توجه البرلمان الأوروبي نحو تجميد مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد، استأثر باهتمام وسائل الإعلام الألمانية. ولكن هل كانت أوروبا جادة في هذه المفاوضات في أي وقت مضى؟ هذا ما نتابعه في تعليقات عدد من الصحف الألمانية.
إعلان
ترى صحيفة زود دويتشه تسايتونغ الألمانية أن أوروبا لم تكن جادة في مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، إذْ كتب معلقها قائلاً:
"لقد مَنَعَ مزيج من تأنيب الضمير والنوايا الحسنة والغيبوبة المثيرة للقلق من أن تضع دول الاتحاد الأوروبي حتى الآن نهايةً لوهم مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي. وينبع تأنيب الضمير من أن الاتحاد الأوروبي قلَّما تعامل بشكل جدي مع مسألة انضمام تركيا إليه، وذلك حتى حين سادت في أنقرة روح مؤيدة لأوروبا. كما أن العديد من الحكومات الأوروبية سمحت ولكن على مضض بالمفاوضات.
إحدى كلمات السر المستخدمة في هذا السياق كانت "الشراكة المميزة"، التي تولت مسؤوليتها المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل كرئيسة للحزب المسيحي الديمقراطي. (...) لكن ربما بهذه الطريقة يبرر تأنيب الضمير ما يحدث، وذلك بإسداء نصيحة سيئة. وحتى وإن كان الأوروبيون مسؤولين عن النهاية المؤقتة للديمقراطية في تركيا فمن خلال عدم الأمانة لن يتمكنوا من إعادة إنتاج هذه الديمقراطية من جديد.
(...) كما أن أردوغان ينتمي -إلى جانب دونالد ترامب وفلاديمير بوتين- إلى الجهات الدولية التي تفتح النار على الديمقراطية الليبرالية الأوروبية (...). ولهذا السبب، فإن مطلب البرلمان الأوروبي مُحِقّ في تعليق المفاوضات مع تركيا، وذلك إلى أن يأتي الوقت الذي يوجد فيه ما يُتفاوَض عليه. فليس بإمكان الاتحاد الأوروبي السماح بأي تشكيك حول جديته بخصوص قيمه الأساسية".
من جانبها انتقدت صحيفة شتراوبينغَر تاغبلات الألمانيةُ ما وصفته بـ "الانتهازيةَ" التي ينتهجها الساسة الأوروبيون في التعامل مع تركيا:
"فقط القليل من قادة الدول والحكومات عازمون على صفعة دبلوماسية، مثل: إنهاء مفاوضات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. أما معظم قادة دول الاتحاد الأوروبي فهم يميلون بالأحرى إلى انتهاج نهج انتهازي، أي مواصلة لعبة طقوس الانضمام العقيمة وعديمة الجدوى مع أردوغان، وذلك حتى لا تفشل صفقة اللاجئين أولاً، وثانياً كي تبقى أنقرة بطريقة أو بأخرى موالية لأوروبا. لكن لا يكاد يمكن فهم هذا المسلك في ظل انتهاكات حقوق الإنسان وانزلاق تركيا إلى نظام لا يختلف إلا قليلا عن الدكتاتورية".
أما معلق صحيفة "دي فيلت" الألمانية اليومية فقد نظر إلى الموضوع من زاوية مختلفة حيث يكتب:
"التطورات في تركيا خَفَّضَت سقف المطالب بشكل عميق، بحيث أن عدم وجود أخبار سيئة يتم تقييمه كأخبار جيدة، مثل الخبر التالي: فقد سحبت الحكومة التركية مشروع قانون كان ينص على: إبطال عقوبة السجن أو الإجراءات العقابية المتعلقة بالاعتداءات الجنسية شريطة أن يتزوج الجاني ضحيته.
ولم يكن مشروع هذا القانون يتعلق فقط بشباب حُرِموا من طفولتهم بسبب الزواج القسري، (...) بل وبرجال بالغين تزوجوا دينياً فتيات صغيرات أعمارهن أقل من 15 عاماً، وكان بإمكانهم الإفلات من العقوبة. وقد مُنِعَ صدور هذا القانون من خلال صرخة المعارضة والمجتمع المدني، اللذَيْن لم يرفعا صوتيهما عالياً بهذا الشكل منذ المحاولة الانقلابية. ولكن حتى داخل حزب العدالة والتنمية الحاكم كانت هناك معارضة (...). إنّ مَنْع صدور هذا القانون يرينا أن القيم الأساسية العلمانية للمجتمع التركي لا تزال سليمة كما هي. وهذه في الواقع أنباء طيبة".
ر .ز / ع.م / م.س
العلاقات التركية الأوروبية ـ محطات من الاتفاق والاختلاف
العلاقات التركية الأوروبية، والتركية الألمانية على وجه الخصوص، لم تكن يوما في غاية التناغم، لكنها شهدت خلال السنة الماضية فترة تقارب مصالح، أعقبتها توترات بلغت أوجها عقب محاولة الانقلاب الفاشلة ضد أردوغان.
صورة من: picture-alliance/dpa/Sagolj/Zivulovic/Kombo
أفضت أزمة تدفق اللاجئين على أوروبا إلى تقارب المصالح بين أنقرة وبروكسل، حيث عول الأوروبيون على أنقره في وقف هذا التدفق عبر أراضيها، فيما وجدت تركيا فرصتها في الاستفادة من هذه الفرصة التي قلما جاد بها الزمن.
صورة من: Getty Images/M. Cardy
يقضي الاتفاق باستقبال تركيا اللاجئين الذين يتم إعادتهم من اليونان مقابل استقبال أعضاء الاتحاد الأوروبي للاجئين سورين بطريقة قانونية، لكن هذا الاتفاق تضمن شروطا ما تزال خلافية منها إعفاء الموطنين الأتراك من تأشيرة الدخول إلى الاتحاد الأوروبي، وقيام تركيا بتعديل التشريعات المتعلقة بمكافحة الإرهاب. وهنا كانت العقد في المنشار أمام هذا الاتفاق.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/L. Pitarakis
المستشارة أنغيلا ميركل، التي تتحمل بلادها العبء الأكبر لتدفق اللاجئين، تزعمت جهود تقريب وجهات النظر بين الاتحاد الأوروبي وتركيا.
صورة من: picture-alliance/dpa/K. Nietfeld
لكن العلاقات بين برلين وأنقرة توترت بعد تبني البرلمان الألماني قرارا يصنف مجازر الأرمن عام قبل مئة بأنها "إبادة جماعية".
صورة من: Getty Images/AFP/S. Gallup
وما تزال العلاقات بين تركيا وألمانيا فاترة إثر قرار البرلمان الألماني فضلا عن إحباط أنقرة مما اعتبرته تضامنا فاترا معها في أعقاب الانقلاب العسكري الفاشل في 15 يوليو/ تموز، والذي بدأ على خلفيته فصلا جديدا من التوتر بين أنقرة والاتحاد الأوروبي.
صورة من: picture-alliance/dpa/T. Bozoglu
فإثر حملة الاعتقالات وما أسمي بحملة "التطهير" التي نفذتها وتنفذها أنقرة على خلفية محاولة الانقلاب تلك وتكميم الأفواه، تصاعدت الانتقادات الأوروبية لأنقرة، ما أفضى مجددا إلى توترات في العلاقات وعرض الاتفاق بشأن اللاجئين للجمود وربما للفشل قريبا.
صورة من: picture-alliance/Zuma/T. Adanali
وكرد على محاولة الانقلاب رفضت أنقره تعديل قانون مكافحة الإرهاب المثير للجدل، كما أنها تسعى لاستصدار تشريع لإعادة العمل بعقوبة الإعدام التي كانت أنقره قد ألغتها بطلب من الاتحاد الأوروبي ضمن شروط مفاوضات الانضمام إلى الاتحاد. وهذا ربما يشكل رصاصة الرحمة على هذه المفاوضات. (الصورة لأردوغان مع رئيس البرلمان الأوروبي مارتين شولتز)
صورة من: picture-alliance/epa/J. Warnand
وظهرت دعوات من داخل الاتحاد الأوروبي لوقف محادثات انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، حيث شككت النمسا في قدرة تركيا على الوفاء بالمعايير الأوروبية الخاصة بالديمقراطية. لكن الاقتراح النمساوي لم يحظ سوى بدعم ضئيل داخل الاتحاد رغم الاستياء داخل التكتل إزاء أنقره.
صورة من: picture-alliance/AA/E. Atalay
في بداية سبتمبر/أيلول الماضي سعى الاتحاد الأوروبي مع تركيا لاختبار الأجواء لعودة التقارب بين الجانبين عقب التوتر منذ الانقلاب الفاشل، وقال وزير خارجية لوكسمبورج جان أسيلبور "نحتاج لتقارب ونحتاج لتطبيع الوضع". وقد عقد أول اجتماع بين وزراء خارجية التكتل مع وزير شؤون الاتحاد الأوروبي في تركيا عمر جليك، كما زارت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني تركيا.
صورة من: picture-alliance/dpa/F.Aktas
لكن التوتر عاد مجددا بين أنقره والاتحاد الأوروبي وبينها وبين برلين على خلفية تضييق أنقره على حرية الصحافة واعتقال صحفيين، وكذلك اعتقال نواب معارضين مؤيدين للأكراد. ووصل الأمر بأردوغان مؤخرا إلى اتهام برلين بـ "إيواء إرهابيين"، وهو ما رفضته برلين.