طالبو اللجوء في ألمانيا.. خوف ومعاناة نفسية
١٦ أكتوبر ٢٠١٤يعاني الشاب الصومالي روان، الذي يقطن في سكن اللاجئين المكتظ في ضواحي مدينة كولونيا، من اضطرابات نفسية خطيرة. إذا لا يستطيع النوم جيدا بسبب الكوابيس، التي يرى فيها مشهد مقتل عائلته في هجوم من قبل الميليشيات المتطرفة. روان تعرض أيضا للاعتداء، وأما شقيقته مارولا فقد تم اغتصابها. بالإضافة إلى ذلك فإن المهربين أخذوا منهما ما تبقى من المال من أجل إيصالهما إلى أوروبا. كما أنهما فقدا كل وثائقهما في القارب الذي عبر بهما إلى إيطاليا. ومن هناك واصلا رحلتهما عبر فرنسا وهولندا إلى ألمانيا. عند وصولهما هناك وصفا رحلتهما الطويلة للسلطات المختصة بمساعدة مترجم. ولكنهما يفضلان الآن التزام الصمت ويرفضان تصويرهما، حيث لم تعد لديهما رغبة في تكرار نفس الإجراءات " المهينة".
إجراءات تحديد الهوية
فعند الاشتباه في الدخول بطريقة غير شرعية للحدود الألمانية، تكون الشرطة ملزمة بفتح تحقيق وتنفيذ ما يسمى بتدابير تحديد الهوية. عندها يتم التقاط الصور وأخذ بصمات الأصابع . وفي حالة فقدان الوثائق والمعلومات اللازمة، لا بد من تحديد العمر الحقيقي للمهاجرين أيضا. عندها يتم فحص الأسنان والهيكل العظمي - وفي بعض الحالات شعر العانة. ولكن كل هذه التدابير قد لا تكون كافية. عندها يتم تحديد العمر باستخدام الأشعة السينية للعظام في اليد والصدر أو مفاصل الترقوة. وهو ما يقوم به معهد الطب الشرعي الألماني.
غير أن بعض الجمعيات الطبية تعتبر هذا الأسلوب بأنه "غير أخلاقي"، وتشير إلى أن "العمر العظمي" قد يختلف عن العمر الحقيقي للشخص بعدة سنوات. وعلاوة على ذلك، فإن الفحص بالأشعة السينية يعتبر تعديا على جسم الشخص. فالعديد من اللاجئين الشباب يصفون هذه الفحوصات بالتجربة المهينة، كما كشفت بعض المحادثات مع سلطات التحقيق. وغالبا ما يشتكي الكثير منهم من ظروف التنقل أيضا. فبناء على طلب من برلمان ولاية برلين في نيسان/ أبريل عام 2013، وافق مجلس الشيوخ على السماح باستخدام أصفاد اليد عند نقل طالبي اللجوء القاصرين أيضا. وذلك بهدف "تجنب مخاطر ذاتية أو خارجية ومنع هروبهم". بالإضافة إلى ذلك فإن التحقيقات تجري في ظروف سيئة، حيث يمنع عليهم في بعض الأحيان التواصل مع أشخاص آخرين ويتم عزلهم في غرف خاصة.
كابوس مسطرة اللجوء المعقدة
روان ومارولا كغيرهم من آلاف اللاجئين في ألمانيا يواجهان مشكلة أخرى أيضا. ففي إطار إجراءات اللجوء، يقوم المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين بدراسة أهلية الوافدين وأحقيتهم في تقديم طلب اللجوء والحصول عليه في ألمانيا. فإذا اكتشفت السلطات الألمانية أن طالبي اللجوء قد دخلوا لأول مرة إلى بلد آخر من الاتحاد الأوروبي، فهذا البلد يكون في الواقع ملزما باستقبالهم ودراسة طلبهم. وفي حالة روان ومارولا فإن هذا البلد هو إيطاليا. والآن يجري البحث معهما حول أسباب الهروب، التي قد تعتبرها السلطات "غير كافية".
وفي هذا الصدد يقول بيرند ميوفيتش من منظمة "ProAsyl." للدفاع عن حقوق اللاجئين، أن " العبء الكبير يكمن في إجراءات اللجوء الطويلة المدى"، حيث يمكن أن تستغرق عملية البحث والتحقيقات فترة قد تصل إلى سنة ونصف. هذا بالإضافة إلى تمديد إذن الإقامة لمدة قصيرة فقط. وهو ما يزيد من مخاوف طالبي اللجوء، حسب إيليز بيتنبيندر، المتخصصة في العلاج النفسي، مشيرة إلى أن" فترة الانتظار وعدم اليقين تزيد من حدة الاضطرابات والصدمات النفسية، التي تعرض لها طالبو اللجوء خلال رحلة هربهم". هكذا تصف إليز بيتنبيندر التي تعمل في الجمعية الوطنية لمراكز العلاج النفسي للاجئين وضحايا التعذيب، الأوضاع النفسية للعديد من اللاجئين. وتضم هذه الجمعية 25 من المراكز المتخصصة في علاج اللاجئين المصابين بصدمات نفسية. وتشير بيتنبيندر إلى تزايد نسبة حالات طالبي اللجوء، الذي يتوافدون على المراكز من أجل الحصول على العلاج.
أعباء إضافية
غير أن الأعباء النفسية للاجئين لاتؤخذ دائما بعين الاعتبار، لأن قوانين الرعاية الصحية لطالبي اللجوء تقتصر على تغطية الأمراض الحادة والمؤلمة فقط.
ولكن المنظمات الحقوقية وعلى رأسها " برو أزول" للدفاع عن حقوق اللاجئين، تشير إلى خطورة العديد من الآلام النفسية والتحديات التي يعيشها طالبو اللجوء، حيث لايسمح لهم مثلا بالعمل أو السفر خارج مكان إقامتهم. بالإضافة إلى الظروف المزرية داخل مساكن اللجوء المكتظة وغيرها من المشاكل اليومية الأخرى.
تحسين الظروف
ولكن من المتوقع أن تتحسن أوضاع اللاجئين نسبيا، حيث قررت المحكمة الدستورية الاتحادية رفع المبالغ المالية المقدمة لطالبي اللجوء واللاجئين، بما يضمن معيشة لائقة وكريمة. كما قامت بعض الولايات الألمانية بفك القيود المفروضة على حركة تنقل طالبي اللجوء داخل ألمانيا ومنحهم فرص تعلم اللغة الألمانية. وهذا ما ينص عليه أيضا مشروع القانون الحكومي، الذي وافق عليه المجلس الاتحادي في الشهر الماضي. غير أن الخوف من المستقبل سيظل يلاحق العديد من اللاجئين. ومن بينهم روان ومارولا من الصومال.