قامت وزيرة الخارجية الألمانية بجولة شملت إسرائيل ودولا عربية، كما مثلت بلادها في قمة القاهرة. وشاركت أيضا في جلسة لمجلس الأمن مخصصة للصراع بين إسرائيل وحماس. رغم ذلك يتحدث مراقبون عن "محدودية" الدور الألماني. فما السبب؟
إعلان
في مدة زمنية لم تتجاوز ثلاث أيام أجرت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك محادثات مكثفة في الأردن وإسرائيل ولبنان ومصر. وبعدها شاركت الثلاثاء (24 أكتوبر/ تشرين الأول) في جلسة لمجلس الأمن الدولي بنيويورك مخصصة لبحث الصراع في الشرق الأوسط.
وتمحورت مباحثات بيربوك مع نظرائها والمسؤولين الذين التقت بهم، في كل المحطات التي تواجدت فيها، حول الحيلولة دون اتساع نطاق الصراع والمساعدة في تخفيف الكارثة الإنسانية في قطاع غزة.
وفي نيويورك قالت رئيسة الدبلوماسية الألمانية إن هناك حاجة في الحرب بين إسرائيل وحماس إلى فتح "نوافذ إنسانية" مشيرة إلى أنه
اتضح في الأيام الماضية "الأهمية الشديدة لإتاحة فترات راحة إنسانية لتوفير رعاية إنسانية".
ورأت السياسية المنتمية إلى حزب الخضر أن شحنات المساعدات التي تم تقديمها إلى غزة حتى الآن على متن بضع عشرات من الشاحنات، لم تكن كافية، وقالت إنه يجب بالدرجة الأولى ضمان الإمداد بمياه الشرب لسكان القطاع الذين يتجاوز عددهم 2 مليون نسمة.
"قمة القاهرة للسلام"
وكانت بيربوك وخلال مشاركتها في "قمة القاهرة للسلام" تحدثت عن ما يعانيه الكثيرون من الشرق الأوسط، مضيفة "في جميع أنحاء المنطقة، نرى حزنا وخوفا إنسانيا رهيبا".
وأشارت الوزيرة بأصابع الاتهامات إلى ما اعتبرته الحكومة الألمانية مصدرا لهذه المعاناة الكبيرة، قائلة: "حماس المسؤولة عن جلب الرعب المروع إلى إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول حيث ارتكبت جرائم فظيعة".
وقالت بيربوك إن الأولوية على المدى القصير سوف تتمثل في تخفيف المعاناة الإنسانية في قطاع غزة، مشيرة إلى أن بلادها قامت بزيادة مساعداتها الإنسانية للقطاع بنحو 50 مليون يورو (53.1 مليون دولار).
بيربوك وسعت دائرة اتصالاتها لتشمل فيليب لازاريني، المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين التابعة للأمم المتحدة (الأونروا)، إذ تحدثت معه عن أحدث مستجدات الوضع الإنساني المتدهور في غزة.
وكانت الوكالة قد ذكرت أن أكثر من 400 ألف نازح داخليا يعيشون حاليا في ملاجئها، فيما أفادت وزارة الصحة في قطاع غزة بمقتل أكثر من 5000 شخص خلال 16 يوما من الغارات على القطاع غزة.
وفي بيان، حذر لازاريني من أن الوقود المخصص لمنشآت الأونروا سينفد خلال أيام مما يعني أن الغزاويين الذين لجؤوا إلى ملاجئ الوكالة لن يجدوا الماء.
دور ألمانيا؟
بدوره، قال بيتر لينتل، الباحث في معهد دراسات الشؤون الأمنية والدولية في برلين، إن ألمانيا يمكنها أن تلعب دورا في الوساطة، لكنه أشار إلى هذا الدور سيكون "محدودا".
وأضاف أن ألمانيا يمكنها لعب "دورا يدعم مفاوضات إطلاق سراح الرهائن"، مشيرا إلى أنّ برلين لا يمكنها على الأرجح تقديم الكثير من الدعم بسبب "عدم وجود اتصال بين ألمانيا وحماس".
لكنه قال إن ألمانيا ربما ستكون قادرة على المساعدة في تنظيم المساعدات الإنسانية لقطاع غزة، مضيفا "سوف تقبل إسرائيل ذلك لأن الحكومة الأمريكية تطالب بتقديم المساعدات".
وسلط الباحث الضوء على إشكالية تتمثل في شكوك تساور بعض الحكومات العربية بشأن ما تؤكد عليه برلين من أن دبلوماسيتها "موجهة بالقيم"، مضيفا إن هذا الأمر بات جليا في الحوادث التي أحاطت بتنظيم مونديال كأس العالم في قطر أواخر العام الماضي.
وقال لينتل إن الكثيرين في العديد من الدول العربية "يراقبون هذه السياسات بتحفظ. يُضاف إلى ذلك تأكيد العواصم الغربية، بما فيها برلين، على أن إدانة حماس والاعتراف بحق إسرائيل في الدفاع عن النفس كشرطا قبل إجراء أي مفاوضات."
وقد لمست الوزيرة الألمانية هذا التحفظ خلال زيارتها الأردن حيث ذكرت تقارير أن تصريحاتها بأن إسرائيل وقعت ضحية "لهجمات إرهابية مصدرها غزة" وتأكيدها على حق إسرائيل في الدفاع عن النفس، قوبلت بحذر في عمان.
وقال لينتل إن الشكوك حول دوافع ألمانيا ملموسة على نطاق واسع في المنطقة، لكن في الوقت نفسه، "ثمة استعداد عملي للتعاون طالما كان ذلك ممكنا".
التضامن مع الفلسطينيين
يشار إلى أن جولة بيربوك في المنطقة تزامنت مع العديد من مسيرات التضامن في عدد من دول العالم إذ خرج الآلاف عقب صلاة الجمعة إلى شوارع القاهرة وعمان وبيروت وبغداد للتأكيد على دعم سكان غزة والتضامن مع الفلسطينيين.
ومنذ هجوم السابع من أكتوبر / تشرين الأول، شهدت الضفة الغربية المحتلة ارتفاعا في حدة العنف حيث قُتل أكثر من 90 فلسطينيا معظمهم على يد القوات الإسرائيلية والمستوطنين، حسبما ذكرت لوزارة الصحة الفلسطينية ومنظمات حقوقية.
وفي مقابلة مع DW، قال سيمون فولفغانغ فوكس، الأستاذ المشارك في قسم الدراسات الإسلامية والشرق أوسطية بالجامعة العبرية في القدس، إن قرارات العديد من الحكومات العربية تأثرت بالانطباع القائل بأن الدول الغربية تقف إلى جانب إسرائيل دون قيد أو شرط.
وأضاف أن السياسيين الذين يعملون بشكل وثيق مع الدول الغربية "يتعرضون في الوقت الراهن إلى ضغوط كبيرة".
من جانبه، قال لينتل إن هدف إسرائيل يتمثل في إنهاء حكم حركة حماس، التي أدرجها الاتحاد الأوروبي وألمانيا والولايات المتحدة وحكومات أخرى على قائمة الإرهاب، مشيرا إلى أن "أي وساطة ستتعارض مع هذا الهدف".
كرستين كنيب / م. ع
معبر رفح.. تحديات كبيرة تواجه شريان الحياة الوحيد لسكان غزة
الوضع الإنساني في غزة كارثي حسب تأكيدات منظمات مستقلة. المساعدات الإنسانية بدأت بالتدفق أخيراً عبر معبر رفح، لكن حجمها يبقى "ضعيفا" بسبب الحاجيات الكبيرة، خاصة مع خروج عدة مستشفيات عن الخدمة وارتفاع حصيلة القتلى والجرحى.
صورة من: Mahmoud Khaled/Getty Images
بدء تدفق المساعدات لقطاع محاصر
عشرات الشاحنات، المحملة بالمساعدات الإنسانية، دخلت إلى غزة عبر معبر رفح قادمة من مصر. الشاحنات محملة بالأدوية والمستلزمات الطبية وكميات من الأغذية. الأمم المتحدة تقول إن 100 شاحنة على الأقل يجب أن تدخل غزة بشكل يومي لتغطية الاحتياجات الطارئة، وسط تأكيدات أن ما دخل بعد فتح المعبر يبقى قليلاً للغاية، بينما تؤكد مصادر مصرية وجود العشرات من الشاحنات التي تنتظر دورها للعبور.
صورة من: Mahmoud Khaled/Getty Images
شريان الحياة الوحيد في زمن الحرب
معبر رفح هو المعبر الرئيسي لدخول غزة والخروج منها في الفترة الحالية، بعد فرض إسرائيل "حصاراً مطبقاً" على القطاع، وقطع الكهرباء والماء والتوقف عن تزويده بالغذاء والوقود، في ظل الحرب الدائرة مع حركة حماس. لا تسيطر إسرائيل على المعبر لكنه توقف عن العمل جراء القصف على الجانب الفلسطيني منه. وبتنسيق أمريكي، تم الاتفاق على إعادة فتح المعبر لدخول المساعدات، بشروط إسرائيلية منها تفتيش المساعدات.
صورة من: Ahmed Gomaa/Xinhua/IMAGO
"ليست مجرد شاحنات"
الخلافات على تفتيش الشاحنات أخذت وقتاً كبيرا، ما أثر على وصول سريع للمساعدات. الأمم المتحدة أكدت أن العمل جارِ لتطوير نظام تفتيش "مبسط" يمكن من خلاله لإسرائيل فحص الشحنات بسرعة. أنطونيو غوتيريش صرح من أمام معبر رفح: "هذه ليست مجرد شاحنات، إنها شريان حياة، وهي تمثل الفارق بين الحياة والموت لكثير من الناس في غزة"، واصفاً تأخر دخول المساعدات (لم تبدأ إلّا بعد أسبوعين على بدء الصراع) بـ"المفجع".
صورة من: Ahmed Gomaa/Xinhua/IMAGO
إجراءات مشددة منذ زمن
تشدد مصر بدورها القيود على معبر رفح منذ مدة، ويحتاج المسافرون عبره إلى تصريح أمني والخضوع لعمليات تفتيش مطولة ولا يوجد انتقال للأشخاص على نطاق واسع، خصوصاً في فترات التصعيد داخل غزة. دعت القاهرة مؤخراً جميع الراغبين في تقديم المساعدات إلى إيصالها إلى مطار العريش الدولي، لكنها رفضت "تهجير" الفلسطينيين إلى أراضيها ودخولهم عبر معبر رفح، واقترحت صحراء النقب.
صورة من: Majdi Fathi/apaimages/IMAGO
توافق أمريكي - إسرائيلي على معبر رفح
بعد أيام على الحرب، توافق جو بايدن وبنيامين نتانياهو على استمرار التدفق للمساعدات إلى غزة . بايدن قال إن "المساعدات الإنسانية حاجة ملحة وعاجلة ينبغي إيصالها"، وصرح مكتب نتياهو أن "المساعدات لن تدخل من إسرائيل إلى غزة دون عودة الرهائن"، لكنها "لن تمنع دخول المساعدات من مصر" بتوافق أمريكي - إسرائيلي على عدم استفادة حماس منها، التي يصنفها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى كحركة إرهابية.
صورة من: Evelyn Hockstein/REUTERS
غزة بحاجة إلى وقود
رفضت إسرائيل أن تشمل المساعدات الوقود، وهو ما انتقدته وزارة الصحة التابعة لحماس في غزة، قائلة إن القرار "سيُبقي أرواح المرضى والمصابين في غزة في خطر". وكالة الأونروا أكدت أن الوقود المتوفر لديها في القطاع غزة "سينفد قريباً، ودونه لن يكون هناك ماء ولا مستشفيات ولا مخابز ولا وصول للمساعدات". لكن مدير إعلام معبر رفح البري قال إن ستة صهاريج وقود دخلت يوم الأحد (22 تشرين الأول/ أكتوبر).
صورة من: Said Khatib/AFP
دعم أوروبي لإسرائيل مع ضمان المساعدات لغزة
بعد جدل حول تجميدها للمساعدات، ضاعفت المفوضية الأوروبية مساعداتها الإنسانية لغزة ثلاث مرات لتصل إلى أكثر من 75 مليون يورو، مع "تأييدها حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها ضد إرهابيي حماس". الاتحاد الأوروبي أكد أنه يدرس فرض "هدنة إنسانية للسماح بتوزيع المساعدات". ألمانيا علقت المساعدات التنموية للفلسطينيين لكنها أبقت على الإنسانية منها، وأولاف شولتس رحب ببدء إرسال المساعدات، قائلا: "لن نتركهم وحدهم".
صورة من: FREDERICK FLORIN/AFP
مطالب عربية بوقف إطلاق النار
ربطت عدة دول عربية بين دخول المساعدات وبين وقف إطلاق النار. وأعلنت دول الخليج دعماً فورياً لقطاع غزة بقيمة 100 مليون دولار، فضلاًَ عن مبادرات منفردة لعدة دول في المنطقة. الدول العربية التي شاركت في "قمة القاهرة للسلام" دعمت بيان مصر، الذي دعا إلى "وقف الحرب الدائرة التى راح ضحيتها الآلاف من المدنيين الأبرياء على الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي".
صورة من: Khaled Desouki/AFP/Getty Images
"عدم التخلي عن المدنيين الفلسطينيين"
وزيرة التنمية الألمانية سفنيا شولتسه بعثت بخطاب إلى كتل أحزاب الائتلاف الحاكم قالت فيه إن احتياجات ومعاناة الناس في غزة وفي أماكن أخرى يمكن أن تزداد. وأدانت هجوم حماس ووصفته بأنه هجوم وحشي وغادر. وقالت :" نحن لا نواجه حركات نزوح كبيرة ووضع إمدادات منهارا وحسب بل إننا نواجه أيضا أعمالا حربية نشطة وكان من بينها التدمير الأخير للمستشفى الأهلي في غزة الذي كانت تشارك وزارة التنمية الألمانية في دعمه".
صورة من: Leon Kuegeler/photothek.de/picture alliance
ضريبة إنسانية باهظة للحرب
بدأت الحرب بهجوم دموي لحماس في السابع من أكتوبر، خلّف مقتل أكثر من 1400 إسرائيلي أغلبهم من المدنيين، فضلاً عن اختطاف أكثر من مئتين. ردت إسرائيل بقصف متواصل للقطاع، ما أوقع أكثر من خمسة آلاف قتيل وتدمير بنى تحتية وتضرّر 50 بالمئة من إجمالي الوحدات السكنية في القطاع، بينما نزح أكثر 1,4 مليون شخص داخل غزة حسب الأمم المتحدة، فضلا عن مقتل العشرات في الضفة الغربية وسط مخاوف من تمدد الصراع إقليمياً.
صورة من: YAHYA HASSOUNA/AFP/Getty Images
هجوم حماس الإرهابي
مشهد يبدو فيه رد فعل فلسطينيين أمام مركبة عسكرية إسرائيلية بعد أن هاجمها مسلحون تسللوا إلى مناطق في جنوب إسرائيل، ضمن هجوم إرهابي واسع نفذته حماس يوم 07.10.2023، وخلّف مقتل أكثر من 1400 إسرائيلي أغلبهم من المدنيين واختطاف أكثر من مائتين. ويذكر أن حركة حماس هي مجموعة مسلحة فلسطينية إسلاموية، تصنفها ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى على أنها منظمة إرهابية. إ.ع/ ع.خ / م.س.