انتُخب الوسطي ماكرون رئيسا لفرنسا ومنيت منافسته لوبن بهزيمة ثقيلة لتتجاوز أوروبا محنة حقيقية. هذا الملف تصدَّر الصحف الألمانية التي رحبت بفوز ماكرون لكن قراءاتها لنتائجه تباينت ليس فقط بالنسبة لفرنسا بل لأوروبا بأكملها.
إعلان
يمثل انتصار إيمانويل ماكرون فسحة لالتقاط الأنفاس بالنسبة لأوروبا والقيم الديمقراطية الليبرالية التي ظلت ترمز لها لأكثر من نصف قرن. وعليه الآن العمل لتنفيذ الوعود التي أطلقها لتوطيد الأمل لدى الناخبين الفرنسيين وإعطاء فرصة جديدة لمشروع التكامل الأوروبي. وفي هذا السياق كتبت صحيفة "تاغستسايتونغ" تقول:
"الانتصار الواضح لإيمانويل ماكرون هو انفراج ضخم لفرنسا. الكارثة المهددة والمتمثلة في الاستيلاء على السلطة من جانب شعبوية عنيفة ومحرضة تم تجاوزها. الثقة والأمل انتصرا على التشاؤم والاكتراث المنهجي. إنها إشارة مشجعة للديمقراطية وقدرة تحكيم الناخبين. ونتيجة هذه الانتخابات تشكل أيضا خبرا مفرحا لكافة أوروبا... ففوز الجبهة الوطنية في فرنسا كان سيمنح اليمينيين المتطرفين في كثير من البلدان في القارة زخما ويوجه ضربة مميتة للاتحاد الأوروبي".
وبهزيمة زعيمة الجبهة الوطنية الفرنسية لوبن لم تتحقق السيناريوهات الكابوسية التي ترددت في العواصم الأوروبية في أوائل 2017. وحصلت أوروبا على فرصة ثانية. وهذه هي الرسائل الرئيسية من انتصار ماكرون، وقد انعكست في ردود الفعل الواردة من أوروبا. وهذا ما استنتجته صحيفة "فرانكفورتر ألغماينه تسايتونغ" في تعليقها التالي:
"الكابوس لم يتحول إلى حقيقة: يمينية متطرفة لن تدخل قصر الإليزيه. ويبقى العالم الغربي وأوروبا محصنين أمام زلزال سياسي إضافي بعد انسحاب بريطانيا وانتخاب ترامب. وزفرات الارتياح تُسمع مثل مفرقعات رأس السنة الميلادية، لأن الغالبية الكبرى للناخبين الفرنسيين اتبعت صوت العقلانية وليس دعاية القومية العنيفة المعادية لألمانيا".
صحيفة "زوددويتشه تسايتونغ" ركزت اهتمامها على موقع مرشحة الجبهة الوطنية التي حققت رغم الخسارة نسبة مهمة من أصوات المؤيدين جعلت من الجبهة أول قوة معارضة في البلاد، وكتبت تقول:
"النتيجة بالنسبة إلى لوبن مهمة. فهي تجاوزت السقف الزجاجي لـ 30 في المائة ووطدت الجبهة الوطنية في النظام الفرنسي. أن يدخل هذا في الأمور العادية يمثل خطرا، فالحزب لا يتجاوز نقطة مفارقة، بل هو ينمو بتحقيق النجاحات. وربما كانت لوبن باسمها وتطرفها المعلن مؤخرا العقبة الكبرى في طريق النصر. وهذا يمكن أن يتغير، فرئاسة ماكرون تمنح فرنسا بالتالي نوعا من الإمهال القضائي".
صحيفة "رويتلينغر غنرال أنتسايغر" اعتبرت أن الفائز ماكرون بحاجة إلى مساعدة خارجية للتمكن من إدخال الإصلاحات الضرورية ووقف الشعبوية في أوروبا، وكتبت تقول:
"ماكرون يحتاج إلى مساعدة من الخارج. هو يحتاج إلى شركاء ـ في مقدمتهم ألمانيا ـ يدعمونه لوقت محدد كي يتولى القيام بالمهام السياسية الداخلية. وإبراز ماكرون كمنقذ لأوروبا يعود للعبة السياسية. وعلى الرغم من ذلك تبقى المهمة مشتركة لاستغلال حوافزها من أجل إصلاح الاتحاد الأوروبي ووقف مد الشعبوية اليمينية. وبهذه الانتخابات في فرنسا لم يتم إطفاء النار. فهناك نيران مشتعلة كثيرة".
ر.ز/ م.أ.م
ماكرون أصغر رئيس فرنسي منتخب...يهزم اليمين المتطرف
فاز الوسطي إيمانويل ماكرون مساء الأحد السابع من مايو/ أيار 2017 بالانتخابات الرئاسية الفرنسية أمام منافسته مارين لوبن زعيمة اليمين المتطرف، ليصبح في سن الـ 39 عاما أصغر رئيس منتخب لفرنسا.
صورة من: Reuters/B. Tessier
ماكرون قال بمناسبة فوزه إن "صفحة جديدة من تاريخنا الطويل تفتح. أريدها أن تكون صفحة الأمل واستعادة الثقة".
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Kappeler
تم انتخاب ماكرون رئيساً لفرنسا -الذي لم يكن معروفا لدى الفرنسيين قبل ثلاث سنوات والذي يقول إنه ليس من اليمين أو اليسار- بعد حصوله على أكثر من 65,5 في المئة من الأصوات أمام لوبن التي حصلت على نحو 34 في المئة من الأصوات.
وتشير نتيجة الاقتراع الذي شهد نسبة امتناع عن التصويت قُدِّرَت بأكثر من 25 في المئة، إلى احتمال "إعادة تشكيل المشهد السياسي بشكل كبير ليتمحور حول الصراع بين "الوطنيين" وأنصار العولمة".
صورة من: Reuters/E. Feferberg
لحظات ترقب قضاها أنصار ماكرون خلال اليوم الانتخابي.
صورة من: picture alliance/dpa/AP/L. Cipriani
ابتهج أنصار ماكرون. وأشاد بفوز ماكرون الكثير من القادة الأوروبيين القلقين من تنامي النزعة الوطنية والحمائية الاقتصادية في أوروبا.
صورة من: picture alliance/dpa/abaca/E. Blondet
وسريعا ما تدفقت التهاني لرئيس فرنسا الجديد وخصوصا من الرئيس الفرنسي المنتهية ولايته فرنسوا أولاند والمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل ورئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر ورئيسة وزراء المملكة المتحدة تيريزا ماي. واعتبرت ميركل أن فوز ماكرون هو "فوز لأوروبا قوية وموحدة" في حين اعتبر يونكر أن الفرنسيين اختاروا "مستقبلا أوروبيا" لهم.
صورة من: Reuters/P. Wojazer
وبعد فوزه المشهود على الأحزاب التقليدية، سيكون على ماكرون الآن أن يجمع فرنسا مقسمة بشكل عميق، بين فرنسا الحضَر: المزدهرة أكثر والإصلاحية، وبين فرنسا الريف: الفقيرة التي يجتذبها التطرف. وسيكون عليه مواجهة قضايا أساسية بينها التصدي للبطالة المزمنة (10 في المئة) ومكافحة الإرهاب ودفع أوروبا الموحدة إلى الأمام.
صورة من: Reuters/B. Tessier
وكانت الدعوات تكثفت من كل حدب وصوب - بعد نتيجة "تاريخية" لماكرون في جولة الانتخابات الأولى- لقطع الطريق على اليمين المتطرف الذي يصل للمرة الثانية إلى الجولة الثانية الحاسمة في الانتخابات الرئاسية الفرنسية.
لكن لوبن (48 عاما) المناهضة للهجرة ولأوروبا -والتي منيت بهزيمة قاسية- أشادت بتحقيقها "نتيجة تاريخية وكبيرة" لليمين المتطرف الذي أصبح كما قالت "قوة المعارضة الأولى" في فرنسا.
صورة من: picture-alliance/dpa/O. Corsan
من جانبه هنأ السياسي الهولندي اليميني الشعبوي خيرت فيلدرز، مارين لوبان زعيمة اليمين المتطرف الفرنسي رغم هزيمتها. قائلا: "أحسنت على أي حال...لقد صوت الملايين من الوطنيين لك! ستفوزين المرة القادمة وأنا أيضا". كما هنأت فراوكه بيتري -زعيمة حزب البديل من أجل ألمانيا المعادي للهجرة والإسلام- مارين لوبان على أدائها الانتخابي القوي رغم الخسارة وقالت إنها " تمكنت رغم العداء الشديد من تحقيق نتيجة مبهرة...".
صورة من: Reuters/W.Rattay
وقام ماكرون بحملة مع حركته "إلى الإمام" التي أسسها تحت شعار التجديد السياسي مع خط مؤيد للفكرة الأوروبية وبرنامج ليبرالي سواء في الاقتصاد أو المسائل الاجتماعية. وتقوم عقيدته على "فرنسا منفتحة في أوروبا تحمي".
صورة من: picture-alliance/AP Photo/E. Morenatti
ماكرون المصرفي السابق هو في الواقع يتبنى مبادئ "الأخلاقية السياسية" وقد أطلق تصريحا بقي ماثلا في الأذهان: "اللاجئون هم بشر مبدعون وقادرون على المقاومة". وامتدح سياسة اللجوء التي تبنتها أنغيلا ميركل، فقد أنقذت بتصرفها كرامة أوروبا، على حد تعبيره.
صورة من: DW/B. Riegert
السياسي الشاب ماكرون يدخل الآن قصر الإليزيه برفقة معلمته السابقة وزوجته الحالية التي تكبره بنحو ربع قرن، في فترة رئاسية تستمر لمدة خمسة أعوام. فهل يحقق كل ما وعد به ويتغلب على التحديات؟ إعداد: علي المخلافي