يعيش اللاجئون السوريون على وقع الخوف وغموض المستقبل بعد المطالبات بترحيلهم إلى بلدهم لانتفاء أسباب البقاء بانتهاء الحرب الأهلية في بلادهم فكيف ينظرون إلى الجدل الدائر الذي أطلقه المستشار الألماني فريدريش ميرتس.
رغب نحو نصف المهاجرين الذين لا يرغبون في البقاء بألمانيا في العودة إلى بلدهم الأصلي، بينما يرغب النصف الآخر في الانتقال إلى بلد آخر، وفقًا لمعهد أبحاث التوظيف التابع لوكالة التوظيف الاتحاديةصورة من: Marwan Naamani/ZUMA/picture alliance
إعلان
أعرب المستشار الألمانيفريديريش ميرتس عن رغبته في إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، معتبرًا أن الحرب الأهلية في سوريا قد انتهت. وأكد أن السوريين لم يعد لديهم أسباب تبرر اللجوء في ألمانيا. مضيفا أنه كان يتوقع عودة عدد من السوريين من تلقاء أنفسهم لإعادة إعمار البلاد. حتى الموجودين في ألمانيا الذين يرفضون العودة إلى البلاد يمكن بالطبع ترحيلهم أيضا في المستقبل القريب.
التقى موقع "مهاجر نيوز" ببعض اللاجئين السوريين في مدينة بون. أبدى العديد منهم مخاوف كبيرة من احتمال تنفيذ قرار الترحيل.
الهام، سورية مقيمة في ألمانيا منذ أكثر من عشر سنوات، أسم مستعار، درست اللغة الألمانية وتعمل الآن، وقد تقدمت بطلب للحصول على الجواز الألماني. تقول لمهاجر نيوز "إنها لا تعرف بالضبط ماذا سيحدث، لكنها لا تفكر بالعودة إلى سوريا الآن" وتشير إلى أن هناك الكثير من السوريين عادوا، لكن هناك أيضًا أسر أسست حياتها هنا، "ومن الصعب فجأة أن تترك كل شيء خلفك"، تقول إلهام.
وتضيف: "نعم، سوريا بلدنا ونحب أن نرجع إليها، لكن العودة ليست سهلة". وتوضح: "إذا كانت العودة اختيارية طوعية، فالأمر مختلف، أما في حال أصبحت الإلزامية فلا حول ولا قوة".
بعد رحلة الموت
أما أبو محمد، أسم مستعار، الذي يقيم في ألمانيا منذ عشر سنوات ولديه أسرة مكوّنة من خمسة أطفال، أصغرهم يبلغ من العمر خمس سنوات، فيقول: "وصلت إلى هنا بعد رحلات مليئة بالموت ، سواء أثناء خروجي من سوريا أو خلال مروري بتركيا ثم اليونان وصولًا إلى ألمانيا، فهل يُعقل أن أضيع عشر سنوات من عمري وأعود من جديد؟"
وأوضح أبو محمد لمهاجر نيوز قائلاً: "عندما وصلت إلى هنا بدأت من الصفر، فهل يُعقل أن أعود لأبدأ من الصفر مجددًا؟ صحيح أن الوضع السياسي يبدو أفضل، لكن لا يوجد أمن حقيقي ولا أمان ولا خدمات ولا كهرباء وهناك غلاء فاحش واقتصاد متردٍ، وبسبب هذا الغلاء لم أتمكن من تأسيس أي شيء في بلدي يمكن أن أعود إليه".
كانت ألمانيا هي الدولة الأوروبية التي استقبلت أكبر عدد من اللاجئين منالحرب الأهلية السورية التي استمرت 14 عاما بسبب سياسة الباب المفتوح التي اتبعتها المستشارة السابقة أنغيلا ميركل. ويعيش اليوم نحو مليون سوري في البلاد.
ألمانيا واللاجئون.. كيف تغير الحال منذ الترحيب الكبير في 2015؟
أغلبية الألمان كانت في عام 2015 مع استقبال اللاجئين ومنحهم الحماية. ولكن الأمور لم تستمر كذلك، حيث تراجعت نسبة التأييد للاجئين بشكل متسارع اعتباراً من مطلع عام 2016. نستعرض ذلك في هذه الصور.
صورة من: Odd Andersen/AFP/Getty Images
ميركل وعبارتها الشهيرة
"نحن قادرون على إنجاز ذلك". عبارة قالتها المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل في هذا المؤتمر الصحفي للحكومة، الذي عقد بتاريخ 31 أغسطس/آب 2015. لم تكن تعرف حينها أن الجملة ستدخل التاريخ الألماني الحديث، وتسبب استقطاباً في البلاد، ويتحول الرأي العام الألماني من مرحب بنسبة كبيرة باللاجئين، إلى تناقص هذه النسبة بمرور السنوات.
صورة من: Imago/photothek/T. Imo
تأييد كبير لاستقبال اللاجئين
حتى مع ارتفاع أعداد طالبي اللجوء إلى ألمانيا من حوالي 41 ألف طلب لجوء في عام 2010 إلى 173 ألف طلب لجوء في 2014، كانت الأغلبية الساحقة من الألمان، في مطلع عام 2015، مع استقبال اللاجئين وتقديم الحماية لهم.
صورة من: Martin Meissner/AP Photo/picture alliance
أول محطة ترحيب
صيف وخريف 2015 شهد ذروة موجة اللجوء الكبيرة. فبعد أخذ ورد على المستوى السياسي الألماني، ومع الدول الأوروبية المجاورة، سمحت ألمانيا ودول أوروبية أخرى بدخول طالبي اللجوء إليها. مئات الآلاف دخلوا البلاد خلال أسابيع قليل. وظهرت صور التعاطف معهم من جانب السكان الألمان. وكان ذلك واضحاً للعيان في محطات القطارات وفي مآوي اللاجئين.
صورة من: Sven Hoppe/dpa/picture alliance
التأييد حتى على مدرجات الملاعب
وحتى على مدرجات ملاعب كرة القدم، في مباريات الدوري الألماني (بوندسليغا)، شاهد العالم عبارات الترحيب باللاجئين، كما هنا حيث رفعت جماهير بوروسيا دورتموند هذه اللافتة العملاقة بتاريخ 25 أكتوبر/تشرين أول 2015.
وبالمجمل وصل إلى ألمانيا خلال عام 2015 وحده حوالي 890 ألف طالب لجوء.
صورة من: picture-alliance/G. Chai von der Laage
الرافضون لاستبقال اللاجئين أقلية في 2015
بنفس الوقت كان هناك رافضون لسياسة الهجرة والانفتاح على إيواء اللاجئين، وخاصة من أنصار حركة "بيغيدا" (أوروبيون وطنيون ضد أسلمة الغرب)، الذين كانوا يخرجون في مسيرات، خصوصاً في شرق البلاد، للتعبير عن رفضهم لاستقبال اللاجئين. كما كانت تخرج مظاهرات مضادة لحركة "بيغيدا" وداعمة لاستقبال اللاجئين.
صورة من: Reuters/F. Bensch
ليلة الانعطاف الكبير
وبقي الرأي العام منفتحاً على استقبال اللاجئين حتى ليلة حاسمة، مثلت علامة فارقة في قضية الهجرة واللجوء في ألمانيا. فبينما كان العالم يودع عام 2015 ويستقبل 2016، والاحتفالات السنوية تقام أيضا في المدن الألمانية، وردت أنباء متتالية عن عمليات تحرش بالكثير من الفتيات في موقع احتفال برأس السنة في مدينة كولن (كولونيا). أكثر من 600 فتاة تعرضن للتحرش والمضايقات.
صورة من: DW/D. Regev
تعليق لم الشمل لحملة الحماية المؤقتة
من تلك اللحظة بدأ المزاج العام في التغير وأخذ حجم التأييد لاستقبال اللاجئين يتراجع في الرأي العام الألماني. وبدأ التشديد في قوانين الهجرة واللجوء، كتعليق لم الشمل لمدة عامين للاجئي الحماية الثانوية (المؤقتة)، بموجب القانون الذي صدر في ربيع عام 2016، والذي صدر في عهد وزير الداخلية آنذاك توماس دي ميزير.
صورة من: Getty Images/AFP/J. McDougall
الهجوم على سوق عيد الميلاد في برلين 2016
وقبل أن يودع الألمان عام 2016 بأيام قليلة، أتت كارثة جديدة صدمت الرأي العام: هجوم بشاحنة على سوق لعيد الميلاد في العاصمة برلين، نفذه اللاجئ التونسي سميح عمري. 13 إنسان فقدوا حياتهم في الهجوم، وأصيب 63 آخرون. حصيلة مؤلمة ستترك ندوباً في المجتمع.
صورة من: Reuters/H. Hanschke
حزب البديل يدخل البرلمان للمرة الأولى
استفاد من هذه الأحداث حزب البديل لأجل ألمانيا اليميني المناهض لسياسة الهجرة واللجوء الحالية والرافض لاستقبال اللاجئين كلياً. ليدخل الحزب البرلمان الألماني لأول مرة في تاريخه، محققاً المركز الثالث في الانتخابات البرلمانية الاتحادية التي أقيمت في سبتمبر/أيلول 2017، بنسبة 12.6 بالمئة.
صورة من: Reuters/W. Rattay
استمرار الاستقطاب
شهدت السنوات اللاحقة استمرار الاستقطاب في المجتمع، خصوصاً مع بعض الهجمات التي نفذها لاجئون، بدوافع إرهابية. أمر قلص الدعم الشعبي للهجرة. إلى أن تراجعت الشعبية، وبات قرابة ثلثي الألمان في استطلاعات الرأي يريدون استقبال أعداداً أقل من اللاجئين أو وقف استقبالهم كلياً.
صورة من: Sean Gallup/Getty Images
10 صورة1 | 10
العودة مستحيلة
ولا تزال المخاوف تتزايد بين اللاجئين السوريين، مثل أحمد، شاب وصل قبل عام ونصف ويواصل تعلم اللغة الألمانية في المستوى الثاني، رغم أنه لا يتقنها بعد، لكنه يواصل المحاولة. "إنه صرف كل ما يملك في بلده وحمل على عاتقه الكثير من الديون من أجل الوصول إلى ألمانيا "، يقول أحمد. ويحلم ببناء مستقبله في ألمانيا وتكوين أسرة .
وأضاف لمهاجر نيوز: "ليس بيدي شيء، وإذا طُلب مني المغادرة فسوف أغادر، لكنني أتساءل: ماذا عن ديوني والسنوات الطويلة التي قضيتها للوصول إلى ألمانيا؟"
وأما حسان، اسم مستعار، صاحب محل تجاري كبير ومقيم في ألمانيا منذ أكثر من 13 سنة لم يزر سوريا منذ قدومه بسبب خوفه من النظام السابق ، يرى الأمر نفسه: فرص العمل في سوريا محدودة، وحتى الموجودين في سوريا لافرص لديهم لحياة كريمه الاقتصاد مدمر.
يوضح حسان لمهاجر نيوز ومن غير العدل أن يترك من أسس حياته هنا ليعود، ليبدأ من الصفر لكن يجب ترحيل الأشخاص الذين لديهم مشاكل أو ماضٍ إجرامي بالعودة الي سوريا ."
إعلان
الدمار والفقر
بعد زيارته إلى سوريا، خلص وزير الخارجية الألماني إلى أن "عودة اللاجئين السوريين طوعًا "غير ممكنة في الوقت الراهن". غير أن تصريحاته هذه أثارت استياء عدد من زملائه في الحزب، الذين رفضوا اعتبار حجم الدمار في البلاد مبررًا يمنع العودة، سواء كانت طوعية أم إلزامية.
أم محمد أم لستة أطفال، تقول إنها لا ترى أي سببللعودة إلى سوريا . رغم أن بيتها في منطقتها لم يُدمّر بالكامل، إلا أن المنطقة بأكملها أصبحت شبه مدمرة ولم تعد المنازل كما كانت. الكثير منها أصبح حطامًا، مما يجعل العودة صعبة جدًا."
تسأل أم محمد: كيف يُعقل أن أعود وأسكن في الشارع؟ لا كهرباء ولا ماء وأين نجد المال لبناء بيت؟
ابنها أنهى دراسته هذا العام ويبدأ بمساعدتها، لكن من دون قدرة على توفير المال، كيف يمكن العيش في سوريا في ظل هذه الظروف والأوضاع كما تقول أم محمد لمهاجر نيوز.