سلسلة من الهجمات.. لماذا تُستهدف النصب التذكارية في ألمانيا؟
٢٧ أغسطس ٢٠٢٣
بدوافع من قبيل معاداة السامية والعنصرية ورهاب المثلية - يتزايد مؤخرا عدد الهجمات على النصب التذكارية في ألمانيا. إنها هجمات على الديمقراطية وعلى الأقليات. فما هي الأسباب التي تقف وراءها؟
إعلان
في غضون أسبوعين فقط، هزّت ألمانيا عدة هجمات على مواقع لنصب تذكارية: هجوم بدافع معاداة السامية على صندوق كتب في موقع الرصيف 17 في برلين (حيث كان يتم نقل عشرات الآلاف من اليهود، بالقطارات من ذلك الرصيف، إلى معسكرات الاعتقال النازية)، وقع في 12 أغسطس/آب 2023.
وهجوم على خيمة مهرجان أولسدورف للسلام، حيث يتم إحياء ذكرى ضحايا القصف بالقنابل الذي حدث خلال الحرب العالمية الثانية في هامبورغ. وحريق متعمد على النصب التذكاري للمثليين جنسيا المضطهدين من قبل النظام النازي، في حديقة تيرغارتن في برلين. الألواح المدمرة في مقر مؤسسة ساكسونيا السفلى للنصب التذكارية. وهجوم على نادٍ للنساء المثليات في حي نويكولن في برلين.
"عندما علمت بالهجوم على صندوق الكتب الخاص بنا، بقيت ساعة كاملة وأنا أبكي"، كما يقول كونراد كوت لـDW، ويضيف وهو على وشك البكاء مرة أخرى: "لقد كان الأمر بمثابة اعتداء جسدي علي".
قبل حوالي 15 عاما خطرت لكوت فكرة صناديق الكتب المنتشرة في جميع أنحاء برلين. حيث قام مع متطوعين بتحويل أكشاك الهاتف المهجورة إلى مكتبات في الشوارع.
وكان لصندوق الكتب، الذي تم وضعه بالقرب من النصب التذكاري للرصيف 17، أهمية خاصة بالنسبة له. محتوى الكتب المحترقة، التي يبلغ عددها حوالي 300 كتاب، يدور حول موضوع ترحيل اليهود وقتلهم خلال الحقبة النازية.
تم ترحيل 50 ألف يهودي إلى معسكرات الاعتقال والإبادة، من الرصيف 17 في محطة قطارات غرونيفالد في برلين. ويذكرنا هذا الفعل بحرق الكتب في ساحة بيبيل في برلين، حيث أحرق النازيون أكثر من 20 ألف كتاب في 10 مايو/أيار 1933، والتي اعتبروا أنها "ذات روح غير ألمانية".
ليست هناك إحصائيات موثوقة حول عدد الهجمات في جميع أنحاء ألمانيا. ولكن هناك شعور بأنها في تزايد، كما يقول المؤرخ كارستن أوهل. لم يعد الحديث عن حالات فردية ممكنا: "الآن أود أن أقول إن لدينا وضعا جديدا: عدد الهجمات التي تعرضنا لها كان مفاجئا وصادما"، كما يوضح الباحث في حديث لـDW. وهو يعمل منذ أشهر قليلة لحساب مؤسسة هامبورغ للنصب التذكارية ومراكز التعلم لإحياء ذكرى جرائم النازية.
قبلها كان أوهل، حتى مايو/أيار، رئيسا للنصب التذكارية لمعسكرات الاعتقال بوخنفالد، وميتلباو دورا. حيث عمل لسنوات هناك في تورينغن في شرق ألمانيا. وحقيقة أن الهجمات في غرب وشرق ألمانيا يتم تسجيلها الآن بهذا التواتر، تظهر شيئا واحدا قبل كل شيء: "هذه الهجمات مشكلة تؤثر على ألمانيا بأكملها، وليست مشكلة شرق ألمانية فقط"، يقول أوهل.
ما دور حزب "البديل" اليميني الشعبوي؟
يقول الباحث أوهل: "لدينا مشهد يميني متطرف يشعر بأنه صار قويا مع حزب البديل". الحزب اليميني الشعبوي، وفي بعض النواحي هو حزب يميني متطرف ومعادٍ للمثليين، يحظى حاليا بأكثر من 20 بالمئة من أصوات الناخبين على مستوى ألمانيا، في استطلاعات الرأي. ومن الممكن أن يصبح الحزب الأقوى في بعض ولايات ألمانيا الشرقية.
يتحدث أوهل عن مناخ اجتماعي وسياسي يظهر فيه المزيد من الأشخاص الذين يمثلون وجهات نظر يمينية بشكل علني، ويقول: إن "هذا المناخ الذي يخلقه حزب البديل من أجل ألمانيا ومؤيدوه قد يؤدي أيضا إلى التحول من العدوان اللفظي إلى العمل النشط. لم يصل الأمر بعد للاعتداء على أشخاص، ولكن وصل إلى حد إيقاع أضرار جسيمة في الممتلكات".
العنف أولا ضد الأشياء، ثم ضد الأشخاص؟
ويتفق كارستن كوت، مؤسس مبادرة "صناديق الكتب"، مع هذا التحليل: "لدي شعور بأن حزب البديل من أجل ألمانيا يشجع مرتكبي الجرائم على القيام بشيء كهذا". ويلاحظ كوت وجود موقف كاره للآخرين ينتشر بشكل متزايد، من قبيل: "إنه لأمر جيد أن الفاعلين أظهروا ذلك أخيرا لليهود أو للمتحولين جنسيا أو للمثليين".
يقول الباحث أوهل إن المواقع الثقافية والنصب التذكارية لا تزال محور اهتمام الجناة، ولكنهم لا يستهدفون الأشخاص حتى الآن. لكن هذا يمكن أن يتغير. حيث يمكن أن يهاجموا "أعداء اليمين".
ومن بين هؤلاء الأشخاص الذين قد يتعرضون للهجوم، أولئك الذين قاموا بحملات من أجل المساواة، كما يوضح أوهل، ويضيف: "أو الأقليات كاليهود أو الأشخاص المثليين. وأيضا المجموعات المناهضة للفاشية التي تعلن عن نفسها بوضوح". وهذا ما صار واضحا، حيث ازدادت فعلا الاعتداءات على المثليين وعلى اليهود، وخاصة في برلين.
فقد تم الإبلاغ في العاصمة عن 105 على الأقل من الجرائم أو المخالفات ذات الدوافع المعادية للسامية، خلال النصف الأول من هذا العام. منها 72 جريمة يمكن تصنيفها بوضوح على أنها جرائم ذات دوافع سياسية، ارتكبها أنصار اليمين، وفق حكومة ولاية برلين. وقد سجل المكتب الجنائي الاتحادي بالفعل 960 جريمة معادية للسامية في جميع أنحاء ألمانيا هذا العام، منها 25 من أعمال العنف ضد أشخاص.
القبض على المشتبه به في برلين بشكل سريع
في غضون ذلك، جرى اعتقال المشتبه به في الهجمات الثلاث التي شهدتها برلين، يومي 12 و14 أغسطس/آب. وهو ألماني يبلغ من العمر 63 عاما. وكان قد جذب الانتباه في السابق بسبب جرائم كراهية، وترك رسالة اعتراف فظة معادية للسامية في مسرح الجريمة، اطلعت عليها DW.
بالنسبة لكونراد كوت، صاحب مبادرة "صندوق الكتب" في مكان النصب التذكاري للرصيف 17، يعتبر القبض عليه "مرضيا" إلى حد ما. ولكن "المؤامرات الحالية ضد التنوع، وضد اليهود، وضد مثليي الجنس"، تقلقه بشكل متزايد. بيد أن كوت يرفض الشعور بالإحباط: "لقد شهدنا الكثير من التضامن وتلقينا التبرعات. ونحن نعيد بناء الصندوق".
فولكر فيتينغ/ف.ي
مؤلفة كتب الأطفال يوديث كير ومغامرة الهروب من النازيين
تحتضن رفوف الكتب على مستوى العالم القصص التي دونتها يوديث كير. روت يوديث كير في كتبها قصة هروبها كطفلة مع والديها اليهوديين من المانيا النازية. إليكم في هذه الجولة المصورة أبرز محطات ذلك الهروب.
صورة من: picture-alliance/dpa/S. Stache
طفولة سعيدة
يوديث كير (يمين) ترعرعت في أحضان عائلتها في برلين، وشقيقها ميشاييل أكبر منها بعامين. وأطفال الكاتب المسرحي المعروف ألفريد كير كانوا يتمتعون بحريات كثيرة. ووالدتها يوليا كانت تعزف على البيانو في البيت. وفي طريقها إلى المدرسة كانت يوديث تشتري في الغالب أقلاما ملونة وترسم قصصا عايشتها مع صديقاتها. ولم تكن تحب كثيرا الحساب والقراءة.
صورة من: picture-alliance/akg-images
الأب كير يتحدث عبر الراديو
ألفريد كير كان مناهضا قويا للنازيين. وابتداء من ربيع 1932 كان له برنامج إذاعي في كل يوم اثنين. وخوفا من تهديد النازيين حافظ عليه الأبوان في مكان سري بعيدا عن الأطفال. وفي عيد الميلاد عام 1932 أمكن ليوديث وشقيقها لأول مرة الذهاب إلى السينما. وهذان الطفلان لم يكونا يدركان أنهما مهددان كعائلة يهودية.
صورة من: picture-alliance / akg-images
أدولف هتلر والنازيون يستولون على السلطة
في 30 يناير/ كانون الثاني 1933 تم تنصيب أدولف هتلر، زعيم الحزب النازي كمستشار. بعدها بدأت التحولات السياسية تتبلور بسرعة كبيرة. كانت عائلة كير تعيش في برلين غرونيفالد، والأطفال لا يتعرفون بصفة مباشرة على تلك التحولات السياسية، لكنهم يشعرون بقلق الوالدين. وروايتها المخصصة للشباب سمتها يوديث كير :" عندما سرق هتلر الأرنب الوردي".
صورة من: picture alliance/Mary Evans Picture Library
الأيام الأخيرة في عاصمة الرايخ
في فبراير 1933 لزم الأب المصاب بزكام حاد السرير. والنازيون استولوا على السلطة، وفي كل مكان ببرلين تُنظم مواكب استعراضية. والنقابيون ومعارضو النظام تعرضوا للاضطهاد، وبدأت موجات الاعتقال الأولى. وألفريد كير تلقى لحسن الحظ إنذارا بأن جواز سفره سيصادر. وفي 15 فبراير/ شباط فر ليلا في آخر لحظة عبر الحدود إلى براغ.
صورة من: picture-alliance/AP Images
مغامرة الهروب إلى سويسرا
يوديث وشقيقها لم يفشيان شيئا عن هرب الأب. والأم بدأت في جمع الحقائب وحتى رسوم الأطفال بريشة يوديث أخذتها معها. وفي يوم الانتخابات البرلمانية في 5 مارس/ آذار 1933 صعدت العائلة في قطار باتجاه سويسرا، وهناك التقوا مجددا بالأب. والأطفال الصغار أدركوا السفر إلى المنفى كمغامرة كبيرة.
صورة من: Judith Kerr/Seven Stories
حرق الكتب 1933
ككاتب يهودي ظل ألفريد كير مهددا من طرف النازيين. وفي 10 مايو/ أيار 1933 تم إحراق الكتب أمام جامعة هومبولد ببرلين. أما كتب ألفريد كير فقد ألقت بها الجماهير المهللة وسط النيران على غرار كتب مهاجرين آخرين مثل توماس وهاينريش مان وإريش كيستنر وفرانتس فيرفيل.
صورة من: picture-alliance/AP Photo
محطات الهروب: لوغانو وزوريخ ثم باريس
يوديث كانت في التاسعة من عمرها عندما انتهت طفولتها الهادئة بسبب الهرب إلى الخارج. والأخوان يُعتبران الآن أطفالا مهاجرين، والعائلة لا حيلة لها، إذ تركت خلفها كل ما تملكه "البيانو لم يعد موجودا ولا الألعاب وحتى الأرنب الوردي" كما كتبت لاحقا. وفي باريس سكنت عائلة كير بعد سفر طويل شقة مجهزة بالأثاث.
صورة من: DW/K.Schlusen
المعاناة من الفقر
كغيرهم من اليهود قام النازيون بمصادرة ملكية عائلة كير. عانت الأسرة في المنفى من فقر مدقع. غير أن يوديث كانت معجبة بالغربة واللجوء. "كانت باريس رائعة" كما قالت يوديث مضيفة، أن الأب كير كان بالكاد يستطيع إعالة الأسرة بالكتابة. وبسبب نقص المال غادروا باريس وانتهى بهم الأمر عام 1936 في فندق رث للمهاجرين في لندن.
صورة من: Archiv der Akademie der Künste
أوقات صعبة في لندن
في الأول من سبتمبر/ أيلول 1939 تسبب النازيون في انطلاق شرارة الحرب العالمية الثانية. والعائلة اليهودية النازحة تلقت الكثير من التضامن من طرف الانجليز. " الناس كانوا ظريفين معنا للغاية وتحلوا بالشجاعة. وفي نهاية المطاف كنا نُنعت بأننا المان، كما جاء في مذكرات يوديث التي بدأت تطور مشاعر وطنية تجاه مدينتها الجديدة.
صورة من: picture-alliance/United Archives/WHA
بريطانيا الوطن الجديد
بفضل منحة بدأت يوديث (يمين) الدراسة في مدرسة خاصة. وقد منحتها بعض الأعمال كمدرسة رسم ومحررة لدى مؤسسة بي بي سي بعض الاستقلالية عن الأبوين. أما والدتها فاشتغلت من حين لآخر كمترجمة لدى الأمريكيين حتى في محاكمات نورنبيرغ. وفي 1947 تمسك يوديث فخورة جواز سفر في يديها ـ كمواطنة بريطانية.
صورة من: picture-alliance/TopFoto/United Archives
نجاح كتب الأطفال
يوديث كير تدون كتبا للأطفال: وفي عام 1968 صدر كتاب "The Tiger Who came to Tea"، وتلقت المساعدة في تدوينها من طرف زوجها نيغل كنيل الذي تعرفت عليه داخل مؤسسة بي بي سي، والرسوم كانت بيد كير بأقلام ملونة وممسحة. وظلت يوديث حتى في سنها المتقدم على طاولة الرسوم ونسجت قصصا للأطفال.
صورة من: picture-alliance/dpa/D. Sambraus
ملايين النسخ من كتاب للأطفال
كتب الأطفال من يوديث كير تلقى رواجا عبر العالم، إذ أن الأطفال يحبون قصصها الممتعة. وكتابها الشهير في المانيا "عندما سرق هتلر الأرنب الوردي" هو موجه أيضا للكبار، وهي تحكي فيه قصة عائلتها المهاجرة. وفي عام 1974 حصلت بفضل الكتاب على الجائزة الألمانية لكتب الشبيبة.
صورة من: Ravensburger
وطنها عالم الكتب
يوديث كير تفضل المجيئ إلى المانيا من أجل القراءة للأطفال. وكانت تزور بانتظام موطنها القديم برلين حيث عرضت كتابها الجديد. وفي عام 2016 كانت تسافر لعرض كتابها "Mister Cleghorn´s Seal" وهي في سن الثالثة والتسعين.
صورة من: DW/Heike Mund
الرسوم كبلسم حياة
ظلت بريطانيا لأكثر من 80 عاما وطنها الجديد. "كنت سعيدة جدا في إنجلترا"، كما حكت في عام 2017 بلغتها الألمانية الجميلة حول طفولتها ببرلين. وفي مقابلة متلفزة لسلسلة وثائقية من إنتاج دويتشه فيله بعنوان " بعد الهرب" حكت يوديث عن هربها والحياة كنازحة في لندن. وهذه الذكريات تظل حية ضمن كتبها حتى بعد وفاتها في 2019.