شكوك في تونس حول قدرة السلطة على حماية الدولة المدنية من العنف السلفي
٢٢ مايو ٢٠١٢عاد العنف السلفي ليضرب بقوة في تونس مؤخراً وسط شكوك حول مدى قدرة السلطة على السيطرة على المجموعات السلفية المتشددة وحماية المساجد وفرض احترام القانون وطمأنة المواطنين على مستقبل الدولة المدنية التي شيدت منذ أكثر من 50 عاما.
مساجد خارج سيطرة الدولة
اتهم داعية تونسي أمس الاثنين السلفيين الجهاديين بالسطو "شيئا فشيئا على مساجد البلاد" بعد أحداث عنف هزت مدينة سوسة السبت الماضي. وقال الداعية فريد الباجي وهو مدير المدرسة الزيتونية بجامع بلال في مدينة سوسة، وتبعد 120 كيلومتراً جنوب شرق العاصمة، في تصريح إذاعي إن "السلفيين الوهابيين أصبحوا يحتلون المساجد شيئا فشيئا، لقد مروا من مرحلة التنظير والتكفير إلى العنف".
وكان مئات من أنصار التيار السلفي المتشدد اقتحموا جامع بلال السبت الماضي وهاجموا طلبة المدرسة الزيتونية مستعملين الغاز والعصي والأسلحة البيضاء. ويتهم أنصار هذا التيار مدير المدرسة الزيتونية بالترويج لما سمّوه بالسلفية "الحبشية" وإثارة الفتنة والبلبلة في البلاد وإحلال الممنوعات. ومنذ الإطاحة بنظام الرئيس زين العابدين بن علي تواجه تونس صعوبة في السيطرة على المساجد التي تحوَّل بعضها إما إلى منابر للدعاية السياسية أو للترويج لتيارات مذهبية.
واعترف مسؤول بوزارة الشؤون الدينية الأسبوع الماضي بوجود المئات من المساجد التونسية خارج سيطرة الوزارة. كما اعترف بوجود حالات تجنيد لسلفيين تونسيين في المساجد من أجل القتال إلى جانب الجيش السوري الحر المعارض لنظام بشار الأسد بدعوى "الجهاد".
انعدام غطاء قانوني ضد السلفيين
وعلى الرغم من تطمينات الحكومة المؤقتة في تونس التي تقودها حركة النهضة الإسلامية إلى جانب شريكيها في الائتلاف بقدرتها على احتواء المد السلفي بالردع أو بالحوار إلا ان المخاوف تسيطر على قسم مهم من منظمات المجتمع المدني والأحزاب المعارضة من تمادي العنف السلفي وضربها بالقوانين عرض الحائط.
وكرر وزير العدل في الحكومة المؤقتة نور الدين البحيري في تصريح إذاعي أمس ما قاله الجنرال رشيد عمار رئيس أركان الجيش التونسي في وقت سابق من أن "الفسحة انتهت"، في إشارة إلى المجموعات السلفية. وصرح أيضا وزير الداخلية علي العريض، أحد أبرز قيادات حركة النهضة، بأن "التصادم مع المجموعات السلفية بات أمرا محتوما".
غير أن الشكوك ما زالت قوية بشأن مدى قدرة السلطة فعليا على وضع حد للعنف السلفي مع إحجام قوات الأمن عن التدخل في أكثر من مناسبة، احتجاجا على عدم توفر غطاء قانوني للتدخل بعد تعليق العمل بقانون 1968 المنظِّم للتدخل المتدرج خلال التجمعات.
سلفيون يحاولون فرض أفكارهم
وتناقض الوقائع على الأرض مع ما يردده السلفيون في تونس من أنهم مجرد دعاة ولا يريدون فرض أحكام الشريعة بالقوة في البلاد. وفي أحدث تحرك لهم أغلق سلفيون متشددون عددا من الحانات ونقاط بيع للخمور والمثلجات الغذائية في مدينة سيدي بوزيد، التي تبعد 250 كيلومتراً جنوب غرب العاصمة، وأدى ذلك إلى اندلاع أعمال عنف مع التجار في المدينة روعت الأهالي.
وقبلها بأيام حاول متشددون فرض أحكام الحد على أحد السكان بمحافظة جندوبة اتهم بالسرقة بقطع يده اليمنى لكنه أصيب بجروح فقط وتم إنقاذ يده من البتر في المستشفى. وقال جوهر بن مبارك رئيس شبكة "دستورنا" ، لوكالة الأنباء الألمانية (د ب أ): "لم يحصل هذا حتى في عهد بن علي، على الدولة أن توقف هذه الممارسات فورا، عليها أن تحمي حرمة الأجساد للأفراد والسياسيين".
"انتكاسة" قد تطال الاقتصاد
ويقول مراقبون إنه يتعين على الدولة التي تأمل تحقيق نسبة نمو للاقتصاد لا تقل عن 3,5 بالمائة هذا العام أن تبعث بإشارات قوية إلى الخارج لطمأنة المستثمرين والسياح وإلا فإن "الانتكاسة" قد تكون مزدوجة وقد تطال الاقتصاد والانتقال الديمقراطي معاً إذا استمر التراخي الأمني. وقال الناشط الحقوقي نور الدين الحزقي لِـ(د ب أ):"انهيار الدولة يبدأ بانهيار الأمن، واليوم نخشى من هذا الانهيار إذا لم تستطع الحكومة الحالية حماية المواطنين".
(ع. م/ د ب أ)
مراجعة: منصف السليمي