تمكنت الحكومة الانتقالية في دمشق من القبض على أول مسؤول رفيع المستوى في النظام السوري. وفي الوقت ذاته، تواصل القوات الأمنية ملاحقة مرتكبي جرائم آخرين، إلا أن سوريا ستحتاج إلى دعم خارجي لتكملة هذه المهمة.
إعلان
يقبع محمد كنجو الحسن رهن الاعتقال منذ ما يقرب من ثلاثة أسابيع. قامت قوات الحكومة الانتقالية السورية بقيادة أحمد الشرع باحتجاز الرئيس السابق للقضاء العسكري لنظام الأسد في نهاية كانون الأول/ديسمبر. خلال العملية بالقرب من مدينة طرطوس الساحلية، وقعت اشتباكات عنيفة مع قوات النظام السابقة، وقتل 14 جندياً من الحكومة الجديدة.
ويُعد الحسن حتى الآن أبرز شخصية من نظام الأسد تقع في قبضة الحكومة الانتقالية. ويواجه اتهامات بكونه المسؤول عن عمليات التعذيب في سجن صيدنايا سيئ السمعة. كما يُعتقد أنه وقع على آلاف أحكام الإعدام وابتز عائلات المعتقلين السوريين لتحقيق مكاسب شخصية.
ووفق تقارير إعلامية، تم اعتقال آخرين أقل رتبة من محمد كنجو الحسن من فلول النظام السوري. ففي حمص، اعتقلت قوات الحكومة حوالي 40 شخصية، من بينهم محمد نور الدين شلهوم، الذي يُقال إنه كان مسؤولاً عن نظام كاميرات المراقبة في سجن صيدنايا. وارتكب بعض المعتقلين مجزرة كرم الزيتون عام 2012 في وسط المدينة. حيث تعرض الحي في البداية للقصف، ثم اجتاحت قوات النظام المنطقة وقامت بتعذيب عشرات الأشخاص وقتلهم.
وفي حمص أيضاً، تم اعتقال عدة مئات من موظفي النظام السابق في بداية كانون الثاني/يناير. وكان من بينهم عناصر من الجماعات المسلحة التي كانت تقاتل في صفوف الأسد ولم تكن تريد التخلي عن أسلحتها. وكانت الحكومة الجديدة قد دعت جميع المسلحين إلى تسليم السلاح قبل أسبوع من تاريخ الحملة.
الخروج من صيدنايا.. حياة جديدة لسجين سابق
03:48
جرائم النظام
في غضون ذلك، تتكشف أرقام دقيقة عن الجرائم التي ارتكبها نظام الأسد. ففي كانون الأول/ديسمبر الماضي، بعد أيام قليلة من سقوط الديكتاتورية، نشرت منظمة "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" توثيقاً أولياً للجرائم التي ارتكبتها حكومة الأسد خلال السنوات الـ14 الماضية.
وحسب التقرير، قتل النظام 202 ألف شخص بشكل تعسفي، بينهم أكثر من 23 ألف طفل و12 ألف امرأة. بالإضافة إلى ذلك، اختفى نحو 96 ألف شخص، بينهم 2,300 طفل و5,700 امرأة. وتوفي 15,000 شخص آخر نتيجة التعذيب.
تسعى الحكومة الانتقالية الآن إلى معالجة هذه الجرائم وغيرها من الانتهاكات. وقالت عبر موقع "تليغرام" باللغة العربية: "لن نتردد في محاسبة المجرمين والقتلة ورجال الأمن والجنود الذين شاركوا في تعذيب الشعب السوري". وأضافت أنه سيتم متابعة قضايا مجرمي الحرب ومطالبة الدول بتسليمهم إذا كانوا قد فروا إلى دول أجنبية.
في الواقع، لا يمكن استبعاد أن العديد من ممثلي النظام قد غادروا سوريا بالفعل، كما تقول بينتي شيلر، مديرة قسم الشرق الأوسط وأفريقيا في "مؤسسة هاينريش بول" المقربة من حب الخضر الألماني وأضافت: "من كان قادراً على ذلك، فإنه من المحتمل أنه قد فعل ذلك بالفعل".
إعلان
تحديات قانونية هائلة
هذا يجعل التعاون الدولي أكثر أهمية، كما تقول بنتي شيلر لـ DW. "جميع البلدان التي يمكن أن يفر إليها الجناة ملزمة الآن بتحديد هويتهم والمساهمة في الملاحقة القضائية. إذا كان ذلك ممكناً، فيجب أن يتم ذلك في سوريا، شريطة أن تكون البلد قادرة على القيام بذلك".
وأشارت الخبيرة الألمانية إلى أن من كانوا مسؤولين عن جرائم حقوق الإنسان في سوريا يجب أن يُحاكموا على أساس قانوني ومن خلال هيئات قضائية معترف بها. وأكدت أن هذا أمر ضروري على المدى الطويل. وقالت: "فبذلك تشير الحكومة الجديدة إلى أن هناك نظاماً قضائياً يمكن لجميع المواطنين اللجوء إليه. وهذا لا يمنع فقط اللجوء إلى العدالة الانتقامية، بل يعزز كذلك الثقة في الدولة بشكل عام".
دعم ألماني
ومع ذلك، فإن المهام هائلة. سوريا مدمرة اقتصادياً، والنظام القانوني الفعال يكلف المال. كما أن التجربة التاريخية للدول العربية الأخرى التي حكومات جديدة بعد العام الثوري 2011 ليست مشجعة للغاية: لم يتم التعامل بشكل شامل مع جرائم الأنظمة المخلوعة في مصر ولا في العراق ولا في اليمن ومحاسبة المسؤولين عنها.
لكن التحديات التي تنتظرسوريا ما بعد الأسد كبيرة جداً. سوريا تمر بأزمة اقتصادية خانقة، والنظام القضائي الفعّال يتطلب تمويلًا. كما أن تجارب الدول العربية بعد الربيع العربي 2011 لا تدعو للتفاؤل: فلم يتم معالجة الجرائم التي ارتكبها الأنظمة السابقة بشكل شامل في مصر أو العراق أو اليمن، ولم يتم محاسبة المسؤولين عنها.
بالإضافة إلى ذلك، انهارالنظام القانوني في سوريا تماماً، كما تقول منى غانم، رئيسة "منتدى المرأة السورية للسلام"، غير الحكومية، في مقابلة مع DW: "إذا أراد أحمد الشرع قيادة البلاد إلى عهد جديد من الناحية القانونية، فعليه تحديد نقاط الضعف وطلب المساعدة الدولية".
هذا الدعم يأتي الآن على الأقل من ألمانيا. في بداية هذا الأسبوع، أعلنت وزارة الخارجية الألمانية أنها ستواصل دعم "الآلية الدولية المحايدة والمستقلة - سوريا" (IIIM). منذ عام 2016، تقوم هذه الآلية بجمع الأدلة المتعلقة بالجرائم التي ارتُكبت في سوريا، وتوثيقها وحفظها للإجراءات القانونية. استناداً إلى هذه الأدلة، تمكنت السلطات القضائية الألمانية من متابعة انتهاكات حقوق الإنسان الجسيمة التي ارتكبها نظام الأسد. وستقدم وزارة الخارجية الألمانية مليون يورو لتعزيز عمل الآلية المستقلة.
وتؤكد بينتي شيلر، مديرة قسم الشرق الأوسط وأفريقيا في "مؤسسة هاينريش بول" المقربة من حب الخضر الألماني، وجود خبرات سورية في مجال متابعة الجرائم المرتكبة من قبل النظام: "هناك العديد من المحامين السوريين الذين اشتغلوا هذه القضايا في السنوات الماضية".
أعده للعربية: علاء جمعة
مسارات الثورة السورية - سقوط نظام بشار الأسد بعد سنوات من سفك الدماء
مع الانهيار المفاجئ لحكم بشار الأسد في سوريا ثم سقوطه يوم الأحد 08/ 12/ 2024 حققت المعارضة السورية أهدافها بعد قرابة 14 عاما، في لحظة حاسمة من حرب أهلية حصدت أرواح مئات الآلاف ونزح بسببها نصف السكان واستقطبت قوى خارجية.
صورة من: Orhan Qereman/REUTERS
2011 - احتجاجات سلمية وقمع
انتشرت الاحتجاجات الأولى سلميا ضد الأسد سريعا في أنحاء البلاد، وواجهتها قوات الأمن بالاعتقالات والرصاص. ثم حمل بعض المتظاهرين السلاح وانشقت وحدات عسكرية بالجيش مع تحول الانتفاضة إلى ثورة مسلحة حظيت بدعم دول غربية وعربية وكذلك تركيا.
صورة من: AP
2012 - تفجير هو الأول من نوعه في دمشق
وقع تفجير بدمشق هو الأول من نوعه نفذته جبهة النصرة فرع تنظيم القاعدة الجديد بسوريا والتي اكتسبت قوة وبدأت بسحق جماعات ذات مبادئ قومية. واجتمعت القوى العالمية بجنيف واتفقت على الحاجة لانتقال سياسي لكن انقسمت حول كيفية تحقيق ذلك. الأسد وجه قواته الجوية نحو معاقل المعارضة مع سيطرة المقاتلين على أراضٍ لتتصاعد الحرب مع وقوع مجازر على الجانبين.
صورة من: Reuters
2013 – دعم إيران وحزب الله للأسد واتهام نظامه باستخدام السلاح الكيماوي
ساعد حزب الله اللبناني الأسد على تحقيق النصر في القُصَير ليوقف زخم المعارضة ويظهر الدور المتزايد للجماعة المدعومة من إيران في الصراع. حددت واشنطن استخدام الأسلحة الكيميائية كخط أحمر، لكن هجوما بغاز السارين [كما في الصورة هنا] على الغوطة الشرقية التي سيطرت عليها المعارضة قرب دمشق أودى بحياة عشرات المدنيين دون أن يثير ردا عسكريا أمريكيا.
صورة من: Reuters
2014 - استسلام مقاتلي المعارضة في حمص القديمة
سيطر تنظيم الدولة الإسلامية فجأة على الرقة بالشمال الشرقي وعلى مساحات بسوريا والعراق. استسلم مقاتلو المعارضة [نرى بعضهم في الصورة] بحمص القديمة ووافقوا على المغادرة لمنطقة أخرى بأول هزيمة كبيرة لهم بمنطقة حضرية كبرى وهذا مهد لاتفاقات "إخلاء" بعد ذلك. شكلت واشنطن تحالفا ضد تنظيم الدولة الإسلامية وبدأت بتنفيذ ضربات جوية مما ساعد القوات الكردية على وقف مد التنظيم لكنه تسبب بتوترات مع حليفتها تركيا.
صورة من: Salah Al-Ashkar/AFP/Getty Images
2015 - اكتساب المعارضة أراضيَ في إدلب ودعم روسيا للأسد
بفضل تحسين التعاون والحصول على الأسلحة من الخارج تمكنت الجماعات المعارضة من كسب المزيد من الأراضي والسيطرة على شمال غرب إدلب، لكن بات للمسلحين الإسلاميين دور أكبر. انضمت روسيا إلى الحرب لدعم الأسد بشن غارات جوية حولت دفة الصراع لصالح رئيس النظام السوري لسنوات لاحقة.
صورة من: Reuters/K. Ashawi
2016 - هزيمة المعارضة في حلب على أيدي قوات الأسد وحلفائه
مع قلقها من تقدم الأكراد على الحدود شنت تركيا عملية توغل مع جماعات معارضة متحالفة معها مما أدى لإقامة منطقة جديدة تحت السيطرة التركية. تمكن الجيش السوري وحلفاؤه من هزيمة المعارضة في حلب، وهو ما اعتبر آنذاك أكبر انتصار للأسد في الحرب. انفصلت جبهة النصرة عن تنظيم القاعدة وبدأت محاولة تقديم نفسها في صورة معتدلة، فأطلقت على نفسها سلسلة من الأسماء الجديدة قبل أن تستقر في النهاية على هيئة تحرير الشام.
صورة من: picture-alliance/AA/E. Leys
2017 - هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية في الرقة
تمكنت قوات مدعومة من الولايات المتحدة بقيادة الأكراد [هنا في الصورة] من هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية في الرقة. وانتهى هذا الهجوم وهجوم آخر شنه الجيش السوري بطرد هذا التنظيم المتطرف من كل الأراضي تقريبا التي استولى عليها.
صورة من: Reuters/G. Tomasevic
2018 - استعادة الأسد للغوطة الشرقية ودرعا
استعاد الجيش السوري الغوطة الشرقية قبل أن يستعيد سريعا جيوبا أخرى للمعارضة في وسط سوريا ثم درعا معقلها الجنوبي. وأعلن الجيش الحكومي خروج جميع فصائل المعارضة من منطقة الغوطة الشرقية بعد نحو شهرين من هجوم عنيف على هذه المنطقة التي كانت معقلاً للمعارضة.
صورة من: Getty Images/AFP/L. Beshara
2019 - فقدان تنظيم الدولة الإسلامية آخر معاقله في سوريا
فقد تنظيم الدولة الإسلامية آخر معاقله في سوريا. وقررت الولايات المتحدة إبقاء بعض قواتها في البلاد لدعم حلفائها الأكراد. وبإعلانها السيطرة على آخر معاقله في سوريا طوت قوات سوريا الديمقراطية نحو خمس سنوات من "الخلافة" المزعومة لتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش). ورحب زعماء العالم بـ"تحرير" منطقة الباغوز مؤكدين على مواصلة "اليقظة" تجاه خطر التنظيم.
ساندت روسيا هجوما لقوات النظام السوري انتهى بتفاهمات روسية تركية ايرانية ليتجمد القتال عند معظم خطوط المواجهة. وسيطر الأسد على جل الأراضي وجميع المدن الرئيسية ليبدو أنه قد رسخ حكمه. وسيطر المعارضون على الشمال الغربي فيما سيطرت قوة مدعومة من تركيا على شريط حدودي. وسيطرت القوات التي يقودها الأكراد على الشمال الشرقي.
2023 - تقليص وجود إيران وحزب الله في سوريا وتقويض سيطرة الأسد
وقع هجوم حركة حماس الارهابي غير المسبوق على إسرائيل في السابع من أكتوبر / تشرين الأول ليندلع قتال بين إسرائيل وحزب الله اللبناني أدى في نهاية المطاف إلى تقليص وجود الجماعة في سوريا وتقويض سيطرة الأسد. في الصورة: قصف مبنى بالقرب من السفارة الإيرانية في دمشق منسوب لإسرائيل عام 2024.
صورة من: Firas Makdesi/REUTERS
2024 - سقوط نظام الأسد وحكم حزب البعث في سوريا 08 / 12 / 2024
شنت المعارضة هجوما جديدا على حلب. ومع تركيز حلفاء الأسد على مناطق أخرى، ينهار الجيش سريعا. وبعد ثمانية أيام من سقوط حلب استولى المعارضون على معظم المدن الكبرى من بينها دمشق ليسقط حكم الأسد في تاريخ الثامن من ديسمبر / كانون الأول 2024. الصورة من دمشق في تاريخ 08 / 12 / 2024 من الاحتفالات الشعبية بالإطاحة بنظام الأسد. إعداد: علي المخلافي