ضاحية شتايندام في مدينة هامبورغ- سحر التناقضات وعالم المفارقات
٢٢ فبراير ٢٠٠٩تبدأ الرحلة في ضاحية شتايندام رقم 39 بمدينة هامبورغ الألمانية، وبالتحديد أمام عمارة تتألف من أربعة طوابق. وفي الطابق الأوّل وضعت لافتة كُتب عليها "المسلمون يسافرون". وعند التثبت عمّا يقف وراء هذه اللافتة تبيّن أن المقصود بسفر المسلمين هو أداء فريضة الحج. وعند الدخول إلى المكتب الذي علٌقت على بابه لافتة "المسلمون يسافرون" تشد أنظار المرء صورة كبيرة لمدينة مكّة تغطى أحد جدران المكتب.
وأمام هذه الصورة يجلس مدير المكتب منذر بن حليمة. ويقول المدير إن مكتبه يساعد الألمان المسلمين و المهاجرين المسلمين على أداء فريضة الحج، وذلك من خلال تقديم دروس حول كيفية أداء فرائض وطقوس دينية معيّنة خاصّة بالحج وعن المحرّمات التي يجب أن يتجنّبها الراغب في أداء فريضة الحج في وقت معيّن مثل قص الشعر والأظافر.
ضاحية شتايندام والتعدّدية الثقافية
ويواظب منذر بن حليمة على أداء صلاة الجمعة في المسجد. وخاصّة وأن المسجد، الذي يتردّد عليه لا يبعد كثيرا عن مكتبه. ففي ضاحية شتايندام هناك الكثير من المساجد، ولعلّ أكثرها شهرة مسجد القدس، الواقع في بناية تحمل رقم 103، ذلك أن مجموعة إرهابيي الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 كانوا يذهبون إليه. وهناك مسجد آخر يقع في بناية تحمل رقم 70 وتتألف من أربعة طوابق، ولا توحي البناية في الخارج بأنها مسجد، كما أنها تحت مراقبة متواصلة طيلة اليوم من قبل السلطات الألمانية، التي تعتقد بأن المسجد يشكّل مركزا لتلاقي الإسلاميين المتطرّفين.
ويأوي الطابق الرابع من البناية جمعيتين: جمعية خاصة بمسلمي بنغلاديش وأخرى بالمسلمين الإفريقيين. بيد أن البناية مهدّدة بالزوال، ذلك أنه من المنتظر بناء فندق في مكان هذه البناية. ويقول مسلم إفريقي يتردّد على الجمعية الإفريقية وعلى المسجد التابع لها، إنه أمر مؤسف بالنسبة له، خاصّة وأنه أصبح يتعيّن على الجمعية الإفريقية البحث عن مكان آخر لتنظيم نشاطاتها الدينية والثقافية وغيرها.
كما كان من قبل يتعيّن على كارلوس تيبيل، أحد التجار وصاحب أحد محلاّت المستلزمات الجنسيّة، الانتقال إلى مكان آخر وترك محلّه القديم في قلب ضاحية شتايندام. ذلك أن بلدية مدينة هامبورغ قد حظرت فتح بيوت دعارة ومحلاّت لها علاقة بالجنس في الجانب الشرقي من الضاحية. وبالتالي فقد اضطرّ كارلوس تيبل إلى الانتقال بمحلّه إلى آخر أطراف ضاحية شتايندام القريبة من محطّة القطارات الرئيسية في مدينة هامبورغ. وهو جزء يوصف بأنّه قذر. ويقول كارلوس تيبل، معربا عن استيائه من قرار بلدية المدينة بإعادة هيكلة ضاحية شتايندام، إنه كان يجدر بالمسؤولين السماح لمحلاّت مختلفة، ومنها تلك التي تتاجر في اللّوازم والمستلزمات الجنسية، أن تفتح في الضاحية. وأشار كارلوس إلى أنه في حال تم حظر محلّه والمحلاّت المماثلة فإنه من المستبعد جدّا أن يستقطب شتايندام الزوار والسيّاح.
تجارة بيع الهوى في شتايندام مهدّدة بالزوال
وتقف في نهاية إحدى شوارع ضاحية شتايندام نحو عشر فتيات في انتظار الزبائن وهنّ يدخّن السجائر ويمسكن بحقائب صغيرة أو بأكياس من البلاستيك. ويتوجه رجل إلى إحدى الفتيات ثم يتوجهان معا إلى أحد النزل، التي يمكن استئجار غرفة فيها لساعة واحدة، اُطلق عليه نزل "الملاك الأزرق". وتقف في مكتب استقبال "الملاك الأزرق" سونيا التي تمسك بقلم وتسّجل ساعات دخول الزبائن إلى غرف النزل. وتقول سونيا إنها تسجّل وقت دخول بائعة الهوى مع الزبون إلى الغرفة بالتحديد وذلك لمعرفة متى يتعيّن عليه الخروج من الغرفة.
هذا، وتوجد في نزل "الملاك الأزرق" غرف بمختلف الأحجام، طُليت جدرانها باللّون الأزرق، كما يوجد في كلّ غرفة سرير، وعلى كلّ سرير تم وضع منشفة وكيس من البلاستيك يحتوي على ممسحتين للاستحمام وواق ذكري. وتقول سونيا، التي عملت من قبل كبائعة هوى على حافّة الطريق، إنّه تم تشديد المراقبة على قطاع الدّعارة، ذلك أن بيع الهوى محظور في مدينة هامبورغ، التي لا تسمح لبائعات الهوى بالعمل في شارع محدّد من المدينة وهو شارع "ريبه بان" المشهور في ألمانيا والذي يستقطب الزوار والسياح من شتّى أنحاء العالم.
من جهته، يأمل فولفغانغ شوليه، المسؤول عن إعادة هيكلة شارع شتايندام، في استبدال نزل على غرار "الملاك الأزرق" بفنادق فاخرة ومحلاّت تجارية تستقطب كافة شرائح المجتمع. ويقول شوليه إن هناك العديد من التغييرات التي وقعت خلال السنوات الأخيرة، كما أن هناك تغييرات أخرى تسعى السلطات المعينة إلى إدخالها على الوجه الخارجي للشارع. وشدّد شوليه على أن هذه التغييرات تأتي لتلبية رغبات كلّ المواطنين وليس فئة معيّنة من الزبائن، مشيرا إلى تغيّر معطيات العصر ومتطلباته.