صحف ألمانية: أحكام المِنيا سياسة انتقام من قِبل الدولة البوليسية
٢٥ مارس ٢٠١٤ قضت محكمة جنايات المنيا (وسط مصر) بإحالة أوراق أزيد من خمسمائة متهما من أنصار جماعة الإخوان المسلمين المحظورة إلى المفتي تمهيدا لإعدامهم، بعد أن وجهت النيابة العامة للمحكوم عليهم تهم الاعتداء على مركز الشرطة وقتل أحد الضباط والشروع في قتل ضابطين آخرين.
وقوبل حكم محكمة المنيا بإدانة دولية واسعة، وقد اعتبرت الأمم المتحدة ان الأحكام الصادرة تعد "انتهاكا لقانون حقوق الإنسان الدولي". واعتبرت غالبية الصحف الألمانية أنها خطوة انتقامية تأتي في إطار تعامل الدولة والجيش مع الخصوم الإيديولوجيين. وهو ما ذهبت إليه صحيفة زوددويتشه تسايتونغ/ Süddeutsche Zeitung الصادرة في ميونيخ في مقال حمَل عنوان "الدولة البوليسية تنتقم":
"إنه حكم غير مسبوق حتى بالنسبة لمصر، وخصوصا في منطقة معروفة بقضائها الجائر. قاض محافظة المنيا أصدر أحكاما بالإعدام في حق 529 شخصا بعد إدانتهم بقتل ضابط بحضور 150 متهما، في ما حوكم الباقون غيابيا. و(تمّ النطق بالحكم) بعد يومين من المداولات، وهو زمن قياسي مصري، وفضيحة ومهزلة على حد تعبير هيئة الدفاع.
تقع المنيا في صعيد مصر المهمل، وهي معقل الإسلاميين ومسرح لعدد من عمليات اعتداء ضد قوات الشرطة، بعد أن قام الأمن بفض اعتصام في القاهرة في أغسطس/ آب الماضي لأنصار الرئيس المعزول محمد مرسي.
(...) في مصر تسود أجواء من الانتقام والإبادة. ويتحدث حقوقيون عن 20 ألف سجين للرأي. من بينهم صحفيون ومحاميون وناشطون. بعض الأحكام الصادرة في حق رجال الشرطة، وإطلاق سراح عدد قليل من المدونين المشهورين مقابل كفالة لن يغير من قتامة الصورة في شيء.
إن الأحكام تعكس بالأحرى مدى هشاشة الدولة: فإلى جانب الشرطة والإعلام، ابتعد القضاء بدوره عن خط الاعتدال، وبدأ يقود عملية انتقامية بمفرده".
الموقف ذاته عبرت عنه صحيفة "دي فيلت/ Die Welt" المحافظة الواسعة الانتشار والتي ذهبت إلى وصف ما يحدث في مصر بالمأساة:
"ما قامت به محكمة المنيا في صعيد مصر، يمكن وصفه لغويا بالمحاكمة المكوكية. بعد يومين من المداولات ومن دون الاستماع إلى مداخلات الدفاع، أصدر قاض مثير للجدل أصلا حكما بالإعدام في حق 529 متهما، لتورطهم في أعمل عنف والمشاركة في القتل. حتى وإن كان بالإمكان الطعن في الحكم، إلا أنه يبقى دليلا قاطعا وصادما في نفس الوقت للوضع المأساوي للقضاء المصري.
الحكم يشير أيضا إلى سياسة القبضة الحديدية التي سينتهجها الرئيس القادم المحتمل، والرئيس الحالي للقوات المسلحة المشير عبد الفتاح السيسي الذي ينوي استخدام يد القضاء الطويلة ضد خصومه إيديولوجيًا.
إنها خطوة قانونية نحو الانتقام، لا تتيح أي هامش للتصالح أو التوافق في سبيل حلحلة الصراع. لا يحق لمصر أن تخون ثورتها بهذا الشكل. لا يمكن بناء دولة حديثة دون العمل على احترام على الأقل رغبة الإخوان المسلمين، الذين لا زال بإمكانهم حشد الأغلبية لصالحهم في الانتخابات، كما أنهم لا زالوا مقربين من الأوساط الشعبية في الأرياف".
من جهتها، حذرت صحيفة فراكفورتر روند شتاوي/ Frankfurter Rundschau من التخلي عن الأسس الديمقراطية لصالح الخيار الأمني:
"من يتجول في مدينة المنيا الصغيرة، فإنه يشعر بالخوف: مداخل مقر البلدية، وبنايات الشرطة والكنائس محصنة بأكياس الرمل، وأيادي الجنود على الزناد؛ فهم يخشون من عمليات هجومية ضدهم من قبل الإسلاميين، كما يخافون من غضب المتظاهرين المطالبين بعودة الرئيس المعزول مرسي إلى الحكم.
وفي أجواء الكراهية والخوف هذه، تمّ إصدار حكم لا مثيل له في القسوةً. تجاهل القاضي أسس النظام القضائي وأصدر أحكاما بالإعدام في حق 529 متهما. يرى العديد من الساسة ورجال الدولة أن ما يسمى بـ"الحل الأمني" هو الطريق الوحيد للتعاطي مع احتجاجات الإسلاميين. ولذلك فإن العديد منهم مستعدون لتجاهل مبادئهم الديمقراطية. وهذه هي مأساة التطورات في مصر".
وعن موقف الغرب من تلك التطورات، خاصة اعتقال الصحفيين وسجناء الرأي علقت صحيفة "برلينر تسايتوغ/ Berliner Zeitung ":
"الحكومة الانتقالية المصرية بحاجة ماسة إلى تعاطف الخارج معها، خاصة وأن السياحة تمثل أكبر مداخيل الدولة. (...) لكن حكومة - الجيش تبدو أسيرة لمنطقها العدائي تجاه الإخوان المسلمين، لدرجة أنها فقدت بعدَ النظر والرزانة، للتنبإ بنتائج سياستها. وعوض الاهتمام بالمشاكل الاجتماعية للبلاد -كالفقر والبطالة وتبعات الأزمة الاقتصادية- إلى جانب مكافحة الخطر الحقيقي النابع من الجماعة الإسلامية المتطرفة، تركز السياسية المصرية على حملة عدائية عمياء ضد كل من ينتقدها".