصلاحات ولكنه واجهنا بالاعتقال والقتل والتشريد. لذلك لا بد من هذه الضربة لكسر شوكته".
قرار الرئيس الأمريكي طغى على هموم الحصار
سمية أم لطفلة صغيرة من سكان داريا نزحت الى مدينة دوما. سمية تتابع بعين من الترقب قرار الرئيس الأمريكي بالحرب، وهي تتساءل عن حال مناطق ريف دمشق التي خرجت عن سيطرة النظام وتلك التي عانت الأمرين من الحرب الدائرة في البلاد. وتضيف سمية قائلة لـ DW عربية: "يا ترى هل يشعر سكان العاصمة بحالنا؟ هل يعرفون إنو مافي خبز بكل الغوطة من شهور؟".
وبشيء من الألم والحزن تواصل سمية كلامها: "يلي عايشين بالشام عندهم كهرباء ومي والخبز متوفر ومافي شي ناقصهم، هني (هم) عايشين بنعيم ونحن نعاني ويلات الحرب. هلأ (الآن) لازم هني كمان يحسوا فينا شوي". شكوى سمية جاءت كرد فعل على ارتفاع الأسعار في تلك المناطق. فربطة الخبز وصل سعرها الى 400 ليرة، ولتر البنزين يباع بـ 450 ليرة وجرة الغاز تباع بستة آلاف ليرة سورية إن وجدت.
سمية الناشطة السياسية المتوارية عن الانظار تتمنى توجيه ضربة عسكرية للنظام "لمعاقبته على العنف المفرط وطريقة تعامله مع الثورة التي بدأت سلمية قبل عامين ونصف". وتضيف سمية: "النظام حول البلاد إلى سجن كبير نعيش فيه في حالة من الخوف والرعب. أخبار الموت والنزوح والدمار صارت جزءا من تفاصيل حياتنا اليومية، لذلك بتمنى توجيه هذه الضربة".
تنهي سمية كلامها لـ DW عربية بالقول: "في كل لحظة تسقط قذيفة بالقرب منا. أصوات الصواريخ والقذائف صارت جزءا من حياتنا. في كل لحظة نتمنى الموت. الآن إجاه الدور (تقصد النظام السوري) ليشرب من نفس الكأس".
سكان غوطة دمشق يتابعون وبترقب تسارع الأخبار بتوجيه ضربة عسكرية ضد النظام السوري والحديث عن تأجيلها حتى اجتماع الكونغرس الأمريكي، والجميع ينتظر ما تخفيه الأيام القليلة القادمة من مفاجآت