Zwei Welten
١٥ نوفمبر ٢٠٠٩خمسة ممثلون يقفون على خشبة المسرح ويقدمون مسرحية "عالمان"، ليرووا للجمهور من خلالها قصة الانقلاب الكبير الذي حدث في حي باد-غودسبيرغ الفخم. ذلك الحي الذي كان يسكنه سابقاً الدبلوماسيون وكبار الموظفين، وحيث المحلات والمطاعم الفخمة. وصحيح أن حي الفيلات مازال قائماً فيه ويسكنه أغنياء مدينة بون، لكن في الجانب الآخر من الحي نشأ عالم آخر مختلف تماماً. إنه عالم المهاجرين السوريين والمغاربة والجزائريين والروس والأتراك. في هذا الجزء من حي باد-غودسبيرغ ينتشر الحجاب والمطاعم والمقاهي ومحلات المواد الغذائية المختلفة عن باقي محلات الحي، إضافة إلى مسجد كبير أيضاً.
وإن هذا التغيير السكاني في الحي أدى إلى ظهور مشاكل جديدة أيضاً مرتبطة بسكانه الجدد، هذه الإشكالية بالذات كانت موضوع مسرحية "عالمان"، وهو نفس عنوان الكتاب الذي ألفته الصحافية والكاتبة الألمانية انغريد موللر مونش.
البحث في عالمين متناقضين
طوال أشهر عديدة ظلت انغريد موللر مونش تبحث وتجري لقاءات مع كثيرين من موظفي الشؤون الاجتماعية ورجال الدين المسيحيين ومفوضي شؤون الاندماج ورجال الشرطة وقضاة الأحداث وأصحاب المحلات وسكان الحي، ولم تنس طبعاً الالتقاء بالشبان من أبناء المهاجرين والألمان أيضاً. وتقول الكاتبة أنها كانت تتمنى أن تؤلف كتاباً عن التعدد الثقافي. لكنها خرجت في النهاية بدراسة عن عالم الشباب والسلطات العاجزة والسكان المستائين، وكتبت مسرحية تثير القلق والتمعن، بل وربما الاستفزاز.
التحول الخفي
لم يشغل التغير الكبير الذي حصل في هذا الحي في مدينة بون، العاصمة الألمانية السابقة، الرأي العام، فهو لم يبدأ سوى منذ أعوام قليلة بعد أن توحدت ألمانيا وأصبحت برلين عاصمة جديدة وانتقلت إليها الوزارات والسفارات وموظفوها. والبيوت التي كان يسكنها سابقاً حراس السفارات وصغار الموظفين، انتقل إليها المهاجرون، الذين لا يكترث ولا يهتم بمشاكلهم أحد، فشكلوا لأنفسهم ما يشبه الغيتو في حي باد-غودسبيرغ، كما تقول الكاتبة. أما في الجزء الآخر من الحي حيث الفيلات القديمة والبيوت الفخمة، فيسكن المتقاعدون من كبار الموظفين والأسر الميسورة الحال التي ترسل أبناءها إلى ثانوية النخبة الخاصة في الحي، دون أي علاقة أو تواصل مع أبناء المهاجرين الذي يسكنون بجانبهم في الجزء الآخر من الحي.
الخاسرون مقابل الرابحين
لا أحد يكترث بالمهاجرين وأبنائهم أو يلتفت إليهم، إلا عندما تحدث مشكلة ما كما حصل قبل ثلاثة أعوام حين هاجمت مجموعة من الشبان ذوي الأصول المهاجرة، مجموعة من طلاب ثانوية النخبة كانت تقوم بنزهة في حديقة الحي وحصل شجار كبير بينهم. ومنذ ذلك الحين لم تنقطع حوادث السرقة والشجار والتصادم في حي الفيلات الفخم في باد-غودسبيرغ بين أبناء المهاجرين وطلاب ثانوية النخبة من أبناء الأسر الميسورة؛ هؤلاء الذين يعكسون الثراء والغنى من خلال ملابسهم ذات الماركات العالمية المعروفة. وصحيح أنهم لا يريدون تحدي واستفزاز أقرانهم من أبناء المهاجرين، ولكن وضعهم الاجتماعي والثراء الذين يعيشون فيه، يشكل بحد ذاته استفزازاً للشبان ذوي الأصول المهاجرة الذين يردون على ذلك بعدوانية كما تروي الكاتبة موللر مونش.
العجز والحيرة واليأس
وتقول الكاتبة أيضاً إن كل الشبان الذين قابلتهم كانوا لطفاء ومهذبين، سواء ممن ينظر إليهم كمتعجرفين متكبرين من طلاب ثانوية النخبة أو أبناء المهاجرين الذين لبعضهم سجل حافل بالجريمة. وقد سمعت من هؤلاء خلال بحثها ولقاءاتها الكثير من القصص التي تشرح ماذا يعني أن يترعرع الإنسان ويكبر في حي دون أن تكون لديه آفاق مستقبلية، فأغلب الشبان لا يحصلون على شهادات عالية ويتركون المدرسة دون أن يتجاوزا المرحلة المتوسطة، لأنهم أهاليهم لا يتقنون اللغة الألمانية التي تشكل تحدياً لهم، كما ولا يهتم بهم وبمشاكلهم أحد، ولا توجد أماكن وأندية خاصة يمكن أن يذهبوا إليها ليقضوا فيها أوقات فراغهم ويمارسوا هوايتهم؛ ورغم كل ذلك يطمح هؤلاء إلى الحصول على المال والثراء.
المسرح يكسر حاجز الصمت
هذا ولم تقتصر لقاءات الكاتبة على الشبان فقط، وإنما التقت خلال بحثها بأناس متعبين يائسين سواء من العاملين في الحقل الاجتماعي أو رجال الشرطة أو حتى من سكان الحي أنفسهم، حيث يقف هؤلاء محتارين أمام أزمة الحي ومشاكله بعد هذا الانقلاب الكبير، الذي حصل فيه خلال السنوات القليلة الماضية. ولا أحد يجرؤ على الحديث بصراحة وعلنية عن ذلك، حسب قول مؤلفة مسرحية "عالمان". كما أن الجريمة والعنف الذي يمارسه أبناء المهاجرين تعتبر من المواضيع المحرمة التي لا يتم تناولها بشكل علني وصريح، والغضب يتنامى باضطراد بين سكان الحي، وكذلك بؤس وعوز المحتاجين منهم يزداد أيضاً مع مرور الأيام.
أما عن هدفها من المسرحية، فتقول الكاتبة انغريد موللر مونش: "هو إعطاء المجال للذين لم يتح لهم الكلام حتى الآن، كي يستمع إليهم الآخرون؛ فهناك شريحة من هذا المجتمع يعيش شبانها في حالة ضياع، ولا أحد يهتم بهم. وإذا بقيت الأمور تسير هكذا فإنها ستصل وبكل بساطة إلى حد الكارثة، إن لم تكن قد وصلت الآن".
الكاتب: / كورنيللا رابيتس/ عارف جابو
مراجعة: عماد مبارك غانم