شعر العراق بين الأمس وبين اليوم
٢ سبتمبر ٢٠١١"الشعر قنديل أخضر" كما كتب المبدع الراحل نزار قباني، ووطن الشعر هو العراق كما يقول التاريخ، ففي العراق كان أبو تمام والمتنبي وأبو نواس والشريف الرضي وصولا إلى الزهاوي و الكاظمي و الرصافي و الجواهري ونازك الملائكة وبدر شاكر السياب ومظفر النواب والقائمة لا تنتهي. كيف تطورعراق الشعر وشعر العراق بعد عاصفة التغيير قبل 8 أعوام؟
ما الفرق بين الشعر الذي سبق سقوط نظام صدام حسين وبين الشعر الذي أعقب ذلك السقوط؟
كيف يفكر شعراء العراق وكيف يكتبون؟
أسئلة مفعمة بالقصائد تداولها وأجاب عنها ضيوف مجلة العراق اليوم من دويتشه فيله في أجواء عيد الفطر.
" نحن نملك أسفا بحجم العراق"
الشاعرة ريم قيس كبه شاركت في الحوار من لندن لتدافع بحماس عن الشعر وعن انتمائه العراقي، وتلت أبياتا كتبتها قبل سقوط النظام مباشرة:
" وشموا على صحن الجبين عبارة
خزنت جحيما من مآسينا
ومن دمنا وشموا العراق
وأتقنوا نقش الحروف
وأتقنوا نقش الأساطير الطوال"
مبينة أن الشعراء قبل سقوط الطاغية كانوا يعبرون عن أوجاعهم برمزية عالية خوفا من مقص الرقيب وهم يكتبون رمزا بين السطور، أما اليوم فقد أضحوا يكتبون بدمائهم، وهذا يختصر أشياء كثيرة، ربما كان الناس متفائلين بالتغيير وانتظروا الكثير من المعجزات في وقت قصير. من كان متفائلا اتهم بالتواطؤ والتخاذل وبحب الطاغية، والمتشائم ألصقت به كل الصفات التي يخجل منها الإنسان وتقل من شأنه، أما الطرف الآخر فقد اتهم المتفائل بأنه أمريكي عميل وحضر على دبابة أمريكية، فماذا نفعل وكيف علينا أن نشعر. نحن نملك أسفا بحجم العراق.
الشاعر ياس السعيدي تلا قصيدة كتبها بعد سقوط النظام مباشرة عن أحد أصدقائه الذين صفاهم النظام السابق
" كتبت عنه
فراح يشرق مذ أيامه ذبلت،
طفولتي وهدايا العيد اينهما،
وحارب القيد
حتى ذاب منتصرا
وراح يسأل من منا الذي انهزما
فصاره الورد
جسما واحدا قلقا
لما أصابوه سال الياسمين دما"
ريم قيس كبه ناقشت فكرة البكاء على الشهيد مبينة أنه شهيد، سواء قتله نظام صدام حسين أم الأمريكيون أم الإرهابيون أو في الحرب العراقية الإيرانية، فهو شهيد ويستحق البكاء، وبغض النظر عن وجهة الخطاب لابد أن يكون السؤال هو: كيف تكتب؟
المهم هو أن لا يروج الشاعر للموت. الأدلجة أو التحزب ستسقط عن الشاعر صفته وتضعه في نطاق الخطاب المؤدلج. يجب أن يكون الشاعر مخلصا لفنه، وبهذا فهو يحتفظ بإخلاصه لنفسه، ولاء الشاعر للقصيدة فقط، وهمه الحقيقي هو العراق.
"ثنائية الموت والحياة تحرك غريزة الشعر"
ياس السعيدي اعترض على قول ريم مبينا أن قصيدته هو بالذات تأتي في الغالب قصيدة مؤدلجة، ولكنها مؤدلجة للإنسان، وقال:أنا أتفق مع ريم بأن التمييز بين الشهداء صعب، فالكلام- شعرا ومشاعر- يسقط على عموم الشهداء ، وبالنسبة لي فإن ثنائية الموت والحياة تثير في داخلي غريزة الشعر، موت أي إنسان أو أي كائن حي لابد أن يحرك الشاعر.
الكاتب والمترجم ماهر حوني حضر الحوار في استوديو 6 دويتشه فيله - بون،
قرأت ريم للحزن:
"سأذيب دم العمر
ثم أصب المواجع في محبرة
ثم أقطف من صبر أجنحتي ريشة
ومن حدها المرهف المستدق
أخط سمائي
أقولك آه أقولك
آه ...
كيف أقولك
يا بلدي
آه يوجعني كل هذا العراق"
الكاتب والمترجم ماهر حوني ذهب إلى أن الشعر العراقي موجود دائما على مائدة المتلقي العراقي، فهو موجود في مكنون ودواخل العراقيين، والعراقيون أغلبهم شعراء، ونسب لمحمود درويش القول، إذا أردت أن تكون شاعرا فكن عراقيا، العراقيون وجدانيون في طبعهم وبالنتيجة لا بد أن يكون شعرهم وجدانيا حزينا.
ولم أقرأ لأي عراقي يكتب وهما، فالشاعر كالمغناطيس يستقبل الواقع ويكتبه شعرا، ومن لا يفك طلاسم الشعر، لن يعرف كيف يميّز بين الوهم والحقيقة، وشعراء مرحلة ما بعد تحرير العراق قد حفظوا ماء وجه المشهد الثقافي العراقي.
ريم دافعت عن حزن الشعر بالقول "العراق منذ فجر التاريخ وحتى آخر العبوات ينزف، أنا أروج للفرح والتفاؤل، وفي عز الحروب كنت أقطف وردا من حدائق البيوت وأغسلها بالماء الشحيح في نيسان 2003 لأوزعها على بيوت الناس".
" لا مرحبا ياذا المشيب"
أبو ياسر في اتصال من بغداد تلا قصيدة:
" إخشع ! قتلت العندليب
لا مرحبا ياذا المشيب
قالوا وقار فاسمعوا
كيف الوقار و بي لهيب
أشباه عشق صبية دعجاء
مرت والصليب بين الكواعب
راضيا باللحد ذا بل مستطيب
حييتُ ، قالت مرحبا
أهلا بجدي واللبيب
يدني الإشارة ناسفا
عدت وأحلامي تغيب
يا سعد لملم واتبعن
ما عاد في الطيب نصيب."
نافيا أن يكون الشعر قد تطور إلى الأحسن، فالشعر في رأيه قد تراجع وهو في تراجع مستمر.
ملهم الملائكة
مراجعة: منى صالح