صورية موقيت: منحي وسام الاستحقاق تكريم لمغاربة ألمانيا
٨ مارس ٢٠١٦بمناسبة اليوم العالمي للمرأة منح الرئيس الألماني يواخيم غاوك اليوم (07 مارس /آذار 2016) الناشطة والباحثة الألمانية من أصول مغربية صورية موقيت وسام الاستحقاق للجمهورية الألمانية، إلى جانب أربعة وعشرين سيدة من مجالات مختلفة. يأتي هذا التكريم اعترافاً بجهود موقيت في حوار الثقافات والاندماج ومحاربة التمييز والعنصرية على صعيد ولاية زارلاند.
DW عربية: السيدة موقيت ماذا يمثل لكم هذا التكريم؟
صورية موقيت: أعتبره تكريماً لمغاربة ألمانيا، وتقديراً لمجهودهم على امتداد أكثر من خمسين سنة على الهجرة المغربية في هذا البلد. إنه اعتراف بالجيل الأول من المغاربة الذين هاجروا إلى ألمانيا. وهو ما اعتبر وقتها بخطوة شجاعة من طرف مهاجرين غادروا وطنهم الأصلي وانخرطوا في إعادة بناء وطن غريب على عاداتهم وتقاليدهم وثقافتهم. إنه تكريم للنساء المغربيات المهاجرات أيضا، اللواتي وصلن إلى ألمانيا كيد عاملة أيضا منذ سبعينيات القرن الماضي. إلى كل هؤلاء أهدي هذا التكريم اعترافاً لهم جميعا بمساهمتهم في تطور ألمانيا من جهة وتنمية بلدهم الأصل من جهة أخرى، وكان لهم الفضل في بناء ألمانيا كبلد منفتح على ثقافات أخرى، ومهدوا للأجيال القادمة الطريق بغض النظر عن بعض الخدوش هنا وهناك. وفي الأخير لا يسعني إلا أن أقدم هذا التكريم كهدية لأمي التي رحلت عن دنيا الناس هذه وإلى أبي الذين كانا بمثابة طاقة شحن ايجابية بالنسبة لي، وأدين لهما بكل ما وصلت إليه الآن.
مر حوالي نصف قرن على تواجد المغاربة في ألمانيا، منهم من اندمج في المجتمع الألماني وهناك من لم يندمج. فما هي أبرز مؤشرات عدم اندماج البعض؟
بداية، لابد من تحديد مؤشرات الاندماج، فالتعليم والتأهيل المهني والاندماج في سوق العمل، هي عوامل محددة لفرص المشاركة في المجتمع. ارتفاع مستوى التعليم والـتأهيل المهني، يعززان من فرص الاندماج في سوق العمل، وهو ما يؤدي إلى تحقيق دخل محترم يساهم في فرص جيدة للمشاركة في المجتمع.
وبعد مرور أكثر من نصف قرن على الهجرة المغربية إلى ألمانيا، يطرح السؤال حول إمكانيات هذه الفرص أمام الأسر المنحدرة من أصول مغربية. انطلاقا من الكتاب العلمي الذي أصدرناه بمناسبة مرور خمسين سنة على الهجرة المغربية في ألمانيا، تحت أسم "من الريف إلى الرور"، والذي أشرفت عليه رفقة ثلاثة باحثين، أندرياس بوت وخاتمة بوراس ورحيم حجي، بتعاون مع معهد الهجرة بجامعة أوزنابروك، توصلنا إلى نتائج مقلقة، من بينها أن حوالي 11 % فقط من التلاميذ المنحدرين من أصول مغربية، يصلون إلى السلك الثانوي، مقابل 44 % من الألمان. بالرغم من ارتفاع طفيف لهذه النسبة منذ ألفين واثنين، إلا أنه لا يزال في نظري، أمامنا مجهود كبير، لتحسين شروط التعليم أمام التلاميذ من أصل مغربي.
من النتائج المثيرة للاهتمام، أن تطلعات الأطفال والشباب من أصل مغربي قوية، فــ 88 % من الذين يزورون المدارس الأساسية، يأملون في الحصول على شهادة عالية، وهو ما يعتبر مستحيلا مع هذا النوع من المدارس. وهو ما يجعل فرص الحصول على تأهيل مهني ضعيفة للغاية. كما أن 55 % من الأجيال اللاحقة للمهاجرين من أصل مغربي، لا يتوفرون على أي تأهيل، وخاصة في أوساط الذكور. إن تحسن فرص التعليم والتأهيل المهني لأبناء المهاجرين من أصل مغربي، سيساهم بشكل كبير، في التخفيض من معدل البطالة ومخاطر الفقر الذي تبلغ نسبته 37 % داخل الأسر المهاجرة من أصول مغربية، وهو ما يفوق معدل الفقر لدى الألمان بثلاث مرات.
إن النجاح في المدرسة والتأهيل المهني وسوق العمل، لا ينبغي أن يكون مرتبطا بالوسط الاجتماعي. لابد من الإقرار أن النظام التعليمي الألماني النخبوي، يساهم في تهميش فئات الدخل المحدود، وفي المقابل يُمَكن الفئات المنحدرة من وسط اجتماعي واقتصادي مرموق، من فرص أكبر للنجاح في المسار الدراسي. إنه حيف غير مقبول. لذا يجب أن يكون أحد أهداف التعليم وسياسة الهجرة في المستقبل، العمل على منح فرص متكافئة، من أجل المساهمة في تعزيز فرص المشاركة أمام الجميع، بما فيهم أطفال وشباب الأسر المهاجرة من أصل مغربي أيضا.
يرى البعض أن الجيل الثالث من أبناء المهاجرين يعاني أزمة هوية، فلا هو مغربي ولا هو ألماني. ما تعليقك على هذا الطرح؟
لا أعتقد أن الهوية هي التي تعيش أزمة، بقدر ما أن فرص المشاركة داخل المجتمع هي التي تكون موضع تساؤل. إن شعور شخص ما بالإقصاء والتهميش ورفضه كفرد من هذا المجتمع الذي ولد فيه، وظروف تنشئته الاجتماعية في هذا البلد، هو الذي يجعل المرء يعيش أزمة هوية. ففي الوقت الذي كان يعتقد أنه جزء من هذا البلد، أصبح يطرح سؤال من أنا؟ وهذا البحث عن هوية الشخص قد تؤدي إلى نتائج كارثية، إذا لم تجد التأطير التربوي والنفسي الضروريين. وهو ما يمكن أن يؤدي بالشخص المعني إلى الانزواء وربما إلى التطرف. يجب الإقرار بأن الهجرة قيمة مضافة تغني هوية الشخص من جهة و تشكل غنى للمجتمع من جهة أخرى.
قامت ألمانيا بمجهود كثيرة لإدماج النساء العربيات والمسلمات عبر دروس اللغة وتعلم بعض المهن. كيف تقيمين هذه المبادرات؟
إنها مبادرة إيجابية للغاية. فهذه المشاريع تعزز من حظوظ اندماج النساء في المجتمع. كما أن إتقانهن للغة الألمانية، سيكون له تأثير ايجابي كبير على المسار والتحصيل الدراسي للأبناء أيضا. وكما سبق الإشارة فإن مواكبة الآباء لأبنائهم وبخاصة النساء سيساهم في التغلب على عدد من المشاكل التي تواجه الأبناء في المدارس في ظل نظام تعليم نخبوي. أود أن أستغل هذه الفرصة لإثارة قضية مقلقة جدا، تتعلق بالجيل الأول من النساء المهاجرات، حيث تعيش أغلبهن أوضاع نفسية صعبة بحسب عدد من الدراسات. فبعد مغادرة الأبناء لمسكن العائلة الذي ظل ولسنوات طويلة مملكة خاصة بالأمهات، وانكباب أغلب الرجال على عالمهم الخاص خارج البيت، تجد أغلب النساء أنفسهن ضحية للعزلة. لابد إذن من التفكير في مشاريع خاصة بوضعيتهن كي لا يشعرن بالإقصاء.
العديد من مغاربة ألمانيا اشتكوا من طريقة تعامل وسائل الإعلام مع أحداث التحرش الجنسي بكولونيا ليلة رأس السنة، وينتقدون تعميم البعض لصورة سلبية حول المغاربة والمغاربيين. كيف تنظرين إلى ذلك؟
بدء، أدين بقوة الاعتداءات التي تعرضت لها النساء، وينبغي معاقبة الجناة بما ينص عليه القانون، بغض النظر عن جنسياتهم. كما أننا لا زلنا ننتظر نتائج التحقيقات لمعرفة حقيقة ما وقع. وفي الوقت نفسه، يجب أن نكون حذرين أن تستعمل هذه الاعتداءات كورقة سياسية من جهة وتعميم الحكم على كل المنحدرين من جنسية الجناة. إن ما وقع لا ينبغي أن يكون مطية لانتشار خطاب الكراهية والعنصرية ضد الأجانب أو مواطنين من أصول أجنبية. وهذا ما نلاحظه من خلال الارتفاع المقلق للاعتداءات على مراكز إيواء اللاجئين في الفترة الأخيرة. وهو ما يضع الجميع وخاصة جمعيات المجتمع المدني أمام تحدي كبير للقيام بمزيد من التوعية لتعزيز ثقافة الحوار والسلم المجتمعي.
ما هو الدور الذي يمكن أن يقوم به المغاربة في ألمانيا لتصحيح تلك الصورة التي يشتكون منها؟
أعتقد أن جمعيات المجتمع المدني، يمكن أن تلعب دورا كبيرا في هذا السياق. وهذا ما حاولت شبكة الكفاءات المغربية الألمانية القيام به منذ تأسيسها قبل سبع سنوات. فمن خلال الفعاليات التي تقوم بها هذه الجمعيات باعتبارها جسور بين الثقافات وحلقة وصل بين ألمانيا والمغرب، توفر أرضية للنقاش وتبادل الأفكار. هذا بالإضافة إلى ضرورة تقديم الدعم المادي والمعنوي من طرف ألمانيا والمغرب لتعزيز هياكلها وبنياتها كي تمارس مهامها بكل حرفية.
وافق المغرب على استقبال المهاجرين غير القانونيين المغاربة الذين تدفقوا مؤخرا على ألمانيا. هل تعتقدين أن عملية الترحيل ستتم بسهولة أم أنها ستكون صعبة؟
لا أحد يجادل في ضرورة تطبيق القوانين والاتفاقيات الدولية الخاصة بالترحيل. واعتقد أن قضية ترحيل الأشخاص المعنيين بالأمر قد تنجح إلى حد ما. لكن ترحيل بضعت مئات، على ضوء ما نعيشه في ألمانيا من جدل سياسي ومجتمعي، هل سيحل مشكل الهجرة غير الشرعية؟. لا غرو بالتذكير بأن اتفاقية جنيف للجوء والمعاهدات الأوروبية حول توفير الحماية للأشخاص، تنص على دراسة طلبات اللجوء في شروط تضمن الكرامة للمعنيين بالأمر.
إن المشكل الذي يعيشه العالم وأوروبا على الخصوص، حيث أن تقديرات الأمم المتحدة تتحدث عن أكثر من ستين مليون شخص في حالة نزوح، هو أكبر من مجرد ترحيل حوالي عشرة ألاف شخص. يعرف الجميع وضعية الدول المصدرة للهجرة، على رأسها القارة الأفريقية والشرق الأوسط. فالتحدي الأساسي هو بذل الجهود للتغلب على الأسباب التي تدفع الإنسان إلى التخلي عن مسقط رأسه والدخول في مغامرة غير محسوبة العواقب. لابد إذن من العمل لوقف الحرب المجنونة في سوريا والتفكير في مخطط تنموي شامل للقارة الأفريقية وغيرها من المناطق المحتاجة للدعم، كي يشعر الناس بالأمان. هذا بالإضافة إلى ضرورة وضع إطار عادل للهجرة لقطع الطريق على مافيات الاتجار بأرواح البشر، كي ننتقل من هجرة غير شرعية إلى هجرة مقننة وشرعية، انسجاما مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يكفل حرية التنقل للأفراد.
ولدت صورية موقيت في مدينة القنيطرة المغربية، هاجرت إلى ألمانيا مطلع التسعينات لاستكمال الدراسة بجامعة ترير وحصلت على دبلوم الدراسات العليا في التنمية الدولية وبعدها دكتوراه في علم الاجتماع. كما ترأست لعدة سنوات شبكة الكفاءات المغربية بألمانيا.