55 ألف صورة لضحايا قتلوا تحت التعذيب في سجون النظام السوري خرجت إلى الضوء بعد أن سربها مصور منشق عرف باسم "قيصر". الصور جمعت عائلات الضحايا في رابطة انطلقت من برلين من أجل المطالبة بمحاسبة المسؤولين عن مقتل أبنائهم.
إعلان
"كنت متأكدة من أنه زوجي، على الأقل بنسبة 90 في المئة، إنه زوجي ... يبدو نحيفا جدا...اقتلعوا عينيه حيا"، هذا ما قالته أمل عن قصتها. وهي واحدة من بين آلاف القصص التي تختفي من وراء صور "قيصر" المسربة، أطفال ونساء وأمهات وآباء، توقف العالم أمامهم حينما عاينوا صور أحبائهم المعذبين عبر الانترنت.
في عام 2014 قام رجل، يعمل في مركز التوثيق للشرطة العسكرية بسوريا لقب بـ"قيصر"، بتسريب صور التقطها لعدد من الأشخاص ممن توفوا تحت التعذيب في سجون النظام السوري، والتي وجدت طريقها إلى الكونغرس الأمريكي، وتم على إثرها إقرار قانون لحماية المدنيين السوريين في نهاية عام 2019.
قانون الكونغرس الأمريكي سبقته محاولة لدى عائلات سورية في ألمانيا ودول أوروبية، لجمع شهاداتهم معا وتقديم مرتكبي التعذيب إلى المحاكمة، تحت اسم "رابطة عائلات قيصر".
البداية
ولدت فكرة إنشاء الرابطة عام 2017 حينما سمعت ياسمين مشعان، 39 عاما، عن قرار المركز السوري للإعلام وحرية التعبير برفع دعوات باسم المعتقلين السابقين ضد عدد من الضباط السوريين، "هاتفتهم وتساءلت إن كان بإمكانهم متابعة قضايا ضحايا التعذيب ممن ظهرت صورهم في قيصر"، ولكن المركز أكد أن الحملة تعنى بالمعتقلين السابقين، "تواصوا معي بعد فترة قصيرة لأن العديد من العائلات ممن فقدوا أحبائهم في التعذيب تواصلوا معهم لذات الأمر".
قام المركز السوري بجمع ياسمين مع مريم الحلاق، 66 عاما، والتي فقدت ابنها أيهم خلال التعذيب، وظهرت صورته بين التسريبات، وكان يعرف أيهم بنشاطه في المركز السوري قبيل اعتقاله واختفائه في نوفمبر 2012.
"ومن هنا بدأت فكرة تأسيس رابطة عائلات قيصر في شباط عام 2017"، كما تعلق ياسمين، مديرة التواصل والتنسيق الداخلي في الرابطة لمهاجر نيوز، والتي تم تسجيلها بشكل رسمي في ألمانيا عام 2018، تحت رعاية المركز السوري، وتنتشر في السويد وهولندا وفرنسا.
الخوف من الملاحقة
ياسمين مشعان، خريجة معهد صيدلة وصلت إلى ألمانيا قبل نحو 4 سنوات، مع أطفالها الخمسة، فقدت 5 أخوة خلال الأحداث في سوريا، من بينهم أخ تعرض للتعذيب وانتشرت صورته ضمن الصور المسربة، "كان عمره 36 عاما، وأب لطفلتين".
وجدت ياسمين أن من واجبها ملاحقة ممن أسمتهم بـ"المجرمين"، ورغم أنها لا تمانع من العمل بشكل علني، ولكنها واجهت منذ بداية تأسيس الرابطة مخاوف لدى العديد من العائلات، "هناك خوف أمني، الأعضاء يخشون من ملاحقة النظام لعائلاتهم في سوريا، عدد منهم لديهم أقارب في الوطن، ولهذا قرروا الانضمام لنا بشكل سري، ودون الإفصاح عن هويتهم".
من بين هؤلاء ناشطة بارزة في مكتب السكرتارية والتنسيق والمناصرة في الرابطة، تدعى أمل، فضلت الحفاظ على سرية هويتها، موصية مهاجر نيوز بالتعامل مع معلوماتها بحذر، تذكر لنا عبر اتصال هاتفي معها، أن زوجها وأخيها وأخ زوجها من بين الضحايا، "كانت الصور مؤلمة جدا، اقتلعوا عيني زوجي".
انضمت أمل للرابطة منذ بداية التأسيس، "تواصلت معي رئيسة الرابطة مريم الحلاق، ووافقت فورا"، مضيفة أنها تتمنى أن يسمع صوتها في "أنحاء العالم وجميع وسائل التواصل الاجتماعي"، ولكن بسبب تواجد عائلتها في سوريا فإن يديها مقيدتين بهذا الشأن، "عدم الظهور العلني لا يسمح للرسالة بالوصول إلى الجمهور بشكل كامل، ولكن الرابطة موجودة لهذا الهدف".
توثيق الشهادات ... إعادة فتح الجرح
تعتبر أمل الرابطة عائلتها ومصدر ثقتها، "لقد خففوا عني الكثير، شعرت في السابق كما لو أن حقي مهضوم"، ولكن مع الرابطة فإن صوتها مسموعا، كما تقول.
ولكن تسجيل شهادات عائلات الضحايا ليس بالأمر الهين، تذكر ياسمين أن هناك مكتب توثيق خاص خارج الرابطة يتولى هذه المهمة، "لا يمكن لأعضاء الرابطة توثيق الأحداث، لأن الأمر يتضمن إعادة إحياء الألم مرة أخرى، كيف لضحية أن توثق ألم ضحية أخرى؟ هذا عبء نفسي كبير".
مضيفة أن جهة التوثيق تعتمد على مختصين قادرين على التعامل مع الصدمات النفسية، والانهيار العصبي الذي قد يتعرض له الفرد، "أن تنظر إلى صور أحبائك المعذبين ليس بالأمر الهين، ولهذا كانت هناك ضرورة لاستخدام شخص قادر على الإسعاف النفسي".
"عمل مكثف ولكن ضيق وقت"
تعكف الرابطة على إجراء العديد من التدريبات للأعضاء من أجل تأهيلهم، بالتعاون مع مؤسسات سورية، "حصلت على تدريبات حول كيفية اكتساب المناصرة، وذلك لأتمكن من فهم آلية توصيل أفكار الرابطة من خلال الفعاليات، كما تذكر أمل.
فيما اجتمع الأعضاء مع صناع القرار من بينهم مستشار الرئيس الفرنسي لشؤون العدل في باريس، وذلك لتفعيل مبدأ الولاية القضائية في فرنسا، كما تذكر ياسمين، مشيرة إلى أن لقاءات أخرى جمعتهم مع اللجنة الدولية لشؤون المفقودين، وكذلك زيارة لمحكمة الجنايات، "هذه الزيارات تأتي كمحاولة للضغط على الرأي العام باعتبارنا أهالي الضحايا".
ولكن عمل الرابطة كما تشيران أمل وياسمين، ليس بالهين، إذ رغم تسجيلها قانونيا، إلا أن مركز العمل في ألمانيا لايزال يفرض عليهم الالتزام بالإجراءات المتعلقة بدمج اللاجئين، والذي تعتبره ياسمين سببا لاستهلاك جهدها، "التفرغ للرابطة مهم، هذا ليس بالعمل السهل، واضطرارنا للتعامل مع الآليات البيروقراطية حاليا يجعل من تركيزنا مشتتا"، ومع هذا فهي تخشى أن يكون التركيز على الرابطة فقط سببا لعدم إمكانية الحصول على وظيفة في ألمانيا مستقبلا.
وجدير بالذكر أن ضابطين سابقين من أجهزة المخابرات السورية، مثلا أمام القضاء الألماني، في نهاية شهر أبريل/نيسان الماضي. وهي أول محاكمة في جرائم حرب ارتكبها ضباط سوريون أمام القضاء الألماني. المتهمان انشقا عن النظام السوري وطلبا اللجوء في ألمانيا.
رغم موجة التفاؤل التي أطلقتها انتفاضات الربيع العربي، فإن دولا عربية عديدة خصوصا التي تشهد عملية انتقال صعب، تشهد استمرار أعمال تعذيب ممنهج، حسب تقرير لآمنستي تحت عنوان "30 عاما من الوعود المنقوصة"، حذر من تعذيب رهيب.
صورة من: JAMES LAWLER DUGGAN/AFP/GettyImages
بعد القذافي، ليبيا لم تتخلص من تركة التعذيب
تلقت الأمم المتحدة شكاوى أهالي سجناء في ليبيا تفيد بانتهاكات حقوقية داخل السجن حيال بعض الموقوفين من قادة النظام السابق، منهم الساعدي نجل العقيد الراحل معمر القذافي. كما أعلن حقوقيون العثور على جثث قرب مدينة بنغازي، لأشخاص تمت تصفيتهم بالرصاص وتبدو عليها آثار تعذيب. وتتبادل جماعات إسلامية متشددة مسلحة وقوات الأمن الاتهامات بشأن اختطافات وعمليات التعذيب.
صورة من: AP
"التعذيب في 30 عاما من الوعود المنقوضة"
بعد ثلاثين عاما على توقيع اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب نددت آمنستي بانتشار التعذيب "على المستوى العالمي"، مشيرة إلى أنه بات يمارس بشكل "طبيعي" إثر الحرب على الإرهاب. وقال تقرير العفو الدولية الذي جاء تحت عنوان "التعذيب في 30 عاما من الوعود المنقوضة" إنه بعد "ثلاثة عقود من الاتفاقية وأكثر من 65 عاما بعد الاعلان العالمي لحقوق الانسان فإن التعذيب ليس فقط مستمرا بل إنه يتزايد."
صورة من: JAMES LAWLER DUGGAN/AFP/GettyImages
وصمة عار تعذيب النساء في سوريا
وثق نشطاء وجماعات دولية لحقوق الإنسان انتهاكات ممنهجة داخل مراكز الاعتقال السورية تتضمن إذلال المحتجزات اللاتي يجبرن على خلع ملابسهن والجلوس بالملابس الداخلية فقط خلال جلسات الاستجواب، وأحيانا يتعرضن لعنف جسدي وجنسي. وذكرت منظمة هيومن رايتس ووتش الأمريكية غير الحكومية، أنها التقت العام الماضي بعشر سوريات سبق اعتقالهن وأن ثمانية منهن قلن إنهن تعرضن لانتهاكات أو تعذيب أثناء الاحتجاز.
صورة من: DW/R. Asad
جلد الأطفال والنساء في معتقلات"داعش"
تتهم منظمة العفو الدولية، جماعة "داعش" بعمليات خطف وتعذيب وقتل معتقلين في سجون سرية أقامتها على أراضٍ تسيطر عليها في سوريا. وحسب آمنستي، فإن من بين السجناء لدى "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش) أطفالا بالكاد يصل عمر بعضهم الى 8 سنوات وقاصرين تعرضوا للجلد والسجن مع بالغين في ظروف "قاسية وغير إنسانية". في الصورة لقطة من مسرحية "الكرسي" الألمانية الرمزيية عن التعذيب، وقد عرضت في بيروت.
صورة من: DW/R. Najmi
التعذيب متواصل في مصر
تقرير الخارجية الأميركية لحقوق الانسان منظمات حقوقية تنتقد مصر بشدة "بعد الإطاحة بحكومة مدنية منتخبة والاستخدام المفرط للقوة من جانب قوات الأمن بما يشمل القتل والتعذيب". الشرطة اعتقلت نحو 16 ألف شخص ضمنهم أطفال. وفي يوم 25 يناير/ كانون الثاني قتل فيه 49 شخصا أغلبهم من الإسلاميين خلال مسيرات مناهضة للحكومة. واستمر التعذيب في مراكز الشرطة في بعض من أسوأ السجون ومراكز الاعتقال المصرية سمعة.
صورة من: DW/K. El Kaoutit
جلادو خالد سعيد لم يتوقفوا عن ممارسة مهنتهم
رغم صدور حكم قضائي بالسجن لمدة عشر سنوات على شرطيين في قضية تعذيب الناشط خالد سعيد حتى موته عام 2010، والذي أثار مقتلة احتجاجات قادت إلى الإطاحة بالرئيس الأسبق حسني مبارك في 2011. فإن نشطاء ليبراليين ما يزالون يعتقلون ويعذبون في مصر، منهم قادة لحركة 6 أبريل أيقونة ثورة 25 يناير 2011.
صورة من: picture-alliance/dpa
نزاع الصحراء الغربية يتسبب في ضحايا
يتسبب نزاع الصحراء في ضحايا. ويأتي"المغرب والصحراء الغربية ضمن حملة خاصة أطلقتها آمنستي على خمس دول في العالم، فيها ممارسات التعذيب منتشرة بصورة خاصة". كما أقر مجلس الأمن في أبريل/ نيسان 2014 قرارا ينص على أن المجلس "يؤكد أهمية تحسين وضع حقوق الإنسان في الصحراء الغربية ومخيمات تندوف ويشجع الأطراف على العمل مع المجتمع الدولي لتطوير وتنفيذ إجراءات مستقلة وجادة لضمان الاحترام الكامل لحقوق الإنسان".
صورة من: Karlos Zurutuza
اتهامات بالتعذيب تتسبب في أزمة ديبلوماسية
تسببت شكاوى منظمات غير حكومية في فرنسا ضد مسؤولين مغاربة تتهمهم بالتورط في أعمال تعذيب بالمغرب، في أزمة ديبلوماسية بين الحليفتين الرباط وباريس، وذلك إثر حضور الشرطة الى مقر السفير المغربي في باريس لابلاغ عبد اللطيف حموشي مدير مراقبة التراب الوطني المغربي (جهاز المخابرات الداخلية) باستدعاء من قاضي تحقيق لاتهامه بالتواطؤ في أعمال تعذيب. ورفض المغرب ذلك ورفعت وزارة العدل المغربية دعوى مضادة في باريس.
صورة من: Mohamed Ahaddad
تعذيب من أجل حماية "المملكة"
شهدت المملكة العربية السعودية العام المنصرم سلسلة اعتقالات وإجراءات قانونية جديدة "وقع تحت طائلتها إسلاميون سنة ومسلمون شيعة وإصلاحيون ليبراليون وملحدون ودعاة حقوق إنسان" فيما وصفه أحد النشطاء بأنه "حالة طوارئ غير معلنة". ففي مواجهة مطالب الحريات التي فجرها الربيع العربي، اتخذت المملكة خطا أكثر صرامة في مواجهة أشكال كثيرة من المعارضة. وتقول المملكة إنه لا يوجد لديها معتقلون سياسيون ولا تعذيب.
صورة من: Getty Images
في تونس، الدولة تعتذر لضحايا التعذيب
رغم اللوحة القاتمة لأوضاع حقوق الإنسان في دول الربيع العربي، قدم الرئيس التونسي منصف المرزوقي اعتذارا باسم الدولة إلى ضحايا التعذيب الذين مورس ضدهم طيلة نصف القرن الماضي، داعيا إلى معركة دائمة ضد التعذيب في ظل الديمقراطية الناشئة. وفي مقابلة مع DW طالبت محرزية العابدي إحدى ضحايا التعذيب في عهد حكم الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي وهي ناشطة إسلامية، بمحاسبة "الجلادين" المسؤولين عن التعذيب.