في ظل مأساة غرق قارب مهاجرين قبالة السواحل اليونانية، نسلط الضوء على طريق الهجرة الذي يربط سواحل شرق ليبيا بأوروبا، والذي يعبره المهاجرون على متن قوارب صيد كبيرة تحمل مئات المهاجرين، في رحلة طويلة وخطيرة جداً.
إعلان
ازدادت منذ الصيف الماضي، محاولات عبور البحر الأبيض المتوسط انطلاقاً من السواحل الشرقية لليبيا، لا سيما من طبرق وبنغازي، والتي غالباً ما تكون على متن قوارب صيد كبيرة، مكونة من طابقين أو ثلاثة، وتحمل مئات المهاجرين في رحلة خطيرة جداً.
ورغم أن المسافة الفاصلة بين سواحل شرق ليبيا وإيطاليا (نحو 1000 كلم) أبعد بكثير عن نظيرتها من السواحل الغربية، بات المهربون ينظمون رحلات العبور من الشرق بشكل متزايد. وذلك من أجل تجنب دوريات خفر السواحل اللبيبي الممولة من الاتحاد الأوروبي، والتي يتركز وجودها بشكل خاص قبالة سواحل غرب ليبيا.
خلال الرحلة في البحر، شعرت أن الموت قريب جداً"
وفي تشرين الأول/أكتوبر الماضي، زار فريق مهاجرنيوز مدينة كروتوني الإيطالية في مقاطعة كالابريا، وتحدث مع مهاجرين ممن سلكوا طريق الهجرة هذا. قال أحمد، وهو أب لثلاثة أطفال ويبلغ 39 عاماً، وكان يعمل سائق شاحنة في مصر، "كلفت الرحلة كل واحد منا 110 آلاف جنيه مصري (5725 يورو). في البداية ركبنا في زورق صغير لمدة 45 دقيقة، ثم نقلونا إلى مركب كبير، عبارة عن طابقين ومقسم إلى حجرات. كان عددنا نحو 370 مهاجراً وقضينا ثلاثة أيام ونصف في البحر. خلال الرحلة كان هناك بعض الماء للشرب والتمر للأكل فقط. لكن مع دوار البحر، لم تكن لدينا أي رغبة في الأكل أو الشرب. كان المهاجرون من مصر وسوريا وبنغلادش، وكان معنا أربع عائلات سورية. خلال الليل لم يكن أمامنا سوى محاولة النوم، فالظلام يحيط بنا من كل اتجاه، وكل شخص يبقى في ركنه طوال الرحلة ولا يتحرك، لأنه لا مجال للحركة".
أما محمود أحمد سعد، وهو طالب لجوء مصري يبلغ 39 عاماً كان يقيم في مركز استقبال كروتوني، فقد وصل إلى مقاطعة كلابريا في إيطاليا بعد أن قطع البحر على متن قارب صيد كبير برفقة نحو 470 مهاجراً آخرين. انطلق القارب من مدينة امساعد الليبية، القريبة من الحدود المصرية، وقضى في البحر نحو أربعة أيام، حتى تم إنقاذهم. ويقول "خرجت من مصر لأبحث عن عمل، ولأوفر لأسرتي حياة أفضل. خلال الرحلة في البحر، شعرت أن الموت قريب جداً، وكنا متكدسين داخل القارب وعلى سطحه، إلى أن وصلنا".
ووفقاً لجيوفاني بيرنا، المنسق الميداني لمنظمة "أطباء بلا حدود" في ميناء روتشيلا يونيكا، جنوب إيطاليا، فإن المهاجرين القادمين على متن سفن خشبية كبيرة من ليبيا، عادة ما يرون لامبيدوزا أثناء رحلتهم، ولكنهم يقررون ألا يتوقفوا وأن يتابعوا طريقهم باتجاه كالابريا، ما يعني يومين أو ثلاثة أيام إضافية في البحر، "لأنهم يحظون بحرية حركة أكبر في كالابريا، مقارنة بلامبيدوزا
ما جنسيات المهاجرين الذين يعبرون طريق الهجرة هذا؟
ويسلك هذا الطريق مهاجرون من مصر وبنغلادش بشكل أساسي، بالإضافة إلى فلسطينيين وسوريين.
وقد سبق لمهاجر نيوز أن تحدث عن سهولة وصول السوريين إلى ليبيا، تحديدا مطار بنغازي من مطاري دمشق أو بيروت، فالتأشيرات بالنسبة لهم سهلة، مع تواجد الكثير من المجموعات والصفحات على وسائل التواصل التي تروج للحياة في ليبيا، وبعضها يروج لسهولة الهجرة منها إلى أوروبا.
من ضمن تلك الصفحات، هناك حسابات لشركة طيران تدعى "أجنحة الشام"، تقوم بالترويج لرحلاتها من دمشق إلى بنغازي، بما يشمل تأمين موافقات الدخول إلى البلاد (تأشيرات).
وفقا للإعلانات الخاصة بالشركة، يمكن للسوريين حجز تذكرة على متن إحدى رحلاتها المتوجهة إلى بنغازي، وستقوم هي (الشركة) بتأمين كافة الأذونات والأوراق اللازمة لهم لدخول البلاد
المتحدثة باسم مفوضية اللاجئين في ليبيا كارولين غلوك، أوضحت لمهاجر نيوز العام الماضي أن "اللغة وفرص العمل ووجود أفراد من مجتمعهم، إضافة إلى واقع أنهم لن يعيشوا في مخيمات (مقارنة بالأردن ولبنان)"، كلها عوامل تساهم برغبة السوريين بالقدوم إلى ليبيا. وتضيف "لكن بالطبع، بمجرد وصولهم إلى ليبيا، ونظرا إلى موقع ليبيا الجغرافي، سيساور الإغراء بعضهم للعبور إلى أوروبا.
الهجرة غير الشرعية.. مواقف وأوضاع شركاء أوروبا بشمال أفريقيا
تكثف دول الاتحاد الأوروبي مؤخراً مساعيها من أجل كبح جماح الهجرة غير الشرعية نحو أراضيها، وذلك من خلال عقد شراكات وثيقة مع دول شمال أفريقيا، لكن كيف هي أوضاع ومواقف هذه الدول من أزمة اللاجئين والهجرة غير الشرعية؟
صورة من: Abdelhak Senna/AFP/GettyImages
مصر: بلد عبور يثير القلق
في السنوات الأخيرة تحولت مصر إلى أحد بلدان العبور إلى أوروبا المثيرة للقلق. ولا توجد أرقام دقيقة من جانب السلطات المصرية عن أعداد اللاجئين والمهاجرين السريين، الذين انطلقوا من السواحل المصرية على متن قوارب الصيد. لكن بحسب الوكالة الأوروبية لمراقبة الحدود "فرونتكس"، فقد انطلقت عام 2016 نحو ألف سفينة تهريب بشر من مصر. كما شكلت مصر كابوساً للهجرة غير الشرعية إلى أوروبا عام 2016.
صورة من: picture-alliance/dpa
مصر: موقف متحفظ
أثار قرار إقامة مراكز لجوء أوروبية في دول شمال افريقيا، بينها مصر انتقادات المنظمات الحقوقية التي تعنى بشؤون اللاجئين، و تتهم هذه المنظمات نظام عبد الفتاح السيسي بانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. وأبدت مصر عن موقف متحفظ إزاء إقامة أوروبا مراكز لاستقبال اللاجئين على أراضيها. في المقابل يُشاع أن مصر تسعى للدخول في مساومة مع أوروبا لمنع تدفق المهاجرين إلى أوروبا مقابل مساعدات مالية.
صورة من: DW/M. Hashem
ليبيا: هاجس بدون حل
تعد ليبيا واحدة من أهم دول عبور المهاجرين واللاجئين السريين نحو أوروبا. ظلت موجة الهجرة المتدفقة من هذا البلد تمثل هاجساً للزعماء الأوروبيون، الذي لم ينجحوا لحد الآن في إيجاد حل له. في عام 2008 اُبرم اتفاق أوروبي ليبي لمكافحة الهجرة مقابل 500 مليون دولار. وكان الزعيم الليبي معمر القذافي قد تنبأ بتدفق ملايين المهاجرين لأوروبا وطالب آنذاك بروكسل بدفع خمسة مليارات يورو سنويا لليبيا.
صورة من: picture-alliance/dpa/AP/Küstenwache Lybien
ليبيا: موقف رافض
في عام 2017 وصل حوالي 150 ألف مهاجر إلى أوروبا عبر المتوسط. و من أجل كبح جماح هذا التدفق اتفق زعماء الاتحاد الأوروبي على خطة جديدة وكان أهم مقترحاتها إقامة مراكز خارجية لاستيعاب المهاجرين في دول شمال أفريقيا. وقوبل هذا المقترح الأوروبي بالرفض من أغلب دول شمال أفريقيا، بينها ليبيا، التي أعلنت رفضها لأي إجراء يتعلق بإعادة المهاجرين السريين إليها.
صورة من: AP
تونس: ارتفاع عدد الرحلات غير الشرعية
بالرغم من تشديد الحكومة اليمينية الشعبوية في إيطاليا ودول الاتحاد الأوروبي من استقبال قوارب المهاجرين ومراكب المنظمات الناشطة لإنقاذ المهاجرين في البحر، إلا أن الفترة الأخيرة شهدت موجة رحلات هجرة غير شرعية انطلقت من السواحل التونسية باتجاه ايطاليا. فبحسب أرقام للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين ومنظمة الهجرة الدولية، فإن 3811 مهاجرا تونسيا سري وصلوا السواحل الإيطالية هذا العام حتى نهاية آب/أغسطس.
صورة من: DW
تونس: رفض معسكرات المهاجرين
لا يختلف موقف تونس عن موقف دول شمال أفريقيا الرافضة لقرار تقديم الاتحاد الأوروبي المزيد من الدعم المالي لدول شمال أفريقيا مقابل المساعدة في التصدي للهجرة غير الشرعية من خلال إقامة معسكرات للمهاجرين.
صورة من: dapd
الجزائر: أكبر دول المنطقة
الجزائر هي أكبر دول منطقة شمال افريقيا، التي يعبرها المهاجرون باتجاه البحر المتوسط نحو أوروبا. ولا توجد إحصاءات رسمية جزائرية بشأن عدد المهاجرين الجزائريين غير الشرعيين، غير أن تقريرا نشرته في عام 2015 منظمة "ألجيريا ووتش" (غير حكومية)، استنادا إلى الوكالة الأوروبية لمراقبة الحدود "فرونتكس"، وضع الجزائر في المرتبة التاسعة بين الدول المصدرة للهجرة غير الشرعية عبر الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي .
صورة من: picture-alliance/dpa/F. Batiche
الجزائر ترفض مراكز الاستقبال
تتعاون الجزائر مع الاتحاد الأوروبي في ملف الهجرة غير الشرعية، وذلك عن طريق إعادة المهاجرين السريين القادمين من دول جنوب الصحراء إلى وطنهم، إذ رحلت خلال الأربع والخمس سنوات الماضية حوالي 33 ألف مهاجر و لاجئ أفريقي إلى بلدانهم بجنوب الصحراء. كما ترفض الجزائر من جانبها بناء مراكز لإيواء المهاجرين الأفارقة على أراضيها.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Kappeler
المغرب: عودة الهجرة بقوة
عرفت السواحل الإسبانية هذا العام تدفقاً لما يعرف بـ "قوارب الموت" التي تنطلق من الطريق البحرية بين إسبانيا والمغرب والجزائر. فمن أصل 74.501 مهاجرسري وصلوا أوروبا بحراً، استقبلت إسبانيا لوحدها حوالي 43 بالمئة منهم (32.272)، وذلك في الفترة بين الأول من كانون الثاني/ يناير و12 أيلول/سبتمبر 2018، ممّا يجعلها الوجهة الأولى للهجرة السرية عبر البحر الأبيض المتوسط.
صورة من: picture alliance/AP Photo
المغرب: حسابات سياسية ومالية
منذ سنوات يحاول الاتحاد الأوروبي إبرام اتفاق مع المغرب بخصوص عودة المهاجرين من دول افريقيا جنوب الصحراء. ولكن المغرب يرفض ذلك لأسباب سياسية ومالية، أهمها أن ذلك يتعارض مع مسعى المغرب لتقوية علاقاته مع الدول الأفريقية جنوب الصحراء، والاستفادة منها اقتصادياً من خلال شراكات تجارية، وأيضاً لدعم موقف المغرب في النزاع حول الصحراء الغربية.