شُيّع الجثمان وبقي "البيان": رحيل الأديب السوري خالد خليفة
خالد سلامة
٢ أكتوبر ٢٠٢٣
وري الثرى في العاصمة السورية دمشق الروائي والسيناريست السوري خالد خليفة الذي قضى بأزمة قلبية مفاجئة مساء أمس الأول عن 59 عاماً. ما هي تركته الأدبية وبصمته الفنية؟ ولماذا أثار رحيله كل هذا الأسى والإحساس بالفقد؟
إعلان
بغياب رسمي وحضور شعبي وبمواكبة فنية شيعت دمشق الأديب الحائز على جوائز عربية وعالمية خالد خليفة إلى مثواه الأخير في العاصمة السورية.
وكان صديق الكاتب، الصحافي يعرب العيسى، الذي رافقه خلال الأيام الأخيرة قد أعلن خبر وفاته: "لقد توفي داخل منزله وحيداً في دمشق (..) اتصلنا به كثيراً ولم يرد، وحضرنا إلى منزله فوجدناه ميتاً على الأريكة". وقال الأطباء في مستشفى العباسيين في دمشق، إن تشخيص الوفاة هو أزمة قلبية.
حياة حافلة بالعطاء
ولد خالد خليفة، المتحدر من بلدة مريمين في ريف عفرين، في مدينة حلب عام 1964 وتخرج في كلية الحقوق عام 1988 وكان عضوا في المنتدى الأدبي بالجامعة.
وعُرف خليفة في أوساط الثقافة السورية بعد مسلسلات سورية عدة كتبها مطلع التسعينيات ولاقت رواجاً واسعاً. كما كتب بعض الأفلام الوثائقية والأفلام القصيرة والطويلة.
وذاع صيته بعد تأليف روايته "مديح الكراهية" التي ترجمت إلى عدة لغات، وجذبت اهتماماً ووصلت للقائمة القصيرة في الجائزة العالمية للرواية العربية في دورتها الأولى عام 2008.
وحازت رواية "لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة" عام 2013 على جائزة نجيب محفوظ للرواية، أحد أبرز الأوسمة الأدبية العربية، ووصلت إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية.
ومن رواياته المعروفة، "لم يصلّ عليهم أحد" عام 2019، و"الموت عمل شاق" عام 2016، و"دفاتر القرباط" عام 2000، و"حارس الخديعة" عام 1993.
ومن أشهر المسلسلات التي كتبها "قوس قزح" و"سيرة آل الجلالي" الذي نقل تفاصيل مدينة حلب الاجتماعية والثقافية، ومسلسل "العراب" و"هدوء نسبي" و"ظل امرأة" وغيرها.
وقد ترجمت رواياته إلى عدة لغات عالمية كالإنكليزية والفرنسية والإيطالية والإسبانية والنرويجية والألمانية. وإلى الأخيرة ترجمت ثلاث روايات من رواياته.
فقد أنجز المترجم الألماني المعروف هارتموت فيندريش ترجمة روايتين له للألمانية وهما: "الموت عمل شاق" و"لا ساكين في مطابخ هذه المدينة"، فيما ترجمت لاريسا بندر روايته الأخيرة "لم يصل عليهم أحد".
صدمة وأسى
وقع رحيل خالد خليفة وقوع الصاعقة على الجميع. ونعى فنانون ومثقفون وصحافيون سوريون وعرب، خليفة على مواقع التواصل الاجتماعي، إلى جانب ناشطين سياسيين داخل وخارج سوريا.
الروائي الجزائري واسيني الأعرج كتب على فيسبوك: "بالألم كبير والوجع لا يهدأ. هكذا ترحل يا خالد نحونا لتسكننا كما لو كنا في لعبة عبثية مع الموت؟ أسمعك لأننا الآن على حافة نفس النهر".
وكتب الروائي خليل صويلح: "يا لفجيعتنا، سنتحمل موته الشاق وحدنا".
وعبرت مترجمة روايته "لم يصلّ عليهم أحد" إلى اللغة الألمانية، لاريسا بندر، الحاصلة على وسام الاستحقاق من الرئيس الألماني فرانك-فالتر شتاينمير، عن حزنها: "رحل عنا إنسان عظيم وكاتب كبير وصديق رائع".
ونعاه المخرج المصري خيري بشارة في تدوينة بموقع إكس قائلاً: "خبر يهبط كالصاعقة... كان خالد خليفة من أجمل الأصدقاء... باعدت مشاغل الحياة بيننا كما فعلت المسافات والحرب... ومنذ وقت قصير فرحت للغاية حين بدأنا نتبادل ذكرياتنا الحلوة طامعين في تجديد العلاقة وإحياء الصداقة القديمة... فلترقد في سلام يا أجمل الكائنات".
كما نعاه الأديب الكويتي طالب الرفاعي قائلاً: "كأن الموت ينتقي أحبابه، خبر صادم يا صديقي الغالي خالد خليفة، لا عزاء لساحة الرواية العربية. لروحك الطاهرة واسع المغفرة والرحمة الواسعة".
معارض في قلب دمشق
وعُرف خليفة بموقفه المناهض للسلطات وانتقاده لسياساتها في مقالاته ومقابلاته الإعلامية. وفي بداية الحراك في سوريا قبل أكثر من عقد تعرض خالد خليفة لاعتداء من أزلام النظام كسرت على أثره يده.
ونعاه الكثير من المعارضين السوريين وبعض الموالين للنظام، ولم يكن من المستغرب تجاهل التلفزيون الرسمي السوري لخبر وفاته وغياب أي حضور رسمي لجنازته.
كما نعاه المفكر والمعارض السوري ياسين الحاج صالح على موقع إكس قائلا: "قضى (خالد خليفة) معظم الوقت في سوريا بعد الثورة والحرب، لكنه كان واضح الموقف، لم يغمغم في التعبير عن انحيازه السياسي والأخلاقي".
ونقلت صحيفة "فرانكفورتر ألغماينه تسايتونغ" الألمانية الرصينة عن الراحل رفضه للبقاء خارج سوريا: "في الخارج نصبح هولنديين وفرنسيين وألمان، وهذا ما لا أريده. أنا سوري، كل شيء هنا له معنى بالنسبة لي".
وقد عالج أدبياً الوضع السياسي في بلاده. وفي إحدى مقابلاته علق على منع أعماله في المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري: "الكتب تطير ولديها أجنحة، وستصل إلى قرائها في أي مكان بالعالم".
وفي معرض تعليقها على وفاته، كتبت صحيفة "فرانكفورتر ألغماينه تسايتونغ": "كان يسعده عرض ترجمات رواياته في عواصم العالم وحواضرها. بيد أن الفرحة الكبرى كانت ستكون لو عثر على رواياته في المكتبات السورية. وهذا ما لم يعد بالإمكان".
خالد سلامة
سوريا.. خمسة عقود في قبضة عائلة الأسد
تحكم عائلة الأسد سوريا منذ أكثر من 5 عقود بقبضة من حديد، إذ يستمر الرئيس السوري بشار الأسد على نهج أبيه حافظ الذي تولى الحكم بانقلاب عسكري. هنا لمحة عن أبرز المحطات التي مرت بها سوريا في عهد عائلة الأسد.
صورة من: picture-alliance/dpa/R. Jensen
تولي الحكم بعد انقلاب "الحركة التصحيحية"
في 16 تشرين الثاني/نوفمبر 1970، نفّذ حافظ الأسد الذي كان يتولّى منصب وزير الدفاع انقلاباً عسكرياً عُرف بـ"الحركة التصحيحية" وأطاح برئيس الجمهورية حينها نور الدين الأتاسي. في 12 آذار/مارس 1971، انتخب الأسد الذي كان يترأس حزب البعث العربي الاشتراكي، رئيساً للجمهورية ضمن انتخابات لم ينافسه فيها أي مرشح آخر. وكان أول رئيس للبلاد من الطائفة العلوية التي تشكل عشرة في المئة من تعداد السكان.
صورة من: AP
"حرب تشرين"
في السادس من تشرين الأول/أكتوبر 1973، شنّت مصر وسوريا هجوماً مفاجئاً على إسرائيل من جهة قناة السويس غرباً، ومرتفعات الجولان شرقاً، في محاولة لاستعادة ما خسره العرب من أراض خلال حزيران/يونيو 1967، لكن تمّ صدهما. في أيار/مايو 1974، انتهت الحرب رسمياً بتوقيع اتفاقية فضّ الاشتباك في مرتفعات الجولان.
صورة من: Getty Images/AFP/GPO/David Rubinger
علاقات دبلوماسية بين واشنطن ودمشق!
في حزيران/يونيو 1974، زار الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون دمشق، معلناً إعادة إرساء العلاقات الدبلوماسية مع سوريا، بعدما كانت مجمّدة منذ العام 1967. في الصورة الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون مع وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي الأمريكي وقتها هنري كيسينجر.
صورة من: AFP/Getty Images
هيمنة على لبنان
في 1976 تدخّلت القوات السورية في الحرب الأهلية اللبنانية بموافقة أمريكية، وبناء على طلب من قوى مسيحية لبنانية. وفي 1977، بدأت المواجهات بين القوات السورية، التي انتشرت في معظم أجزاء البلاد ما عدا المنطقة الحدودية مع إسرائيل، وقوات مسيحية احتجت على الوجود السوري. وطيلة ثلاثة عقود، بقيت سوريا قوة مهيمنة على المستوى العسكري في لبنان وتحكمت بكل مفاصل الحياة السياسية حتى انسحابها في العام 2005.
صورة من: AP
قطيعة بين دمشق وبغداد!
في العام 1979، تدهورت العلاقات بين سوريا والعراق، اللذين حكمهما فرعان متنافسان من حزب البعث العربي الاشتراكي، بعد اتهام الرئيس العراقي آنذاك صدام حسين الوافد حديثاً إلى السلطة، دمشق بالتآمر. وقطعت بغداد علاقتها الدبلوماسية مع دمشق في تشرين الأول/أكتوبر 1980، بعدما دعمت الأخيرة طهران في حربها مع العراق. في الصورة يظهر الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين (يسار) مع الرئيس السوري السابق حافظ الأسد (وسط).
صورة من: The Online Museum of Syrian History
"مجزرة حماه"
في شباط/فبراير 1982، تصدّى النظام السوري لانتفاضة مسلّحة قادها الإخوان المسلمون في مدينة حماه (وسط)، وذهب ضحية ما يعرف بـ"مجزرة حماه" بين عشرة آلاف وأربعين ألف شخص. وجاء ذلك بعد قرابة ثلاث سنوات من هجوم بالرصاص والقنابل اليدوية على الكلية الحربية في مدينة حلب، أسفر عن مقتل ثمانين جندياً سورياً من الطائفة العلوية. وتوجّهت حينها أصابع الاتهام إلى الإخوان المسلمين بالوقوف خلف الهجوم.
صورة من: picture alliance /AA/M.Misto
محاولة انقلاب فاشلة
في تشرين الثاني/نوفمبر 1983، أصيب الأسد بأزمة قلبية نقل على إثرها إلى أحد مشافي دمشق. ودخل في غيبوبة لساعات عدّة، حاول خلالها شقيقه الأصغر رفعت الاستيلاء على السلطة عبر انقلاب فاشل، قبل أن يستعيد الأسد عافيته. وبعد عام، أُجبر رفعت على مغادرة سوريا. الصورة لحافظ الأسد (يمين) مع أخيه رفعت.
صورة من: Getty Images/AFP
تقارب مع الغرب!
بدأ الجليد الذي شاب علاقات سوريا مع أمريكا والغرب بالذوبان، عقب انهيار الاتحاد السوفياتي. انضمت سوريا إلى القوات متعددة الجنسيات في التحالف الذي قادته أمريكا ضد صدام حسين بعد غزو العراق للكويت. وفي تشرين الأول/أكتوبر 1994، زار الرئيس الأمريكي بيل كلينتون الأسد في دمشق. بعد أربع سنوات، زار الأسد فرنسا في أول زيارة له إلى بلد غربي منذ 22 عاماً، واستقبل بحفاوة من نظيره الفرنسي جاك شيراك.
صورة من: Remy de la Mauviniere/AP Photo/picture alliance
الابن يخلف أباه في الرئاسة!
توفي الأسد في 10 حزيران/يونيو 2000، عن عمر ناهز 69 عاماً، وكان شيراك الرئيس الغربي الوحيد الذي حضر جنازته.
وبعد شهر، تولّى نجله بشار السلطة، بعد تعديل دستوري سمح له بالترشّح. وحاز في استفتاء لم يضم أي مرشح آخر سواه على 97 في المئة من الأصوات.
صورة من: picture-alliance/dpa
انفتاح نسبي ولكن..!
بين أيلول/سبتمبر 2000 وشباط/فبراير 2001، شهدت سوريا فترة انفتاح وسمحت السلطات نسبياً بحرية التعبير. في 26 أيلول/سبتمبر 2000، دعا نحو مئة مثقّف وفنان سوري مقيمين في سوريا السلطات إلى "العفو" عن سجناء سياسيين وإلغاء حالة الطوارئ السارية منذ العام 1963. لكنّ هذه الفسحة الصغيرة من الحرية سرعان ما أقفلت بعدما عمدت السلطات إلى اعتقال مفكرين ومثقفين مشاركين في ما عُرف وقتها بـ"ربيع دمشق".
صورة من: picture-alliance/dpa/Y. Badawi
احتجاجات تحولت إلى نزاع دامٍ!
في العام 2011، لحقت سوريا بركب الثورات في دول عربية عدة، أبرزها مصر وتونس، في ما عُرف بـ"الربيع العربي". ومع اندلاع الاحتجاجات المناهضة لنظامه، قمع الأسد المتظاهرين السلميين بالقوة، وتحولت الاحتجاجات نزاعاً دامياً، سرعان ما تعددت جبهاته والضالعين فيه. وأودى النزاع المستمر بأكثر من 388 ألف شخص وهجّر وشرّد الملايين داخل البلاد وخارجها، وسوّى مناطق كاملة بالأرض.
صورة من: AFP/O. H. Kadour
بقاء على رأس السلطة بدعم روسي
في سنوات النزاع الأولى، فقدت قوات الحكومة السورية سيطرتها على مساحات واسعة من سوريا بينها مدن رئيسية. لكن وبدعم عسكري من حلفائها، إيران ثم روسيا، استعادت القوات الحكومية تدريجيًا نحو ثلثي مساحة البلاد، إثر سياسة حصار خانقة وعمليات عسكرية واسعة ضد الفصائل المعارضة والتنظيمات الجهادية. ولعب التدخل الجوي الروسي منذ خريف 2015 دوراً حاسماً في تغيير موازين القوى لصالح دمشق. م.ع.ح/ع.ج.م