صراع الإخوان على السلطة في مصر اختبار لمصداقيتهم
١٢ مايو ٢٠١٢ رغم أن جماعة الإخوان المسلمين لم تشارك منذ البداية في المظاهرات التي شهدها ميدان التحرير، للمطالبة بإسقاط نظام حسني مبارك، إلا أنها، ومنذ تأسيسها في عام 1928، كانت تقف دائما في صف المعارضة. ولم تكن تدخر جهدا في توجيه سهام النقد صوب قرارات أصحاب الحكم. وفي أول انتخابات برلمانية، جرت بعد سقوط نظام مبارك، حصل حزب الحرية والعدالة، الذي أسسته جماعة الاخوان المسلمين عام 2011، على 46 % من أصوات الناخبين. اعتبربعض المراقبين هذه الفوز مكافأة للجماعة، التي ظل نظام الحكم السابق يشدد الخناق عليها.
لكن يبدو في الوقت الحالي، وفي خضم الاستعدادات للانتخابات الرئاسية المصرية المزمع إجراؤها في 23 و24 مايو/ أيار الجاري، أن الإخوان المسلمين فقدوا كثيرا من الدعم الشعبي. وهذا ما تؤكده الخبيرة في الشؤون المصرية، أنَــته رانكو، من معهد GIGA لدراسات الشرق الأوسط في هامبورغ، التي ترى، أن "الإخوان المسلمين اتخذوا خلال الأشهر الماضية قرارات، خلفت انطباعا لدى بعض الأطراف السياسية الفاعلة، أن الجماعة تريد فقط تحقيق مصالحها الخاصة"، بالرغم من أن الإخوان المسلمين لا يدعون أي مناسبة تمر دون التأكيد على أن مساهمة الأحزاب الأخرى مهمة بالنسبة لحل المشاكل الآنية التي تمر بها البلاد.
عدم الوفاء بالوعود
وعندما بدأ النقاش حول انتخاب الجمعية التأسيسية التي ستضع دستور مصر الجديد، أكد الإخوان المسلمون أن الاسلاميين لن يهيمنوا على الجمعية التأسيسية. لكن البرلمان المصري، كان له اختيار نصف أعضاء الجمعية التأسيسية، التي يبلغ عدد أعضائها مائة عضو. وبذلك شكل الأعضاء المنتمون لحزب الحرية والعدالة، وحزب النور السلفي الأغلبية في الجمعية. ما دفع الأحزاب الليبرالية واليسارية إلى اتهام نظيرتها الإسلامية بعدم التصرف بديمقراطية، واعترض ناشطون وسياسيون على تشكيلها لدى المحكمة الإدارية العليا التي قضت بوقف تنفيذ قرار رئيس مجلس الشعب بتشكيل الجمعية التأسيسية.
وإضافة إلى ذلك، أعلن الإخوان المسلمون أكثر مرة أنهم لن يقدموا مرشحا للرئاسة، بل حتى أنهم استبعدوا عضو الجماعة عبد المنعم أبو الفتوح من صفوفهم، بعدما قرر ترشيح نفسه للانتخابات الرئاسية دون الرجوع إلى القيادة في أواخر عام 2011. لكنهم، قرروا بعد ذلك ترشيح خيرت الشاطر، نائب المرشد العام للجماعة ليخوض غمار الانتخابات الرئاسسية. وبعد منع الشاطر، وتسعة مرشحين آخرين بسبب عدم قانونية ترشيحهم، قرر الإخوان تقديم العضو المحافظ محمد مرسي إلى سباق الرئاسة. وترى الخبيرة السياسية المصرية، سالي خليفة إسحاق، في هذه الخطوة، "أن الإخوان المسلمين فقدوا مصداقيتهم بعدما أخلفوا وعدهم مرة أخرى"، وتتابع أن المصريين لا يعرفون ماذا سيصدقون بعد ذلك.
وظل الإخوان المسلمون لفترة طويلة القوة الإسلامية الوحيدة في المشهد السياسي المصري. لكن، ومع مرور الوقت صعدت أحزاب سياسية جديدة ذات مرجعية إسلامية، استطاعت أن تكسب الشعبية والنفوذ. وتقول الخبيرة في الشؤون المصرية أنّــته رانكو، إن هذه القوى الجديدة، أي "السلفيين، وبعض الإسلاميين المعتدلين الآخرين، متخوفون من سعي الإخوان المسلمين إلى احتكار الإسلام السياسي لأنفسهم". ولذلك تسود في الوقت الحالي منافسة شديدة بين القوى الإسلامية، ومن بين المظاهر التي تدل على ذلك، دعم مرشح الرئاسة عبد المنعم أبو الفتوح، العضو السابق في الإخوان المسلمين، من قبل السلفيين المحافظين لمنع تقدم محمد مرسي مرشح الرئاسة عن الإخوان. وترى رانكو، أن ذلك يدخل في إطار "التحالفات الإستراتيجية الجديدة للحد من نفوذ الإخوان المسلمين".
الصراع بين الإخوان والمجلس العسكري
يعتبر الصراع مع المجلس العسكري الحاكم بقيادة المشير محمد طنطاوي، السبب الرئيسي لتغيير الإخوان المسلمين مواقفهم السياسية. فكلما تقدم عدد كبير من المرشحين، الذين يسعون إلى سحب البساط من تحت اقدام العسكر، كلما زاد قلق الجنرالات على امتيازاتهم. وتعتبر الانتخابات الرئاسية المصرية مسألة مهمة بالنسبة للمجلس العسكري، إذ ستتحدد من خلالها مجموعة من المعطيات، من ضمنها المصالح الاقتصادية والامتيازات الخاصة للعسكر وتأثيرهم في السياسية المصرية مستقبلا، علاوة على إمكانية ملاحقة بعض الشخصيات العسكرية قضائياً. ولذلك، فمن مصلحة المجلس العسكري المصري، أن يفوز بالانتخابات الرئاسية القادمة رئيس مهادن.
ورغم أن الإخوان يشكلون، منذ الانتخابات البرلمانية السابقة، أكبر قوة سياسية في البلاد، إلا أن الحاكم الفعلي هو المجلس العسكري. الذي عبر رئيسه، المشير محمد طنطاوي، في أكثر من مناسبة أنه يسعى إلى تسليم السلطة وإعفاء الحكومة الحالية، لكنه لم يفعل ذلك لحد الآن. وترى رانكو، من معهد GIGA لدراسات الشرق الأوسط، أن الإخوان يفسرون ذلك "بأن المجلس العسكري يرغب في الحفاظ على امتيازاته السياسية والعسكرية حتى بعد الثورة في مصر الجديدة".
ويبدو، أن الإخوان المسلمين قد ساهموا في عزل أنفسهم في المعترك السياسي، من خلال صراعاتهم مع باقي الإسلاميين من جهة، ومع المجلس العسكري ومع الشعب من جهة أخرى. وترى الخبيرة السياسية سالي خليفة إسحاق، أنه لا أحد لديه يرضى بأن يحتكر الإخوان العملية السياسية في البلاد، رغم أن البعض يشك في أن تكون للإخوان رغبة في تحمل المسؤولية بمفردهم، بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية. وإذا كان الأمر عكس ذلك، فعليهم أن يظهروا لمؤيديهم، بأنه بمقدورهم حل مشاكل البلاد دون الحاجة إلى باقي الأطياف السياسية.
ديانا هودالي/ عادل الشروعات
مراجعة: عارف جابو