طريق اللاجئين عبر بلغاريا.. محطة للعنف والابتزاز
١٧ نوفمبر ٢٠١٥ يتعرض اللاجئون الذين يقومون باختيار الطريق البري للعبور إلى أوروبا، حيث يقطعون مسافات طويلة داخل بلغاريا وخارجها، عابرين الغابات الكثيفة والمناطق شبه المهجورة، ما يجعلهم أكثر عرضة للعنف من قبل العصابات المحلية وعصابات الاتجار بالبشر، هذا بالإضافة لشرطة الحدود البلغارية التي قد لا تقل وحشية عن العصابات الأخرى.
يصل العديد من اللاجئين إلى صربيا بوجوه متورمة وإصابات متفرقة على أجسادهم. كما يدعون تعرضهم للسرقة والضرب وفي بعض الأوقات للاحتجاز في مساكن أو فنادق، حيث يُجبرون على دفع مبلغ من المال لشخص وسيط أو للخاطفين بشكل مباشر مقابل حريتهم.
ولإلقاء الضوء على هذه القضية، قامت مجموعة من المتطوعين الذين يعلمون في مخيم للاجئين في بلدة ديمتروفغراد - وهي بلدة صربية تبعد أربعة كيلومترات فقط شمال الحدود البلغارية - بجمع شهادات اللاجئين الذين تعرضوا لحوادث مماثلة و توثيق تجاربهم.
تقول شارون سيلفي، وهي امرأة بريطانية متطوعة لتنسيق أمور اللاجئين في ديمتروفغراد: "يكون طالبي اللجوء أثناء عبورهم الأراضي البلغارية مستهدفين على حد سواء من قبل المجرمين المحليين وشرطة الحدود البلغارية، وفي الواقع لا أعرف أيهما أسوأ من الآخر!".
لدينا تقارير بممارسات ضباط الشرطة البلغارية العنيفة ضد الهاربين حيث يطلقون كلابهم عليهم ويعتدون عليهم بالضرب كما يرغمونهم على الوقف عراة في الزنزانات ليقوموا برش المياه الباردة عليهم لتعذيبهم.. لقد رأيت آثارا للإصابات... فهم يركلونهم كما لو أنهم يركلون كرات القدم".
أحمد سالم، وهو طالب في قسم هندسة الاتصالات في جلال أباد بأفغانستان، قرر أن يتجنب الاصطدام مع الشرطة البلغارية في لحظة وصوله إلى ديميتروفغراد، فاتخذ مع عائلته الطريق الجبلي سيراً على الأقدام، إلا أنه لا يشجع العائلات على اتخاذ هذا الطريق كمعبر للوصول إلى أوروبا أبداً". يتابع أحمد سالم قوله: "إن شرطة الحدود البلغارية تقوم بمطاردة اللاجئين وكأنهم يمارسون لعبة رياضية مسلية، فقد أخبرني أصدقائي أنهم يطلبون منهم أن يسلموهم أجهزة المحمول كي لا يتمكنوا من تسجيل ما يحصل أو أن يتواصلوا مع أحد ويخبروهم بما يحدث لهم.. ومن ثم يقومون بضربهم".
احتجاز من قبل تجار البشر
عادة ما تقوم شرطة الحدود البلغارية عند إمساكهم بطالبي اللجوء بإعادتهم إلى تركيا، الأمر الذي قد يكون أخف وطأة مقارنة بالآخرين ممن غُدر بهم واحُتجزوا كرهائن من قبل تجار البشر. باروز خان، البالغ من العمر 24 عاماً، كان يعمل كسائق أجرة في إقليم لغمان الواقعة في شرقي أفغانستان، يتحدث عن تجربته القاسية خلال رحلة هروبه إلى أوروبا عبر الطريق البري، حيث أنه أُحُتجز مع المجموعة التي كان يسافر معها من قبل عصابة مسلحة، في شقة سكنية بصوفيا، عاصمة بلغاريا، حيث قامت هذه العصابة بضربهم لمدة أربعة أيام متواصلة.
وأثناء وقوفه في الطابور منتظراً لدوره ليقوم بالتسجيل في ديمتروفغراد روى لـ DW تفاصيل ما حدث " كنت مسافراً مع مجموعة تتكون من 10 أشخاص ينتمون للجنسية الأفغانية أيضاً حين نشب نزاع بين المهربين أنفسهم أدى إلى احتجازنا جميعاً في غرفة ذات نافذة وحيدة موصدة بإحكام وبعيدة كل البعد عن مركز المدينة. ويتابع الشاب الأفغاني بالقول: "كنا محتجزين هناك بلا طعام بالإضافة إلى تعرضنا للضرب المبرح بشكل يومي استمر لنحو أسبوع".
ويضيف بالقول: "عندما قاموا بضربي للمرة الأولى كنت بحالة صدمة لمدة خمس دقائق لم أكن قادراً أثناءها على النطق أو الرؤية، واعتقدت أنني سأموت وهذه هي نهايتي".
كان أنف خان متورماً والجروح تغطي وجهه، وانقسمت شفته العليا لأربعة أقسام مختلفة، لذلك رفض لنا السماح بالتقاط صور لوجهه المدمى وسمح فقط بالتقاط صور للكدمات التي كانت على ظهره.
محمد حسيب، طالب جامعي درس القانون والخدمات العامة في كابول، كان أحد الذين تم احتجازهم مع خان أيضاً. عن ذلك يقول: "عندما كانوا يثملون، يأتون إلينا لضربنا وأذكر أن من بينهم كان هناك رجلان بأجسام ضخمة كلاعبي الملاكمة، تغطي الوُشوم أذرعهم وأفخاذهم. ثم فصلوا مجموعتنا إلى قسمين بغرفتين مختلفتين وقاموا بضربنا مجدداً ومطالبتنا بالمال" .
وأضاف حسيب الذي كان وجهه مدمياً أيضاً وآثار الكدمات والجروح ما تزال واضحة جداً: "تم الاعتداء على بعض الأشخاص في مجموعتي بالضرب القاسي باستخدام يد عصا ثقيلة". كما قال حسيب وخان إن مجموعتهم استطاعت مغادرة بلغاريا بعد أن جُردوا من كل مقتنياتهم الثمينة بما فيها أجهزة المحمول والساعات والمعاطف.
رحلات محفوفة بالمخاطر
الناشطة سيلفي، وهي مؤسسة صفحة (ريفيوكوم)، التي تقوم بتزويد اللاجئين بالمعلومات الأساسية عن حال الطريق أثناء رحلتهم إلى أوروبا، قالت: "لأسابيع مضت وأنا أقوم بتوثيق قصص العنف التي تمارس بحق اللاجئين وإرسالها إلى الأمم المتحدة والصليب الأحمر وبعض وسائل الإعلام وغيرها من المعنيين بمساعدة اللاجئين. لكن مع الأسف لم تقابل هذه الأعمال بالاهتمام اللازم فبعضهم من تجاهل القصص كلياً وآخرون ادعوا بأن الموضوع قيد البحث. ومنذ ذلك الحين لم يحاولوا التواصل معي لإيجاد حلول لهذه المشاكل الطارئة".
تستقبل ديميتروفغراد يومياً ما يعادل 300 لاجئ يكون معظمهم من الشبان اليافعين الأفغان والذين يمشون ما يقارب ثلاثة إلى أربعة أيام في المناطق الجبلية على طول الحدود الصربية البلغارية. وقدرت الأمم المتحدة أن نحو 13 ألف لاجئ عبروا الأراضي البلغارية منذ مطلع 2015.
متطوعون يمدون يد العون
يقوم العديد من المتطوعين المستقلين من بلدان مختلفة بتقديم المساعدة للاجئين وتوفير الغذاء لهم. يتم ذلك أحياناً بمساعدة بعض المنظمات غير الربحية كالصليب الأحمر والتمويل الجماعي التطوعي عبر الإنترنت. بالإضافة إلى الدعم المقدم من التحالف الدولي للمرأة والصحة، وهي منظمة غير ربحية أيضاً تهدف بدورها إلى تحسين صحة المرأة والطفل في أنحاء العالم.
وتذكر سيلفي تواجد بعض سائقي الحافلات الذين يقومون بنقل اللاجئين حتى الحدود الكرواتية مقابل مبلغ من المال قدره 25 يورو أي ما يعادل 27 دولاراً، الأمر الذي قد يكون مشكلة جديدة بالنسبة للاجئين بسبب تعرضهم للسرقة خلال رحلتهم الطويلة.
وتذكر إحدى الحوادث قائلة: "كان هناك لاجئان لم يتمكنا من مغادرة البلدة لعدم امتلاكهم النقود الكافية لذلك وعندما حاولت التفاوض مع سائق الشاحنة لإعطائه مبلغ 40 يورو مقابل إيصالهما وإلا سأقوم بنفسي بإيصالهم حتى محطة القطار، هددني بالقتل".
من المتوقع محاولة المزيد من اللاجئين اتخاذ الطريق البري مع حلول الطقس البارد وترتفع الشكوك في فصل الشتاء حول إمكانية تخفيض أجور السفر بالقوارب التي يقدمها المهربين بين تركيا واليونان حيث كانت الأسعار في فصل الصيف تتراوح ما بين 3000- 5000 يورو للشخص الواحد، بينما الآن انخفض السعر إلى 1000 يورو.
ويقول الطالب الأفغاني حسيب: "في البداية أردت السفر عبر البحر من تركيا إلى اليونان ولكن عندما رأيت القارب المطاطي وعلمت بأن 45 شخصاً سيركب على متن هذا القارب ارتعبت جداً من هذه الفكرة واعتقدت بأن هذا القارب مصيره الغرق لا محالة، وذلك ما دفعني لاتخاذ الطريق البري لاعتقادي بأنه أكثر أماناً".