أعلنت الصين والسعودية خلال مؤتمر الأعمال العربي الصيني العاشر 2023 عن صفقات بمليارات الدولارات في مؤشر على مزيد من التقارب بين البلدين. غير أن ذلك يثير قلق واشنطن التي تعد أقرب حلفاء الرياض في الشرق الأوسط.
إعلان
أعلنت الصين والسعودية مؤخرا عن صفقة استثمارات بقيمة 10 مليارات دولار خلال مؤتمر الأعمال العربي الصيني العاشر الذي استمر يومين في الرياض، فيما يعد مؤشرا قويا على تحول خريطة التوازنات والقوى في الشرق الأوسط. وذكرت وكالة الأنباء السعودية الرسمية "واس" أن 30 اتفاقية تم توقيعها في قطاعات متعددة بما في ذلك التكنولوجيا والطاقة المتجددة والزراعة والعقارات والتعدين والسياحة والرعاية الصحية.
وجرى وصف مؤتمر الأعمال العربي الصيني العاشر بأنه "تجمع ضخم" بمشاركة 3500 من قادة الأعمال والمبتكرين وصناع القرار من أكثر من 26 دولة بما في ذلك أكبر وفد صيني على الإطلاق. يشار إلى أن السعودية مازالت الشريك الرئيسي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، لكن التقارب بين الرياض وبكين يؤشر على تراجع النفوذ الأمريكي في المنطقة خاصة بعد أن أفضت الوساطة الصينية إلى تطبيع العلاقات بين السعودية وإيران بعد سنوات من القطيعة.
مجال السيارات الكهربائية
ومن بين الصفقات الكبيرة بين السعودية والصين التوقيع على مذكرة تفاهم بقيمة 5.6 مليار دولار بين وزارة الاستثمار السعودية وشركة تصنيع السيارات الكهربائية الصينية "هيومان هورايزونز" لإنشاء مشروع مشترك للأبحاث في صناعة السيارات وتطويرها وتصنيعها وبيعها.
وقال وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان خلال إبرام الصفقة "ليس علينا أن نتنافس مع الصين بل علينا أن نتعاون مع الصين"، فيما قلل من شأن شكوك الدول الغربية حيال تنامي العلاقات بين بكين والرياض.
وفي ذلك، قال "أتجاهل ذلك بالفعل لأني كرجل أعمال سوف أذهب حيثما تكون الفرصة"، فيما سبق ذلك بثلاثة أيام خروج وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن ليبلغ نظيره السعودي بأن واشنطن لن تجبر حليفتها الرياض على الانحياز لأي طرف على حساب آخر في إطار التوترات مع الصين.
وقال قادة سعوديون إنهم حريصون على تجنب الانخراط في "لعبة محصلتها صفر" في إشارة ضمنية إلى التنافس الجيوسياسي بين الولايات المتحدة والصين الذي يعتقد بعض المحللين بأنه يمكن أن يصب في صالح أكبر مصدر للنفط في العالم.
وفي مقابلة مع DW، قالت دون ميرفي، الأستاذة المشاركة في دراسات الأمن الدولي في كلية الحرب الجوية الأمريكية، إن نفوذ الصين يمنح دول الشرق الأوسط "مزيدا من القدرة على المناورة في علاقاتها مع الولايات المتحدة".
وأضافت "لكنني لا أعتقد أن هذه الدول لديها أي توقعات بأن الصين سوف تقدم على تقديم نفس الضمانات الأمنية التي توفرها الولايات المتحدة.. هذا الأمر يحمل في طياته تواجدا اقتصاديا وسياسيا."
رؤية 2030.. مستقبل العلاقات
ولا تعد العلاقات الاقتصادية القوية بين السعودية والصين وليدة اللحظة بل تعود إلى عقود ماضية فيما بلغت قيمة التجارة البينية أكثر من 106 مليارات دولار عام 2022 بزيادة 30 بالمائة عن عام 2021 بفضل شهية الصين الكبيرة للواردات النفطية السعودية.
في المقابل، بلغ حجم التجارة بين الولايات المتحدة والسعودية 55 مليار دولار خلال عام 2022 بزيادة نسبتها 39 بالمائة عن عام 2021، وفقا لأرقام سعودية رسمية.
يشار إلى أن الصين تستورد نصف حاجتها من النفط من الشرق الأوسط فيما تعد السعودية وإيران أكبر مصادرها.
يتزامن هذا مع مساعي الرياض إلى تنويع اقتصادها بعيدا عن الاعتماد بشكل منفرد على النفط وذلك في إطار "رؤية 2030" التي أطلقها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، فيما تستعد الشركات الصينية للاستفادة من هذا التوجه.
ويعد "قطار المشاعر المقدسة" أحد ثمار التعاون بين السعودية والصين إذ شاركت في تنفيذه شركات صينية فيما يعد الخط الحديدي الذي يبلغ طوله 18 كيلومتراً أول خط سكة حديد كهربائي مزدوج وعالي السرعة في السعودية.
كذلك، فازت شركة إنشاءات صينية بعقود لبناء نفق للسكك الحديدية عالي السرعة بطول 28 كيلومترا إلى مدينة "نيوم " السعودية على البحر الأحمر فيما اشتركت عدة دول من الشرق الأوسط في مشروعات البنية التحتية المرتبطة في إطار مبادرة "الحزام والطريق" الصينية الرامية إلى تعزيز التجارة بين آسيا وبقية العالم.
الوساطة بين السعودية وإيران.. نقطة تحول
وكان مارس / آذار الماضي موعدا لإظهار قوة النفوذ الصيني في الشرق الأوسط بعد أن ساعدت الوساطة الصينية في تطبيع العلاقات بين السعودية وإيران بعد قطيعة دامت سبع سنوات وهو الأمر الذي أفضى إلى إعادة العلاقات بين الرياض ودمشق ما أثار انتقادات أمريكية. يضاف إلى ذلك قيام رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بزيارة إلى بكين بعد أن أبدى عدد من الساسة الصينيين عن استعدادهم للمساعدة في تسهيل استئناف محادثات السلام المتوقفة بين إسرائيل والفلسطينيين.
تزامن هذا مع استمرار توتر العلاقات الأمريكية السعودية منذ مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية في اسطنبول عام 2018، لكن الأمر تفاقم بعد قدوم الرئيس جو بايدن إلى البيت الأبيض مطلع عام 2021 وإصدار الاستخبارات الأمريكية تقرير جاء فيه أن محمد بن سلمان "وافق على عملية اعتقال أو قتل" خاشقجي وهو ما نفاه ولي العهد السعودي. واتسمت العلاقات بتوتر آخر على وقع التدخل السعودي في الحرب اليمنية وسوق النفط وأيضا اتهامات حقوقية ضد الرياض.
بريكس ومستقبل الدولار
وتواجه الولايات المتحدة دخول لاعبين جدد لمنافسة نفوذها القوي في الشرق الأوسط خاصة مع ما أبدته مصر والسعودية والإمارات والجزائر والبحرين عن رغبتها في الانضمام إلى "دول مجموعة بريكس" التي تضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا.
وقالت موسكو إن اللقاء المقبل للتحالف في يونيو/ حزيران سوف يناقش إنشاء منظومة عملة جديدة لإتمام المعاملات التجارية بين الدول الأعضاء. وقد دفعت العقوبات الغربية على روسيا بما في ذلك تجميد حوالي 300 مليار دولار من احتياطي الذهب والنقد الأجنبي للبنك المركزى الروسى فى الخارج، العديد من الدول الغنية خارج المنظومة الغربية إلى العمل باتجاه أن تصبح أقل اعتمادا على الدولار الأمريكي والنظام المصرفي الأمريكي.
وقد أنشأت بريكس نظام مدفوعات مصرفي على غرار منظومة "سويفت" فضلا عن دراستها إنشاء عملة بديلة، فيما أعرب قادة سعوديون عن استعدادهم لاستبدال الدولار باليوان في المبيعات النفطية بين الصين والسعودية.
ورغم أن العديد من المحللين يعتقدون أن مثل هذه الخطوة ستقوض الهيمنة الأمريكية في الشرق الأوسط، إلا أن دون ميرفي، الأستاذة المشاركة في دراسات الأمن الدولي في كلية الحرب الجوية الأمريكية، قللت من شأنها في ضوء أن العملة الصينية مازلت غير قابلة للتحويل بحرية تاجه العملات الدولية وغير متوفرة بشكل واسع.
نيك مارتن / م. ع
الرياض وواشنطن.. عقود من النفط والسلاح والمال مقابل الحماية
قامت العلاقات السعودية الأمريكية منذ تأسيس المملكة على مبدأ المصالح المتبادلة، بيد أن النفط والمال السعوديين كانا محركين أساسيين لهذه العلاقة ومقابل ذلك اعتمدت المملكة على حماية أمريكا، لكن العلاقات شهدت بعض التوترات.
صورة من: picture-alliance/Everett Collection
1931: اعتراف أمريكي بدولة وليدة
الولايات المتحدة تعترف بمملكة الحجاز ونجد، التي أعيد تسميتها إلى المملكة العربية السعودية في العام التالي. وبعد عامين منحت المملكة امتياز التنقيب عن النفط لشركة ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا. وحقق فرعها السعودي، الذي أعيد تسميته فيما بعد إلى أرامكو، أول اكتشاف تجاري في عام 1938. ولم تستكمل السعودية شراء 100 بالمئة من أسهم الشركة إلا في 1980.
صورة من: picture alliance/dpa/CPA Media Co. Ltd
1945: لقاء في قناة السويس
الرئيس الأمريكي فرانكلين دي. روزفلت يلتقي مع الملك عبد العزيز على متن السفينة يو.إس.إس كوينسي في قناة السويس، مما مهد الطريق أمام علاقات وثيقة على مدى عقود من الزمن.
صورة من: picture alliance/akg-images
1950 – 1951: من النفط إلى السلاح
أعادت السعودية التفاوض بشأن امتياز أرامكو لتحصل على مزيد من الإيرادات. وبعد عام من ذلك وقعت المملكة مع الولايات المتحدة اتفاقية دفاع متبادل، مما فتح الطريق أمام مبيعات هائلة من الأسلحة الأمريكية.
صورة من: picture alliance/dpa/TASS
1973: حظر نفطي
انضمت السعودية إلى حظر نفطي عربي على الولايات المتحدة ودول أخرى بسبب دعمها لإسرائيل في حرب 1973 مع مصر وسوريا، مما أدى إلى تضاعف أسعار النفط إلى أربع مرات تقريباً. رفع الحظر في 1974.
صورة من: Pierre Manevy/Express/Hulton Archive/Getty Images
1979: تمويل "المجاهدين" الأفغان
بالتعاون مع الولايات المتحدة وباكستان، ساعدت المملكة السعودية في تمويل المقاومة الأفغانية للاحتلال السوفييتي. وقام العديد من السعوديين، ومن بينهم أسامة بن لادن السعودي المولد، بتمويل المقاتلين الأفغان والانضمام إليهم.
صورة من: AFP/Getty Images
1990: غزو الكويت
بعد أن قام نظام الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين بغزو الكويت، استخدم التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة السعودية نقطة انطلاق لطرد القوات العراقية من الكويت. وشاركت القوات السعوية في العملية. وبعد ذلك غادرت معظم القوات الأمريكية المملكة، لكن الآلاف بقوا هناك.
صورة من: picture-alliance/dpa
1996: تفجير الخبر
أدى انفجار شاحنة مفخخة في مجمع عسكري أمريكي في الخبر إلى مقتل 19 جندياً أمريكياً. أعلن زعيم تنظيم القاعدة إسامة بن لادن "الجهاد" ضد الأمريكيين واصفاً القوات الأمريكية هناك بقوات احتلال.
صورة من: picture-alliance/AFP/EPA
2001: هجمات سبتمبر الإرهابية
قتل نحو ثلاثة آلاف في هجمات 11 سبتمبر/ أيلول التي نفذها خاطفو طائرات من تنظيم القاعدة. ومن بين 19 خاطفاً، كان هناك 15 سعودياً. ونفت السعودية أي صلة أو معرفة بالهجمات. لم تجد لجنة حكومية أمريكية في 2004 أي دليل على أن السعودية مولت القاعدة بشكل مباشر. وتُرك الأمر مفتوحاً بشأن ما إذا كان مسؤولون سعوديون قد فعلوا ذلك بصورة فردية أم لا.
صورة من: picture alliance/dpa/NIST
2003: غزو العراق
لم تشارك السعودية في الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق. وسحبت الولايات المتحدة جميع القوات القتالية المتبقية من المملكة. في هذا العام قتل ثلاثة مفجرين انتحاريين 35 شخصاً على الأقل، بينهم تسعة أمريكيين، في الرياض، وذلك في إطار هجمات ضد أجانب ومنشآت حكومية سعودية.
صورة من: picture-alliance/dpa
2011: الربيع العربي
هزت الاضطرابات العالم العربي بسبب الانتفاضات والاحتجاجات التي سُميت بـ "الربيع العربي". وسرعان ما أبدت السعودية قلقها مما تعتبره تخلي الرئيس باراك أوباما عن الرئيس المصري حسني مبارك حليف الولايات المتحدة.
صورة من: AFP/Getty Images
2013: قلق وشكوى
في حدث نادر أعلن أفراد العائلة المالكة للسعودية عن تذمرهم علناً من سياسات الحليف الأمريكي بعد أن حاولت إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما تغيير نهجه بلاده إزاء إيران وعدم تدخلها بقوة في الملف السوري الملتهب بخلاف تدخلها في إسقاط النظام بليبيا.
صورة من: Reuters/Jim Bourg
2015: الملف النووي الإيراني
بعد أن توصلت القوى العالمية الكبرى إلى اتفاق مع إيران لتخفيف العقوبات على طهران مقابل فرض قيود على برنامجها النووي، أعلنت الرياض عن خشيتها أن يقوي هذا الاتفاق الغريم الإيراني. وفي هذا العام شنت المملكة حملة عسكرية على الحوثيين المتحالفين مع إيران في اليمن بعد أن أبلغت واشنطن قبلها بساعات قليلة فقط. لكن الولايات المتحدة قدمت الدعم العسكري المطلوب.
صورة من: Reuters/C. Barria
2016: فيتو الكونغرس
ألغى الكونغرس حق النقض (الفيتو) الذي استخدمه أوباما ضد قانون يرفع الحصانة السيادية ويفتح الطريق أمام أقارب ضحايا 11 سبتمبر/ أيلول لمقاضاة السعودية بشأن الهجمات الإرهابية التي أوقعت الآلاف من القتلى والجرحى.
صورة من: picture-alliance/ dpa
2018: انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي
أبدت السعودية ترحيبها بقرار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران. وفي نوفمبر/ تشرين الثاني، أدانت الولايات المتحدة مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول.
صورة من: picture-alliance/Xinhua/T. Shen
2019: دور محمد بن سلمان
قام مشرعون أمريكيون، مستشهدين بأدلة على دور ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في قضية خاشقجي ومدفوعين بالغضب من الخسائر بين المدنيين في الغارات الجوية السعودية باليمن، بزيادة جهود منع بيع الأسلحة إلى الرياض. وقالت الرياض إن قتل خاشقجي ارتكبته مجموعة خالفت صلاحيات الأجهزة وتنفي أن يكون للأمير محمد بن سلمان أي دور.
صورة من: Getty Images/W. McNamee
2020: دعم لاتفاقيات إبراهيم
أعلنت السعودية دعمها لاتفاقيات إبراهيم التي أقام بموجبها حلفاؤها الإمارات والبحرين علاقات مع إسرائيل. ولم تصل الرياض إلى حد الاعتراف بإسرائيل نفسها.
صورة من: Alex Wong/Getty Images
2021: سجل حقوق الإنسان
تبنى الرئيس الأمريكي جو بايدن موقفا أكثر تشددا تجاه سجل السعودية في حقوق الإنسان. وتعهد بايدن أثناء حملته الرئاسية بجعل الرياض "منبوذة" بسبب مقتل خاشقجي. كما أعلن بايدن وقف الدعم الأمريكي للعمليات الهجومية في اليمن، بما في ذلك مبيعات الأسلحة ذات الصلة.
صورة من: Yasin Ozturk/AA/picture alliance
2022: "قيادة شجاعة"
في يونيو/ حزيران الماضي، قال بايدن إن المملكة أظهرت "قيادة شجاعة" من خلال مساندة تمديد الهدنة المدعومة من الأمم المتحدة في اليمن. ومع ارتفاع أسعار النفط بسبب الحرب في أوكرانيا، رحب البيت الأبيض بقرار دول أوبك+ زيادة الإمدادات النفطية.