تفاقم التوتر بين إيران وواشنطن يجعل آفاق المستقبل قاتما بالنسبة لشباب إيران. كثيرون منهم لا يرون أي آفاق لهم في بلدهم رغم تمتعهم بتعليم جيد، لذا يفكر العديد منهم في مغادرة وطنهم والبحث عن مستقبل أفضل في أرض الله الواسعة.
إعلان
جواد شاب مجتهد ويتعلم الألمانية بكل نشاط، وهو يرغب في الهجرة. "درست علوم التسويق ولدي تجربة لبضع سنين. اقتصادنا منهك. والكثير من الشركات أعلنت إفلاسها. والوضع يزداد كل يوم تأزما"، يشتكي الشاب البالغ من العمر 28 عاما في تبادل لرسائل إلكترونية مع DW.
والخوف وفقدان الأمل يهيمنان مثل ظل ثقيل فوق البلاد. والتوترات بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران زادت منذ سنة. وبعد تنفيذ اعتداءات على ناقلتي نفط في خليج عمان في الـ 13 حزيران/يونيو 2019 تتهم الولايات المتحدة الأمريكية إيران بالوقوف وراء تلك الاعتداءات. وقدمت الحكومة الأمريكية شرائط فيديو كأدلة لا يمكن التأكد من صحتها. والمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل قالت بشأن موقف الحكومة الأمريكية الثلاثاء في برلين:" نحن نتعامل بالطبع بجدية مع هذه المواقف ويوجد أيضا أدلة قوية". لكنها شددت على أن التفاوض يبقى هو الطريق الصحيح.
الاتفاق النووي
وتتهم الولايات المتحدة الأمريكية ايران منذ مدة طويلة بدعم الإرهاب في المنطقة والتسبب في انعدام الاستقرار. ولجأت الولايات المتحدة الأمريكية قبل عام بقيادة الرئيس دونالد ترامب إلى إلغاء اتفاق نووي متفق عليه منذ سنوات. وينص الاتفاق النووي من بين الأمور على أن تقلص ايران تخصيب اليورانيوم وتصدر البلوتونيوم وتسمح بإجراء عمليات تفتيش منتظمة من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وفي المقابل تم وعد ايران بإلغاء العقوبات المرتبطة بالبرنامج النووي وتقديم المساعدة في التنمية الاقتصادية.
وبالرغم من أن ايران استجابت لشروط الصفقة، كما أكدت ذلك مرارا الوكالة الدولية للطاقة الذرية، تخلت الولايات المتحدة الأمريكية عن تلك الصفقة وبدأت في "حملة أقصى الضغوط" من بينها بوجه خاص فرض عقوبات اقتصادية شاملة. وحاول الاتحاد الأوروبي تخفيف الضغط الممارس من قبل الولايات المتحدة باتباع اجراءات لتفادي تلك العقوبات، لكنه فشل في تلك المساعي.
الضغط يؤثر على الشباب
" بلادنا تجد نفسها في مأزق ولا أعتقد بأننا قادرون على الخروج من هذا الوضع البئيس"، يقول جواد الذي ترعرع في شمال ايران حيث تملك عائلته حقول زراعة الأرز ويعيشون كفلاحين. لكن جواد يرغب في حياة أخرى وانتقل إلى العاصمة. "كنت مجبرا على العمل بشكل قاس لفرض ذاتي في طهران. بلادنا منظمة بشكل مركزي وطهران هي قلب البلاد. هنا فقط توجد فرصة حياة أخرى. لكن الكثيرين يفكرون مثلي ويريدون الهجرة". وبالفعل يفضل نحو ربع مجموع الإيرانيين العيش في بلد آخر ـ وهذا يعترف به مندوب الشؤون الثقافية لمدينة طهران الذي كتب على تويتر أنه "طبقا لدراسة يرغب 29.8 في المائة من السكان بسبب الوضع الاجتماعي والثقافي والأخلاقي العيش في بلد آخر. هذا محزن. والمحزن أكثر هو أن هذا نتيجة دراسة أجريت في 2016 عندما كان وضعنا أفضل".
نسب هجرة عالية
وتُعد ايران منذ الثورة الاسلامية في 1979 من بين البلدان التي فيها نسبة هجرة عالية لأكاديميين ومفكرين وعلماء. ولا توجد إحصائيات رسمية حول ذلك إلا أنه في مايو 2012 نشرت صحيفة "الشرق" الإيرانية نتائج دراسة تهتم بهجرة التلاميذ والطلبة الحاصلين على جوائز. وطبقا للدراسة فإن 70 في المائة من الفائزين بالميداليات في الفيزياء و 77 في المائة من الفائزين في الرياضيات و 50 في المائة من المتألقين في الكيمياء وتقنية المعلومات هاجروا بعد إتمام تكوينهم. وتفيد دراسة للحكومة الأمريكية من مارس 2019 أن واحدا من بين أربعة إيرانيين مكونين يغادر بلده عندما تتاح له الإمكانية. والسبب حسب الدراسة الأمريكية هو الأمل في الحصول على حريات اجتماعية ودينية وآفاق أفضل في الحصول على العمل.
شعور بالتعب
"الأخبار السيئة تغمرنا يوميا. في كل يوم نجابه أحداثا تغير حياتنا رأسا على عقب ولا يمكن لنا التأثير عليها"، كما تصف فرزان ابراهيم زاده هموم الكثير من الإيرانيين الذين فقدوا السيطرة على حياتهم. وهذه الصحفية تقوم ببحوث حول التاريخ المعاصر لطهران. وأكثر من 30.000 من القراء يتتبعون مشاريعها في مواقع التواصل الاجتماعي. ويتعلق الأمر في ذلك مثلا بالكفاح المستميت للنساء من أجل المساواة وحياة أفضل.
لكن إبراهيم زاده متعبة وفقدت الأمل. وفي حديث مع DW أكدت أن هذه الحالة تنطبق على الكثيرين من مواطنيها. "أملي في الحصول على مستقبل أفضل في ايران يوجد في مستوى الصفر. والسنة الماضية كان بإمكاني على الأقل لمدة أسبوع البرمجة لحياتي. والآن أخطط على أبعد تقدير للساعة المقبلة".
ولا توجد مؤشرات تعكس أن الوضع سيتحسن في مستقبل منظور في ايران، بل العكس: فالحكومة الايرانية حددت مهلة زمنية للشركاء المتبقين في الاتفاق النووي الذي ستتخلى عنه نهائيا في الـ 7 من تموز/يوليو 2019 إذا لم تحصل البلاد على الفوائد الاقتصادية الموعودة.
شبنام فون هاين/ م.أ.م
الاقتصاد الإيراني.. انتكاسة واضحة ومستقبل مهدد
يشهد الوضع الاقتصادي بإيران تراجعا. فبعد انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي وفرضها عقوبات اقتصادية وضغوط على إيران، فضلا عن خروج متظاهرين إلى الشارع احتجاجا على الوضعية الإقتصادية، صارت إيران تعيش على وقع أزمة مرجح تفاقمها.
صورة من: IRNA
أكبر احتجاجات منذ سنوات
شهدت إيران مع نهاية ديسمبر/ كانون الأول 2017 وانطلاق العام الجديد 2018 موجة مظاهرات بمناطق عدة نتيجة ارتفاع الأسعار وزيادة البطالة والأزمة المالية الخانقة بالبلد، وقتل فيها العشرات واعتقلت السلطات الآلاف. وهذه هي الحركة الاحتجاجية الأكبر في إيران منذ المظاهرات المعترضة على إعادة انتخاب محمود أحمدي نجاد رئيسا في العام 2009.
صورة من: Irna
العملة الإيرانية تفقد قيمتها
فقدت العملة الوطنية الإيرانية نصف قيمتها. وقد أشارت أرقام صادرة عن البنك الدولي، أن الاقتصاد الإيراني انخفض من المركز 17 إلى 27 على مستوى العالم خلال العقود الأربعة الماضية. لكن طلب الولايات المتحدة من الشركات العالمية وقف استيراد النفط الإيراني يهدد الاقتصاد بأزمة أكبر، إذ يمثل بيع النفط نسبة 64 بالمائة من إجمالي صادرات إيران، كما يشكل مصدرا أولا للعملة الصعبة التي تدخل البلد (الدولار واليورو).
صورة من: Getty Images/AFP/A. Kenare
الريالات الإيرانية في تدهور
أشارت بعض المصادر الإعلامية إلى أن ورقة الـ10 آلاف ريال إيراني كانت تساوي قبل عام 1979 حوالي 150 دولارا أمريكيا، أما الآن فهي أكثر بقليل من 10 سنتات في سوق الصرف المتقلبة في طهران. وبالرغم من استعادة الاقتصاد الإيراني لعافيته بعد 2015، إلا أنه بقي هشا. ويُنتظر أن يزيد تدهورا بعد فرض العقوبات التي ستؤثر على الريال الإيراني.
صورة من: AP
ارتفاع أسعار الذهب
أكد رئيس اتحاد تجار الذهب في طهران، أن الصراع بين إيران وأمريكا، أدى إلى ارتفاع أسعار الذهب في البلاد، حسب ما تناقلته مواقع إخبارية. وسجلت المسكوكة الذهبية في السوق الإيرانية رقما قياسيا جديدا ببلوغها الـ 3 ملايين و400 ألف تومان، حيث زاد سعرها نحو 600 ألف تومان خلال شهر واحد.
صورة من: Isna/Rohollah Vahdati
البنوك في أزمة!
يواجه البنك المركزي الإيراني صعوبات كبيرة في تنفيذ المعاملات المالية داخل البلد وخارجه. ويعزي البعض ذلك إلى أخذ البنك لودائع تقدر نسبة فائدتها السنوية بـ20 إلى 23 بالمائة. وبسبب العقوبات الأمريكية، خفضت البنوك معدلات الفائدة ما بين 10 إلى 15 بالمائة، مما دفع الكثير من المودعين إلى سحب أموالهم لشراء الدولار واليورو. وهو ما أدى إلى تفاقم نقص العملات الأجنبية، وإغلاق مكاتب صرافة، لكن دون جدوى.
صورة من: Isna
أسعار خيالية!
من بين المؤشرات على تأزم الوضع الاقتصادي في إيران، انخفاض قيمة الريال الإيراني الذي أدى إلى ارتفاع أسعار بعض السلع المستوردة بنسبة 100 بالمائة، علاوة على ارتفاع أسعار السلع الأساسية بشكل جنوني. هذا بالإضافة إلى انخفاض نشاط بورصة السلع الإيرانية إلى حد أدنى. وتشير توقعات خبراء في شركة "بي أم آي" للأبحاث الاقتصادية العالمية، أن يشهد الاقتصاد الإيراني انكماشاً بنحو 4 في المئة العام المقبل.
صورة من: AP
التضخم يرفع الأسعار
شكل التضخم خلال السنوات الماضية عاملا أساسيا في تدهور الاقتصاد الإيراني حيث يبلغ متوسط معدل التضخم ما بين 19 و20 بالمائة سنويا. وحسب مركز الإحصاء الإيراني الحكومي في طهران فإن معدل التضخم وصل في يونيو/ حزيران الماضي إلى نحو 8.7 %، مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي، الأمر الذي يكشف عن ارتفاع أسعار السلع والخدمات الأساسية، وانخفاض قيمة العملة المحلية مؤخرا.
صورة من: ILNA
فقر وبطالة وهجرة
ساهمت مشكلة التضخم في ظهور الطبقات المجتمعية بإيران وانتشار الفقر والبطالة. وحسب تقديرات البنك الدولي فإن متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في إيران استنادا إلى القدرة الشرائية الحقيقية للعملة الإيرانية بين عامي 1976 و2017، يكشف أنه خلال هذه الفترة أصبح الإيراني أكثر فقرا بنسبة 32 بالمئة. كما تشير الاحصائيات إلى أن عددا كبيرا من الشباب الإيراني يحاول الفرار من الأوضاع المتأزمة.
صورة من: shahrvanddaily.ir
صفقات في مهب الريح!
من بين الجوانب المرجح تأثرها السلبي بالعقوبات الأمريكية، الصفقات المعقودة مع كبرى الشركات الدولية على الصعيد العالمي وعلى صعيد النفط وأيضا والأجهزة الإلكترونية، مثل الصفقات التي عقدتها طهران مع شركة توتال النفطية وشركة فولكسفاغن الألمانية لصناعة السيارات وجنرال إلكتريك للأجهزة والمعدات الإلكترونية.
صورة من: picture-alliance/dpa
انتكاسة السياحة
توتر العلاقات مع الاقتصاديات الكبرى وبعد العقوبات المفروضة جعل الحالة الإقتصادية لإيران مُقبلة على عزلة تشمل عدة قطاعات مثل السياحة. فبعد أن دشنت شركات طيران كبرى، مثل الخطوط الجوية البريطانية، رحلات إلى البلد بهدف الترويج له كوجهة سياحية، وفتح سلسلة فنادق عالمية مثل Accor عام 2015، يرى مراقبون أن هذه الصفقات قد يتم التراجع عنها بسب قلة السياح ومحدودية رحلات الطيران القادمة من أوروبا. مريم مرغيش