شبح سجون الأحداث في ألمانيا
٨ نوفمبر ٢٠١٣نشر أندرياس مولر القاضي في محكمة الأحداث في مدينة برناو القريبة من برلين مؤخرا كتابا جديدا له يحمل عنوان "ضرورة وضع حد للرومانسية الاجتماعية". وفيه يطالب مولر الذي يُعتبر "أعنف قاض مختص بمحاكمة الأحداث"، بوضع حد "للرأفة العمياء" في قضاء الأحداث، فهذه الرأفة تؤدي منذ عقود إلى المزيد من الجرائم.
"السجن ضروري في بعض الأحيان"
"من حيث المبدأ لا أريد سجن شباب. إلا أن هذا ضروري في بعض الأحيان"، كما يقول مولر في حديث مع DW، مشيرا إلى أنه لا يجوز أن تقوم الدولة في علاقتها بشباب مستعدين لاستخدام العنف "بدور نمر بلا أسنان". ويضيف: "من الضروري أن نقول للمتهمين بكل جلاء إنه سيتم سجنهم، إذا تجاوزوا حدا معينا. وإذا أصبح ذلك معروفا، سيدرك شباب آخرون أيضا أن هناك قاضيا مصمم على فرض عقوبات جدية عليهم".
فهل السجن وسيلة فعالة للردع؟ ينفي كريستيان فايفر من معهد الأبحاث الجنائية في ولاية ساكسونيا السفلى هذا السؤال في حديث مع DW. ويضيف: "تشكل السجون مدارس لتعليم العنف. وهي ليست مراكز للوقاية منه". واستجوب المعهد 6000 سجين من الأحداث ووجد أن ثلثهم ذهبوا في الأسابيع الأربعة قبل ذلك ضحايا لاستخدام العنف. "رغم أن بعضهم يستفيدون من علاج طبي في السجن بهذا الشأن، إلا أن أغلبيتهم تتعرض هناك لتأثير سلبي"، كما يقول فايفر.
ويشير فايفر إلى أرقام إحصائية توضح أن عدد المتهمين بارتكاب جرائم في سن ما بين الرابعة عشر والحادية والعشرين بلغ في السنة الماضية حوالي 400 ألف شخص. ويضيف: "تتميز ألمانيا على الصعيد الأوربي بأحدّ انخفاض لعدد جرائم العنف من قبل الشباب. وانخفض عدد أبشع الجرائم مثل جرائم القتل بين الشباب منذ إعادة توحيد ألمانيا بنسبة 46 بالمائة. وعدد الحالات من الضرب العنيف في المدارس الألمانية والتي تطلبت علاج ضحاياها في المستشفى، انخفض في السنوات الخمس عشرة بنسبة 56 بالمائة".
هل تعكس الأرقام الإحصائية الحقائق أم لا؟
يعتبر أندرياس مولر أن الأعداد المنخفضة للجنايات من قبل الشباب لا تعكس الواقع، فالعنف لا يزال ملموسا، كما يقول. ويعتقد القاضي أن انخفاض انتشار الجريمة بين الشباب في الاحصائيات يعود ليس أخيرا إلى جيل جديد من قضاة أعنف. "حاول القضاة المختصون بمحاكمة الشباب في العقدين الماضيين إصدار أخف الأحكام الممكنة. إلا أن هذا يتغير تدريجيا. ويؤدي ذلك أيضا إلى إفراغ السجون"، كما يقول مولر.
إلا أن كريستيان فايفر لا يشارك مولر في رأيه هذا على الإطلاق. ويؤكد أن السجون ليست مكتظة بالشباب حاليا لأن العقوبات أصبحت أخف ولأنه تتم العناية التربوية بالشباب المعنيين. ويضيف فايفر أن عدد عقوبات السجن انخفض منذ عام 2000 إلى الخمس، مما يعود أيضا إلى صدور قوانين جديدة. "قرر المشرع عام 2000 إزالة حق الوالدين في ضرب أطفالهم"، كما يقول فايفر. ويضيف أن الأطفال الذين يتعرضون للضرب، يميلون إلى استخدام العنف أكثر من غيرهم.
موقفان يختلفان جذريا
يمكن لقاض مختص بمحاكمة الأحداث أن يختار بين مختلف الأحكام، ابتداء من فرض العودة على الشاب المعني إلى بيته كل يوم قبل الساعة الثامنة مساء وصولا إلى حظر ذهابه إلى مقهاه المفضل أو حظر حضوره لعروض فرق موسيقية معينة. إلا أنه فيما يخص العقوبات التقليدية، فإن إمكانيات القضاة محدودة، إذ لا يمكن لهم إلا أن يحكموا على الشباب المعنيين بالاعتقال في محبس خاص لمدة أقصاها أربعة أسابيع، أو أن يحكموا عليهم بالسجن لمدة أقلها ستة أشهر. ورغم أن القاضي مولر يؤيد إتاحة إمكانيات إضافية له مثلالحبس لمدة شهرين، إلا أنه لا توجد إلا هاتان الإمكانيتان.
وعلى العكس من مولر لا يرى كريستيان فايفر أي جدوى في الحبس لمدة قصيرة في سجن أو محبس خاص بالشباب. "إذا حكم قاض على شاب بالحبس لمدة يومين أو ثلاثة أسابيع، فإن ذلك لن يترك آثارا تذكر عليه"، كما يقول. من ناحية أخرى يرى فايفر ضرورة الحبس لمدة أطول، إذا ارتكب الشاب المعني جريمة بشعة جدا.
ولا ينسجم موقفا فايفر ومولر مع بعضهما البعض إلا نادرا. "البروفسور فايفر يمثل النظرية"، كما يقول مولر. ويضيف: "إلا أن القضاة يعملون يوميا في محكمة". من ناحيته يؤكد فايفر قائلا: "لا يفسر مولر الأرقام الاحصائية بالانسجام مع الواقع، وإنما يصمم واقعا خاصا به، كما يحتاج إليه ليبرر نظرياته وأحكامه. إلا أن نظرياته هي هراء ببساطة".