عائلة سورية عالقة في إيدوميني: هل سمع العالم بمأساتنا؟
١٩ أبريل ٢٠١٦ "لا أرغب في رؤية فلذات كبدي تموت أمام عيني اختناقاً من قنابل الغاز أو بسم الثعابين وأنا عاجز على إنقاذهم"، يقول يوسف شيخ وهو يحضن رضيعه باران الذي لم يتجاوز يومه الخامس والعشرين من العمر. ولد الرضيع في ليلة رعدية ماطرة منتصف شهر آذار/ مارس الماضي، لذلك أطلق عليه يوسف اسم باران، ويعني ذلك بالكردية "المطر". "تلك الليلة لن تمحى من ذاكرتي أبداً.. انتابني خوف كبير أن تجرف الأمطار والرياح خيمتنا فأفقده هو والدته"، يضيف يوسف في حديثه لـDW عربية بنظرة يائسة ومرهقة.
لازال الخوف يسكن يوسف حتى اليوم، لكنه خوف من مستقبل غامض ومصير معلق، إذ ينتظر اللاجئ السوري الكردي في خيمته البلاستيكية منذ أكثر من شهرين أن تُفتح الحدود، لكن دون جدوى. كما ينتابه الخوف من أن يفقد طفليه موتاً بلدغة أحد الثعابين المنتشرة في المكان بسبب ارتفاع درجات الحرارة. بيد أنه ليس اللاجئ الوحيد الذي ينتظر في إيدوميني.
مأساة إنسانية متفاقمة
أكثر من عشرة آلاف لاجئ أغلبهم من سوريا والبقية قدموا من العراق وأفغانستان وباكستان ينتظرون أن تفتح مقدونيا حدودها ليواصلوا رحلة العبور. حرارة الطقس في النهار تتجاوز 35 درجة وفي الليل الدامس تنخفض إلى ما دون عشر درجات. لذلك يعتبر الحطب للاجئين مصدراً مهماً للإضاءة والتدفئة.
يقع مخيم إيدوميني في وسط سهل مفتوح ونائي تحيطه جبال شاهقة ويفصله عن مقدونيا سياج حديدي يحرسه عشرات الجنود المقدونيين بأسلحة ثقيلة.
ومن يرغب في سلك طريق آخر عليه بالمخاطرة عبر التوغل في الأدغال المقدونية، لكن نسبة عبورها على قيد الحياة ضئيلة للغاية. يخيم على المكان الهادئ حالة من اليأس بسبب النقص الكبير في المياه العذبة والمواد الغذائية والطبية. لكن ذلك لا يمنع اللاجئين من الاحتفال والغناء سوية وإعداد الشاي وتجاذب أطراف الحديث.
وتساعدهم على تحمل هذا الوضع والتخفيف من حدته منظمات إنسانية كمنظمة أطباء بلا حدود والمفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، كما يمد المتطوعون يد المساعدة للتخفيف من معاناة اللاجئين، لكن طاقاتهم قاربت على النفاذ.
صبر الشاب السوري يوسف قارب هو الآخر على النفاذ، فقبل عامين نزح يوسف من مدينة عفرين السورية مع عائلته إلى البقاع في لبنان وهناك واصل الشاب السوري (27 عاماً) مهنته كخباز لدى أحد أرباب العمل اللبنانيين.
ثم انتقل بعدها إلى أزمير التركية ليتعرض إلى الاستغلال المادي كما يقول لـDW عربية، مضيفاً: "كنت أعمل 14 ساعة في اليوم وأتقاضى مبلغ 40 ليرة تركية، فيما كان يتقاضى زملائي الأتراك ضعف ذلك وعندما اشتكيت أمري إلى صاحب المخبز، طردني من العمل". هذا الأمر دفع يوسف إلى المجازفة وركوب البحر مع صهره وعائلته إلى اليونان.
بعد آلاف الكيلومترات من المشي وصل أخيراً إلى إيدوميني، لكن متأخراً. إذ كانت مقدونيا قد أغلقت حدودها قبل ثلاثة أيام من وصوله هناك. "ربما هو حظي البائس أو أن القدر شاء أن توصد الأبواب في وجوهنا"، تقول سافان زوجة يوسف. تتحسر سافان لإضاعتها الوقت في أثينا، إذ بقيت هناك مع زوجها وبعض الأقارب في أحد المخيمات لمدة أسبوع وبعدها شدوا الرحال إلى إيدوميني.
تفاؤل مشوب باليأس
وبعد مرور أسابيع، مازالت سافان تحلم يوماً ما بمواصلة الرحلة إلى ألمانيا رغم الظروف الإنسانية البائسة، وما يجعلها متفائلة هو إيمانها بحصول معجزة ما في أي لحظة. تفسر ذلك بالقول: "ربما تتدخل المستشارة الألمانية ميركل للضغط على المقدونيين ليفتحوا لنا الحدود". وتضيف سافان بالقول: "نجونا من الحرب وعبرنا البحر وقطعنا الحدود. نقف في منتصف الطريق ولا أريد أن نعود أدراجنا إلى أثينا لأن كل جهودنا ستذهب هباء".
تخشى سافان العودة إلى أثينا لأسباب عديدة، فهناك احتمال - في رأيها- أن يحصلوا على حق اللجوء في اليونان وهي لا ترغب في ذلك لأن الحكومة اليونانية لا تقدم امتيازات مادية تمكن اللاجئ من بدء حياة جديدة.
وهناك احتمال آخر يثير مخاوف سافان وهو ترحيلها هي وعائلتها من أثينا إلى تركيا بمقتضى الاتفاق الأوروبي التركي الذي يسمح بترحيل لاجئ سوري إلى تركيا مقابل عبور لاجئ آخر بصفة شرعية إلى دول الإتحاد الأوروبي.
في المقابل، يصر زوجها يوسف على مغادرة المخيم والتوجه إلى العاصمة أثينا. "وصلت اليونان حاملاً معي مبلغ 500 يورو لتمويل رحلة الوصول إلى ألمانيا، والآن أفلست بعد أن صرفت كامل المبلغ هنا في هذا المخيم. لا أريد أن اقترض المال، لأني اقترضت الكثير للوصول إلى هنا".
منذ شهرين يضطر يوسف كل يوم للانتظار في طابور طويل لساعات للظفر بوجبة غداء لطفليه يتكون من برتقالة ورغيف خبز وصحن من حساء الخضروات. لكن ذلك لا يكفي ليبقى الرضيع باران على قيد الحياة.
يتسائل يوسف في ختام حديثه لـDW عربية متعجباً: "هل سبق للعالم في الخارج أن سمع فعلاً بمأساتنا أم أن صمماً أصابه؟!".
يأس الشاب السوري من إيجاد الدول الأوروبية لحل لأزمتهم زاده انتشار الأخبار بشأن استمرار غلق الحدود لأشهر أو إجلاء قوات الأمن اليونانية للمخيم بالقوة. هذه هي الدوافع التي ترغمه على الرحيل. إذ يقول: "في أثينا يمكن العيش بكرامة.. هناك غرف مزودة بالماء الدافئ ومطبخ وأسرة مريحة، يمكن النوم عليها باطمئنان".