بعد عام على الزلزال الذي ضرب سوريا وتركيا، مازال الوضع في سوريا متدهورا خاصة مع استغلال الرئيس بشار الأسد الكارثة لتعزيز نفوذه السياسي على حساب الضحايا.
إعلان
يصعب على الأم السورية مريم أبو عتبان تصديق أن عاما قد مر على زلزال السادس من فبراير/شباط عام 2023، الذي أثر كثيرا على حياتها؛ إذ مازالت الساعات الأولى للكارثة عالقة في الأذهان.
وفي مقابلة مع DW، قالت مريم ذات الـ42 ربيعا، والتي تعيش في بلدة جنديرس الصغيرة في شمال غربي سوريا: "بمجرد شروق شمس ذاك اليوم، اكتشفت أن نصف عائلتي قد مات. نحن نعيش الآن داخل خيمة على بعد أمتار قليلة من المكان الذي توفي فيه اثنان من أطفالي تحت أنقاض منزلنا".
وأضافت الأم الثكلى التي اغرورقت عيونها بالدموع: "رغب زوجي في الرحيل عن هذا المكان، لكني رفضت. فحيثما توجهنا، ستبقى صور أطفالنا أمام أعيننا".
وبحسب الأمم المتحدة، لقي ما لا يقل عن 6000 سوري حتفهم في الزلزال، لكن منظمات أخرى قدرت الحصيلة بأكثر من 8000 ضحية، فيما وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان وفاة أكثر من 10 آلاف.
الأسد واستغلال الكارثة
وتزامنت كارثة الزلزال مع استمرار الأزمة في سوريا، فبعد قرابة 13 عاما على بدئها، ها هي البلاد قد انقسمت إلى مناطق خاضعة لسيطرة النظام المدعوم من روسيا وإيران وميليشيات حليفة، ومناطق أخرى خاضعة لسيطرة جماعات معارضة: ميليشيات كردية وأخرى إسلامية تحظى بدعم أمريكي أو تركي.
وقد ساعدت حالة الانقسام السياسي الذي تئن تحت وطأتها سوريا في ترسيخ مكانة الأسد كزعيم للبلاد، إذ أصر لعدة أيام عقب كارثة الزلزال على ضرورة مرور كافة المساعدات الإنسانية حتى إلى مناطق المعارضة في شمال غرب البلاد، عبر دمشق، بما في ذلك المساعدات الأممية والعربية أو الغربية.
نقص التمويل
ورغم ذلك، لم يتحسن الوضع قرب الحدود السورية-التركية حيث مازال الوضع "مدمرا" بحسب وصف مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المجلس الأوروبي للشؤون الخارجية، جوليان بارنز ديسي.
وفي مقابلة مع DW، قال "بدلا من أن يطرأ أي تحسن على الوضع، سقطت سوريا من الاهتمام العالمي حيث نعاصر الآن نقصا حادا في التمويل."
بدورها، قالت هبة زيادين، باحثة أولى في قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية، إن الأزمات الإنسانية والاقتصادية في سوريا "تفاقمت بعد عام على الزلزال".
وأضافت في حديثها إلى DW أن العديد من المباني المتضررة مازالت على "حالها، فيما يأتي ذلك بالتزامن مع تضاءل التمويل المخصص لوكالات الأمم المتحدة رغم اعتماد الكثير من السكان بشكل شبه كامل على المساعدات من أجل البقاء".
ويبدو أن حديث هبة يتوافق مع معاناة الأب عبد الرزاق خالد الذي يعيش في جنديرس والذي فقد عشرة من أفراد أسرته بسبب الزلزال، فضلا عن تدمير منزله.
وبنبرة يعتصرها الأسى، قال عبد الرزاق "انقلبت حياتي رأسا على عقب. لم أتمكن من الحصول على خيمة، لذا اضطررت إلى اقتراض المال لشراء واحدة ولم يعوضني أحد حتى الآن".
وفي مقابلة مع DW، قال نائب المنسق الإقليمي للشؤون الإنسانية للأزمة السورية، ديفيد كاردن، إن نسبة التمويل لخطة الاستجابة الإنسانية الخاصة بسوريا العام الماضي بلغت 38% "ما يمثل الانخفاض الأكبر منذ بداية الأزمة في عام 2011".
وأضاف "لقد تم إحراز تقدم منذ وقوع الزلازل، لكن خطة الاستجابة تعاني من نقص كبير في التمويل، ولا يمكننا فعل الكثير لأن الموارد ضئيلة. مازال يشعر السوريون بالتداعيات طويلة المدى لكارثة الزلازل بالإضافة إلى الأعمال العدائية النشطة والتدهور الاقتصادي وتفاقم أزمة نقص الغذاء".
وقد صنف برنامج الأغذية العالمي سوريا من بين الدول العشر الأكثر معاناة من انعدام الأمن الغذائي على مستوى العالم حيث يعاني حوالي 12.9 مليون سوري - أي أكثر من نصف السكان - من الجوع.
ورغم ذلك، أعلن برنامج الأغذية العالمي في يناير/كانون الثاني الماضي اعتزامه وقف مساعداته الغذائية في سوريا بسبب "أزمة نقص التمويل".
وقال بارنز ديسي إن معظم السوريين "يحاولون البقاء على قيد الحياة خاصة مع استمرار انهيار الدولة بما في ذلك عدم قدرة الحكومة على تقديم أي خدمات ذات مغزى أو تضاؤل احتمالات حدوث تحسن".
""
ولا تعد المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة في أحسن حال إذ أنها تعاني كحال مناطق المعارضة في شمال غرب البلاد من وضع متدهور.
وهذا ما تشرحه وفاء مصطفى، الزميلة غير المقيمة في معهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط ومقره واشنطن، إن الوضع في سوريا بعد عام على كارثة الزلزال أصبح"سيئا".
وتضيف، في حديثها مع DW: "ربما يكون الأمر عائدا بشكل مباشر إلى كارثة الزلزال، وربما لا، ولكنه بالتأكيد مرتبط بالتطورات السياسية ما بعد الزلزال".
ونتيجة للزلزال، عرضت العديد من الدول العربية حتى التي قطعت علاقاتها مع نظام الأسد عقب عام 2011، إرسال مساعدات إنسانية في خطوة مهدت الطريق أمام عودة سوريا إلى الجامعة العربية في مايو / أيار الماضي.
وبحسب التقديرات، فقد أدى قمع الاحتحاجات والحرب التي دخلت فيها البلاد بعدها إلى مقتل ما بين نصف مليون و650 ألف شخص، مع اتهام قوات الأسد بتنفيذ هجمات باستخدام قنابل حارقة بشكل متعمد، مع تقارير عن اختفاء الآلاف في سجون البلاد سيئة السمعة.
وفي هذا السياق، قال بارنز ديسي إن الوضع الحالي "يعطي الأسد فرصة للحفاظ على منصبه دون تعرضه للكثير من الضغوط حيث لا يوجد من يثير الاهتمام السياسي أو يقدم التمويل. انسلت جميع القضايا المرتبطة بالأزمة السورية من أيدينا".
وترى وفاء مصطفى أن "بشار الأسد لا يزال يتمتع بسياسة الإفلات من العقاب، ليس فقط عندما يتعلق الأمر بمحاسبته على الجرائم التي حدثت في الماضي وإنما أيضا على الجرائم التي مازالت تُرتكب في مناطق سيطرته. ما تبقى من سوريا يحمل في طياته دلالة واضحة على الإفلات من العقاب الذي يتمتع به نظام الأسد، لكنه يكشف أيضا عن نظام عالمي مازال يخذل السوريين".
أعده للعربية: محمد فرحان
مشاهد من الزلزال المدمر في جنوب تركيا وشمال سوريا
لا يمكن بعد توقع الحجم الكامل للكارثة، فعدد القتلى والجرحى يتزايد ويتزايد. والمساعدات في طريقها لتركيا وسوريا بعدما ضرب زلزال مدمر منطقة جنوب شرق تركيا وشمالي سوريا موقعا آلافا من القتلى والجرحي وأضرارا كبيرة في البلدين.
صورة من: Louai Beshar/AFP
حجم الكارثة لا يمكن معرفته الآن
بقوة 7,8 درجات على مقياس ريختر وعلى عمق حوالى 17,9 كيلومترا، وفقا لهيئة المسح الجيولوجي الأمريكية، ضرب زلزال مرعب منطقة جنوب شرقي تركيا وشمالي سوريا في ساعة مبكرة من صباح الاثنين (6 فبراير/ شباط 2023)، ما أسفر عن دمار شديد ومقتل أكثر من 2700 شخص في البلدين، بحسب معطيات غير نهائية مساء الاثنين. ولا تكفّ الحصيلة عن الارتفاع، إذ لا يزال عدد كبير جداً من الأشخاص تحت الأنقاض.
صورة من: Mahmut Bozarslan/AP Photo/picture alliance
الزلزال يباغت الناس في نومهم
وقع الزلزال والناس نياما، عند الساعة 04:17 بالتوقيت المحلي (01,17 بتوقيت غرنيتش). وكان مركزه في منطقة بازارجيك بمحافظة قهرمان مرعش على بعد 60 كيلومترا من الحدود السورية. وأعقبه عشرات الهزات الارتدادية، ثم ضرب زلزال جديد بقوة 7,5 درجات عند الساعة 10,24 بتوقيت غرينتش جنوب شرق تركيا. وشعر بالزلزال سكان في كل من لبنان وسوريا والأراضي الفلسطينية واليونان وقبرص وأرمينيا وجورجيا والعراق وبعض مناطق مصر .
صورة من: Erkan Kama/AA/picture alliance
أردوغان يعلن الحداد العام
وأعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الحداد العام في عموم البلاد لمدة 7 أيام. وجاء في التعميم الذي وقع عليه أردوغان، مساء الاثنين: "نتيجة الزلازل التي ضربت بلدنا في 6 شباط/ فبراير 2023، تقرر الحداد الوطني لمدة 7 أيام، وتنكيس الأعلام داخل البلاد وفي الممثليات الخارجية حتى الأحد 12 فبراير"، وفقا لوكالة أنباء الأناضول التركية.
صورة من: Depo Photos/ABACA/picture alliance
"أقوى" زلزال في سوريا منذ نحو 30 عاما
وفي سوريا المجاورة تسبب الزلزال في سقوط أبنية في محافظات عدة على رؤوس قاطنيها، بينما لا تزال المئات من العائلات تحت الأنقاض. وتعلن الحكومة السورية تباعاً عن عدد الضحايا فيما تستمر عمليات البحث عن ناجين تحت الأنقاض. ونقل عن مدير عام المركز الوطني لرصد الزلازل رائد أحمد قوله "هذا الزلزال هو الأقوى... منذ العام 1995".
صورة من: Omar Albam
حصيلة ضخمة مؤقتة في سوريا للضحايا
وفي أنحاء سوريا قتل 1300 شخص على الأقل جراء الزلزال، في حصيلة غير نهائية لوزارة الصحة السورية وفرق إغاثة. وأعلنت وزارة الصحة مقتل 593 وإصابة 1411 آخرين في حصيلة غير نهائية في مناطق سيطرة الحكومة في محافظات حلب واللاذقية وحماة وطرطوس. كما أفادت منظمة الخوذ البيضاء العاملة في مناطق الشمال الخارجة عن سيطرة دمشق بمقتل 700 شخص وإصابة أكثر من ألفين آخرين. فيما تستمر عمليات البحث عن ناجين تحت الأنقاض.
صورة من: Louai Beshar/AFP
استغاثة الخوذ البيضاء بمناطق المعارضة
وفي مناطق سيطرة الفصائل المسلحة والمعارضة بشمال وشمال غرب سوريا، رجّحت منظمة الخوذ البيضاء (الدفاع المدني العامل في المناطق الخارجة عن سيطرة دمشق) "ارتفاع عدد الوفيات بشكل كبير لوجود مئات العائلات تحت الأنقاض". ودعت المنظمة وسط ظروف مناخية قاسية "جميع المنظمات الإنسانية الدولية إلى التدخل السريع لإغاثة المنكوبين وتلبية احتياجاتهم".
صورة من: Mohammed Al-Rifai/AFP
أوضاع كارثية وتصدع آلاف المباني
سنوات الحرب الطويلة تسببت في تصدّع آلاف الأبنية في محافظات عدة خصوصاً تلك التي شهدت معارك ضارية وقصفاً جوياً. ودفعت موجات النزوح المتكررة والفقر المدقع سوريين كثر إلى السكن في مباني متضررة أو شبه مدمرة. وتشهد مناطق سيطرة الفصائل المعارضة في إدلب وحلب أوضاعا كارثية وعائلات تنتظر سماع أخبار عن أفرادها، بينما انهمك عمال الإغاثة في نقل المصابين وانتشال الضحايا من تحت ركام الأبنية.
صورة من: Ghaith Alsayed/AP Photo/picture alliance
قلعة حلب ومواقع آثارية تتعرض للضرر
وفي حلب، ثاني مدن سوريا، بقيت عشرات العائلات منذ وقوع الزلزال فجرًا في الحدائق العامة رغم تساقط أمطار غزيرة، خشية حصول هزات ارتدادية. وتضرّرت قلعة حلب وعدد من المواقع الأثرية الأخرى، وفقاً للمديرية العامة للآثار والمتاحف.
صورة من: AFP
شولتس "مصدوم" ويقدم مساعدات
وغرّد المستشار الألماني أولاف شولتس (أرشيفية) على تويتر: "نتابع الأنباء عن الزلزال في المنطقة الحدودية بين تركيا وسوريا وسط حالة من الصدمة .. نحن نحزن مع الأقارب ونقلق مع المدفونين (تحت الأنقاض). وسترسل ألمانيا مساعدة بالطبع". أما وزيرة الخارجية بيربوك فكتبت: "استيقظنا على أخبار مروعة من تركيا و سوريا. خواطري مع أقارب ضحايا هذا الزلزال المرعب.. سنرسل على وجه السرعة مساعدات بالتعاون مع شركائنا".
صورة من: Michael Kappeler/dpa/picture alliance
ماكرون: صور فظيعة من تركيا وسوريا
وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إن فرنسا "مستعدة لتوفير مساعدة عاجلة للسكان" في تركيا وسوريا. وكتب ماكرون الاثنين في تغريدة "تردنا صور فظيعة من تركيا وسوريا بعد زلزال بقوة غير مسبوقة. نتعاطف مع العائلات التي خسرت أفرادا". (صورة من الأرشيف)
صورة من: Getty Images/AFP/O. Kose
الاتحاد الأوروبي يرسل فرق إنقاذ
وأرسل الاتحاد الأوروبي فرق إنقاذ إلى تركيا، وكتب المفوض الأوروبي المكلف بإدارة الأزمات يانيش لينارسيتش على تويتر: "إثر الزلزال الذي وقع في تركيا فعلّنا آلية الدفاع المدني في الاتحاد الأوروبي (..) وتوجهت فرق من هولندا ورومانيا" للمشاركة في عمليات البحث والإنقاذ. وأوضح ناطق باسم المفوضية الأوروبية أن هذه المساعدة تأتي بناء على طلب من تركيا.
صورة من: IHA agency via AP/picture alliance
حلفاء الناتو يحشدون الدعم لتركيا
وأعرب الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (ناتو) ينس ستولتنبرغ، عن تضامنه وأعلن الدعم للدولة العضو تركيا بعدما ضربها زلزال مدمر. وكتب ستولتنبرغ على تويتر "التضامن الكامل مع الحليف تركيا عقب هذا الزلزال المريع". وأضاف "يحشد حلفاء الناتو الدعم"، مشيرا إلى أنه تواصل مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ووزير الخارجية مولود تشاوش أوغلو.
صورة من: Stoyan Nenov/REUTERS
بوتين مستعد لمساعدة سوريا وتركيا
وعرض الرئيس فلاديمير بوتين تقديم مساعدة لسوريا وتركيا. ولروسيا وجود عسكري قوي في سوريا، وبوتين حليف وثيق للأسد وله علاقة قوية مع أردوغان. وذكر بوتين برسالته لأردوغان "تقبلوا خالص عزائنا في الضحايا والدمار واسع النطاق... نحن مستعدون لتوفير المساعدة الضرورية في هذا الشأن". وفي رسالة مماثلة، أبلغ بوتين نظيره السوري أن روسيا تشاطر "من فقدوا أحباءهم الحزن والألم"، مضيفا أن موسكو مستعدة لتقديم المساعدة.
صورة من: Reuters/Sputnik/M. Klimentyev
أبو الغيط يدعو لتقديم الإغاثة بعيدا عن التسيس
كما دعا أمين عام جامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، المجتمع الدولي إلى تقديم الإغاثة الطارئة للمناطق المنكوبة في الشمال السوري. وقال المتحدث الرسمي باسمه في بيان: إن أبو الغيط أعرب عن تعازيه لأسر الضحايا وتمنياته بالشفاء العاجل للمصابين في سوريا وتركيا. وأضاف أن الجامعة تناشد منظمات الإغاثة الدولية والإنسانية بالتحرك الفوري لمواجهة تداعيات هذه الكارثة من منظور إنساني بعيدا عن أي تسييس. صلاح شرارة