قرار تأجيل النطق بالحكم على الرئيس الإسلامي المعزول محمد مرسي خفف قليلا من الضغط الدبلوماسي على زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لبرلين. رغم ذلك جاءت تعليقات الصحافة الألمانية بوجهات نظر مختلفة حول تلك الزيارة.
إعلان
تصاحب زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى برلين ملفات مثيرة لقلق الرأي العام ورجال السياسية الألمان، من بينها مثلا ملف حقوق الإنسان. وتوجه المعارضة في البرلمان الألماني (بوندستاغ) انتقادات للمستشارة أنغيلا ميركل لعزمها لقاء السيسي في هذه الظروف. ومباشرة قبيل زيارة السيسي المقررة غدا الأربعاء (الثالث من يونيو/ حزيران) جاء قرار محكمة جنايات القاهرة بتأجيل نطق الحكم على الرئيس الإسلامي المعزول محمد مرسي إلى 16 حزيران/ يونيو. الصحف الألمانية، حالها حال السياسيين الألمان، اختلفت حول كيفية التعامل مع زيارة السيسي لألمانيا.
زيارات السيسي إلى الخارج منذ توليه الرئاسة
يواجه الرئيس عبد الفتاح السيسي تحديا كبيرا يتمثل في إعادة مصر دورها الريادي، فمنذ توليه الرئاسة يعمل على إعادة تنشيط العلاقات واستعادة صداقات مصر القديمة وتحالفاتها بعد الأحداث التي تلت تنحي الرئيس الأسبق مبارك عن الحكم.
صورة من: picture-alliance/Egyptian Presidency/Handout
كانت الجزائر المحطة الأولى في جولات السيسي الخارجية على التوقعات، فقد وعد خلال حملته لانتخابات الرئاسة أن تكون السعودية أولى محطات زياراته الخارجية كرئيس، لتصبح أول زيارة لرئيس مصري إلى الجزائر منذ 5 سنوات. وأكدت خصوصية العلاقات بين البلدين، خاصة في ظل التصريحات خلال فترة الدعاية في انتخابات الرئاسة، والتي قُيل فيها أن الجيش المصري قادر علي اجتياح الجزائر في ثلاثة أيام وهو ما نفاه السيسي.
صورة من: picture-alliance/dpa
جاءت مشاركة الرئيس المصري في أعمال مؤتمر القمة الإفريقية بغينيا الاستوائية، التي عقدت في 26 يونيو/ حزيران الماضي للتأكيد على عودة مصر للقارة الإفريقية التي سبق وأن أُهملت خلال فترة حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك وجُمدت عقب إزاحة الإسلاميين عن الحكم. وشملت الجولة الإفريقية السودان وأثيوبيا لمناقشة ملف سد النهضة الذي تقيمه على النيل.
صورة من: Ashraf Shazly/AFP/Getty Images
أما زيارة السيسي إلى السعودية لما قدمته الأخيرة من دعم وفي إقناع المجتمع الدولي بأن إزاحة الرئيس الإسلامي محمد مرسي في 30 يونيو كانت تعبيراً عن إرادة شعبية، وبالتالي فكان لابد أن يعبر السيسي عن "الامتنان المصري للجانب السعودي".
صورة من: picture-alliance/AA
وشملت جولته الخليجية آنذاك الإمارات والكويت، اللتان قدمتما بدورهما إلى جانب السعودية دعماً مادياً لمصر بعد عزل مرسي، حيث ترك الإسلاميون خلال فترة حكمهم القصيرة اقتصاد البلد على حافة هاوية. وانعكس التقارب مع دول الخليج لاحقاً في مشاركة مصر في التحالف العربي بشن الحرب على اليمن.
صورة من: picture alliance/ZUMA Press/Egyptian Presidency
في ظل الموقف الأمريكي من إزاحة الإسلاميين عن الحكم، كانت زيارة السيسي إلى موسكو ذات أهمية كبيرة. ومع دخول الطائرة الرئاسية إلى الأجواء الروسية رافقها سرب من المقاتلات الروسية. وانتهت الزيارة بالتأكيد على دعم التعاون العسكري والصناعي بين البلدين.
صورة من: Reuters
كانت زيارة السيسي إلي نيويورك محط اهتمام وسائل الإعلام المحلية والعالمية، لا سيما أنه الظهور الأول للرئيس المصري في الأمم المتحدة ناقلاً "رسالة مصر للعالم بعد ثورة 30 يونيو وما تبعها من حالة سوء فهم الحالة المصرية". لقاء السيسي بالرئيس الأمريكي أوباما حرك العلاقات التي تأزمت آنذاك بين الدولتين.
صورة من: picture-alliance/dpa/B. Anthony
وكانت أولى زيارات السيسي إلى دول الاتحاد الأوروبي في إيطاليا، وكان القضية الأكبر خلال الزيارة هي ليبيا، التي أضحت مسرحاً لحرب أهلية بين الجماعات المتشددة. وأيدت إيطاليا جهود مصر في مكافحة الإرهاب وتوصل الجانبان إلى توافق بشأن التهديد الذي تشكله ليبيا ما بعد القذافي.
صورة من: picture-alliance/dpa/F. Campana
هذه الجولة الأوروبية قادت السيسي أيضاً إلى لقاء الرئيس الفرنسي فرانسوا اولاند. خلال الزيارة أُبرمت ثلاث اتفاقيات تتضمن أولها إعلان نوايا حول الشراكة الفرنسية المصرية تتعلق بمترو أنفاق القاهرة، بينما تهدف الثانية دعم البنية التحتية في مصر، والثالثة أطرت دعم التوظيف عبر تمويل الشركات الصغيرة في المناطق الأكثر فقراً.
صورة من: picture-alliance/dpa/A. Jocard
اللقاء الأول بين السيسي والمستشارة الألماني أنغيلا ميركل على هامش منتدى دافوس في سويسرا في يناير/ كانون الثاني الماضي. لكن زيارته الحالية استبقها رئيس البرلمان الألماني روبرت لامرت، إذ قرر إلغاء لقائه المقرر مع السيسي في احتجاج على ما وصفها بانتهاكات حقوق الإنسان في مصر.
صورة من: picture-alliance/dpa/F. Coffrini
جاءت زيارة السيسي الأولى إلى الأردن على هامش المنتدى الاقتصادي العالمي حول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا منتصف مايو/ أيار الماضي. وقال السيسي في المنتدى إن "الجمود الفكري الناجم عن التطرف والغلو الديني أو المذهبي تزداد حدته جراء اليأس والإحباط وتراجع قيم العدالة بمختلف صورها".
صورة من: picture-alliance/dpa
تبلورت التوترات بين مصر والمحور القطري-التركي بعد عزل مرسي، فقد سحبت القاهرة سفيريها لدى الدوحة وأنقرة، في أعقاب المواقف القطرية والتركية المنددة بسياسات الدولة المصرية، ودعم البلدين لتنظيم الإخوان المسلمين، ما نتج عنه حملات إعلامية حادة متبادلة بين الجانبين.
صورة من: picture-alliance/dpa
11 صورة1 | 11
صحيفة "تاغس شبيغل" البرلينية كتبت تقول: "لعامين تقريبا امتد صراع برلين مع نفسها حول كيفية التعامل مع أصحاب النفوذ الجدد، العنيفين في مصر، المحيطين بالمشير السابق عبد الفاتح السيسي. فقد تخطت التجاوزات ضد حقوق الإنسان في "هبة" النيل كل الحدود، بينما يزداد باطراد عدد التفجيرات والاعتداءات. وكل من يدعو (هناك) إلى الاعتدال تتم شيطنته ويوصف بأنه إما مغفل، أو عميل للخارج أو عضو مستتر بالإخوان المسلمين. ومازالت ألمانيا تتمتع باحترام كبير (لدى المسؤولين) في القاهرة. فالسيسي يعلم أن الكفاءة في مجالات التكوين المهني والشراكة الجامعية والتكنولوجيا المتطورة، هي مسألة لا يمكن أن يحصل عليها من أصدقائه الجدد المستبدين في روسيا أو دول الخليج. كما أن ألمانيا تختلف عن الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وفرنسا. فليس لألمانيا تاريخ استعماري سلبي في الشرق الأوسط، وإنما ينظر إليها دائما على أنها شريك ودود وكريم. ولذلك فإن تمسك الرئيس الألماني يوآخيم غاوك والمستشارة ميركل بلقاء السيسي، مسألة صحيحة رغم كل الانتقادات المبررة الموجهة لزيارته (لألمانيا)."
وعلى العكس من ذلك ترى صحيفة "جنرال أنتسايغر" التي تصدر في بون أن "ميركل اتخذت قرارا واضحا. وضربت بعرض الحائط الشرط الألماني بعدم استقبال السيسي (في ألمانيا)، إلا بعد قيامه بإجراء الانتخابات البرلمانية. ففي سبيل الاستقرار يبدو أن (وجود) سلطة تشريعية منتخبة مسألة ليست بتلك الأهمية (...) والآن تفعل أوروبا ما فعلته خلال عقود مضت، حيث تراهن على أنظمة عربية قمعية كضامن للاستقرار، وشريك في الحرب على الجماعات الإسلامية المسلحة. وبذلك يتم قبول منع الإسلاميين المعتدلين من التواجد داخل مؤسسات الدول، وقبول كل ما يترتب على هذا المنع، من تطرف يدفعون إليه دفعا. وبدلا من محاربة تنظيم "الدولة الإسلامية"؛ يتم تماما بمثل هذه السياسة تفريخ المزيد من (المقاتلين في صفوفها)".
أما صحيفة "زود دويتشه تسايتونغ" فكتبت تقول: "السيسي يعرف مشكلة الشرعية الناجمة عن الانقلاب على أول رئيس منتخب في مصر، حتى مع أنه (السيسي) استند إلى طبقات عريضة في الشعب المصري. كما يعرف (السيسي) أن فض اعتصامي رابعة والنهضة كان مذبحة. وكان عليه أن يعلم أن الأثر الرادع لحَمَّام الدم لا يكفي لكسر المقاومة (ضده). ومن أجل خنق الحوار حول أساسيات بناء الدولة رفع السيسي شعار: إما أن تكونوا معنا أو تكونوا ضدنا. ولهذا شمل القمع، وبدون استثناء، كل من يوجه انتقادات للنظام، سواء كانوا نشطاء ديمقراطيين، أو مدافعين عن حقوق الإنسان، أو ممثلين للمجتمع المدني، أو صحفيين منتقدين أو مثقفين. (...) لقد أعلن الرئيس السيسي أنه يريد أن يتخذ من ألمانيا مثالا لتطوير بلاده. ولذلك فإنه يجب على الرئيس الألماني غاوك والمستشارة ميركل أن يقولا له بوضوح وعلانية ما يمكن تعلمه من تاريخ ألمانيا: (وهو) أن الرفاهية والاستقرار ينموان على الأرجح في ظل دولة قانون، ديمقراطية و (تقوم على) التعددية".