الفضائح التي كشفتها تسريبات "وثائق بنما" كشفت الأساليب التي يلجأ إليها المحتالون على النظام الضريبي في بلدانهم للإستفادة من المزايا التي توفرها لهم الملاذات الضريبية، رغم رغبة الساسة في التصدي لها منذ زمن طويل.
إعلان
عام 1998 بدأت أول محاولة لنشر قائمة تضم الدول التي لا تراعي قوانيها الضريبية قواعد المنافسة الشريفة، وقد بادرت إلى ذلك "منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD" في محاولة للتصدي للملاذات الضريبية ومكافحتها. وقد أثار ذلك حفيظة وغضب دول أعضاء في المنظمة منها سويسرا والنمسا وبلجيكا ولوكسميورغ، ورأت في ذلك خطرا على مبدإ السرية في مصارفها؛ ولكنها أبدت بعض التعاون ورضخت للضغوط بعد أن خففت الدول الأخرى مطالبها بعض الشيء.
لكن مع إصدار المفوضية الأوروبية لتوجيهاتها بشأن فرض ضريبة على الفوائد عام 2005، استطاعت تلك الدول الأربع مقاومة الضغوط، فبدل نقل وإعطاء معلومات مفصلة عن المودعين في مصارف بلدانهم الأصلية، نجحت في فرض تعديل يقضي بفرض ما يسمى ضريبة المنبع أو ضريبة المصدر على أرباح رأس المال، وهو ما أثر على شفافية الضرائب التي كانت تسعى إليها الدول لدى تبادل المعلومات مع المصارف.
ضغوط الأزمة المالية العالمية
تحت ضغط الأزمة المالية العالمية عام 2009 اكتسبت مساعي مكافحة التهرب الضريبي وإيجاد قواعد مشتركة، دفعا وقوة. حيث كانت المصارف العامة والبنوك المركزية بحاجة إلى أموال، بعد ازدياد أعبائها بشكل كبير نتيجة التكاليف العالية لبرامج إنقاذ المصارف التي كانت على حافة الإفلاس والانهيار. ومع تهديد الاتحاد الأوروبي بإصدار قائمة سوداء للدول غير المتعاونة، اضطرت الدول الأوروبية التي تعد بمثابة ملاذات ضريبية مثل أندورا وليشتنشتاين وموناكو، التخقيف من السرية الصارمة لدى مصارفها.
نهاية السرية المصرفية؟
في التاسع والعشرين من اكتوبر/ تشرين الأول عام 2014 تخلت 51 دولة عن السرية المصرفية بتوقيعها على اتفاقية بذلك الشأن وفق معايير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، غير أن حوالي 100 دولة لم توقع على تلك الاتفاقية، لكنها أعلنت عن تأييدها ودعمها للإجراءات التي نصت عليها الاتفاقية. وتجدر الإشارة إلى أن سويسرا وليشتنشتاين وسنغافورة ودول الكاريبيك، كانت ضمن الدول الموقعة على الاتفاقية، والتي تعتبر من المراكز المالية المهمة وينظر إليها كملاذات ضريبية ومواطن شركات "العنوان البريدي".
أما بنما فإنها مثل الولايات المتحدة لم تقبل تماما بمعايير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، حيث أن بنما موطن الكثير من شركات "العنوان البريدي" مثل بعض الولايات الأمريكية ومنها ولاية نيفادا. فبموجب الاتفاقية، التزمت الدول الموقعة بتبادل المعلومات والبيانات حول الأشخاص العاديين أصحاب الحسابات المصرفية في غير دولهم. فمن خلال التبادل التلقائي للمعلومات والبيانات تسهل عملية مراقبة التدفقات المالية إلى الخارج والحد من عمليات الاحتيال والتهرب الضريبي.
وثائق بنما.. كشف المستور عن شخصيات سياسية عربية
لا يزال صدى تحقيق الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين وصحيفة زوددويتشه تسايتونغ الألمانية استنادا لملايين الوثائق التي سربها مكتب المحاماة البنمي "موساك فونسيكا" يتفاعل عالميا. من هم القادة العرب الواردة أسماءهم فيها؟
صورة من: Getty Images/AFP/A. Jocard
ذكرت الوثائق أن للملك السعودي سلمان بن عبد العزيز "دورا غير محدد" في شركتين مسجلتين في "جزر العذراء البريطانية". حصلت الشركتان على قرضين بقيمة 36 مليون دولار عام 2009 لشراء شقق فاخرة في لندن ويخت. وبينما لم تحدد الوثائق دور الملك السعودي بالضبط، إلا أنها ذكرت أن القرضين "لهما صلة" به وبممتلكاته.
صورة من: Getty Images/AFP/S.Loeb
في الأول من أكتوبر عام 2007 اشترى فرع البنك السويسري UBS في باريس شركتي Alyneth Limited و Havelock Capital Corporation المسجلتين في بنما. ثم طلب البنك فتح حساب لشركة Havelock Capital Corporation بشكل عاجل. وفي نفس اليوم أخذ الأمير ولي العهد ووزير الداخلية السعودي محمد بن نايف، تفويضاً بالتصرف بالشركتين وحساباتهما المصرفية. وفي آذار 2014 أغلق الأمير حساب شركة هافلوك ثم جمدها في ابريل 2014.
صورة من: picture alliance/AP Photo/H. Ammar
امتلك امير قطر السابق حمد بن خليفة آل ثاني منذ سبتمبر 2013 أغلب أسهم شركتي Rienne S.A وYalis S.A. وتمتلك الشركتان ودائع في بنك "أوف تشينا" في لوكسمبورغ. كما يمتلك حمد بن جاسم 25 بالمائة من أسهم الشركتين.في عام 2014 قد قام محام في لوكسمبورغ بمحاولة شراء شركة Afrodille S.A المسجلة في جزر العذراء.
صورة من: AP
في عام 2002، امتلك حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني شركة في جزر العذراء وثلاث شركات أخرى في جزر البهاما. وفي عام 2004 أصبح مديراً لها. ثم قام بحل هذه الشركات. وفي عام 2011 عندما بدأت قطر بالاستثمار في الشركات في لوكسيمبورغ، اشترى حمد أربع شركات بنمية. وقد شغل حمد منصب وزير خارجية قطر من 1992 وحتى 2013 ورئيس الوزراء من 2007 وحتى 2013. وكان أيضا رئيس هيئة الاستثمار القطرية.
صورة من: Reuters
امتلك الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات 30 شركة على الأقل مسجلة في جزر العذراء. ومن خلالها امتلك عقارات سكنية وتجارية في مناطق غالية في لندن، وتبلغ قيمتها على الأقل 1.7 مليار دولار. وقد مول الشيخ شراءه من خلال قروض من فرع لندن لبنك أبوظبي والبنك الملكي الاسكتلندي.
صورة من: Getty Images
ذكرت الوثائق أن رئيس الوزراء العراقي الأسبق، إياد علاوي، يمتلك شركة I.M.F. Holdings Inc.المسجلة في بنما ولها ممتلكات في لندن .وكذلك فهو المدير والمالك الوحيد لشركاتFoxwood Estates Limited, Moonlight Estates Limited. وأن ثروة علاوي المسجلة باسمه في عام 2013 بلغت مليون ونصف مليون دولار.
صورة من: Reuters
في عام 2002 سأهم رجل الاعمال رامي مخلوف ابن خال الرئيس السوري بشار الاسد بتأسيس شركة "سيرتل" للهواتف المحمولة، وامتلك بنفسه 10 بالمائة من الأسهم و63 بالمائة من أسهم الشركة عن طريق شركة company Drex Technologies S.A المسجلة في جزر العذراء. في عام 2011 طلبت السلطات المالية في جزر العذراء من مكتب المحاماة موسكا فونسكيا قطع علاقته مع شركات مخلوف بسبب اتهامات بالرشوة والفساد .
صورة من: picture-alliance/abaca
من بين المتورطين علاء مبارك ابن الرئيس المصري المخلوع . فقد امتلك علاء شركة Pan World Investments Inc المسجلة في جزر العذراء ويديرها بنك كريديت سويس. وبعد تنحي حسني مبارك أصدرت السلطات في الجزر قرار تجميد حسابات علاء، تماشيا مع القانون الأوروبي. وفرضت غرامة في عام 2013 بقيمة 37.500 دولار على موساك فونيسكا، لعدم قيامها بالتحقق بشكل صحيح من أن علاء زبون ذي مخاطر عالية.
صورة من: Reuters/A. Abdallah Dalsh
قبل شهر من استقالته عام 2003 أصبح علي أبو الراغب رئيس وزراء الاردن السابق وزوجته يسرى مديران لشركة Jaar Investment Ltdالمسجلة في جزر العذراء والتي تمتلك حساباً في البنك العربي في جنيف. كما أصبح ابو الراغب لاحقا مديراً لشركة Jay Investment Holdings Ltd المسجلة في جزر العذراء. وحتى ديسمبر 2014 امتلك الراغب 3 شركات في الدولة الإفريقية سيشل. كما قام أولاده بإدارة عدة شركات في جزر العذراء.
صورة من: picture-alliance/epa/J. Nasrallah
كان الرئيس السوداني السابق(1986-1989) أحمد علي الميرغيني يمتلك شركة مسجلة في جزر العذراء باسم Orange Star Corporation. وقد اشترت الشركة شققا باهضة الثمن في لندن شمال ساحة هايد بارك بمبلغ يزيد عن 600 ألف دولار. وعند وفاته عام 2008 كان له ممتلكات مسجلة باسم الشركة بقيمة 2,7 مليون دولار.
صورة من: Getty Images/AFP/S. Omar
في آذار/ مارس 2006 أصبح منير الماجيدي مستشار العاهل المغربي محمد السادس ممثلاً لشركة SMCD Limited المسجلة في جزر العذراء. وفي نفس العام اشترت الشركة اليخت التاريخي Aquarius W. ويعتقد أن ملكيته تعود للعاهل المغربي. كما أن الشركة المذكورة اُستخدمت لمنح قروض لشركة Logimed Investments Co. كما كان الماجيدي مديرا لشركة في لوكسمبورغ أخذت قروضا قيمتها 42 مليون دولار لشراء وترميم شقق في باريس.
صورة من: Facebook/Mounir Majidi
أسس وزير الصناعة والمناجم الجزائري عبد السلام بوشوارب حين توليه حقيبة الوزارة شركة بنمية في تموز/ يوليو 2015. وكان المالك الوحيد لها. عن طريق هذه الشركة كان لديه حساب في بنك سويسري. وقد أدار هذه الشركة عن طريق شركة في لوكسمبورغ.
صورة من: Getty Images/AFP/A. Jocard
12 صورة1 | 12
وبموجب هذه الاتفاقية يجب على المصارف والمؤسسات المالية أن تزود الدوائر الرسمية في بلدانها بالمعلومات التي لديها حول الفوائد والأرباح والأرصدة والإيرادات التي يتم تحقيقها من بيع الأصول المالية، وذلك عندما يكون المستفيد من ذلك مقيما خارج دولته. كما أن الاتفاقية نظمت أصول وقواعد تبادل المعلومات وحقوق وواجبات كل طرف. ولكن هذه القواعد الجديدة التي تضمنتها الاتفاقية، تسري على الحسابات المصرفية التي يتم فتحها بدءا من عام 2016. وبدءا من سبتمبر/ أيلول 2017 يمكن للدول تبادل المعلومات فيما بينها.
سد الثغرات الضريبية
في هذه الأثناء تم وضع خطة عمل من قبل الدول الصناعية الكبيرة، لسد الثغرات الضريبية التي تستفيد منها الشركات العملاقة المتعددة الجنسيات أو العابرة للقارات مثل غوغل وأمازون ةغيرها من الشركات الكبرى في العالم. حيث وقعت 30 دولة في شهر كانون الثاني/ يناير الماضي على اتفاقية تقضي بإلزام الشركات المتعددة الجنسيات بتقديم تقارير عن أعمالها وأرباحها في كل بلد على حدة وبالتالي تبادل هذه المعلومات والتقارير بشكل تلقائي بين الدوائر الضريبية في الدول المعنية، وذلك بهدف فرض ضريبية مناسبة على الشركات المعنية في تلك الدول.
في قمة الدول الـ 20 التي عقدت في مدينة انطاليا التركية العام الماضي بمشاركة الدول الصناعية الكبرى والدول الناهضة، تم إقرار خطة عمل للتصدي لعمليات التهرب الضريبي وسد الثغرات التي تستفيد منها الشركات المتعددة الجنسيات. وذلك بأن يتم كل عام إعداد تقرير ضريبي للشركة اعتمادا على تقارير فروعها في مختلف الدول من قبل الإدارة العليا للشركة في الدولة التي يوجد فيها مقرها الرئيسي، حيث يمكن الاطلاع على هذا التقرير بشكل تلقائي بين الدوائر الضريبية في الدول المعنية ولكن دون السماح بنشره. أما الشركات الملزمة بإعداد مثل هذا التقرير، فهي تلك التي لها فروع في دول أخرى ويتجاوز حجم أعمالها السنوي 750 مليون يوورو. وحسب خبراء الضرائب فإن عدد الشركات الألمانية في هذا الإطار لا يتجاوز ألف شركة.
منذ صيف عام 2015 دخلت حزمة التوجيهات الرابعة للاتحاد الأوروبي بشأن غسيل الأموال حيز التنفيذ، والتي تهدف إلى مكافحة تمويل الإرهاب والصفقات غير القانونية، من خلال تبادل دقيق للمعلومات والبيانات حول الأشخاص والحسابات المصرفية.