طلاب يستعيدون أحلامهم: حلول إسعافية لمتابعة التعليم في إدلب
١٥ نوفمبر ٢٠٢٥
"لا يمكن لقسوة الظروف أن تقف في طريق أحلامي بعد اليوم، أتمنى أن أصبح محامية أدافع عن حقوق المظلومين." بهذه الكلمات اختصرت الطالبة فاطمة الفارس (12 عاماً) حديثها عن طموحها الذي تتمسك به، رغم معاناتها داخل خيمة تعليمية مهترئة، تفتقر لأدنى مقومات التعليم في قرية كفرعين بريف إدلب الجنوبي، دون مقاعد تجلس عليها مع زميلاتها، ولا تجهيزات مدرسية، حيث افترشن حصيراً بالية فوق أرضٍ ترابية، لمتابعة دروسهن. وتؤكد فاطمة لـ DW عربية أنها انقطعت عن الدراسة خلال سنوات النزوح لمدة عامين بسبب بعد المخيم الذي سكنته عن المدرسة. وعن ذلك تقول بحرقة: "لم أتمكن من مواصلة الدراسة خلال النزوح بسبب ظروف أسرتي الصعبة ومرض والدي وبعد المخيم، واليوم أعود إلى الخيمة التعليمية لأكمل تعليمي رغم كل شيء".
وتبين أن الخيمة لا تمنع برد الشتاء أو حر الصيف، كما أنها ضيقة لا تتسع لجميع الطالبات، ولا تمنع الأصوات الخارجية من التأثير على سير الدروس، كما تفتقر للمقاعد والسبورات والوسائل التعليمية، مما يزيد من صعوبة التعلم. وتشير فاطمة أنها كانت تقيم مع أهلها في خيمة طوال فترة النزوح، وكل ما تتمناه بعد عودتها أن تدرس في صف مدرسي له جدران ونوافذ وفيه مدفأة.
الطالبة فاطمة التي تنطلق أحلامها بمستقبل أفضل من خيمة قماشية أريد لها أن تكون مدرسة، ليست استثناء، بل حالها كحال كثير من طلاب الشمال السوري، فرغم مرور ما يقارب العام على الإطاحة بالرئيس السابق بشار الأسد من قبل فصائل المعارضة المسلحة، لا تزال مئات المدارس مدمرة، ولا يزال ملايين الأطفال في سوريا خارج المدارس، حيث يعاني القطاع التعليمي في عدد من القرى والبلدات بريف إدلب من ضعف واضح في المقومات الأساسية والتجهيزات الضرورية للعملية التعليمية، ما يضاعف الأعباء على المعلمين والطلاب، ويجعلهم يواجهون تحديات شبه يومية، ويتوجهون لحلول بديلة منها التعليم في الخيام أو الكرفانات أو في مدارس مدمرة لمتابعة التعليم دون انقطاع.
دروس في الحظائر
الكثير من الأهالي والمعلمين اضطروا لمتابعة تعليم أبنائهم في أماكن غير مخصصة للتعليم وتفتقد أدنى مقومات العملية التعليمية.
ابراهيم الهويان مدير مدرسة كفرعين بريف إدلب الجنوبي يقول: "المدرسة الوحيدة الموجودة في القرية مدمرة بشكل كامل، لذا استعضنا عنها بالخيام ومستودع قديم كان فيما مضى حظيرة للأغنام، قمنا بتنظيفه بمساعدة أهالي القرية، ليكون مدرسة". ويضيف لـ DW عربية: "تعرضت القرية لقصف عنيف أدّت إلى دمار واسع طال الأحياء السكنية والبنى التحتية، كذلك المدرسة الوحيدة لم تسلم من الأذى، إذ تدمرت بشكل كامل، ما اضطرنا إلى اعتماد الخيام والمنازل الخاصة كحلول بديلة لمتابعة تعليم أبنائنا حتى لا ينقطعوا عن الدراسة".
ويشير الهويان أن هذه البدائل تفتقر إلى أبسط المقومات التعليمية مثل المقاعد والسبورات والوسائل التعليمية، مما يزيد من صعوبة العملية التربوية. وأعرب الهويان عن قلقه المتزايد على الطلاب مع اقتراب فصل الشتاء، إذ إن الخيام التي تحولت إلى صفوف دراسية لا توفر أي حماية من البرد أو الأمطار، مما يجعل الأطفال عرضة للأمراض وتراجع القدرة على التعلم.
وطالب الجهات المعنية بـ إيجاد حل جذري وسريع قبل تفاقم المعاناة التي تثقل كاهل المعلمين والطلاب على حد سواء، مؤكداً أن التعليم في تلك الظروف بات رهينة للبرد والحرمان.
مدارس متهالكة
ويتابع معلمون تعليم طلابهم في مدارس لا تزال تحمل آثار الدمار، في محاولة لترميم ما يمكن ترميمه من حق التعليم، منها بلدة معرشمارين، حيث أعاد الأهالي فتح المدرسة رغم غياب النوافذ والأبواب والمقاعد، حيث يجلس التلاميذ على الأرض لتلقي دروسهم .
يقول مدير مدرسة معرشمارين الأساسية، عبدالله الرحال: "نحاول أن نوفر الحد الأدنى من التعليم بعد عودة الطلاب إلى المدرسة، لكن الإمكانات ضئيلة، والشتاء على الأبواب، فهم يدرُسون اليوم دون مقاعد وسبورات، وحتى دون أبواب ونوافذ، يجلسون على الأرض، مما يعرضهم لنزلات البرد والعديد من الأمراض، وسط ظروف إنسانية بالغة الصعوبة، فيما يبذل المعلمون جهداً مضاعفاً لمنع انقطاعهم عن الدراسة".
ويضيف الرحال لـ DW عربية: "غياب المرافق الأساسية يثير مخاوف الأهالي على صحة أطفالهم، لا سيما مع انخفاض درجات الحرارة، لذا نطالب بتدخّل عاجل لتأمين الحد الأدنى من التجهيزات، لأن الوضع لم يعد يُحتمل". ويشير إلى أن مدارس ريف إدلب كانت قد تعرّضت خلال فترة سيطرة نظام الأسد السابق على المنطقة لعمليات نهب وتخريب، ما أدّى إلى دمارها وسرقة تجهيزاتها.
إمكانيات ضعيفة
وأفادت جميلة الزير، معاونة مدير التربية في إدلب، أن العديد من التحديات تعرقل العملية التعليمية بريف إدلب الجنوبي الذي كان تحت سيطرة النظام السابق منها الدمار الكبير للبنية التحتية، فالكثير من المدارس تعرضت للقصف والدمار، مما أثر بشكل مباشر على قدرة الطلاب على الوصول إلى التعليم، وحتى المدارس التي لم تُدمّر بشكل كامل تضررت بشدة مما يجعل استخدامها صعب، فضلاً عن الافتقار للموارد والمستلزمات، فهناك نقص الأدوات التعليمية، والموارد الأساسية التي تعتبر ضرورية لنجاح العملية التعليمية.
وتشير أن 211 مدرسة لا تزال خارج الخدمة في تلك المناطق. وتلفت أن هناك خططاً للترميم، لكنها تتأخر بسبب ضعف الكوادر والميزانيات، لذا تعمل بعض المجتمعات المحلية في المناطق الريفية على ترميم المدارس من خلال الاستفادة من الدعم المحلي وتمويل المنظمات الإنسانية، أو عن طريق الدعم الحكومي.
وتبين جميلة الزير لـ DW عربية أن الحلول البديلة قبل ترميم المدارس المدمرة هي من خلال استخدام الحلول المؤقتة منها المساجد، أو القاعات المجتمعية، أو حتى الخيام لإعطاء دروس للطلاب. وشددت على أن الإقبال كبير على التعليم رغم الظروف الصعبة، إلا أن البيئة الصفية الحالية غير مناسبة للطلاب. مؤكدة أن مدارس ريف إدلب لا تزال تشهد ارتفاعاً في معدلات التسرب بين الطلاب.
خيام وكرفانات
كما لجأ أهالي بعض القرى للاعتماد على الكرفانات للتعليم، باعتبارها أكثر أماناً وثباتاً في مواجهة برد الشتاء وأمطاره، كما توفر بيئة تعليمية أفضل نسبياً من الخيام المهترئة.
محمود أحمد عز الدين مدير مدرسة ياسر دخل الله في بلدة كفرنبودة يقول لـ DW عربية: "تم اللجوء إلى الكرفانات كحل إسعافي مؤقت، نتيجة للدمار الكبير الذي طال البنية التحتية التعليمية، حيث تعرضت جميع مدارس البلدة لأضرار متفاوتة، وصلت في بعضها (كمدرسة ياسر دخل الله وثانوية خالد الشيخ) إلى مستوى الدمار الكامل، فكانت الحاجة ملحة لاستيعاب عدد كبير من الطلاب الذين حرموا من مقاعدهم الدراسية، تزامناً مع غياب البدائل الأخرى ريثما يتم إعادة إعمار المدارس.
ويشير أن الكرفانات الحالية لا تتسع لأعداد الطلاب، فالمدرسة مجهزة بـ 9 كرفانات فقط، وعدد الطلاب المسجلين يبلغ 686 طالباً وطالبة، مما يؤدي إلى اكتظاظ وضعف في جودة التعليم. ويضيف: "هذه الكرفانات لا يمكن أن تكون حلاً دائماً لأنها غير مجهزة بشكل جيد لوجستياً، وتعاني من ضعف العزل الصوتي والحراري، فضلاً عن أن مساحتها ضيقة ولا تلبي احتياجات الطلاب .
يؤكد عز الدين أن مقومات العملية التعليمية متوفرة بشكل محدود جداً، حيث لا توجد مرافق أساسية ملائمة مثل دورات المياه، كما تعاني المدرسة من مشاكل في البنية التحتية (أسقف، نوافذ، أبواب)، ونقص حاد في الكتب المدرسية والوسائل التعليمية. ويضيف قائلاً: "على الرغم من التحديات، فإن العملية التعليمية في بلدة كفرنبودة مستمرة بجهود المجتمع المحلي، إلا أن التدخل العاجل لا يزال ضرورياً لضمان بيئة تعليمية آمنة ومناسبة لجميع الطلاب".
بعد أن تحولت مدارسهم إلى ركام، وعاشوا ويلات الحرب، يحاول الطلاب في الشمال السوري استعادة حقهم في التعليم، فمن ركام المدارس المهدمة تقام فصول الأمل من جديد، لتعلن العودة لمقاعدهم الدراسية، وتمردهم على قسوة الظروف، وسعيهم لتحقيق أحلامهم المؤجلة.
تحرير: خالد سلامة