يواصل محتجون في محافظة السويداء ذات الأغلبية "الدرزية" نشاطهم المعارض لبشار الأسد الذي بدأ في عز الصيف الماضي. إلى أين تمضي حركتهم، خاصة بعد سقوط أول قتيل برصاص الأمن السوري؟
إعلان
في منتصف آب/أغسطس الماضي اندلعت موجة من التظاهرات السلمية في مدينة السويداء جنوب غرب سوريا ضد النظام السوري. وقد شملت الاحتجاجات إقامة معارض فنية وعروضا ثقافية. وقام المتظاهرون بتنظيف ساحات التظاهر وتقديم الشاي لأفراد الشرطة.
وعلى الرغم من أن النظام السوري استخدم الأسلحة الكيميائية ضد أبناء شعبه، واعتقل وعذب الآلاف، ويُنظر إليه على أنه مسؤول عن ما يقرب من نصف مليون قتيل وملايين آخرين منالنازحين واللاجئين، فإن قوات الأمن الحكومية لم تقترب من المتظاهرين في السويداء، حتى الأسبوع الماضي على الأقل.
في 28 شباط/ فبراير 2024 فتحت قوات الأمن نيران أسلحتها على احتجاج خارج مكتب حكومي، ما أدى لسقوط جواد الباروكي (52 عاماً) قتيلاً، وأصيب آخر بجروح خطيرة.
وقالت لبنى الباسط، إحدى المحتجين، رداً على سؤال عما إذا كان ذلك قد أرهب المتظاهرين: "في السويداء، ندرك جيداً أن الرصاص هو الوسيلة المفضلة للنظام، الذي كان يراهن على خفوت جمرة التظاهر. ولكن مع استمرار المظاهرات، بدأت محاولات ترهيبنا". وجزمت لبنى بثقة: "لكن الأمر لن ينجح. لن يخيفنا الرصاص. كنا نعلم أنه سيتعين علينا أن نواجه رصاصهم في مرحلة ما- حتى لمجرد الاحتجاج السلمي".
هل يسفيد النظام من "التصعيد"؟
اندلعت الاحتجاجات في السويداء على خلفية الأزمة الاقتصادية والمعيشية في البلاد وارتفاع أسعار البنزين على وجه الخصوص، لكن الاحتجاج تطور وأخذ منحى سياسيا. يقول المتظاهرون في السويداء إنهم يريدون نفس الشيء الذي يريده السوريون الذين نزلوا للشارع في ثورة 2011 التي تحولت إلى حرب أهلية دامية: نهاية النظام الذي يرأسه الدكتاتور بشار الأسد.
ولا يعتقد مراقبون أن الأسد سيسلك نفس المسلك العنفي في السويداء كما فعل في محافظات ومناطق أخرى.
وقال فضل عبد الغني، رئيس "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" ومقرها هولندا، إن "النظام يراهن على أن الحركة (الاحتجاجية) سوف تتلاشى في نهاية المطاف. بالتأكيد، هناك متظاهرون في الشارع يطالبون بالتغيير الديمقراطي. الحركة الاحتجاجية محلية محصورة في السويداء بشكل رئيسي، والنظام يقرأ المشهد بعناية شديدة. ومن هنا فهو لا يعتقد أن التصعيد سيفيده".
ومن جهته، يرى محمد علاء غانم، مسؤول السياسات في "التحالف الأمريكي من أجل سوريا": "بالنظر إلى التاريخ الدموي لنظام الأسد وجميع الجرائم التي نعرف أنه ارتكبها، فقد ينفد صبره في مرحلة ما في المستقبل ويقرر التحرك". ويتابع: "لكنني لا أعتقد أن الحادث الذي وقع الأسبوع الماضي ينذر بالضرورة بمزيد من العنف".
وفسر لـDW أسباب ذلك، حسب اعتقاده أن: "احتجاجات السويداء تبعث برسالة فحواها ضرب واحدة من روايات النظام التي دأب على نشرها، وهي أنه بطل وحامي الأقليات في سوريا".
ويرى محمد علاء غانم أن نظام الأسد ادعى على مدار سنوات أن المتظاهرين المؤيدين للديمقراطية هم متطرفون إسلاميون سوف ينقلبون على الأقليات في البلاد إذا وصلوا إلى السلطة. لكن الاحتجاجات في السويداء، وهي محافظة ذات أغلبية درزية في سوريا، تدحض ذلك، حسب تفسيره.
ويتعين على حكومة الأسد كذلك التفكير ملياً في كيفية التحرك بشكل علني ضد الطائفة الدرزية، نظراً للاتجاه الحالي للدول العربية لإعادة تطبيع العلاقات مع الأسد بعد عزل سوريا لسنوات خلال الحرب الأهلية.
الانجازات والتطلعات
على الرغم من كونها حركة صغيرة ومحلية نسبياً، إلا أن احتجاجات السويداء كانت فعالة بطرق عديدة. وأشار محمد علاء غانم إلى أنه لم يمر يوم واحد خلال الأشهر السبعة الماضية دون احتلال "ساحة الكرامة" التي تتوسط السويداء: "تمكن المتظاهرون من إغلاق مكاتب حزب الأسد (البعث العربي الاشتراكي) في محافظتهم، وتحويلها إلى مدارس وعيادات ومراكز مجتمعية. كما شكلوا نقابات ومجموعات أخرى. ولعبت النساء دوراً قيادياً في الاحتجاجات. ووصل الأمر إلى طرح البعض فكرة الحكم الذاتي المستقل نسبياً عن دمشق".
وقال ريان معروف، رئيس تحرير شبكة الإعلام المحلية "السويداء 24"، أواخر العام الماضي، للموقع الإلكتروني "سوريا على طول" إن السويداء تشبه المحافظتين الجنوبيتين، درعا والقنيطرة، من حيث "غياب السلطات الأمنية (التابعة للأسد). وجودها شكلي. ومن هنا يتظاهر الناس ويلعب المجتمع المحلي دوراً أكبر في الحكم".
يقول لؤي حذيفة، الناشط المشارك في احتجاجات السويداء، لـ DW: "الناس هنا يشعرون أنهم تُركوا ليواجهوا مصيرهم بمفردهم، وقد تعرضوا للخيانة من قبل الكثيرين. سنبقى جزءاً من سوريا ولكننا نرغب بدولة فيدرالية مثل ألمانيا أو الولايات المتحدة".
ومن غير الواضح عدد المتظاهرين في السويداء الذين يوافقون على هذه الفكرة. لبنى الباسط، على سبيل المثال، لا توافق على ذلك، وترى أن ذلك هو وسيلة للأسد للبقاء في السلطة: "نريد وطناً لكل السوريين. الثورة السورية كانت وستبقى صوتاً لكل سوري".
وبغض النظر عما سيحدث بعد ذلك، فإن احتجاجات السويداء تظل "مصدر أمل لنضال السوريين من أجل الحرية، وتذكير العالم لماذا بدأ السوريون الاحتجاج قبل 13 عاماً"، تؤكد عفراء هاشم، الناشطة في "حملة سوريا". وتختم بالقول: "الاحتجاجات تظهر للعالم أن الثورة السورية لم تنته بعد.... إنها ثورة من أجل العدالة ومستقبل أفضل لسوريا".
سوريا.. خمسة عقود في قبضة عائلة الأسد
تحكم عائلة الأسد سوريا منذ أكثر من 5 عقود بقبضة من حديد، إذ يستمر الرئيس السوري بشار الأسد على نهج أبيه حافظ الذي تولى الحكم بانقلاب عسكري. هنا لمحة عن أبرز المحطات التي مرت بها سوريا في عهد عائلة الأسد.
صورة من: picture-alliance/dpa/R. Jensen
تولي الحكم بعد انقلاب "الحركة التصحيحية"
في 16 تشرين الثاني/نوفمبر 1970، نفّذ حافظ الأسد الذي كان يتولّى منصب وزير الدفاع انقلاباً عسكرياً عُرف بـ"الحركة التصحيحية" وأطاح برئيس الجمهورية حينها نور الدين الأتاسي. في 12 آذار/مارس 1971، انتخب الأسد الذي كان يترأس حزب البعث العربي الاشتراكي، رئيساً للجمهورية ضمن انتخابات لم ينافسه فيها أي مرشح آخر. وكان أول رئيس للبلاد من الطائفة العلوية التي تشكل عشرة في المئة من تعداد السكان.
صورة من: AP
"حرب تشرين"
في السادس من تشرين الأول/أكتوبر 1973، شنّت مصر وسوريا هجوماً مفاجئاً على إسرائيل من جهة قناة السويس غرباً، ومرتفعات الجولان شرقاً، في محاولة لاستعادة ما خسره العرب من أراض خلال حزيران/يونيو 1967، لكن تمّ صدهما. في أيار/مايو 1974، انتهت الحرب رسمياً بتوقيع اتفاقية فضّ الاشتباك في مرتفعات الجولان.
صورة من: Getty Images/AFP/GPO/David Rubinger
علاقات دبلوماسية بين واشنطن ودمشق!
في حزيران/يونيو 1974، زار الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون دمشق، معلناً إعادة إرساء العلاقات الدبلوماسية مع سوريا، بعدما كانت مجمّدة منذ العام 1967. في الصورة الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون مع وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي الأمريكي وقتها هنري كيسينجر.
صورة من: AFP/Getty Images
هيمنة على لبنان
في 1976 تدخّلت القوات السورية في الحرب الأهلية اللبنانية بموافقة أمريكية، وبناء على طلب من قوى مسيحية لبنانية. وفي 1977، بدأت المواجهات بين القوات السورية، التي انتشرت في معظم أجزاء البلاد ما عدا المنطقة الحدودية مع إسرائيل، وقوات مسيحية احتجت على الوجود السوري. وطيلة ثلاثة عقود، بقيت سوريا قوة مهيمنة على المستوى العسكري في لبنان وتحكمت بكل مفاصل الحياة السياسية حتى انسحابها في العام 2005.
صورة من: AP
قطيعة بين دمشق وبغداد!
في العام 1979، تدهورت العلاقات بين سوريا والعراق، اللذين حكمهما فرعان متنافسان من حزب البعث العربي الاشتراكي، بعد اتهام الرئيس العراقي آنذاك صدام حسين الوافد حديثاً إلى السلطة، دمشق بالتآمر. وقطعت بغداد علاقتها الدبلوماسية مع دمشق في تشرين الأول/أكتوبر 1980، بعدما دعمت الأخيرة طهران في حربها مع العراق. في الصورة يظهر الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين (يسار) مع الرئيس السوري السابق حافظ الأسد (وسط).
صورة من: The Online Museum of Syrian History
"مجزرة حماه"
في شباط/فبراير 1982، تصدّى النظام السوري لانتفاضة مسلّحة قادها الإخوان المسلمون في مدينة حماه (وسط)، وذهب ضحية ما يعرف بـ"مجزرة حماه" بين عشرة آلاف وأربعين ألف شخص. وجاء ذلك بعد قرابة ثلاث سنوات من هجوم بالرصاص والقنابل اليدوية على الكلية الحربية في مدينة حلب، أسفر عن مقتل ثمانين جندياً سورياً من الطائفة العلوية. وتوجّهت حينها أصابع الاتهام إلى الإخوان المسلمين بالوقوف خلف الهجوم.
صورة من: picture alliance /AA/M.Misto
محاولة انقلاب فاشلة
في تشرين الثاني/نوفمبر 1983، أصيب الأسد بأزمة قلبية نقل على إثرها إلى أحد مشافي دمشق. ودخل في غيبوبة لساعات عدّة، حاول خلالها شقيقه الأصغر رفعت الاستيلاء على السلطة عبر انقلاب فاشل، قبل أن يستعيد الأسد عافيته. وبعد عام، أُجبر رفعت على مغادرة سوريا. الصورة لحافظ الأسد (يمين) مع أخيه رفعت.
صورة من: Getty Images/AFP
تقارب مع الغرب!
بدأ الجليد الذي شاب علاقات سوريا مع أمريكا والغرب بالذوبان، عقب انهيار الاتحاد السوفياتي. انضمت سوريا إلى القوات متعددة الجنسيات في التحالف الذي قادته أمريكا ضد صدام حسين بعد غزو العراق للكويت. وفي تشرين الأول/أكتوبر 1994، زار الرئيس الأمريكي بيل كلينتون الأسد في دمشق. بعد أربع سنوات، زار الأسد فرنسا في أول زيارة له إلى بلد غربي منذ 22 عاماً، واستقبل بحفاوة من نظيره الفرنسي جاك شيراك.
صورة من: Remy de la Mauviniere/AP Photo/picture alliance
الابن يخلف أباه في الرئاسة!
توفي الأسد في 10 حزيران/يونيو 2000، عن عمر ناهز 69 عاماً، وكان شيراك الرئيس الغربي الوحيد الذي حضر جنازته.
وبعد شهر، تولّى نجله بشار السلطة، بعد تعديل دستوري سمح له بالترشّح. وحاز في استفتاء لم يضم أي مرشح آخر سواه على 97 في المئة من الأصوات.
صورة من: picture-alliance/dpa
انفتاح نسبي ولكن..!
بين أيلول/سبتمبر 2000 وشباط/فبراير 2001، شهدت سوريا فترة انفتاح وسمحت السلطات نسبياً بحرية التعبير. في 26 أيلول/سبتمبر 2000، دعا نحو مئة مثقّف وفنان سوري مقيمين في سوريا السلطات إلى "العفو" عن سجناء سياسيين وإلغاء حالة الطوارئ السارية منذ العام 1963. لكنّ هذه الفسحة الصغيرة من الحرية سرعان ما أقفلت بعدما عمدت السلطات إلى اعتقال مفكرين ومثقفين مشاركين في ما عُرف وقتها بـ"ربيع دمشق".
صورة من: picture-alliance/dpa/Y. Badawi
احتجاجات تحولت إلى نزاع دامٍ!
في العام 2011، لحقت سوريا بركب الثورات في دول عربية عدة، أبرزها مصر وتونس، في ما عُرف بـ"الربيع العربي". ومع اندلاع الاحتجاجات المناهضة لنظامه، قمع الأسد المتظاهرين السلميين بالقوة، وتحولت الاحتجاجات نزاعاً دامياً، سرعان ما تعددت جبهاته والضالعين فيه. وأودى النزاع المستمر بأكثر من 388 ألف شخص وهجّر وشرّد الملايين داخل البلاد وخارجها، وسوّى مناطق كاملة بالأرض.
صورة من: AFP/O. H. Kadour
بقاء على رأس السلطة بدعم روسي
في سنوات النزاع الأولى، فقدت قوات الحكومة السورية سيطرتها على مساحات واسعة من سوريا بينها مدن رئيسية. لكن وبدعم عسكري من حلفائها، إيران ثم روسيا، استعادت القوات الحكومية تدريجيًا نحو ثلثي مساحة البلاد، إثر سياسة حصار خانقة وعمليات عسكرية واسعة ضد الفصائل المعارضة والتنظيمات الجهادية. ولعب التدخل الجوي الروسي منذ خريف 2015 دوراً حاسماً في تغيير موازين القوى لصالح دمشق. م.ع.ح/ع.ج.م