"سندات كورونا" وقدرة الاتحاد الأوروبي على إدارة الأزمات
٢٤ أبريل ٢٠٢٠
جددت جائحة كورونا الخلافات القديمة وأعادت اختبار قدرة الاتحاد الأوروبي على صياغة رد منسق على أزمة كبرى، ويتركز الخلاف هذه المرة حول "سندات كورونا" التي تطالب بها الدول الأشد تضررا من الوباء فيما ترفضه الدول الغنية.
إعلان
لم تجر الأمور في تناغم كامل يوم الخميس (23 أبريل/نيسان) عندما عقد زعماء دول وحكومات الاتحاد الأوروبي أجتماعا عبر الفيديو للتباحث حول الانعكاسات المالية لوباء كورونا. فقد أتفق قادة الاتحاد الأوروبي على حزمة مساعدات بقيمة 500 مليار يورو وتأسيس صندوق لإعادة الإعمار بقيمة 1000 مليار يورو، لكن لا تزال تفاصيل عمل هذا الصندوق غير محسومة. وقالت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، عقب الإجتماع، إن الزعماء اتفقوا على الحاجة إلى هذا الصندوق لكنهم اختلفوا حول التفاصيل. وأضافت "لم نكن على اتفاق دائم، على سبيل المثال فيما يتعلق بهل يكون ذلك في صورة منح أم قروض أو كيف ينبغي تطبيقه، لكننا اتفقنا جميعا على ربط صندوق التعافي هذا ربطا وثيقا بالإطار المالي متوسط الأجل التالي". لكن ميركل أبدت استعداد بلاده للمساهمة بصورة أكبر في موازنة الاتحاد الأوروبي مستقبلا من أجل تعزيز وضع أوروبا عقب انتهاء أزمة تفشي فيروس كورونا.
من ناحيته قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إن "الخلافات مازالت قائمة" بخصوص ما إذا كان الصندوق سيقدم منحا نقدية أم يكتفي بالإقراض.
أساس الخلاف حول "سندات كورونا"
ويتركز الخلاف بين دول شمال أوروبا المحافظة ماليا مثل ألمانيا وهولندا، ودول الجنوب الأشد تضررا من أزمة كورونا مثل إيطاليا وإسبانيا، بشأن إمكانية إصدار سندات مشتركة لدول الاتحاد تعرف باسم "سندات اليورو" لمساعدة الدول الأشد تضررا في الاقتراض من الأسواق المالية بتكلفة محتملة، وهو ما ترفضه بشدة دول مثل ألمانيا وهولندا والنمسا.
والموافقة على "سندات اليورو" كانت ستعني أنه سيتوجب على دول اليورو كمجموعة أخذ ديون مشتركة من الاسواق المالية وتوزيعها بينها وإعطاء ضمانة مشتركة لإعادة دفع هذه الديون والفوائد. والبلدان القوية ماليا سيتوجب عليها دفع فوائد عالية أكثر من الآن، فيما سيخف عبئ الديون على البلدان الضعيفة ماليا. وإذا ما أصبحت بلدان غير قادرة على الدفع، فإن الدول المتبقية تتحمل ديونها وفوائدها.
بالنسبة إلى ايطاليا واسبانيا المديونتين حاليا يبدو ذلك مغريا، فهي تفضل السندات المشتركة على القروض من مظلة نظام الاستقرار الأوروبي. وحتى فرنسا وستة بلدان أخرى تدعم الدعوة إلى تبني سندات اليورو. لكن هولندا والنمسا وفنلندا والمانيا، التي تفرض ذلك، تخشى ظهور فجوة ومنح قسيمة لأولائك للبلدان التي لا تتحكم منذ سنوات في ميزانياتها ولم تنفذ حتى الآن إصلاحات سياسية واقتصادية. سندات اليورو يمكن أن تعطي هذه الدول التشجيع على مواصلة عدم التقشف وعدم إصلاح ميزانياتها وكذا عدم إصلاح سوق العمل والأنظمة الاجتماعية ونظام الضرائب. فسندات اليورو في فترة وباء كورونا هي الطريق الخطأ، كما قالت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل الاثنين أثناء جلسة لرئاسة الحزب المسيحي الديمقراطي. وأوضح مشاركون في المؤتمر عبر الهاتف عن وجود إجماع على أن أخذ ديون مشتركة سيواجه في المانيا معارضة كبيرة.
حدود المسؤولية المشتركة والتضامن الأوروبي
أنغيلا ميركل تتحدث عن تجربة، فالنقاش حول سندات اليورو يرافقها منذ أن أصبحت مستشارة. "كل قرار حول تثبيت قصير المدى لدولة عضو في الاتحاد الأوروبي يجب أن يكون في انسجام مع الاستقرار البعيد المدى للوحدة الاقتصادية والنقدية"، قالت ميركل في عام 2010 في البرلمان الألماني. وكان الاتحاد الأوروبي يعاني حينها من أزمة مالية، فاليونان وايطاليا والبرتغال واسبانيا وايرلندا كانت على هاوية الإفلاس.
ميركل أوضحت حدود التضامن الأوروبي عندما قالت "الشعب الألماني كان قد تخلى (عام 2000) عن المارك الألماني ثقة منه في يورو مستقر. وهذه الثقة لا يحق بأي حال من الأحوال أن تخيب ظنه". وتابعت "ولذلك أقول: الأوروبي الجيد ليس هو بالضرورة من يساعد بسرعة. فالأوروبي الجيد هو من يحترم العقود الأوروبية والقانون الوطني، ويساعد بذلك في أن لا يتضرر استقرار منطقة اليورو".
في الفقرة 125 من اتفاقية عمل الاتحاد الأوروبي مدون أن كل دولة تتحمل مسؤولية ديونها. وماذا ستقول المحكمة الدستورية الألمانية عن سندات اليورو؟ برلمانات الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وفي مقدمتها البرلمان الألماني هي التي تقرر بشأن أموال دافعي الضرائب. وتعتبر أنغيلا ميركل أن سندات اليورو لا تنسجم مع الدستور الألماني وهي خاطئة اقتصاديا. والضمان الجماعي للديون ليس ممكنا بدون إمكانيات المراقبة والتدخل في الميزانيات الوطنية. ولم تتحدث ميركل أبدا عن وزير مالية أوروبي. فألمانيا لا تريد التخلي عن السيادة الوطنية في القضايا المالية.
كيف ينظر الألمان إلى سندات اليورو؟
تشير استطلاعات رأي لمعاهد بحوث ألمانية أن نحو 40 في المائة من الألمان يؤيدون حاليا ديونا مشتركة لبلدان اليورو، بينما يعارض ذلك نحو 40 في المائة، هذا خلال أزمة كورونا. لكن قبل أزمة كورونا كان الألمان وعلى مدى سنوات في غالبيتهم ضد سندات اليورو.
وفي النقاش الحالي ستتذكر الحكومة الألمانية بالتأكيد عام 2013 عندما تأسس حزب "البديل من أجل المانيا" كحزب يميني شعبوي مشكك في فكرة أوروبا. وقد ركز هذا الحزب في عمله على أزمة اللجوء وتطور في كثير من مواقفه إلى حزب يميني متطرف، لكن الموقف الرافض تجاه الاتحاد الأوروبي ظل قائما. وإذا ما قبلت الحكومة الألمانية سندات اليورو، فإن ذلك سيشكل تمريرة مواتية لحزب "البديل من أجل ألمانيا" الذي سيحاول تحريض المواطنين. كما أن سندات اليورو ستكون غالية على دافعي الضرائب الألمان. وبسبب الديون المرتفعة المسجلة في فترة كورونا، فسيكون من الصعب إقناع دافعي الضرائب الألمان بتبني سندات اليورو.
زابينه كينكارتس/ م.أ.م
الاتحاد الأوروبي - عقود من التقدم والإخفاقات منذ اللبنة الأولى
فيما يلي المحطات الكبرى للاتحاد الأوروبي منذ تأسيس الكتلة الأوروبية وترسيخ بنائها من خطة لتحقيق التكامل بانتاج الفحم لاتحاد عابر للقوميات ومرورا ببريكسيت وأحداث منطقة اليورو وأزمة اللاجئين ووصولا إلى صعود المتطرفين.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/V. Ghirda
في التاسع من أيار/ مايو 1950...
... وضع وزير الخارجية الفرنسي روبير شومان أول حجر في البناء الأوروبي عندما اقترح على ألمانيا بعد خمس سنوات فقط على استسلامها في الحرب العالمية الثانية، تحقيق تكامل في الإنتاج الفرنسي الألماني للفحم والفولاذ في اطار منظمة مفتوحة لكل دول أوروبا. وقعت اتفاقية باريس التي نصت على إنشاء "مجموعة الفحم والفولاذ" بعد عام من ذلك فولدت أوروبا "الدول الست" (ألمانيا وبلجيكا وفرنسا وإيطاليا ولوكسمبورغ وهولندا).
صورة من: picture-alliance/dpa
في 25 آذار/ مارس 1957...
... وقعت الدول الست المعاهدة التأسيسية لأوروبا السياسية والاقتصادية. وقد أسست المجموعة الاقتصادية الأوروبية، السوق المشتركة القائمة على التنقل الحر مع إلغاء الحواجز الجمركية بين الدول الأعضاء. أما المؤسسات ومنها المفوضية والجمعية البرلمانية الأوروبية فلم تُنشأ إلا مطلع 1958.
صورة من: picture-alliance/AP Images
في كانون الثاني/ يناير 1973...
...انضمت بريطانيا والدنمارك وإيرلندا إلى السوق الأوروبية المشتركة، تلتها اليونان (1981) وإسبانيا والبرتغال (1986) والنمسا وفنلندا والسويد (1995). شكلت معاهدة ماستريخت الوثيقة التأسيسية الثانية للبناء الأوروبي ووقعت في السابع من شباط/ فبراير 1992. وهي تنص على الانتقال إلى عملة واحدة وتنشئ اتحاداً أوروبياً.
صورة من: picture-alliance/AP Images
اعتبارا من كانون الثاني/ يناير 1993...
... أصبحت السوق الواحدة واقعاً مع حرية تبادل البضائع والخدمات والأشخاص ورؤوس الأموال. وانتظر الأوروبيون حتى آذار/مارس 1995 ليتمكنوا من السفر بلا مراقبة على الحدود.
صورة من: picture-alliance/blickwinkel/McPHOTO
في الأول كانون الثاني/ يناير2002...
... دخل اليورو الحياة اليومية لنحو 300 مليون أوروبي. وفيما تنازلت معظم دول الاتحاد عن عملاتها الوطنية، اختارت الدنمارك وبريطانيا والسويد فقط الإبقاء على عملاتها.
صورة من: picture-alliance/D. Kalker
أيار/ مايو 2004
وبعد أن كان الأمر أقرب إلى حلم عند سقوط جدار برلين في 1989، جرى توسيع الاتحاد ليضم دولا من شرق أوروبا تدريجياً. قد انضمت عشر دول جديدة إلى الاتحاد الأوروبي في أيار/ مايو 2004 هي بولندا والجمهورية التشيكية والمجر وسلوفاكيا وليتوانيا ولاتفيا واستونيا وسلوفينيا ومالطا وقبرص. وفي 2007 انضمت بلغاريا ورومانيا إلى الاتحاد ثم كرواتيا عام 2013.
صورة من: picture-alliance/dpa
في ربيع 2005...
... دفع رفض الناخبين الفرنسيين والهولنديين للدستور الأوروبي، بالاتحاد الأوروبي إلى أزمة مؤسساتية. ولم يخرج منها إلا باتفاقية لشبونة التي كان يفترض أن تسمح بعمل مؤسسات أوروبا الموسعة بشكل أفضل وتمت المصادقة عليها بصعوبة في 2009.
صورة من: EC AV Service
أزمة مالية خانقة
في السنة نفسها، أعلنت اليونان عن ارتفاع كبير في العجز في ميزانيتها في أول مؤشر إلى أزمة مالية واسعة. طلبت اليونان ثم إيرلندا وإسبانيا والبرتغال وقبرص مساعدة الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي اللذين طالبا بإجراءات تقشفية. أدت أزمة الديون هذه إلى سقوط رؤساء حكومات أوروبية الواحد تلو الآخر وعززت الشكوك في الوحدة الأوروبية.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/D. Ochoa de Olza
أزمة اللاجئين
وما أن خرجت من هذه الأزمة المالية حتى واجهت أوروبا اخطر أزمة هجرة منذ 1945 مع تدفق مئات الآلاف من اللاجئين. واخفق الاتحاد الأوروبي في وضع خطة عمل مشتركة.
صورة من: picture-alliance/dpa/S. Hoppe
بريكسيت
جاءت بعد ذلك أزمة بريكسيت التي وجهت ضربة إلى اتحاد اضعفه صعود الشعبوية والتشكيك في جدوى الوحدة الأوروبية. وبعد حملة تركزت على الهجرة والاقتصاد، صوت نحو 17.4 مليون بريطاني (51.9 بالمئة من الناخبين) في 23 حزيران/ يونيو 2016 مع خروج المملكة المتحدة من الاتحاد.
صورة من: picture-alliance/abaca/D. Prezat
لكن ...
... بعد ثلاث سنوات على الاستفتاء، لم يتم تطبيق بريكسيت الذي كان مقررا في 29 آذار/ مارس 2019. وقد وافقت الدول الـ27 الأخرى الأعضاء على إرجاء الموعد إلى 31 تشرين الأول/ أكتوبر لإعطاء وقت للطبقة السياسية البريطانية للاتفاق على طريقة الانسحاب.
صورة من: picture-alliance/D. Cliff
إتمام "بريكست" في دورة 2019 حتى 2024
لكن "يوم الخروج"، جاء لاحقا. فأخيرا وقع برلمان المملكة المتحدة على اتفاق "البريكست"، الذي أعيد التفاوض عليه، ليتم خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي رسميًا في الساعة 23:00 بتوقيت غرينتش من يوم 31 يناير/ يناير 2020، وهو يقابل الساعة "00:00: من يوم أول فبراير/ شباط 2020 بتوقيت وسط أوروبا). وتبقى بريطانيا العظمى هي الدولة الوحيدة ذات السيادة التي غادرت الاتحاد الأوروبي حتى الآن.
صورة من: Getty Images/AFP/T. Akmen
دعم واضح لأوكرانيا ضد الغزو الروسي
تعرض الاتحاد الأوروبي لاختبار شديد، حينما اندلع قتال لم يحدث له مثيل في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية. فقد بدأت روسيا هجوما غير مسبوق على أوكرانيا في 24 فبراير/ شباط 2022. وبكل حزم ووضوح وقف الأوروبيون، باستثناء المجر، في وجه الغزو الروسي. وبدأوا خطوات عملية لدعم أوكرانيا ومن بينها فرض عقوبات صارمة على روسيا وتخصيص مساعدات بعشرات مليارات اليورو من أجل دعم أوكرانيا للصمود.
صورة من: Virginia Mayo/AP
"قطر غيت" تهز البرلمان الأوروبي
في ديسمبر 2022، تم سجن اليونانية إيفا كايلي، نائبة رئيسة البرلمان الأوروبي، احتياطياً في بروكسل في إطار تحقيق قضائي بشبهات فساد في البرلمان الأوروبي، يُعتقد أنّها مرتبطة بقطر والمغرب، تتعلق بمبالغ كبيرة قد تكون دفعتها قطر لمشرعين أوروبيين للتأثير في قرارات المؤسسة الأوروبية الرئيسية. وتم اطلاق سراح كايلي بعد عدة أشهر. وعرفت القضية باسم "قطر غيت"، ونفت قطر والمغرب أيّ علاقة لهما بهذه القضية.
صورة من: Twitter/Ministry of Labour/REUTERS
أول قانون في العالم للذكاء الاصطناعي
في مارس/ آذار 2024، أقر البرلمان الأوروبي "قانون الذكاء الاصطناعي"، كأول قانون شامل للذكاء الاصطناعي بالعالم. ويريد الاتحاد الأوروبي من خلاله تنظيم الذكاء الاصطناعي (AI) لتطوير واستخدام هذه التكنولوجيا والحماية من مخاطرها. ووافق وزراء الاتحاد الأوروبي بشكل نهائي على القانون في مايو/ أيار. ومن بنوده وجوب وضع علامة على المحتوى الذي يتم إنشاؤه بواسطة الذكاء الاصطناعي مثل الصور أو الصوت أو النص.
صورة من: Christian Ohde/CHROMORANGE/picture alliance
إقرار قوانين اللجوء الجديدة بعد سنوات من التفاوض
بعد نحو عقد من الجدل حولها، أقرّ الاتحاد الأوروبي في مايو/ أيار 2024 خطة لإصلاح تاريخي لسياساته المتعلقة بالهجرة واللجوء من أجل السيطرة على الحدود لوقف الهجرة غير النظامية. وتتألف خطة الإصلاح من 10 تشريعات، دعمتها أغلبية كبيرة بالاتحاد. ومن المتوقع أن تدخل حيز التنفيذ في 2026 بعد أن تحدّد المفوضية الأوروبية كيفية تطبيقها. وجاءت الموافقة قبل شهر من الانتخابات الأوروبية، رغم ذلك صعد اليمين المتطرف.
صورة من: DesignIt/Zoonar/picture alliance
زلزال الانتخابات الأوربية 9 يونيو/ حزيران 2024
في انتخابات الدورة التشريعية الجديدة للبرلمان الأوروبي 2024-2029، حدث زلزال سياسي بصعود غير مسبوق في تاريخ الاتحاد لقوى اليمين المتطرف والقوميين، الذين حصلوا على أكثر من 140 مقعدا من إجمالي 720 مقعداً. وفي ألمانيا مثلا حل حزب البديل الشعبوي (الصورة لرئيسي الحزب شروبالا وفايدل) كثاني أكبر قوة، بعد حزبي الاتحاد المسيحي المحافظ، متفوقا على الحزب الاشتراكي الديمقراطي، أقدم حزب سياسي في ألمانيا.