صدع بين ضفتي الأطلسي .. برلين تبحث عن "طريق أوروبي مستقل"
١٨ فبراير ٢٠٢٥
في عهد الرئيس دونالد ترامب تبتعد الولايات المتحدة عن أوروبا، وترسم سياستها تجاه أوكرانيا بعيدا عن الأوروبيين ودون أخذ موقفهم بعين الاعتبار. لكن بعد الصدمة يريد الأوروبيون التركيز والاعتماد على أنفسهم.
صورة من: Guido Bergmann/Bundesregierung/dpa/picture alliance
إعلان
شهدت العلاقات عبر الأطلسي توترا شديدا وهزة قوية منذ نهاية الأسبوع الماضي. وعبر عن ذلك كريستوف هويسغن، رئيس مؤتمر ميونيخ للأمن، بعد الكلمة التي ألقاها نائب الرئيس الأمريكي جي.دي. فانس، بقوله إن هناك مخاوف "من أن قاعدة القيم المشتركة، لم تعد مشتركة بعد الآن". ووصف هويسغن المؤتمر بأنه "كابوس أوروبي".
ليس خطاب فانس هو الوحيد الذي أثار غضب السياسيين الألمان، وإنما أمور أخرى أيضا. حيث اتهم أوروبا بتراجع الديمقراطية فيها ودعا الأحزاب الألمانية بشكل غير مباشر إلى التعاون مع حزب البديل من أجل ألمانيا (AfD) اليميني المتطرف جزئيا. ورسالة فانس هي أنه ستكون هناك حماية عسكرية أمريكية إذا كان الأوروبيون على نفس الخط السياسي مع الإدارة الجديدة في واشنطن.
فانس يلتقي رئيسة حزب البديل ولا يلتقي المستشار!
ورد المستشار أولاف شولتس على خطاب فانس، الذي كان قد غادر المؤتمر، بالقول "لن نقبل تدخل الغرباء في ديمقراطيتنا وفي انتخاباتنا.. نحن وحدنا نقرر الاتجاه الذي ستتخذه ديمقراطيتنا. نحن ولا أحد آخر". وأضاف "هذا غير لائق وخصوصاً بين الأصدقاء والحلفاء".
استعادة أوكرانيا لأراضيها وعضوية حلف الناتو كان أساس الدعم الألماني لأوكرانيا في حربها ضد روسياصورة من: Sven Hoppe/dpa/AP/picture alliance
بدوره قال فريدريش ميرتس، مرشح الاتحاد المسيحي لمنصب المستشار، في مقابلة مع DW: "سوف نرى في مؤتمر الأمن هذا نقطة تحول كبرى بعد بضع سنوات". وبحسب كافة استطلاعات الرأي، لدى ميرتس أفضل الفرص ليصبح المستشار المقبل بعد الانتخابات المقررة في 23 فبراير/شباط. وأضاف ميرتس "أن الضمانات الأمنية الأمريكية أصبحت موضع تساؤل، والمؤسسات الديمقراطية أصبحت موضع تساؤل لدى الأمريكيين". كما رفض ميرتس أيضا التدخل في انتخابات ألمانيا.
حتى حضور نائب الرئيس الأمريكي للمؤتمر من الناحية البروتوكولية كان مستفزا، فصحيح أنه التقى زعيم المعارضة الألمانية ميرتس، لكنه لم يلتق بالمستشار أولاف شولتس! أما لقاؤه مع زعيمة حزب البديل من أجل ألمانيا، أليس فايدل، فكان إهانة خاصة لشولتس وميرتس. علما أن حزب البديل لم تتم دعوته إلى مؤتمر ميونيخ للأمن لأسباب سياسية، وكلاهما شولتس وميرتس يرفضان بشكل قاطع أي تعاون مع حزب البديل.
إعلان
مفاوضات حول أوكرانيا بدون أوكرانيا!
استفزاز آخر للإدارة الأمريكية هو تعاملها مع ملف حرب أوكرانيا. حيث اتضح في الأثناء أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يريد أن يتفق بمفرده مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على السلام في أوكرانيا. ولن يشارك الأوروبيون في المحادثات الأمريكية الروسية التي بدأت في الرياض. وقال المستشار أولاف شولتس "يجب أن نطالب بذلك، لأنه لن ينجح الأمر بدوننا".
بدأت الولايات المتحدة المباحثات مع روسيا في السعودية بدون حضور أوكرانيا وحلفائها الأوروبيينصورة من: Artyom Popov/TASS/dpa/picture alliance
لكن يبدو أن الأمريكيين ينظرون إلى الأمر بشكل مختلف، فالجنرال كيث كيلوغ، مبعوث ترامب الخاص لروسيا وأوكرانيا، أوضح في مقابلة مع DW على هامش مؤتمر ميونيخ للأمن، بأنه لن يكون هناك مقعد للأوربيين على طاولة المفاوضات وأنهم لا يستطيعون سوى تقديم "مساهمة" محددة. ويعني بذلك إرسال قوات سلام إلى أوكرانيا، لن تشارك فيها الولايات المتحدة.
يبدو أن أوكرانيا أيضا خارج المعادلة، ليس هذا فقط. بل إن كل ما ناضل من أجله الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلنسكي، منذ بداية الحرب وما قاتل من أجله الجيش الأوكراني، قد تجاهلته الإدارة الأمريكية. حيث أوضح وزير الدفاع الأمريكي، بيت هيغسيث أن أوكرانيا لن تستعيد كل أراضيها التي فقدتها ولا حدودها السابقة ولن تصبح عضوا في حلف الناتو. علما أن كلا الأمرين: وحدة الأراضي الأوكرانية وعضوية الناتو كانت دائما أساس الدعم الألماني لأوكرانيا في حربها ضد روسيا.
وعلاوة على ذلك، تأتي التهديدات الإمبريالية من ترامب لحلفاء بلاده في الناتو: فهو يريد أن يجعل من كندا الولاية الأمريكية الحادية والخمسين، وأن يشتري جزيرة غرينلاند من الدنمارك أو أنه سيحصل على الجزيرة عنوة من خلال الضغوط العسكرية أو الاقتصادية ويضمها للولايات المتحدة. هذا أيضا انتقده المستشار أولاف شولتس بشدة. وأخيرا فرض الرسوم الجمركية على المنتجات الأوروبية، سيؤثر بشكل كبير على ألمانيا التي يعتمد اقتصادها على التصدير.
هل يرضخ الأوروبيون لخطط ترامب حول أوكرانيا؟
02:11
This browser does not support the video element.
ميرتس: على أوروبا أن تستيقظ
كل هذا يعني: أن ترامب ورجاله قد وجهوا الضربة تلو الأخرى للأوروبيين خلال أسابيع قليلة. لكن ماذا يعني هذا للعلاقات عبر الأطلسي؟ مبعوث ترامب إلى روسيا وأوكرانيا، كيث كيلوغ، حاول خلال مشاركته في برنامج حواري لـ DW توضيح الموقف الأمريكي بقوله "نحن نقول أمريكا أولا، ولكن لم نقل أبدا أمريكا وحدها. لم نقل أبدا أننا نقود سياسة انعزالية". ترامب أيضا قال بوضوح "حين تقاتل أمة من أجل سيادتها، فإننا سنقف إلى جانبها".
لكن في برلين وعواصم أخرى، بدأ الأوروبيون يدركون أنهم يجب أن يعتمدوا على أنفسهم أكثر في المستقبل، وقد أشار إلى ذلك المستشار شولتس قبل مشاركته في لقاء لقادة أوربيين في باريس يوم الاثنين (17 شباط/ فبراير) بقوله "يجب أن نضمن أن أوروبا ستواجه التحديات مستقبلا بطريقة قوية وسيادية".
وبدوره قال خليفة شولتس المحتمل فريدريش ميرتس في وقت سابق، إنه إذا أصبح مستشارا سيحول ألمانيا من "قوة متوسطة نائمة " إلى "قوة متوسطة رائدة". والآن يرى أنه مصيب، وقال في حوار مع DW "يجب أن نقوم بهذا الدور، بالتعاون مع الآخرين، مع فرنسا مع بولندا. أوروبا تنتظر من ألمانيا القيادة، وخاصة في وضع مثل هذا، حيث تنسحب أمريكا تدريجيا، وربما تنسحب كليا، والآن هو الوقت المناسب. على أوروبا أن تستيقظ وتتولى بنفسها مسؤولية أمنها".
أعده للعربية: عارف جابو
لقطات ووجوه تحت الأضواء من ميونيخ ومؤتمر الأمن العالمي
فيما تُوجه الأنظار في العالم لمؤتمر ميونيخ للأمن الذي يبحث قضايا وأزمات ساخنة، يهتم زوار المدينة وسكانها بأمور أخرى. وثمة فئة من السكان والتجار تتأثر حياتهم اليومية بسبب الإجراءات الأمنية المشددة.
صورة من: Matthias Schrader/AP/picture alliance
"مرحبا في بافاريا" .. قطعة حلوى ترحيبية بنائبة الرئيس الأمريكي كمالا هاريس
"مرحبا في بافاريا" كتبت على قطعة حلوى تقليدية بولاية بافاريا قدمها رئيس حكومة ولاية بافاريا ماركوس زودر ترحيبا بنائبة الرئيس الأمريكي كمالا هاريس لدى وصولها إلى ميونيخ للمشاركة مؤتمر الأمن. الهدية كما تظهر الصورة أثارت إعجاب ومفاجأة كمالا هاريس. 2024.02.15
صورة من: Matthias Schrader/AP/picture alliance
كمالا هاريس ترأست الوفد الأمريكي وكان الأكبر في مؤتمر الأمن
كمالا هاريس نائبة الرئيس الأمريكي ترأست وفد بلادها وكان الأكبر في مؤتمر الأمن بميونيخ، تعتبر من أكثر الشخصيات التي سُلطت عليها الكاميرات والأضواء سواء خلال خطابها في اليوم الأول للمؤتمر أو خلال تنقلاتها بين قاعات المؤتمر وأروقة فندق بايرشه هوف الذي يحتضن المؤتمر. الإجراءات الأمنية المشددة أيضا كانت تحيط كل تحركاتها.
صورة من: Matthias Schrader/AP Photo/picture alliance
فندق بايرشه هوف التاريخي في قلب مدينة ميونيخ
يحتضن فندق بايرشه هوف التاريخي في ميدان برومناده بلاتس Promenadeplatz في قلب المدينة القديمة بميونيخ سنويا مؤتمر الأمن العالمي. يعتبر الفندق من أشهر الفنادق في ألمانيا، وهو مصمم بالطراز التقليدي للمعمار وتتوزع أجنحته بطريقة توفر فضاءات فسيحة ولكن في نفس الوقت تتفرع إلى أجنحة مغلقة للقاءات السياسيين والشخصيات الكبيرة التي يستقبلها بشكل مستمر.
صورة من: Sven Hoppe/dpa/picture alliance
نقطة إلتقاء يفضلها عدد من الشخصيات المشاركة في مؤنمر ميونيخ
يوجد هذا المقهى بالطابق الأول في فندق بايرشه هوف، وهو عبارة عن نقطة التقاء يفضلها عدد من الشخصيات المشاركة في مؤتمر ميونيخ لعقد اتصالات ولقاءات جانبية تتم فيها أحيانا اتفاقات أو تسويات مهمة.
صورة من: Moncef Slimi/DW
أنا لينا بيربوك وزيرة خارجية ألمانيا في حوار ودي مع نظيرها الهندي
أنا لينا بيربوك وزيرة خارجية ألمانيا في حوار ودي مع نظيرها الهندي سيبراهمانيام جايشانكار. بالإضافة إلى مشاركاتها المخططة ضمن جلسات مؤتمر ميونيخ، تعتبر بيربوك من أكثر الشخصيات التي تعقد لقاءات على هامش المؤتمر، الذي تشارك فيه وفود من 180 دولة ضمنهم أكثر من 60 وزير خارجية و50 من رؤساء دول وحكومات.
صورة من: Thomas Trutschel/photothek.de/Auswärtiges Amt/picture alliance
رسالة بارينبويم - سعيد الموسيقية للإسرائيليين والفلسطينيين
فرقة موسيقية من أكاديمية بارينبويم-سعيد الموسيقية بألمانيا، قدمت عرضا أمام المشاركين في مؤتمر الأمن. الأكاديمية التي يدرس بها طلاب إسرائيليون وفلسطينيون، وجهت من خلال عرضها الموسيقي في ميونيخ رسالة سلام إلى الشرق الأوسط في فترة عصيبة وحرب دامية في غزة بين إسرائيل وحماس. 2024.02.16
صورة من: dts-Agentur/picture alliance
زوجه المعارض الروسي أليكسي نافالني الذي توفي في السجن
تلقت زوجة أليكسي نافالني تعازي رؤساء عدد كبير من الوفود المشاركة في مؤتمر ميونيخ. يوليا نافالنايه ألقت في المؤتمر كلمة مؤثرة وأكدت أن وفاة زوجها في سجن روسي يقتضي ضرورة "معاقبة" الرئيس الروسي فلاديمير بوتين و"محاسبته شخصيًا على الفظائع" التي ارتكبت بحق المعارض الروسي. 2024.02.16
صورة من: Kai Pfaffenbach/AFP/Getty Images
"بوتين هو القاتل" ـ شعار رفعه متظاهرون في ميونيخ
أمام القنصلية الروسية في ميونيخ، تجمع مئات من النشطاء للتعبير عن حزنهم لوفاة المعارض الروسي إليكسي نافالني في سجنه في روسيا. ورفعوا لافتات "بوتين هو القاتل". وأمام مؤتمر ميونيخ قالت زوجته يوليا نافالنايا "أودّ أن يعلم بوتين وجميع موظفيه (...) أنهم سيُعاقبون على ما فعلوه ببلدنا وبعائلتي وبزوجي". 2024.02.16
صورة من: Peter Kneffel/dpa/picture alliance
أية الله علي خامنائي في مجسم يحمل قنبلة نووية
نظم نشطاء إيرانيون معارضون في تظاهرة على مقربة من مقر مؤتمر ميونيخ للأمن، رفعوا خلالها شعارات تندد بالقمع في إيران وخطورة حيازة نظام الملالي على سلاح نووي. المتظاهرون حملوا مجسما للمرشد الأعلى الإيراني أية الله علي خامنائي وبين ذراعيه قنبلة نووية. 16.02.2024
صورة من: Sven Hoppe/dpa/picture alliance
تنتشر الحواجز الأمنية في كافة الشوارع والأزقة التي تحيط بمقر مؤتمر ميونيخ للأمن
تنتشر الحواجز الأمنية في كافة الشوارع والأزقة التي تحيط أو توصل إلى فندق بايرشه هوف مقر مؤتمر ميونيخ للأمن. وتشمل إجراءات الإغلاق المحلات التجارية. كما تزدحم حركة المرور أو تتوقف أحيانا بسبب الإجراءات الأمنية وخصوصا عند مرور قوافل كبار الوفود والتي يتألف بعضها أحيانا من أكثر من عشرين سيارة. وحسب بيانات شرطة ميونيخ يشارك حوالي خمسة آلاف شرطي في تأمين المؤتمر. 2024.02.16
صورة من: Matthias Schrader/AP/picture alliance
أصحاب السيارات ومحاذير الوقوف في مناطق محظورة
إحدى أسباب المزاج السيء بموازاة مؤتمر ميونيخ أولئك الذين تتأثر حياتهم اليومية بالإجراءات الأمنية الخاصة بالمؤتمر. بحسب تقرير لشركة ميونيخ هناك حوالي 150 من أصحاب السيارات كل عام يتركون سياراتهم في إحدى المناطق المحظورة والتي تم تحديدها قبل أيام من المؤتمر بـ 1000 إشارة حظر لوقوف السيارات.
صورة من: Sven Hoppe/dpa/picture alliance
محل تسويق بايرن ميونيخ تأثر أيضا
محل تسويق بايرن ميونيخ تأثر أيضا بمناطق حظر التجول القريبة من فندق بايرشه هوف مقر مؤتمر الأمن. الفريق البافاري بدوره يمر هذه الأيام بحالة غير جيدة بعد سلسلة هزائم سواء في سباقه مع متصدر بوندسليغا باير ليفركوزن أو على مستوى بطولة الأندية الأوروبية.
صورة من: Moncef Slimi/DW
السياح وزوار مدينة ميونيخ لا يكترثون كثيرا بمؤتمر الأمن
السياح وزوار مدينة ميونيخ لا يكترثون كثيرا بمؤتمر الأمن، وهذا العام تزامن انعقاد دورته 60 مع أحوال طقس دافئة نسبيا، وهذا جعل سكان المدينة وزوارها يغتنمون الفرصة للتجول والتسوق في مثل هذا الشارع الذي يربط بين ساحتي كارلس بلاتس وماريان بلاتس الشهيرتين في وسط عاصمة بافاريا.
صورة من: Moncef Slimi/DW
مقاهي جميلة في الأزقة المجاورة لكنيسة فراون كيرشه Frauenkirche في ميونيخ
هنا مقاهي جميلة في الأزقة المجاورة لكنيسة "السيدة العذراء" (فراونكيرشه Frauenkirche) الشهيرة في ميونيخ، يفضلها كثيرون من أجل التقاط الأنفاس بعد جولة في المدينة، لاحتساء القهوة أو الشاي أو شراب بارد.
إعداد منصف السليمي - ميونيخ