معرض IAA: التحدي الأكبر أمام شركات السيارات الألمانية
١٢ سبتمبر ٢٠٢٥
في عام 1897، شهدت برلين أول عرض ضم ثماني سيارات فقط، لكن مع نمو الصناعة وارتفاع الطلب، توسّع نطاق هذه المعارض بشكل ملحوظ.
وفي مطلع القرن الحادي والعشرين، بلغ معرض فرانكفورت الدولي للسيارات ذروة ازدهاره، حيث استقطب أزيد من ألفي عارض نحو مليون زائر. غير أن المشهد تغيّر لاحقًا، إذ انسحب عدد من المصنّعين وقلّص آخرون حجم مشاركتهم، ما أدى إلى تراجع واضح في الإقبال الجماهيري، ودفع الشركات إلى إعادة النظر في جدوى هذه الفعاليات مقارنة بتكاليفها المرتفعة.
في محاولة لإعادة إحياء هذا التقليد، وبعد انتقاله إلى ميونيخ عام 2021، تغيّر اسمه إلى معرض التنقّل الدولي في ألمانيا (IAA Mobility). وهذا العام سيفتح أبوابه ما بين 9 و14 من سبتمبر / أيلول. وذلك في حدث ينظَّم من قبل الجمعية الألمانية لصناعة السيارات (VDA).
المعرض مقسّم إلى جزأين: أحدهما مخصص لخبراء الصناعة، والآخر مفتوح للجمهور في أرجاء المدينة، ويشمل تجارب قيادة وعروضًا لأحدث السيارات والتقنيات.
ويشارك في معرض IAA هذا العام عدد من أبرز شركات صناعة السيارات الألمانية، مثل أودي، وبي إم دبليو، ومرسيدس، وفولكس فاغن، إلى جانب شركات توريد مثل كونتيننتال وشيفلر.
وداعًا لمعارض السيارات التقليدية
أهداف مثل هذه العروض تغيرت مع الزمن، فهي لم تعد فقط تمنح للمستهلكين فرصة للتعرف على آخر موديلات السيارات وتوزيع مجلات دعائية، يحملها المستهلك بسعادة إلى بيته فحسب، وإنما باتت فضاء تعرض فيه سيارات جد متطورة بمركبات ذاتية القيادة، ومعززة بالذكاء الاصطناعي، وخالية قدر المستطاع من محركات الاحتراق الداخلي.
بدلًا من التركيز على الرفاهية وقوة المحرك، اختار معرض IAA تبنّي منظور أوسع يجمع مصنعي السيارات مع مطوري البرمجيات والموردين، عطفا عن مصنعي الدراجات والسكوترات وغيرها من مركبات التنقّل الصغيرة. وتهدف هذه المبادرة للإجابة على أسئلة جوهرية تتعلق بالاستدامة، والابتكار، وبنية الشحن التحتية، والحاجة إلى شبكات نقل عام أوسع. وهي مهمة صعبة.
ألمانيا وتحديات العصر
يتزامن هذا المعرض مع تحديات جمّة، يواجهها قطاع السيارات بألمانيا. فقد شطبت نحو 51,500 وظيفة في هذا القطاع خلال العام الماضي، وفق تقرير صدر الأسبوع الماضي، أي 6.7% من إجمالي القوى العاملة في هذا القطاع. ويُعزى جزء من هذا التراجع إلى فائض الطاقة الإنتاجية وارتفاع تكاليف العمالة وتراجع الأرباح.
في الوقت نفسه، تواجه صناعة السيارات الألمانية رسومًا جمركية أمريكية بنسبة 15%، وتراجعا لحجم صادراتها المربحة إلى الصين، بفعل تراجع الطلب هناك.
تحول كبير
وعلى العموم، تشهد صناعة السيارات الألمانية منذ سنوات تحولًا كبيرًا يُعد الأعمق في تاريخها، خاصة فيما يتعلق بالاتجاه نحو السيارات الكهربائية، كما أوضحت أنيتا وولفل، خبيرة الابتكار والتحول الرقمي في معهد ifo بمدينة ميونيخ.
وكأن القطاع بحاجة إلى دفعة جديدة، فقد أُعلن قبل أيام قليلة من افتتاح المعرض أن شركة بورشه ستخرج من مؤشر داكس المهم بنهاية سبتمبر. ويأتي هذا التخفيض بعد ثلاث سنوات من انفصال الشركة عن فولكس فاغن، وطرحها للاكتتاب العام، وإدراجها في مؤشر داكس، فيما لم تنضم إلى قائمة أفضل 40 شركة سوى بي إم دبليو ومرسيدس.
ومع ذلك، يؤكد وولفل أن منتجي وموردي السيارات الألمان أكثر مرونة مما يُعتقد غالبًا. فالبلاد تتصدر طلبات براءات الاختراع في تكنولوجيا القيادة الخضراء، ومنذ عام 2021 احتلت المرتبة الثالثة عالميًا في تسجيل السيارات الكهربائية الجديدة، بعد الصين والولايات المتحدة.
العمالقة يجتمعون
في مدينة ميونيخ، ومع تطلع الكثيرين في قطاع السيارات إلى أن يكون هذا المعرض بمثابة انطلاقة جديدة لألمانيا، تستعد شركات مثل بي إم دبليو ومرسيدس وفولكس فاغن للكشف عن نماذج جديدة تركز على التكنولوجيا الحديثة والتنقل الكهربائي.
وبما أن المعرض يُقام على أرض ألمانية، فمن الطبيعي أن " تكون العلامات التجارية الألمانية حاضرة في معرض السيارات الألماني"، يقول آرثر كيبفيرلر، الشريك والمدير الإداري في شركة "بيريلز باي أليكس بارتنرز"، وهي شركة استشارات عالمية متخصصة في قطاع السيارات.
ومن المتوقع أن يشارك نحو 280 عارضًا ألمانيًا في المعرض، لكن بحسب كيبفيرلر في تصريحه لـ DW، فإن عروض الشركات الكبرى ستكون "أقل بريقًا مقارنة بما شهدناه في فرانكفورت قبل عام 2020".
ويشارك في المعرض أيضا عارضون من مختلف أنحاء أوروبا ، إلى جانب ممثلين من كندا والولايات المتحدة وكوريا الجنوبية وتايوان وتركيا.
أما الصين، فهي تحضر بقوة من خلال عشرات الشركات العارضة، وهو ما يثير قلقًا متزايدًا لدى العديد من المصنعين الأوروبيين، إذ أن العديد من العلامات التجارية الصينية لا تكتفي بالهيمنة على السوق المحلي، بل توسّع نشاطها بشكل ملحوظ في سوق السيارات الكهربائية العالمي.
ومن بين الأسماء البارزة الغائبة عن الحدث شركة "تيسلا"، فرغم امتلاكها لأحد أكبر مصانع الإنتاج بالقرب من برلين، إلا أنها معروفة بتجنب المشاركة في مثل هذه المعارض.
الطريق الصعب نحو التحول المستدام
وحتى الآن، تواصل الشركات الألمانية إنتاج السيارات بمحركات الاحتراق الداخلي، إلى جانب التوسع في تصنيع السيارات الكهربائية. لكن أنيتا وولفل من معهد ifo ترى أن هذا النموذج المزدوج للإنتاج لا يمكنه الاستمرار على المدى الطويل، لأنه لا يحقق وفورات الحجم المطلوبة.
وتؤكد وولفل على ضرورة الالتزام بالأهداف المعلنة، محذّرة من أن أكبر خطر يهدد نجاح التحول نحو التنقل الكهربائي هو "التراخي في تطبيق معايير انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، والنقاشات المتكررة حول إمكانية التراجع عن قرار التخلص التدريجي من محركات الاحتراق"، كما صرّحت لـ DW.
من جانبه، يرى آرثر كيبفرلر أن العلامات التجارية العريقة تواجه خطرًا حقيقيًا إذا لم تُحسن إدارة عملية التحول، فقد تتحول إلى شركات أصغر حجمًا، وأكثر اعتمادًا على التكنولوجيا الرقمية والبرمجيات. ويشير الخبير إلى أن هذا التحول الجذري قد تكون له عواقب وخيمة على الشركات التقليدية ووضعها المالي، خاصة إذا تراجع النمو في الأسواق، وازدادت حصة العلامات التجارية الجديدة، وهو ما قد يمثل خبرًا سيئًا لألمانيا.