عام على توسعة قناة السويس.. هل اشترى المصريون الوهم؟
ع.ر (د ب أ)٥ أغسطس ٢٠١٦
حلت الذكرى الأولى لافتتاح قناة السويس بعد توسعتها. كان المصريون ينتظرون أن يتضاعف دخل القناة فتساعد بلدهم في تجاوز أزمة اقتصادية طاحنة، لكن ما حدث كان العكس. فماهي الأسباب، ولماذا يقول الرئيس السيسي إن دخل القناة ارتفع؟
إعلان
قبل عام خرج الآلاف من المصريين إلى الشوارع في القاهرة في مواكب حاملين الأعلام المصرية، ويرددون شعار "تحيا مصر"، مخترقين شوارع العاصمة أو مشيا على ضفاف نهر النيل أو ميدان التحرير الشهير. ففي السادس من أغسطس / آب من العام الماضي افتتحت الحكومة المصرية مشروع توسعة قناة السويس، الذي أطلقت عليه اسم "قناة السويس الجديدة".
تكلفة هذا المشروع التي وصلت إلى حوالي سبعة مليار يورو، ساهم فيها المصريون من خلال اقتناء شهادات استثمار، على أساس الاستفادة مستقبلا من الأرباح. ويقول أحدهم بعد افتتاح المشروع: "الآن سنجني أرباحاً مالية كثيرة". فالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي كان قد وعد بتزايد إيرادات القناة بمقدار الضعف على المدى المتوسط فالقناة تعد من بين أهم طرق الملاحة في العالم. لكن بعد مرور عام يبدو أن الأرقام والتوقعات لا تسير في الاتجاه المرغوب فيه!
تراجع كبير لعائدات القناة !
في عام 2015 تراجعت أرباح مصر من رسوم عبور القناة بنحو 290 مليون دولار ( نحو 260 مليون يورو) عما كان عليه الحال عام 2014، رغم الارتفاع النسبي لعدد السفن التي عبرت القناة. وحسب آخر الأرقام المنشورة على الموقع الإلكتروني لهيئة قناة السويس فإن حمولة السفن تراجعت في شهر مارس/ آذار تراجعاً كبيراً مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي.
رغم ذلك فالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي له قراءة أخرى. "سمعت أن الناس يقولون بأن عائدات قناة السويس تراجعت. بالطبع لم تتراجع... بل ارتفعت"، حسب ما قال السيسي في كلمة له أوائل شهر مايو/ أيار الماضي.
لكن على أي أسس يستند السيسي في تصريحاته؟ من الواضح أن السيسي لا يحسب الدخل بالعملة الأجنبية وإنما بالجنيه المصري. فالجنيه المصري خسر خلال العام الماضي أكثر من 13 في المئة من قيمته مقابل الدولار. كما أن رسوم عبور القناة لا يتم تحصيلها بالجنية المصري وإنما بالعملة الأجنبية. وتبقى خلاصة القول أن الحديث عن الزيادة في إيرادات قناة السويس بعيد عن الحقيقة.
الاقتصاد المصري في مرحلة حرجة
ومن سوء حظ مصر أنها الآن في حاجة ماسة للعملة الصعبة وبحاجة أيضا إلى تحقيق أرباح كبيرة من قناة السويس. فالبلاد تمر بأزمة اقتصادية عميقة، كما تراجع عدد السائحين بعد الهجمات التي شهدتها بعض المدن، إضافة إلى تفجير طائرة روسية أواخر أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي. ومن أجل تحريك عجلة الاقتصاد تراهن الحكومة المصرية على مشاريع كبيرة لامتصاص الأزمة وطمأنة المواطنين.
وقال الخبير الألماني في شؤون الملاحة البحرية أولريش مالشوف، من جامعة بريمن الألمانية، إن تراجع إيرادات قناة السويس يعود إلى التنافس مع قناة بنما، التي شهدت أيضا توسعة مؤخرا، موضحا أن الكثير من شركات النقل البحري صارت تفضل عبور قناة بنما الآن للانتقال من آسيا إلى الساحل الشرقي للولايات المتحدة. وأضاف مالشوف أن انخفاض أسعار النفط أيضا جعل طريق رأس الرجاء الصالح ـ رغم طوله ـ أكثر جذبا لشركات النقل البحري، وذلك في مقابل الرسوم المرتفعة لعبور قناة السويس رغم قصر المسافة.
مصر تدشن قناة السويس الجديدة وسط مراسم احتفالية
دشن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الخميس "قناة السويس الجديدة" التي تعقد عليها الآمال لإنعاش الاقتصاد المصري، بعرض جوي وبحري وبمشاركة دولية واسعة.
صورة من: picture-alliance/dpa/Str
احتفالاً بافتتاح القناة الجديدة علق كثير من المصريين أعلام بلدهم على سياراتهم وشرفات منازلهم، وسط تركيز إعلامي كبير على الإنجاز الذي صنعه المصريون خلال عام واحد.
صورة من: Reuters/M. Abd El Ghany
دشن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الخميس "قناة السويس الجديدة" التي تعقد عليها الآمال لإنعاش الاقتصاد المصري بعرض جوي وبحري، وبمشاركة دولية واسعة.
صورة من: Reuters/The Egyptian Presidency
من جانبه أشاد نائب المستشارة ووزير الاقتصاد الألماني زيغمار غابرييل، المشارك في حفل الافتتاح، بجهود مصر في إنجاز المشروع العملاق، قائلاً: "إن توسيع قناة السويس يعد إنجازاً هندسياً رائعاً تم النجاح في إتمامه في وقت قياسي بفضل مشاركة شركات ألمانية وخبرتها".
صورة من: Getty Images/S. Gallup
وكانت أولى تجارب تشغيل قناة السويس الجديدة قد كللت بالنجاح. وانطلقت التجارب يوم السبت الماضي وشاركت فيها قافلتان من السفن العملاقة. وتعد القناة الجديدة جزءا من مشروع بمليارات الدولارات يهدف إلى تحفيز التجارة بين أوروبا وآسيا.
صورة من: picture-alliance/dpa/K. Elfiqi
يبلغ طول قناة السويس الجديدة 72 كلم، وهي عبارة عن فرع للقناة الأصلية التي يعود تاريخ بنائها إلى 145 عاما. ويمر الفرع الجديد بالموازاة مع قناة السويس التي يبلغ طولها 190 كلم وتشكل محورا هاما للتجارة العالمية، حيث عبرتها نحو 17100 سفينة خلال عام 2014، وفق الأرقام الرسمية للهيئة المديرة للقناة.
صورة من: picture-alliance/dpa/K. Elfiqi
الهدف من تشغيل المجرى الجديد هو مضاعفة القدرة الاستيعابية لحركة الملاحة في القناة وتتوقع هيئة قناة السويس أن يكون بوسع حوالي 97 سفينة عبور القناة يومياً بحلول 2023 مقابل 49 سفينة حالياً.
صورة من: Reuters/M. Abd El Ghany
ويزيد افتتاح القناة الجديدة إيرادات القناة السنوية من 5.3 مليارات دولار (حوالي 4.7 مليار يورو) متوقعة لعام 2015 إلى 13.2 مليار دولار ( 11.7 مليار يورو) عام 2023.
صورة من: Getty Images/AFP
مثل القناة الأولى تربط قناة السويس الجديدة بين البحر الأحمر والبحرالمتوسط، حيث يمكن الإبحار في كلا الاتجاهين، أي من الجنوب عبر البحر الأحمر إلى البحر المتوسط وفي الاتجاه المعاكس من الشمال أيضا. ومن المنتظر أن تساهم القناة في تخفيض فترة انتظار عبور السفن من 18 إلى 11 ساعة.
صورة من: picture-alliance/dpa/K. Elfiqi
بلغت تكلفة أعمال بناء قناة السويس الجديدة التي انطلقت في الخامس من آب/ أغسطس 2014 نحو أربعة مليارات دولار، وفق تقديرات للحكومة المصرية.
صورة من: picture-alliance/dpa/K. Elfiqi
شاركت في تجارب تشغيل قناة السويس الجديدة ست سفن حاويات عبرت القناة في قافلتين: القافلة الأولى قدمت من السويس وضمت سفنا حملت أعلام سنغافورة ولوكسمبورغ والبحرين. أما الثانية فجاءت من بورسعيد، الواقعة شمالا على البحر المتوسط، وقد ضمت سفنا تحمل أعلام ليبيريا وهونكونغ وسنغافورة أيضا.
صورة من: picture-alliance/dpa/A. Shaker
تمت عملية التشغيل التجريبي لقناة السويس الجديدة في ظل تأمين جوي وبحري مكثف من خلال استخدام طائرات الهليكوبتر والمنشآت البحرية التابعة للجيش المصري.
صورة من: picture-alliance/dpa/K. Elfiqi
مشروع تطوير قناة السويس هو أحد المشاريع الكبيرة للرئيس عبد الفتاح السيسي الذي أصر على ألا تتجاوز عملية البناء مدة عام. وبالفعل تم الافتتاح الرسمي كما خُطط له من قبل. ويأمل السيسي في أن يعوض هذا المشروع العجز الذي تسبب فيه تراجع قطاع السياحة والاستثمارات الأجنبية منذ ثورة يناير/ كانون الثاني 2011.
صورة من: picture-alliance/dpa/Office Of The Egyptian President
تم البدء في حفر قناة السويس الأولى عام 1859 ودامت مدة بنائها عشرة أعوام. وتعد القناة مصدرا حيويا للعملية الصعبة في مصر. وقد كانت القناة في ملك شركة فرنسية-بريطانية قبل أن يعلن الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر عام 1956 تأميمها. وقد تتسبب ذلك في اندلاع حرب عرفت بـ"العدوان الثلاثي" على مصر.
صورة من: picture-alliance/dpa/K. Elfiqi
إلى جانب القناة الجديدة تخطط الحكومة المصرية لبناء مركز صناعي ولوجيستي وتجاري بالقرب منها، حيث من المقرر بناء عدة موانئ تعمل على تقديم خدمات للأساطيل التجارية التي تعبر القناة.
صورة من: picture-alliance/dpa/K. Elfiqi
كما تخطط الحكومة المصرية لإقامة قناة جانبية بميناء شرق بورسعيد على البحر المتوسط والبدء في تنفيذه بعد افتتاح قناة السويس الجديدة بهدف مساعدة السفن على الدخول مباشرة إلى الميناء. ومن المقرر أن يبلغ طول هذه القناة الجانبية 9.5 كيلومترا عمقها 18.5 مترا، وعرضها التحتي 250 مترا.
صورة من: picture-alliance/dpa/K. Elfiqi
ارتياح وفرح لدى المهندسين والعمال الذين شاركوا في عملية حفر وبناء قناة السويس الجديدة بعد نجاح تجارب التشغيل الأولى، وفقا للمسؤولين المصريين.
صورة من: picture-alliance/dpa/Str
16 صورة1 | 16
وعلى الرغم من أن مصر تتيح لأصحاب السفن فرصة اختصار الطريق، إلا أنها تقدم هذه الخدمة برسوم باهظة. وصحيح أن القناة لا يمكن تقييمها بعد سنة واحدة فقط، إلا أن التقرير المرحلي لبعض الخبراء يشكك في أن القناة ستحقق نجاحاً كبيراً في السنوات المقبلة.
لكن الضجة والاحتفاليات ستتواصل بحلول ذكرى مرور عام على افتتاح المشروع. وكما كان الأمر في العام الماضي فصاحب الكلمة أثناء الاحتفالات سيكون بالطبع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.