سيلفي مع ميركل.. قد يثير اهتمام ساسة تونس لكن ليس شبابها!
٣ مارس ٢٠١٧مظاهر الحفاوة الرسمية بالمستشارة أنغيلا ميركل تبدو علاماتها في الطريق من مطار تونس إلى قصر قرطاج حيث يستقبلها الجمعة (الثالث من فبراير/ شباط 2017) الرئيس الباجي قايد السبسي، وكذلك في مدخل قصر باردو حيث مقر مجلس نواب الشعب حيث تلقي خطابا، ينتظر أن يشكل ذروة برنامج زيارتها الرسمية الأولى من نوعها إلى تونس منذ توليها للمستشارية قبل 12 عاما.
في العاصمة تونس، يبدو من الصعب الآن على المستشارة ميركل أن تحذو حذو وزير خارجيتها الراحل غيدو فيستر فيله، الذي فاجأ المارة في شارع الحبيب بورقيبة وهو يتجول مع عدد من شباب الثورة التي أطاحت بنظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي. ولا حتى نائبها وزير الخارجية السابق فرانك فالتر شتاينماير عندما كان يجالس مدونين ونشطاء من المجتمع المدني ويتحدث معهم في حوارات مفتوحة حول دور ألمانيا في دعم الانتقال الديمقراطي في تونس.
أجواء الحماس للثورة والتقاط صور تذكارية ورمزية عنها من قبل كبار زوار تونس، تبددت إلى حد كبير وسط انشغال الناس بقضايا الحياة اليومية الملحة، وهو ما يجعل زيارة ميركل تأتي في زمن صعب بالنسبة للتونسيين مواطنين وطبقة سياسية، وقد يفوت ذلك عليها فرصة الحصول على زخم كبير، تبدو هي بأشد الحاجة إليه في عام انتخابي عصيب.
ميركل تزور تونس في زمن صعب
فحكومة يوسف الشاهد تواجه واحدا من أكبر التحديات التي اصطدمت بها ثلاث من أصل خمس حكومات منتخبة بعد الثورة، ويتمثل في إدارة العلاقة مع مركزية الاتحاد العام التونسي للشغل. اذ تخوض الحكومة التونسية امتحان قوة صعب مع المركزية النقابية النافذة على خلفية إقالة وزير مقرب منها واعتراضاتها على اصلاحات اقتصادية واجتماعية يريد الشاهد المضي فيها كسبيل للخروج من الأزمة الاقتصادية.
التوتر في علاقة الحكومة بالمركزية النقابية وتداعياته، قد يعصف بالتوافق الوطني الذي تأسست عليه "حكومة الوحدة الوطنية"، وهو ما قد يحمل سوء طالع للمستشارة ميركل، التي تشدد في خطاباتها، على أن حكومتها تساعد تونس باعتبارها "مشروعا واعدا" ونموذجا فريدا، من ضمن بلدان الربيع العربي، في الحوار والتوافق كأسلوب لإدارة الأزمات، وبفضله نال الاتحاد العام التونسي للشغل ضمن رباعي هيئات المجتمع المدني التونسية، جائزة نوبل للسلام. وهو ذاته الرباعي الذي خطف من ميركل جائزة نوبل عندما كانت في عز شعبيتها عالميا، في غمرة أجواء الترحيب باللاجئين.
من يتابع نقاشات الشباب على مواقع التواصل الاجتماعي والبرامج الحوارية في القنوات التلفزية التونسية، يرصد متاعب الطبقة السياسية وضعف مصداقيتها لدى الرأي العام، فهي في نظر الكثير من المعلقين تتسم بعدم الكفاءة، وقد تكون تفتقد إلى الرسالة الواضحة التي يمكن أن تقدمها للزائرة الكبيرة المستشارة ميركل، التي يعد بلدها من أكبر داعمي تونس ما بعد الثورة، لحثها على تقديم دعم أكبر لبلد يواجه تحديات على جبهات كثيرة، كالاستثمار والسياحة والأمن والتعليم والتكوين والحكم الرشيد.
ماذا لو حكمت ميركل تونس!
اهتمام الطبقة السياسية التونسية يغرق في القضايا المحلية. وحتى ملفات السياسة الخارجية غالبا ما يتم تناولها في وسائل الإعلام وخطب السياسيين في سياق الصراعات الداخلية أو النظرة المحلية. ويكاد يُختزل الحديث عن زيارة ميركل في موضوع الهجرة، وحتى اسمها ينطقه بعضهم بلكنة فرنسية (ميركال) رغم أن نطقه بالألمانية هو أقرب للغة العربية!
قبل يوم واحد من وصول ميركل إلى تونس، استضافت القناة الوطنية التونسية الأولى السياسي والوزير السابق لزهر العكرمي، وهو من مؤسسي حزب نداء تونس الحاكم والمنقسم على نفسه، وتساءل بمرارة عما إذا كانت المستشارة ميركل لو طُلب منها إدارة دفة الحكم في تونس ستنجح في المهمة، على غرار ما فعلت طيلة سنوات حكمها في بلدها بالاعتماد على سياسة التوافق بين الحزبين الكبيرين المسيحي الديمقراطي والاشتراكي الديمقراطي.
بعض وسائل الإعلام القريبة من دوائر السلطة تركز لدى تطرقها إلى زيارة ميركل، على مواقف باتت معروفة مثل رفض تونس إقامة مراكز استقبال للاجئين أو إشكالية عودة المرحلين بسبب قضايا إرهاب، وهي قضايا يدرك الساسة التونسيون وفي مقدمتهم الحزبان الرئيسيان الداعمان لحكومة الشاهد (نداء تونس والنهضة) أن أي تنازل فيهما لميركل قد يكلفهم ثمنا باهضا، في وقت يتربص فيه خصومهم بهكذا أوراق سياسية لتوجيه ضرباتهم للحكومة التي تأتيها السهام من كل صوب وحدب.
"خطاب وضع النقاط على الحروف"
لكن ما قد يخفف العبء على ميركل، هو أن الرأي العام التونسي، يبدو مهيئا لتقبل فكرة إعادة المهاجرين غير الشرعيين التونسيين. بيد أن المشككين -وهم ليسوا قليلين- يعمدون في كثير من الحالات إلى الخلط بين ملف الهجرة غير الشرعية وموضوع ترحيل الإرهابيين الذي يثير الجدل منذ أسابيع في البلاد. فبعد أقل من شهر على اعتداء برلين الإرهابي الذي نفذه التونسي أنيس العامري، تظاهر مئات من التونسيين في شارع الحبيب بورقيبة، ورفعوا لافتة كبيرة كتب عليها باللغة الألمانية: "السيدة ميركل..تونس ليست مكب نفايات لألمانيا". وأثارت تلك اللافتة جدلا واسعا في مواقع التواصل الاجتماعي داخل ألمانيا، وفي تونس أيضا حيث كان النقاش محتدما حول مسألة عودة الإرهابيين من مناطق القتال مثل سوريا والعراق وليبيا.
صحيفة "الصباح" المستقلة وإحدى كبريات الصحف التونسية، اختارت في عددها في اليوم الذي يسبق وصول ميركل إلى تونس، صورة للمستشارة وهي تبدو مبتسمة وتشير بحركة أصبعي الإبهام والسبابة إلى ما يفيد "قليل" أو "محدود" ، واختارت كعنوان: "حاجتنا لبعضنا متبادلة.."، وهو عنوان ينطبق على حالة العلاقات بين البلدين، كما ينطبق على الظروف التي يجتازها الشاهد وميركل مع وجود الفارق!
بينما قالت صحيفة "الشروق" الواسعة الانتشار إن حضور ميركل إلى مجلس نواب الشعب سيتميز بإلقاء خطاب "تضع فيه النقاط على الحروف في الملفات الخلافية: ترحيل التونسيين وإقامة مراكز استقبال لمهاجرين غير شرعيين"، وذلك في محاولة من ميركل لإقناع نواب الشعب بما رفضه رئيس الحكومة يوسف الشاهد خلال زيارته الأخيرة إلى برلين، كما تقول الصحيفة التونسية.
"سيلفي مع ميركل في سيدي بوزيد!"
النقاش في مدينة سيدي بوزيد مهد الثورة التونسية، حول المستشارة ميركل وزيارتها إلى تونس، يكتسي طابعا مختلفا عنه في أروقة السياسة ومنابر الإعلام بالعاصمة تونس. شادي العبيدي -شاب كان من ضحايا أحداث الثورة حيث أصيب برصاصة في فخذه تسببت له في إعاقة جزئية- يرى أن ميركل تشكل بالنسبة إليه نموذج قيادة لبلد له دور كبير في اقتصاد أوروبا، ويمكن أن تكون زيارتها لتونس مصدر "خير وفرص وخصوصا للشباب العاطلين عن العمل".
بالنسبة لشادي فإن التقاط صورة سيلفي مع ميركل "أمر جميل" لكن زيارتها تقتصر على العاصمة. هكذا يتحدث شادي بشكل مختلف عن نبرة التذمر التي لا يخفيها شبان تونسيون آخرون من السياسة "الصارمة" التي تعتمدها حكومة ميركل -الساعية لاعتبار تونس والمغرب والجزائر بلداناً آمنة- ضد الشبان المهاجرين المغاربيين مقارنة مع سياسة الترحيب باللاجئين السوريين التي اعتمدتها المستشارة الألمانية، وذلك في مقارنة غير متوازنة.
وبالنسبة لعلي سليمي، الخبير بإدارة الفلاحة الجهوية في سيدي بوزيد، فإن صورة ميركل إيجابية عند التونسيين وزيارتها ترمز إلى تعاون اقتصادي واعد، وحبذا لو تم توجيهه في مجال دعم الزراعة التي يعتمد عليها الاقتصاد المحلي في سيدي بوزيد، كما يقول الخبير الزراعي في حوار مع DW عربية، مشيرا إلى أن مؤسسات حكومية وغير حكومية ألمانية ساهمت بالتعاون مع وزارة التشغيل وجمعيات من المجتمع المدني المحلي، في توظيف 1600 شابة وشاب. وفي المجال الفلاحي (الزراعي) تم تقديم مساعدات في شكل تمويلات بنكية وتجيهزات، لمشاريع لفائدة نساء وشبان. واستفادت ولاية سيدي بوزيد، بعد الثورة، من 24 مشروعاً، وهي مشاريع نُفذت مع مؤسسات عمومية تونسية، برعاية مؤسسات ألمانية بنكية ووكالة التعاون التقني الألمانية، وبلغت قيمة هذه المشاريع 10,5 مليون يورو.
شادي العبيدي، خبير الكمبيوتر، كان يتحدث لـ DW عربية بمقهى في مدينة سيدي بوزيد، على مقربة من مقر عمله في المعهد العالي للدراسات التكنولوجية، وهو مؤسسة جامعية أسست بعد الثورة، ولا يخفي شادي تذمره مما يعتبره "عقلية مركزية لدى الطبقة السياسية"، ويوضح فكرته بالانطلاق من مثال مشروع الجامعة الألمانية ومركز التكوين المهني للشباب الذي يعلن بمناسبة زيارة المستشارة ميركل إقامته في مرناق بالضاحية الجنوبية لتونس العاصمة، إذ كان يمكن أن يُقام في منطقة من المناطق المهمشة في البلاد والتي انطلقت منها الثورة مثل سيدي بوزيد أو القصرين أو جندوبة، وما زالت معدلات بطالة الشباب حاملي الشهادات الجامعية فيها بنسب تفوق 30 في المائة.
منصف السليمي - تونس