صيف ملتهب ينتظر هدوء ميركل وسياستها "المغرقة بالمنطقية"
٢٦ يوليو ٢٠١٦
دفعت موجة الهجمات التي شهدتها ألمانيا مؤخرا المنافسين السياسيين للمستشارة انغيلا ميركل، إلى توجيه المزيد من الانتقادات لها مؤكدين أن سياستها الليبرالية بشأن اللجوء عرضت البلاد إلى موجة هجمات دامية الأسبوع الماضي.
إعلان
أنسباخ.. مدينة ألمانية حالمة في خضم الأحداث
00:48
هزت جنوب ألمانيا أربعة اعتداءات دامية نفذ ثلاثة منها طالبو لجوء والتي أحيت الانتقادات لقرار المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل العام الماضي فتح الحدود أمام الفارين من النزاعات والاضطهاد. فقد ذكرت صحيفة "زويدويتشه تسايتونغ" في إشارة إلى الهجمات في ألمانيا وفرنسا التي أعلن تنظيم ما يسمى "بالدولة الإسلامية" مسؤوليته عنها: "كانت الأمور تسير بشكل جيد بالنسبة لميركل، إلا أن الوضع تغير كثيراً في الأيام العشرة ما بين هجوم نيس والتفجير الانتحاري في أنسباخ يوم الأحد الماضي".
وأضافت الصحيفة بالقول: إن "المستشارة يجب أن تخاف مرة أخرى من عقاب الناخبين" مع اقتراب انتخابات مقاطعات حاسمة في أيلول/ سبتمبر المقبل.
وسارع مساعدو ميركل إلى الإشارة إلى أن ثلاثة من المهاجمين الأربعة وصلوا إلى ألمانيا قبل تدفق أكثر من مليون مهاجر العام الماضي. إلا أن الرابع، وهو مراهق أطلق النار في ميونيخ الجمعة وقتل تسعة قبل أن ينتحر، ولد في ألمانيا، من لاجئين إيرانيين وصلوا إلى البلاد في التسعينات.
ويقول المحققون إن المراهق كان مهووساً بعمليات القتل الجماعي والسفاحين من أمثال النرويجي اليميني المتطرف اندريس بيرينغ بريفيك، منفذ مجزرة 2011.
لكن العنف أشعل مجدداً التوتر السياسي في ألمانيا بعد أن خفت حدته مع تباطؤ عدد اللاجئين الذين الوافدين بسبب إغلاق طريق البلقان أمام المهاجرين والتوصل إلى اتفاق بين الاتحاد الأوروبي وتركيا لإعادة اللاجئين إلى تركيا.
فمن جانب، أعرب الزعيم المحافظ هورست زيهوفر، رئيس وزراء ولاية بافاريا، حيث وقعت ثلاثة من الهجمات الأربعة، عن شكوكه إزاء مبدأ ينص على عدم إعادة طالبي اللجوء بتاتا إلى مناطق الحروب. وصرح لصحيفة مونشنر ميركور: "يجب أن نفكر بجدية حول كيفية معاملة الناس في حال انتهاكهم للقانون أو في حال اعتبارهم خطراً".
ويقود زيهوفر الاتحاد المسيحي الاجتماعي الشريك لحزب اتحاد المسيحيين الديمقراطيين المحافظ بزعامة ميركل، وينتقد بشدة تدفق المهاجرين التي كانت بافاريا بوابته الرئيسية. وأمر بتشديد الأمن في المطارات ومحطات القطارات في أعقاب تفجير انتحاري قرب مهرجان موسيقي في أنسباخ أدى إلى إصابة 15 شخصاً، وهجوم بفأس في قطار قرب مدينة فورتسبورغ أدى إلى إصابة أربعة ركاب واحد المارة.
وفيما تعهد وزير الداخلية الألماني توماس دي ميزير بتعزيز الضوابط في المناطق الحدودية، إلا أن برلين رفضت المطالبة بتعديلات في القوانين الأمنية. وصرح الوزير للصحافيين: "سأقترح تعديلات مناسبة عندما اعتقد أنها ضرورية". وقال إن "حكم القانون في ألمانيا قوي وسيظل قوياً على مستوى البلاد والمناطق".
من جانب آخر، سعت المستشارة ميركل التي تقود اكبر اقتصاد في أوروبا منذ نحو 11 عاماً، إلى إظهار هدوئها حيث آثرت البقاء في بيتها الصيفي شمال برلين خلال عطلة نهاية الأسبوع المنصرم.
وطمأنت المتحدثة باسمها الصحافيين إلى أن المستشارة "دائماً على رأس عملها" ويمكن أن تعود إلى العاصمة "في أي وقت" في حال الضرورة.
وأشادت صحيفة "بيلد"، أكثر الصحف انتشاراً في ألمانيا بأسلوب المستشارة الهادئ. وكتبت في مقالها الافتتاحي "لقد وصل إرهاب داعش إلى ألمانيا. وكان ذلك أمرا لا مفر منه. ولم يكن لألمانيا أن تظل جزيرة هادئة سواء بوصول لاجئين أو من دون ذلك".
وأضافت بالقول: "لكن الصحيح كذلك أن دولتنا تعمل بشكل أفضل من معظم الدول الأخرى، كما أن شعبنا سارع إلى التضامن في أوقات المحنة. ولذلك فإن دولتنا ومجتمعنا يمنحاننا الثقة للتغلب على مخاوفنا".
غير أن محللين قالوا إن هذه الإستراتيجية خطيرة مع اقتراب موعد انتخابات في معقل ميركل السياسي في مقاطعة ميكلنبورغ- بوميرانيا الغربية في الرابع من أيلول/ سبتمبر، تليها انتخابات في مقاطعة برلين في 18 أيلول/ سبتمبر. حيث تشكل موجة الاعتداءات التي هزت ألمانيا فرصة كبيرة لصعود اليمين الشعبوي المعادي للاجئين والإسلام.
ويسعى حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني الشعبوي إلى تحقيق نتائج قوية في مقاطعة ميكلنبرغ - فوربومرن الغربية. وفي حال حدوث ذلك فإنه سيشكل ضربة قوية إلى ميركل قبل عام من الانتخابات العامة.
في هذا السياق حذر مارتن أيمر أستاذ الاتصالات السياسية في جامعة برلين الحرة، من أن أسلوب ميركل المبالغ في المنطقية الذي اكسبها حب الألمان في الأوقات الصعبة، قد لا يكفي في حال انتشرت المخاوف بعد الهجمات الأخيرة.
وصرح قائلاً: "يجب أن تغطي السياسة هذا الجانب العاطفي الذي تتعهد فيه بحماية المدنيين، والسياسات المستندة إلى الحقائق القادرة على ضمان هذه الحماية".
على هذا الأساس ستواجه ميركل وتحالفها المسيحي الديمقراطي صيفاً ساخناً سيمتد إلى ما بعد الانتخابات المحلية في أيلول/ سبتمبر المقبل.
ح.ع.ح/ ع.غ (أ ف ب، DW)
صدمة وحزن وخوف وإرهاب... أسبوع دام في ألمانيا
شهدت ألمانيا خلال أسبوع واحد فقط عمليات قتل وترهيب وهجمات إرهابية، ثلاثة منها نفذها لاجئون قدموا إليها حديثا، واثنان منهما تبناهما تنظيم "داعش". جولة مصورة توثق أسبوعا من الإرهاب والحزن والخوف في عدة مدن ألمانية.
صورة من: Getty Images/J. Simon
لا يزال الحزن يخيم على مدينة ميونيخ الألمانية، حيث تضع امرأة وردة في المكان الذي شهد يوم الجمعة الماضي عملية قتل عشوائية مروعة، راح ضحيتها تسعة أشخاص، أغلبهم في مقتبل العمر. العملية التي نفذها شاب ألماني-إيراني، قيل إنه يعاني من اضطرابات نفسية، راح ضحيتها فتيان وشباب، غالبيتهم من أصول مهاجرة (ثلاثة أتراك وثلاثة ألبان كوسوفو ويوناني). ذنبهم الوحيد أنهم كانوا في المكان والوقت غير المناسبين!
صورة من: GGetty Images/AFP/C. Stache
بحر من الورود أمام مركز أولمبيا التجاري في ميونيخ، حيث مسرح عملية القتل الجماعي العشوائي، حداداً على أرواح الضحايا وسط تساؤلات عمّا دفع الجاني، الذي لم يتجاوز عمره 18 عاما، إلى هذه الجريمة؟ التحريات تشير إلى حد الآن أن الشاب، الذي ولد في ألمانيا لأبوين قدما من إيران في التسعينات كطالبي لجوء، قد خطط لعمليته طويلاً و"جيداً".
صورة من: picture-alliance/AP Photo/J. Meyer
وزير الداخلية الألماني توماس دي ميزيير اضطر في غضون ثلاثة أيام إلى قطع عطلته كان يقضيها مع زوجته في الولايات المتحدة الأمريكية. المرة الأولى كانت مطلع الأسبوع عقب عملية إرهابية نفذها لاجئ في 17 من عمره في قطار في مدينة فورتسبورغ، والمرة الثانية عقب عملية القتل الجماعي العشوائي في ميونيخ. الوزير قرر بعدها التخلي نهائيا عن إجازته والبقاء في ألمانيا.
صورة من: Getty Images/J. Simon
في غضون ذلك، لا تزال صور دماء تغطي أرضية عربة في القطار الذي شهد عملية إرهابية في مدينة فورتسبورغ الألمانية عالقة في أذهان الكثيرين في ألمانيا. العملية، التي نفذها فتى لاجئ في 17 من عمره، أسفرت عن إصابة أسرة قدمت من هونغ كونغ سائحة في ألمانيا بجروح بليغة وامرأة ألمانية ذنبها الوحيد أنها كانت في طريق الإرهابي عند محاولته الفرار من القطار. العملية تبناها فيما بعد تنظيم "داعش".
صورة من: picture-alliance/dpa/K. Hildenbrand
وفيما تزداد المخاوف من ألمانيا من عمليات دامية كتلك التي شهدتها باريس ونيس وبروكسل واسطنبول وأنقرة وغيرها، تبقى التساؤلات قائمة عما دفع بفتى قدم فاراً من أفغانستان (أو باكستان) ليجد ملجأ وأسرة تحتضنه في ألمانيا إلى القتل؟ الكثيرون صدموا لكم الكراهية التي يكنها هذا الشباب خاصة بعدما نشر "داعش" فيديو يظهر فيه الفتى وهو يهدد ويتوعد فيه الألمان بالقتل والانتقام.
صورة من: picture-alliance/dpa/Amak
وما لبث الناس يتنفسون الصعداء بعد عملية ميونيخ التي بثت الذعر في القلوب خوفا من عمليات إرهابية منسقة كتلك التي شهدتها باريس في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي وأسفرت عن مصرع 130 شخصا وجرح المئات، هاهي ألمانيا تشهد بعد يوم فقط جريمة أخرى اهتزت لها مدينة رويتلينغن، حيث قام لاجئ سوري في مقتل العمر بقتل مقتل امرأة وجرح خمسة آخرين بسكين كبير.
صورة من: picture-alliance/AP Photo
حالة من الذعر تسود رويتلينغن، المدينة الصغيرة الهادئة في جنوب ألمانيا، بعد الجريمة البشعة. وفيما تتواصل التحقيقات مع الجاني لمعرفة دوافعه، تؤكد السلطات الألمانية على عدم الاشتباه بالإرهاب والعنف بشكل عام في طالبي اللجوء، لافتة إلى أن أغلب العمليات الإرهابية التي شهدتها أوروبا في الآونة الأخيرة لم تكن من فعل لاجئين.
صورة من: picture-alliance/dpa/C. Schmidt
لكن تحذيرات السلطات الألمانية من عدم وضع اللاجئين في قفص الاتهام قد لا تجد آذانا صاغية، على الأقل لدى البعض، بعد هجوم أنسباخ الانتحاري الذي شُن مساء يوم الأحد، أي في نفس اليوم الذي شهدت فيه روتلينغن عملية القتل بسكين، والذي نفذه لاجئ سوري آخر (27 عاما). العملية الإرهابية التي أسفرت عن مقتل المنفذ وجرح 15 شخصا، أربعة منهم في حالة خطيرة، كان هدفها الانتقام من ألمانيا وتبنتها داعش.
صورة من: picture-alliance/dpa/D. Karmann
وفيما تشير التحريات الأولى إلى ضلوع "داعش" في العملية التي نفذها اللاجئ السوري الذي فجر نفسه ليل الأحد الاثنين في بلدة أنسباخ الألمانية، يبقى من المؤكد أنه أراد قتل أكبر عدد ممكن من الناس، إذ أنه تحول إلى مهرجان للموسيقى جاءه زوار من كل حدب وصوب. ولولا أن رجال الأمن منعوه من الدخول، ويقوم بتفجير نفسه عندها، لكانت الحصيلة أثقل بكثير.
صورة من: DW/N.Niebergall
يواخيم هيرمان، وزير داخلية ولاية بافاريا الألمانية - التي شهدت ثلاث عمليات قتل وترهيب من إجمالي أربع عمليات خلال أسبوع واحد - يقول إن الهجمات الأخيرة أثارت تساؤلات بشأن قانون اللجوء الألماني والأمن في مختلف أرجاء البلاد.
صورة من: picture-alliance/dpa/D. Karmann
وإن لم يصدر أي تعليق بعد عن المستشارة الألمانية أو وزير داخليتها بشأن عزمهما تشديد قانون اللجوء الذي قدم بموجبه العام الماضي أكثر من مليون لاجئ، أغلبيتهم من السوريين، إلا أن المخاوف الأمنية تبقى قائمة، حيث كثفت الشرطة من تواجدها في كل المرافق العامة الحساسة. ولكن الأكيد أن ما حدث في ألمانيا خلال أسبوع، لن يمّحي من ذاكرة العديد من الناس.. أملا في ألاّ يستغلها اليمنيون المتطرفون لصالحهم!