شاب ألماني يثبت إمكانية العيش بدون مال
٢٧ مارس ٢٠١٢رفائيل فيلمار من ولاية براندنبورغ شرق ألمانيا لا يخشى تداعيات الأزمة المالية، لأنه ببساطة لا مكان للمال في حياته. رافائيل يبلغ من العمر ثمانية وعشرين عاما، وهو أب لطفلة رضيعة اختار لها إسمَ ألما لوشيا. ويسكن رفقة زوجته وطفلته في قبو أحد المنازل بدون دفع إيجار. وجاء ذلك على ضوء اتفاق بينه وبين صاحب البيت، على أن يقوم رافائيل بالاعتناء بحديقة المنزل أو يقوم بأعمال إصلاح داخل البناية. هذا ويتحمل صاحب البيت دفع فاتورة الماء والكهرباء أيضا، علما أن رافائيل وزوجته لا يستخدمان الكهرباء إلا نادرا، أما الماء، فيقومان بتجميع ماء المطر في أوعية كبيرة لغرض الاستحمام.
ولرافائيل طريقته الخاصة في توفير المواد الغذائية، فهو وعلى حد تعبيره "ينقذها من الهلاك"، إذ أنه يأخذ دراجته ليلاً، ليمر على حاويات القمامة التابعة للمتاجر الكبرى المتخصصة في بيع الأغذية الحيوية، وهناك يجد "أفخم أنواع البهارات والزيوت، والخضار الطازجة". النهاية الطبيعية لهذه السلع هي حاوية القمامة، في الوقت الذي يؤكد فيه رافائيل أن ما يجده في حاوية القمامة لا يزال صالحا للاستهلاك. وحسب الشاب الألماني يكمن المشكل، في أن الخضار والفواكه يراد لها أن تظهر طازجة، ولهذا السبب تعرض على رفوف الأسواق التجارية ليوم واحد فقط، بعدها يتم رميها في القمامة. وكذلك الشأن بالنسبة للمعلبات التي تصلح في الغالب لمدة استهلاك أقصر من المتوسط.
والنبش في حاويات قمامة المتاجر أمر يعاقب عليه القانون، رغم ذلك انتشرت هذه الظاهرة في السنوات الأخيرة، ولإظهار صواب موقفه، يوزع رافائيل "غنيمته" من الفاكهة والخضار على أصدقائه وجيرانه، حتى يرون بدورهم، كيف "يتم التعامل مع الأطعمة غير الفاسدة داخل المجتمعات الاستهلاكية ".
وبالفعل، أكدت دراسة أعدتها مؤخرا جامعة شتوتغارت الألمانية ما يقوله رافائيل، وقد خلصت إلى أن حوالي 11 مليون طن من المواد الغذائية القابلة للاستهلاك يتم رميها في ألمانيا وحدها، سواء من قبل القطاع التجاري والصناعي بنسبة 40% بالمائة أو من قبل مستهلكين عاديين بنسبة 60% بالمائة.
حياة بدون مال
ويعتبر رافائيل أن الإنسان ليس بحاجة إلى مال للعيش بسلام، بل بالعكس. المال يقول رافائيل يفسد "علاقة الإنسان بأخيه الإنسان وكذا علاقته بالطبيعة". ولهذا السبب قرر رافائيل قبل سنتين الاستغناء تماما عنه. وكان حينها يدرس شعبة السياسية الأوروبية في جامعة لاهاي، وأراد رفقة أصدقائه الطلبة السفر إلى المكسيك للمشاركة في القمة العالمية للمناخ، ولكن من دون دفع أي قرش. وبواسطة الركوب المجاني استطاعت المجموعة الوصول إلى الهدف، لكن بعد 11 شهرا. ويصف رافائيل نفسه "بالثري والغني"، لكونه "يقضي معظم وقته مع عائلته وأصدقائه".
لكن السؤال الذي يطرح نفسه، أيمكن العيش بدون مال في مجتمعات رأسمالية؟ الكاتبة والمهندسة المعمارية مارغريت كندي ترد بالقول إن الخلل الحقيقي يكمن في أن "كمية المال المتوفرة في الأسواق، تفوق الحاجة بكثير"، بالإضافة إلى أن "المال الموجود يتم توزيعه بدون عدل". وتضيف الخبيرة أن من حق رافائيل" رفض سيطرة المال، ولكن هذا لا يعني أنه بالإمكان العيش بدون اعتماد طريقة دفع، والمتمثلة عادة في المال، أو مقابل ذلك خلق بدائل أخرى".
نظام مقايضة جديد
من بين تلك البدائل تقول مارغريت كندي نظام المقايضة الذي أظهر فاعليته في إحدى القرى النائية في البرازيل حيث وسيلة الدفع بين الأهالي المقايضة بالمواد الغذائية الضرورية. والنموذج ذاته نجده أيضا في النمسا، وذلك في قرية تدعى فورارلبيرغ حيث يقوم أهالي القرية بتنظيف بيوت المسنين هناك، ويحصلون مقابل ذلك على بطاقة ائتمان، يمكنهم استعمالها لاحقا عندما يتقدمون في السن ويصبحون بدورهم بحاجة إلى من يرعاهم.
رافائيل من جهته، مقتنع تماما من أن الحياة ممكنة بدون مال، وفي هذا السياق ينظم ندوات وأمسيات حوارية داخل الجامعات والمدارس لتحسيس الطلبة بواقع المجتمعات الاستهلاكية وخطورة سيطرة المال على حياة الفرد. يشار إلى أن رافائيل تقدم بطلب للائتمان الصحي لضمان رعاية صحية لابنته الصغيرة، ما يعني أن عليه دفع قسط الاشتراك في نهاية كل شهر، وهي أيضا طريقة للدفع بواسطة المال.
الكاتبة: بيرغت غورتس/ وفاق بنكيران
مراجعة: محمد المزياني