بعد سقوط نظام بشار الأسد تتوارد الأنباء عن وقوع أعمال عنف ضد المدنيين في مناطق الأقلية العلوية. وفي أغلب الحالات يبقى المسؤولون عن تلك الانتهاكات مجهولي الهوية. ما أسباب ذلك؟ وما هي تبعاته على السلم الأهلي؟
قوات الحكومة الانتقالية عند نقطة تفتيش بالقرب من حي المزة 86 ذي الأغلبية العلوية في دمشق، كانون الأول/ديسمبر 2024صورة من: Anwar Amro/AFP/Getty Images
إعلان
سُجل مؤخراً في القرى المحيطة بمدينة جبلة الواقعة على البحر الأبيض المتوسط في شمال سوريا انتشار عسكري متزايد. فقد أرسلت إدارة العمليات العسكرية التابعة للحكومة الانتقالية في دمشق قوة عسكرية مسلحة في نحو 100 شاحنة بيك أب إلى هذه المنطقة من أجل المحافظة على النظام والأمن ومحاولة اعتقال رموز كبيرة من نظام الأسد المخلوع.
وهذا ما أفاد به في 14 كانون الثاني/يناير المرصد السوري لحقوق الإنسان، الذي يقع مقره في بريطانيا ويستقي معلوماته من شبكة من الناشطين في سوريا. ومعلومات هذا المرصد لا يمكن في الغالب التحقق بشكل مستقل منها، ولكن في غالب الأحيان ثبت دقتها، كما تؤكد وكالات الأنباء.
ومن الواضح أنَّ الحكومة الانتقالية في دمشق استجابت بإرسالها هذه القوات إلى جبله لنداءات الاستغاثة خاصةً من قبل العلويين الذين يعيشون في المنطقة.
إعلان
العلويون وعائلة الأسد
والعلويون كانوا يشكلون قبل الثورة في عام 2011 بحسب تقديرات مختلفة ما بين 10 و13 في المائة من مجموع سكان سوريا. ينظر الى الطائفة الدينية المتفرعة من الإسلام الشيعي الجعفري، على ان افرادها تغلب عليهم التوجهات العلمانية، وتنتمي إلى الطائفة عائلة الأسد، التي حكمت سوريا حكماً ديكتاتورياً لأكثر من نصف قرن.
وتعتبر علاقة العلويين بالنظام السابق برئاسة بشار الأسد علاقة مركبة إلى حد ما. فمن ناحية وصل الكثير من العلويين إلى مناصب عليا في أجهزة النظام العسكرية والأمنية ودعموه بشكل فعّال. ولكن من ناحية أخرى وقف الكثير من العلويين ضد النظام. ويضاف إلى ذلك أنَّ بعض السوريين من مجموعات دينية أو عرقية أخرى خدموا النظام، على الرغم من أنَّ عددهم - من الناحية النسبية - لم يكن كبيراً كعدد العلويين.
ولذلك فإنَّ مقولة إن الحكم الذي يشكل العلويون حامله الأساسي والمعارضة التي يشكل السنة حاملها الأساسي ليست صحيحة إلا بشكل جزئي. ويعتبر المتطرفون من السنة العلويين مشاركين في المسؤولية عن جرائم النظام. وينتمي بعض حكام سوريا اليوم إلى هذا الوسط الإسلاموي المتطرف، ولكنهم يؤكدون أنَّهم فكوا ارتباطهم بالتنظيمات الإرهابية منذ زمن.
قلق على الأمن والنظام: قوات مسلحة تابعة للحكومة السورية المؤقتة ومتظاهرون علويون في حي العزة بدمشقصورة من: Omar Sanadiki/AP Photo/picture alliance
مجرمون مجهولو الهوية
ونتيجة لهذه التوترات فقد وقعت وما تزال تقع هجمات عنيفة ضد العلويين بشكل شبه يومي في الأسابيع التي تلت سقوط نظام الأسد في الثامن من شهر كانون الأول/ديسمبر 2024 - ليس في جبلة وحدها ومدينة اللاذقية الساحلية الشمالية، التي غالباً ما كانت توصف في السابق بأنَّها "معقل آل الأسد"، بل حتى في مناطق أخرى، كأرياف حمص وحماة على سبيل المثال.
ولكن من المشكوك فيه إن كان وجود الميليشيات هنا سيعمل في الواقع على تهدئة المواطنين في محيط جبلة وغيرها من المدن ذات الأغلبية العلوية. فقد ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان أنَّ مدنيين في بلدة تسنين بريف حمص قد هوجموا من قبل أفراد ميليشيات ادعوا أنَّهم عناصر من إدارة العمليات العسكرية.
ولكن من غير المؤكد إن كان هؤلاء المسلحون ينتمون فعلًا إلى الإدارة المذكورة، كما قالت لـDW ناشطة الحقوق المدنية منى غانم، رئيسة المنظمة غير الحكومية السورية "منتدى المرأة السورية للسلام": "معظم هؤلاء المسلحين ملثمون ولا نعرف هويتهم".
ويفترض بعض أهالي المنطقة أنَّ مَنْ يقف خلف هذه الهجمات هم جهاديون أجانب قاتلوا خلال السنين الأخيرة في صفوف "هيئة تحرير الشام" الإسلاموية المتطرفة، التي يترأسها رجل سوريا القوي، أحمد الشرع.
العقوبات الاقتصادية على سوريا
02:07
This browser does not support the video element.
حالات قتل وعنف كثيرة
ومن غير الواضح ما الذي يريده مرتكبو أعمال العنف هذه، كما تقول خبيرة الشؤون السورية في مؤسسة هاينريش بول الألمانية بينتي شيلر: "من الممكن أنَّ يتعلق الأمر بعمل انتقامي شخصي، أو بعنف ذي دوافع أيديولوجية، أو حتى بمحاولة تشويه سمعة النظام الجديد".
والحقيقة أنَّ المواطنين في المناطق ذات الأغلبية العلوية باتوا يتعرضون بشكل متكرر لأعمال عنف منذ سقوط نظام الأسد في 8 كانون الأول/ديسمبر 2024. وحتى إعداد هذا التقرير قام المرصد السوري لحقوق الإنسان بتوثيق 132 جريمة عنف مميتة، بلغ عدد ضحاياها 132 ضحية، من بينهم تسع نساء وخمسة أطفال.
وبحسب هذا الإحصاء فإنَّ معظم هؤلاء الضحايا من محافظة حمص، التي وقعت فيها 26 جريمة قتل بلغ مجموع ضحاياها 59 ضحية. وتليها محافظة حماة بثلاث وثلاثين جريمة و58 قتيلاً. وقُتل في محافظة اللاذقية 25 شخصاً. ووقعت في دمشق أيضاً أعمال عنف مميتة، فقد قُتل هناك عشرة أشخاص. وتنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي الكثير من مقاطع الفيديو لأعمال عنف، لكن لا يمكن في كثير من الأحيان التحقق بشكل جازم من مجرياتها وخلفياتها.
وتضاف إلى ذلك اعتقالات على نطاق واسع. ففي حمص وحدها اعتُقل خلال الأيام الأخيرة نحو 650 شخصاً، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان. ولكن مع ذلك فإنَّ هذه الاعتقالات لا تستهدف العلويين بحد ذاتهم كما تقول الجهات الرسمية، بل تستهدف مسؤولين سابقين في نظام الأسد. ويقال إنَّ نحو 145 شخصاً قد تم الإفراج عنهم بعد اعتقالهم.
أفراد من ميليشيات هيئة تحرير الشام في دمشق، كانون الأول/ديسمبر 2024صورة من: Middle East Images/Imago
حكومة انتقالية عاجزة؟
تقول خبيرة الشؤون السورية في مؤسسة هاينريش بول الألمانية المقربة من حزب الخضر، بينتي شيلر، إنَّ الحكومة الانتقالية تواجه مشكلة كبيرة: "ومن الواضح أنَّها لا تستطيع بسط سيطرتها على كل سوريا. فبعض جماعات المعارضة السابقة تتصرف على مسؤوليتها الخاصة، من دون الالتزام بتوجيهات دمشق. وهذا يقوض سلطة الحكومة الانتقالية إلى حد كبير".
وتنظر الناشطة منى غانم إلى الوضع نظرة مشابهة. وتقول إنَّ المواطنين في المناطق ذات الأغلبية العلوية يعتمدون في أمنهم على الدعم من دمشق. بيد أنَّ الحكومة غير قادرة على تقديم الدعم: "وهذا يضع العلويين في وضع صعب، لأنَّ الكثيرين منهم قد سلموا أسلحتهم في الأسابيع الأخيرة، وأظهروا بذلك أنَّهم مستعدون للعمل من أجل نظام جديد في سوريا. وإذا كانت الحكومة غير قادرة على القيام بذلك، فيجب عليها أن تطلب مساعدة خارجية".
أعده للعربية: رائد الباش
مسارات الثورة السورية - سقوط نظام بشار الأسد بعد سنوات من سفك الدماء
مع الانهيار المفاجئ لحكم بشار الأسد في سوريا ثم سقوطه يوم الأحد 08/ 12/ 2024 حققت المعارضة السورية أهدافها بعد قرابة 14 عاما، في لحظة حاسمة من حرب أهلية حصدت أرواح مئات الآلاف ونزح بسببها نصف السكان واستقطبت قوى خارجية.
صورة من: Orhan Qereman/REUTERS
2011 - احتجاجات سلمية وقمع
انتشرت الاحتجاجات الأولى سلميا ضد الأسد سريعا في أنحاء البلاد، وواجهتها قوات الأمن بالاعتقالات والرصاص. ثم حمل بعض المتظاهرين السلاح وانشقت وحدات عسكرية بالجيش مع تحول الانتفاضة إلى ثورة مسلحة حظيت بدعم دول غربية وعربية وكذلك تركيا.
صورة من: AP
2012 - تفجير هو الأول من نوعه في دمشق
وقع تفجير بدمشق هو الأول من نوعه نفذته جبهة النصرة فرع تنظيم القاعدة الجديد بسوريا والتي اكتسبت قوة وبدأت بسحق جماعات ذات مبادئ قومية. واجتمعت القوى العالمية بجنيف واتفقت على الحاجة لانتقال سياسي لكن انقسمت حول كيفية تحقيق ذلك. الأسد وجه قواته الجوية نحو معاقل المعارضة مع سيطرة المقاتلين على أراضٍ لتتصاعد الحرب مع وقوع مجازر على الجانبين.
صورة من: Reuters
2013 – دعم إيران وحزب الله للأسد واتهام نظامه باستخدام السلاح الكيماوي
ساعد حزب الله اللبناني الأسد على تحقيق النصر في القُصَير ليوقف زخم المعارضة ويظهر الدور المتزايد للجماعة المدعومة من إيران في الصراع. حددت واشنطن استخدام الأسلحة الكيميائية كخط أحمر، لكن هجوما بغاز السارين [كما في الصورة هنا] على الغوطة الشرقية التي سيطرت عليها المعارضة قرب دمشق أودى بحياة عشرات المدنيين دون أن يثير ردا عسكريا أمريكيا.
صورة من: Reuters
2014 - استسلام مقاتلي المعارضة في حمص القديمة
سيطر تنظيم الدولة الإسلامية فجأة على الرقة بالشمال الشرقي وعلى مساحات بسوريا والعراق. استسلم مقاتلو المعارضة [نرى بعضهم في الصورة] بحمص القديمة ووافقوا على المغادرة لمنطقة أخرى بأول هزيمة كبيرة لهم بمنطقة حضرية كبرى وهذا مهد لاتفاقات "إخلاء" بعد ذلك. شكلت واشنطن تحالفا ضد تنظيم الدولة الإسلامية وبدأت بتنفيذ ضربات جوية مما ساعد القوات الكردية على وقف مد التنظيم لكنه تسبب بتوترات مع حليفتها تركيا.
صورة من: Salah Al-Ashkar/AFP/Getty Images
2015 - اكتساب المعارضة أراضيَ في إدلب ودعم روسيا للأسد
بفضل تحسين التعاون والحصول على الأسلحة من الخارج تمكنت الجماعات المعارضة من كسب المزيد من الأراضي والسيطرة على شمال غرب إدلب، لكن بات للمسلحين الإسلاميين دور أكبر. انضمت روسيا إلى الحرب لدعم الأسد بشن غارات جوية حولت دفة الصراع لصالح رئيس النظام السوري لسنوات لاحقة.
صورة من: Reuters/K. Ashawi
2016 - هزيمة المعارضة في حلب على أيدي قوات الأسد وحلفائه
مع قلقها من تقدم الأكراد على الحدود شنت تركيا عملية توغل مع جماعات معارضة متحالفة معها مما أدى لإقامة منطقة جديدة تحت السيطرة التركية. تمكن الجيش السوري وحلفاؤه من هزيمة المعارضة في حلب، وهو ما اعتبر آنذاك أكبر انتصار للأسد في الحرب. انفصلت جبهة النصرة عن تنظيم القاعدة وبدأت محاولة تقديم نفسها في صورة معتدلة، فأطلقت على نفسها سلسلة من الأسماء الجديدة قبل أن تستقر في النهاية على هيئة تحرير الشام.
صورة من: picture-alliance/AA/E. Leys
2017 - هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية في الرقة
تمكنت قوات مدعومة من الولايات المتحدة بقيادة الأكراد [هنا في الصورة] من هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية في الرقة. وانتهى هذا الهجوم وهجوم آخر شنه الجيش السوري بطرد هذا التنظيم المتطرف من كل الأراضي تقريبا التي استولى عليها.
صورة من: Reuters/G. Tomasevic
2018 - استعادة الأسد للغوطة الشرقية ودرعا
استعاد الجيش السوري الغوطة الشرقية قبل أن يستعيد سريعا جيوبا أخرى للمعارضة في وسط سوريا ثم درعا معقلها الجنوبي. وأعلن الجيش الحكومي خروج جميع فصائل المعارضة من منطقة الغوطة الشرقية بعد نحو شهرين من هجوم عنيف على هذه المنطقة التي كانت معقلاً للمعارضة.
صورة من: Getty Images/AFP/L. Beshara
2019 - فقدان تنظيم الدولة الإسلامية آخر معاقله في سوريا
فقد تنظيم الدولة الإسلامية آخر معاقله في سوريا. وقررت الولايات المتحدة إبقاء بعض قواتها في البلاد لدعم حلفائها الأكراد. وبإعلانها السيطرة على آخر معاقله في سوريا طوت قوات سوريا الديمقراطية نحو خمس سنوات من "الخلافة" المزعومة لتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش). ورحب زعماء العالم بـ"تحرير" منطقة الباغوز مؤكدين على مواصلة "اليقظة" تجاه خطر التنظيم.
ساندت روسيا هجوما لقوات النظام السوري انتهى بتفاهمات روسية تركية ايرانية ليتجمد القتال عند معظم خطوط المواجهة. وسيطر الأسد على جل الأراضي وجميع المدن الرئيسية ليبدو أنه قد رسخ حكمه. وسيطر المعارضون على الشمال الغربي فيما سيطرت قوة مدعومة من تركيا على شريط حدودي. وسيطرت القوات التي يقودها الأكراد على الشمال الشرقي.
2023 - تقليص وجود إيران وحزب الله في سوريا وتقويض سيطرة الأسد
وقع هجوم حركة حماس الارهابي غير المسبوق على إسرائيل في السابع من أكتوبر / تشرين الأول ليندلع قتال بين إسرائيل وحزب الله اللبناني أدى في نهاية المطاف إلى تقليص وجود الجماعة في سوريا وتقويض سيطرة الأسد. في الصورة: قصف مبنى بالقرب من السفارة الإيرانية في دمشق منسوب لإسرائيل عام 2024.
صورة من: Firas Makdesi/REUTERS
2024 - سقوط نظام الأسد وحكم حزب البعث في سوريا 08 / 12 / 2024
شنت المعارضة هجوما جديدا على حلب. ومع تركيز حلفاء الأسد على مناطق أخرى، ينهار الجيش سريعا. وبعد ثمانية أيام من سقوط حلب استولى المعارضون على معظم المدن الكبرى من بينها دمشق ليسقط حكم الأسد في تاريخ الثامن من ديسمبر / كانون الأول 2024. الصورة من دمشق في تاريخ 08 / 12 / 2024 من الاحتفالات الشعبية بالإطاحة بنظام الأسد. إعداد: علي المخلافي