اتهم تقرير صحفي ألماني أنقرة بدعم منظمات إسلامية وإرهابية في الشرق الأوسط. ردود فعل الصحف الألمانية جاءت متباينة تجاه التقرير السري. فهل ستكون للتقرير تداعيات خطيرة على العلاقات التركية الألمانية ـ الأوروبية؟
إعلان
كشف تقرير للقناة الأولى في التلفزيون الألماني "ARD" أن الحكومة الألمانية تعتبر تركيا حاليا "منصة العمل المركزية" لمنظمات إسلامية وإرهابية في الشرق الأوسط. ويستند التقرير الخاص بالقناة الأولى إلى رد سري لوزارة الداخلية الألمانية على استجواب كان مقدما من نائبة في حزب اليسار المعارض في البرلمان الألماني "بوندستاغ".
وتتساءل صحفية "نويه أوسنابروك تسايتونغ" عن سبب الدعم الألماني لتركيا رغم المعرفة المسبقة بعلاقاتها مع تلك المنظمات؟
"هل تدعم الحكومة الاتحادية تركيا بسبب المصلحة الوطنية بلداً يأوي الإرهابين؟. وهل تعرف ميركل وشتاينماير حول الموضوع معلومات أكثر مما يقولان، لتفادي المخاطرة بالقطيعة مع تركيا الشريك في حلف الناتو؟. اتهام تركيا أمر خطير يجب على الحكومة الاتحادية تقديم توضيحات حوله وبسرعة، لتفادي الأضرار الدائمة التي ستترتب عن القضية مستقبلاً. وفي نفس الوقت يجب الحذر من ردود الفعل المبالغ فيها".
أما صحيفة "فولكس شتيمه"، من ماغدبورغ، فتتحدث عن طبيعة السياسة الخارجية التركية:
"الحكومة الاتحادية لا يمكنها إنكار حقائق كون تركيا تتحول إلى دولة إسلامية، ففي مصر حاولت إفشال الإنقلاب العسكري. كما أن الاندماج مع الغرب يفشل. ولهذا يجب إعادة تحديد طبيعة العلاقة تجاه تركيا. كون جنود الجيش الألماني قاموا بحماية دولة (تركيا) تدعم إرهابي تنظيم "الدولة الإسلامية"في سوريا، من عنف هذا التنظيم الإرهابي، يبدو اليوم أمراً سخيفاً".
ومن جهتها تحلل صحيفة "فرانكفورتر ألغماينه تسايتونغ" طبيعة علاقات تركيا بالغرب وبالعالم العربي، ومساعي أردوغان لتوسيع نفوذه في العالم العربي:
"كلما ازداد التباعد الأوربي التركي في السنوات الأخيرة، أزداد توجه تركيا نحو الشرق الأوسط والعالم العربي. هذا الأمر كان واضحاً في عام 2011 خلال سلسة الاحتجاجات الواسعة النطاق في العديد من الدول العربية. ورأت تركيا في نفسها مدافعاً عن "الشارع العربي"، وأردوغان، الذي ينحدر من الفرع التركي لجماعة الإخوان المسلمين، رأى في نفسه قائداً للجماهير العربية. فكلما ارتفعت حدة اضطهاد الإخوان المسلمين في مصر والخليج، تعلن تركيا أستعداداً أكبر لاستقبالهم على أراضيها. وينظر الكثير من العرب إلى أردوغان كزعيم قوي من بلد كان إلى غاية 1924 مقرا لآخر خليفة (الخليفة العثماني). واتهام تركيا بالتواطؤ مع الجماعات الإرهابية الإسلامية له علاقة بالحرب في سوريا. وحتى الآن، استخدم أردوغان كل الوسائل لإسقاط بشار الأسد وتوسيع نفوذه في سوريا".
صحيفة "نورد فيست تسايتونغ"، الصادرة من أولدنبورغ، تركيا بأنها "عامل مهدد للاستقرار في الشرق الأوسط". وتشرح الصحيفة موقفها قائلة:
"أنقرة سترد على عدم الإلتزام بالتكتم (عبر نشر تقرير سري) بشراسة كما هو معتاد. ويجب أخيراً على أوروبا وألمانيا أن تتصرف بعقلانية ضد ذلك. وهذا يعني ثلاثة أمور: تأمين فعال للحدود الأوروبية، اعتبار موضوع إعفاء الأتراك من تأشيرة الدخول انتهى، وإلغاء مفاوضات الانضمام إلى أوروبا".
غير أن صحيفة "شتوتغارتر ناخريشتن"، فلديها رأي مخالف وتدعو لتفادي القطيعة مع أنقرة:
"تركيا وألمانيا لديهما العديد من المصالح الأمنية المشتركة في أوروبا، ولهذا السبب سيكون من الخطأ التشكيك في مستقبل تركيا كعضو داخل حلف شمال الاطلسي بسبب دعمها الغامض(للإسلامويين). فالتعامل الأوروبي الهادئ مع أنقرة لا علاقة له باتفاقية اللاجئين المشتركة مع أنقرة. فالسبب يتجلى في أن تباين المواقف أقدم وأعمق من هذا الاتفاق".
بعد محاولة الانقلاب - أردوغان يتعهد بقيام تركيا جديدة
بعد نحو ثلاث أسابيع من محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا ومظاهرات يومية في نحو ثمانين مدينة تركية، لا تزال الحكومة التركية تواصل حملة التطهير التي أطلقتها وطالت عدة قطاعات حكومية. أردوغان نفسه تعهد بقيام تركيا جديدة.
صورة من: DW/D. Cupolo
خلال محاولة الانقلاب الفاشلة التي شهدتها تركيا منتصف الشهر الماضي دعا الرئيس رجب طيب أردوغان أنصاره إلى النزول إلى الشوارع للمساعدة على إفشال مخطط بعض العسكر الإطاحة بحزب العدالة والتنمية من الحكم. ويعود الفضل الكبير في ذلك إلى أنصاره الذين ملوؤا الشوارع في مختلف أنحاء البلاد. ومذاك الحين وهو يدعوهم للخروج في مظاهرات ليلية "من أجل السهر على الديمقراطية".
صورة من: DW/D. Cupolo
آخر المظاهرات شارك فيها مليونا متظاهر في إسطنبول ونحو عشرة آلاف آخرين في أنقرة. وقد نظمت في نحو ثمانين مدينة مظاهرات مؤيدة لحزب الرئيس أردوغان، حزب العدالة والتنمية الذي نجح في الإفلات من محاولة الانقلاب العسكري. أنصار أردوغان اعتبروا ذلك نصرا على الانقلابات التي شهدتها البلاد وكذلك على الدستور العلماني.
صورة من: DW/D. Cupolo
وفي إسطنبول تعهد أردوغان أمام المتظاهرين بـ "إعادة بناء تركيا من الأساس" ناشرا بذلك مشاعر التفاؤل لدى أنصاره. لاله أليجي (ليست في الصورة)، التي شاركت في جميع المظاهرات المؤيدة لأردوغان منذ محاولة الانقلاب الفاشلة، تقول: "عندما تنتهي عملية التطهير، فإن تركيا ستدفع بعجلة التنمية سريعا إلى الأمام لأن أولئك الذين انخرطوا في الحكومة لن يشكلوا بعد ذلك عبئا على بلادنا".
صورة من: DW/D. Cupolo
آتالاي (ليس في الصورة) هو مصمم هندسة داخلية، رفض إعطاء اسمه بالكامل ولكنه أكد أنه يدعم أردوغان لأن الأخير سيقود تركيا إلى الساحة العالمية. "أردوغان بصدد إعلام العالم بأننا نحن هنا وأننا سنصبح قوة كبيرة"، على حد تعبيره. "حتى إن لم تحب ذلك، فعليك أن تقبل به. العالم أكبر من (مجموعة الدول السبع)."
صورة من: DW/D. Cupolo
وعلى الرغم من أن العديد من المشاركين في مظاهرات الأحد أكدوا أنهم يدافعون عن الديمقراطية، إلا أن المعارضين لاحظوا أن ثالث أكبر حزب سياسي، وهو حزب الشعوب الديمقراطي الموالي للأكراد منع من المشاركة فيها. "بما أني كردية، فلا يمكنني الذهاب إلى هذه المظاهرات لأنني لن أشعر بالأمان"، هذا ما تقوله حواء أوزكان (ليست في الصورة)، إحدى رؤساء منظمة توهاد-فيد المدافعة عن حقوق السجناء. "ليس الكل مرحب بهم."
صورة من: DW/D. Cupolo
تقول أوزكان إن الحكومة تدعم كليا هذه المظاهرات، فيما تحظر بشكل واسع المظاهرات الاحتجاجية الأخرى. وتشير إلى أن المشاركين حصلوا على الماء والغذاء مجانا، كما أنه كان بإمكانهم استخدام كل وسائل النقل في أنقرة وإسطنبول مجانا خلال الأسابيع الثلاثة الماضية بهدف تحفيز الناس على المشاركة في المظاهرات الداعمة لأردوغان. "نحن بصدد معايشة اشتراكية مؤقتة في تركيا"، على حد تعبير أوزكان.
صورة من: DW/D. Cupolo
وفيما كانت الحكومة تفرض حظرا على مواقع التواصل الاجتماعي في حالات الطوارئ، لعبت هذه المواقع دورا مهما خلال محاولة الانقلاب الفاشلة، حيث استخدم أردوغان نفسه موقع فيس تايم للتواصل مع أنصاره ودعوتهم إلى النزول إلى الشوارع لإفشال مخطط الانقلابيين. أما المعارضة فتقول إن الحكومة تسمح باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي فقط عندما تعود عليها بالنفع.
صورة من: DW/D. Cupolo
من جهة أخرى يشكو أصحاب المطاعم والمقاهي في قلب مدينة أنقرة من تراجع عدد الزبائن منذ انطلاق المظاهرات المؤيدة لأردوغان. وفي سياق متصل يقول جان، وهو صاحب مقهى رفض الإفصاح عن اسمه كاملا، إن "هذه المظاهرات مؤشر على أن الأمور ستسوء قريبا."
صورة من: DW/D. Cupolo
يرى البعض أن هذه المظاهرات بالنسبة لحزب العدالة والتنمية الحاكم طريقة لتقوية قاعدته الشعبية، على حد تعبير محمد، وهو لاجئ سوري. ويقول – شريطة عدم الكشف عن هويته - بأنه كان شاهد عيان على الانقلاب الذي حصل في مصر وأن هذه المظاهرات هي عبارة عن "تدريب لأنصار أردوغان" وأنه "سيدعوهم قريبا للتظاهر ضد الحركات التي لا يحبها."
صورة من: DW/D. Cupolo
قامت الحكومة التركية بتغيير أسماء مناطق شهيرة انطلاقا من ساحة كيزيلاي وصولا إلى جسر البوسفور في إسطنبول تكريما لضحايا محاولة الانقلاب الفاشلة. وأصبح اليوم يتعين على المسافرين من الجزء الأوروبي لإسطنبول إلى القسم الآسيوي المرور عبر ساحة "شهداء جسر الـ 15 من يوليو".